الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٣٤ - حرف الكاف - كذب - الاستغناء عن الكذب بالمعاريض
وَالآْثَارُ فِي هَذَا الْبَابِ كَثِيرَةٌ، وَفِي هَذَا الزَّجْرُ عَنِ التَّحَدُّثِ بِكُل مَا سَمِعَ الإِْنْسَانُ، فَإِنَّهُ يَسْمَعُ فِي الْعَادَةِ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ، فَإِذَا حَدَّثَ بِكُل مَا سَمِعَ فَقَدْ كَذَبَ لإِخْبَارِهِ بِمَا لَمْ يَكُنْ، وَمَذْهَبُ أَهْل الْحَقِّ أَنَّ الْكَذِبَ: الإِْخْبَارُ عَنِ الشَّيْءِ بِخِلاَفِ مَا هُوَ عَلَيْهِ، وَلاَ يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّعَمُّدُ، لَكِنَّ التَّعَمُّدَ شَرْطٌ فِي كَوْنِهِ إِثْمًا (١) .
الاِسْتِغْنَاءُ عَنِ الْكَذِبِ بِالْمَعَارِيضِ:
١٦ - نُقِل عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ: أَنَّ فِي الْمَعَارِيضِ مَنْدُوحَةً عَنِ الْكَذِبِ، قَال عُمَرُ ﵁: أَمَا فِي الْمَعَارِيضِ مَا يَكْفِي الرَّجُل عَنِ الْكَذِبِ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ وَغَيْرِهِ، وَإِنَّمَا أَرَادُوا بِذَلِكَ إِذَا اضْطُرَّ الإِْنْسَانُ إِلَى الْكَذِبِ، فَأَمَّا إِذَا لَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ وَضَرُورَةٌ فَلاَ يَجُوزُ التَّعْرِيضُ وَلاَ التَّصْرِيحُ جَمِيعًا، وَلَكِنَّ التَّعْرِيضَ أَهْوَنُ.
وَمِثَال التَّعْرِيضِ: مَا رُوِيَ أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ ﵁ كَانَ عَامِلًا لِعُمَرَ ﵁ فَلَمَّا رَجَعَ قَالَتِ امْرَأَتُهُ: مَا جِئْتَ بِهِ مِمَّا أَتَى بِهِ الْعُمَّال إِلَى أَهْلِهِمْ؟ وَمَا كَانَ قَدْ أَتَاهَا بِشَيْءٍ، فَقَال: كَانَ عِنْدِي ضَاغِطٌ، قَالَتْ: كُنْتَ أَمِينًا عِنْدَ رَسُول اللَّهِ ﷺ وَعِنْدَ أَبِي بَكْرٍ
_________
(١) شرح صحيح مسلم ١ / ٦٠.