الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٣٤ -
مَكَّةَ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَشْتَرِكُ الْمُسْلِمُونَ فِيهِ، وَإِلاَّ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى فَقِيرٍ أَوْ فُقَرَاءَ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَوَلَّى ذَلِكَ الْقَاضِي إِنْ كَانَ عَفِيفًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَفِيفًا لَمْ يَجُزَ التَّسْلِيمُ إِلَيْهِ، فَإِنْ سَلَّمَهُ إِلَيْهِ صَارَ الْمُسْلِمُ ضَامِنًا، بَل يَنْبَغِي أَنْ يُحَكِّمَ رَجُلًا مِنْ أَهْل الْبَلَدِ دَيِّنًا عَالِمًا، فَإِنَّ التَّحَكُّمَ أَوْلَى مِنَ الاِنْفِرَادِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ تَوَلاَّهُ بِنَفْسِهِ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الصَّرْفُ إِلَى هَذِهِ الْجِهَةِ، وَإِذَا دَفَعَهُ إِلَى الْفَقِيرِ لاَ يَكُونُ حَرَامًا عَلَى الْفَقِيرِ، بَل يَكُونُ حَلاَلًا طَيِّبًا، وَلَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ إِذَا كَانَ فَقِيرًا، لأَِنَّ عِيَالَهُ إِذَا كَانُوا فُقَرَاءَ فَالْوَصْفُ مَوْجُودٌ فِيهِمْ، بَل هُمْ أَوْلَى مَنْ يَتَصَدَّقُ عَلَيْهِ، وَلَهُ هُوَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ قَدْرَ حَاجَتِهِ؛ لأَِنَّهُ أَيْضًا فَقِيرٌ.
قَال النَّوَوِيُّ بَعْدَ أَنْ نَقَل قَوْل الْغَزَالِيِّ الْمَذْكُورَ: وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي هَذَا الْفَرْعِ ذَكَرَهُ الآْخَرُونَ مِنَ الأَْصْحَابِ، وَهُوَ كَمَا قَالُوهُ، وَنَقَلَهُ الْغَزَالِيُّ أَيْضًا عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ ﵁ وَغَيْرِهِ مِنَ السَّلَفِ، وَعَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَالْحَارِثِ الْمُحَاسِبِيِّ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَهْل الْوَرَعِ؛ لأَِنَّهُ لاَ يَجُوزُ إِتْلاَفُ هَذَا الْمَال وَرَمْيُهُ فِي الْبَحْرِ، فَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ صَرْفُهُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ (١) .
وَمَنْ وَرِثَ مَالًا وَلَمْ يَعْلَمْ مِنْ أَيْنَ كَسَبَهُ
_________
(١) المجموع ٩ / ٣٥١، وانظر إحياء علوم الدين ٢ / ١٢٧ - ١٣٣.