الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٣٥ -
قَال الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلاَ تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ وَهَذِهِ الآْيَةُ مِثْل قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ (١) أَيْ لاَ يَقْتُل بَعْضُكُمْ بَعْضًا لأَِنَّ الْمُؤْمِنِينَ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَكَأَنَّهُ بِقَتْل أَخِيهِ قَاتَل نَفْسَهُ.
وَالْمَعْنَى: لاَ يَعِبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا.
تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الْعَاقِل لاَ يَعِيبُ نَفْسَهُ فَلاَ يَنْبَغِي أَنْ يَعِيبَ غَيْرَهُ، لأَِنَّهُ كَنَفْسِهِ (٢) .
وَقَدْ أَوْرَدَ ابْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ اللَّمْزَ بِاعْتِبَارِهِ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ، ثُمَّ قَال: وَغَايَرَ بَيْنَ صِفَتَيْ: تَلْمِزُوا، وَتَنَابَزُوا - ﴿وَلاَ تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُوا﴾ (٣)، لأَِنَّ الْمَلْمُوزَ قَدْ لاَ يَقْدِرُ فِي الْحَال عَلَى عَيْبٍ يَلْمِزُ بِهِ لاَمِزُهُ فَيَحْتَاجُ إِلَى تَتَبُّعِ أَحْوَالِهِ حَتَّى يَظْفَرَ بِبَعْضِ عُيُوبِهِ بِخِلاَفِ النَّبْزِ فَإِنَّ مَنْ لُقِّبَ بِمَا يَكْرَهُ قَادِرٌ عَلَى تَلْقِيبِ الآْخَرِ بِنَظِيرِ ذَلِكَ حَالًا فَوَقَعَ التَّفَاعُل ثُمَّ قَال: وَمَعْنَى ﴿بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِْيمَانِ﴾ (٤) أَنَّ مَنْ فَعَل إِحْدَى الثَّلاَثَةِ اسْتَحَقَّ اسْمَ الْفِسْقِ وَهُوَ
_________
(١) سورة النساء / ٢٩.
(٢) تفسير القرطبي ١٦ / ٣٢٧، والزواجر عن اقتراف الكبائر ٢ / ٤ وما بعدها.
(٣) سورة الحجرات / ١١.
(٤) سورة الحجرات / ١١.