الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٣٦ -
إِحْدَاهُمَا: أَنَّهُ يُحْدِثُ فِيهِ كِبْرًا وَإِعْجَابًا وَهُمَا مُهْلِكَانِ، قَال الْحَسَنُ: كَانَ عُمَرُ ﵁ جَالِسًا وَمَعَهُ الدِّرَّةُ وَالنَّاسُ حَوْلَهُ، إِذْ أَقْبَل الْجَارُودُ بْنُ الْمُنْذِرِ فَقَال رَجُلٌ: هَذَا سَيِّدُ رَبِيعَةَ، فَسَمِعَهَا عُمَرُ ﵁ وَمَنْ حَوْلَهُ وَسَمِعَهَا الْجَارُودُ، فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ خَفَقَهُ بِالدِّرَّةِ فَقَال: مَالِي وَلَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَال: مَالِي وَلَكَ أَمَا لَقَدْ سَمِعْتُهَا؟ قَال: سَمِعْتُهَا فَمَهْ قَال: خَشِيتُ أَنْ يُخَالِطَ قَلْبَكَ مِنْهَا شَيْءٌ فَأَحْبَبْتُ أَنْ أُطَاطِئَ مِنْكَ.
الثَّانِي: هُوَ أَنَّهُ إِذَا أَثْنَى عَلَيْهِ بِالْخَيْرِ فَرِحَ بِهِ وَفَتَرَ وَرَضِيَ عَنْ نَفْسِهِ، وَمِنْ أُعْجِبَ بِنَفْسِهِ قَل تَشَمُّرُهُ، وَإِنَّمَا يَتَشَمَّرُ لِلْعَمَل مَنْ يَرَى نَفْسَهُ مُقَصِّرًا، فَأَمَّا إِذَا انْطَلَقَتِ الأَْلْسُنُ بِالثَّنَاءِ عَلَيْهِ ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ أَدْرَكَ.
أَمَّا إِذَا سَلِمَ الْمَدْحُ مِنْ هَذِهِ الآْفَاتِ فِي حَقِّ الْمَادِحِ وَالْمَمْدُوحِ لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ، بَل رُبَّمَا كَانَ مَنْدُوبًا إِلَيْهِ (١) .
وَقَال الْخَادِمِي: مِنَ السِّتَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِآفَاتِ اللِّسَانِ - فِيمَا الأَْصْل فِيهِ الإِْذْنُ وَالإِْبَاحَةُ مِنْ جَانِبِ الشَّرْعِ - الْمَدْحُ، وَهُوَ جَائِزٌ تَارَةً وَمَنْهِيٌّ عَنْهُ تَارَةً عَلَى اخْتِلاَفِ الأَْحْوَال وَالأَْوْقَاتِ، فَإِنْ كَانَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَسَائِرِ الأَْنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَنَحْوِهِمَا مِمَّنْ يَجِبُ تَعْظِيمُهُ فَهُوَ مِنَ الْقُرْبِ وَأَعْلَى
_________
(١) إحياء علوم الدين ٣ / ٢٣٣ - ٢٣٥.