الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٣٤ -
حَرَامٌ إِجْمَاعًا وَالرِّضَا بِالْقَضَاءِ وَاجِبٌ إِجْمَاعًا بِخِلاَفِ الْمَقْضِيِّ بِهِ، فَعَلَى هَذَا إِذَا ابْتُلِيَ الإِْنْسَانُ بِمَرَضٍ فَتَأَلَّمَ مِنَ الْمَرَضِ بِمُقْتَضَى طَبْعِهِ فَهَذَا لَيْسَ عَدَمَ رِضَا بِالْقَضَاءِ بَل عَدَمَ رِضَا بِالْمَقْضِيِّ وَنَحْنُ لَمْ نُؤْمَرْ بِأَنْ تَطِيبَ لَنَا الْبَلاَيَا وَالرَّزَايَا وَمُؤْلِمَاتُ الْحَوَادِثِ، وَلَمْ تَرِدَ الشَّرِيعَةُ بِتَكْلِيفِ أَحَدٍ بِمَا لَيْسَ فِي طَبْعِهِ، وَلَمْ يُؤْمَرَ الأَْرْمَدُ بِاسْتِطَابَةِ الرَّمَدِ الْمُؤْلِمِ وَلاَ غَيْرِهِ مِنَ الْمَرَضِ، بَل ذَمَّ اللَّهُ قَوْمًا لاَ يَتَأَلَّمُونَ وَلاَ يَجِدُونَ لِلْبَأْسَاءِ وَقْعًا فَذَمَّهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ﴾ (١)، فَمَنْ لَمْ يَسْتَكِنْ وَلَمْ يَذِل لِلْمُؤْلِمَاتِ وَيُظْهِرُ الْجَزَعَ مِنْهَا وَيَسْأَل رَبَّهُ إِقَالَةَ الْعَثْرَةِ مِنْهَا فَهُوَ جَبَّارٌ عَنِيدٌ بَعِيدٌ عَنْ طُرُقِ الْخَيْرِ، فَالْمَقْضِيُّ وَالْمَقْدُورُ أَثَرُ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ، فَالْوَاجِبُ هُوَ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ فَقَطْ، أَمَّا الْمَقْضِيُّ فَقَدْ يَكُونُ الرِّضَا بِهِ وَاجِبًا كَالإِْيمَانِ بِاللَّهِ تَعَالَى وَالْوَاجِبَاتُ إِذَا قَدَّرَهَا اللَّهُ تَعَالَى لِلإِْنْسَانِ، وَقَدْ يَكُونُ مَنْدُوبًا فِي الْمَنْدُوبَاتِ وَحَرَامًا فِي الْمُحَرَّمَاتِ، وَمُبَاحًا فِي الْمُبَاحَاتِ، وَأَمَّا الرِّضَا بِالْقَضَاءِ فَوَاجِبٌ عَلَى الإِْطْلاَقِ، وَقَدْ حَزِنَ رَسُول اللَّهِ ﷺ لِمَوْتِ وَلَدِهِ إِبْرَاهِيمَ (٢) وَرَمْيِ السَّيِّدَةِ عَائِشَة
_________
(١) سورة المؤمنون / ٧٦.
(٢) حديث: " حزن النبي ﷺ لموت ولده إبراهيم ". أخرجه البخاري (فتح الباري ٣ / ١٧٢ - ١٧٣) من حديث أنس بن مالك.