الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٣٤
١ - أحكام تتعلق بكيفية قضاء الحاجة
تجنب استقبال بيت المقدس واستدباره
الذكر إذا كان مكان الخلاء هو مكان الوضوء
٢ - أحكام تتعلق بأماكن قضاء الحاجة
قضاء الحاجة في طريق مسلوك وظل نافع وما في حكمهما
اجتناب الدخول بما فيه ذكر الله تعالى
اجتناب حمل ما فيه اسم معظم غير اسم الله تعالى
أنواع العبادات من حيث تعلق القضاء بها
صفة قضاء الفوائت في السفر والحضر
الترتيب بين الفوائت وفرض الوقت
قضاء ما فات من القسم بين الزوجات
اشتراط القوة فيمن يتقلد إمارة أو يوكل إليه أمر قاصر
الإثبات بقيافة الأثر في المعاملات
الإثبات بقيافة الأثر في الجنايات
صلاة القاعد خلف القائم وبالعكس
الجمع بين القيام والجلوس في الركعة الواحدة في صلاة التطوع
بقاء الداخل إلى المسجد قائما أثناء الأذان
القيام في خطبة الجمعة والعيدين ونحوهما
القيام للقادم والوالد والحاكم والعالم وأشراف القوم
إقامة الحد جلدا أو رجما أثناء القيام أو القعود
أولا - في الأشياء القيمية إذا وجب ضمانها
وقت وجوب القيمة في البيع الفاسد
ثالثا - المبيع في البيع المفسوخ للاختلاف في الثمن
أولا - من العقود ما يجوز أن يكون المعقود عليه فيها من الأموال القيمية باتفاق
ثانيا - من العقود ما يختلف الفقهاء في كون الأموال القيمية محلا للعقد فيها
الكبيرة والإيمان من حيث الزوال والنقصان والبقاء
انخرام العدالة بارتكاب الكبائر
أثر الإصرار في تحول الصغيرة إلى كبيرة
أثر التوبة في انتفاء الفسق عن مرتكب الكبيرة، وأثرها في تكفير الكبائر
شفاعته ﷺ لأهل الكبائر وعدم خلودهم في النار
ثانيا الكتاب بمعنى الوثيقة والعهد
مس غير المتطهر كتب العلوم الشرعية
النظر في كتب أهل الكتاب وما يشبهها
إصلاح الخطأ في الكتاب المستعار
أولا وضع الكدك في المباني الوقفية المؤجرة
ثانيا وضع الكدك في الأملاك الخاصة
تغليط الكذب على الله تعالى وعلى رسوله ﷺ
الكرامة بمعنى التشريف والإعزاز
كرامة العلماء وكبار السن، وحملة القرآن وأهل الفضل
الكرامة بمعنى ظهور أمر خارق للعادة على يد غير نبي
حكم أكله وأثره في حضور الجماعة
المفاضلة بين الكسب وبين التفرغ للعبادة
التوفيق بين كسب الرزق وبين التوكل
المفاضلة بين أنواع المكاسب المختلفة
كسر آلات اللهو والصلبان وظروف الخمر
الكسر في سهام الورثة من التركة
ثالثا الكسوة الواجبة في كفارة اليمين
ثالثا - كشف العورة خارج الصلاة
قطع الخفين أسفل من الكعبين في الإحرام
قطع الرجل من الكعب في السرقة والحرابة
التزويج من غير كفء برضا بعض الأولياء
تخلف ما لم ينص عليه في خصال الكفاءة
تخلف الكفاءة فيمن رضي به الأولياء في نكاح سابق
تكلم الأم إن تخلفت كفاءة زوج ابنتها
١ - كون المكفول له معلوما للكفيل
٢ - اشتراط البلوغ والعقل في المكفول له
١ - كون المكفول عنه معلوما للكفيل
٣ - قدرة المكفول عنه على تنفيذ محل الالتزام
ثانيا علاقة الكفيل بالمكفول عنه
مطالبة المدين بتخليصه من الكفالة
تراجم فقهاء الجزء الرابع والثلاثين
أبو بكر بن عبد العزيز (؟ - ٢٧٥ هـ)
أبو حنيفة الدينوري (؟ - ٢٨٢ وقيل ٢٨١ هـ)
أبو رجاء العطاردي (؟ - ١٠٥ وقيل ١٠٧ هـ)
أبو سعيد بن المعلى (؟ - ٧٣ هـ)
أبو عبد الله البلالي (٧٥٠ - ٨٢٠ هـ)
أبو عبد الله الحليمي (٣٨٨ - ٤٠٣)
أبو الفرج السرخسي (٤٣٢ - ٤٩٤ - وقيل ٥٠٠ هـ)
أبو مالك سعد بن طارق الأشجعي (؟ - قال الصريفيني بقي إلى حدود الأربعين ومائة هـ)
إسماعيل بن عبد الغني (١٠١٧ - ١٠٦٢ هـ)
خفاف بن إيماء (؟ - قال البغوي مات في زمن عمر ﵁
عبد القادر التغلبي (١٠٥٧ - ١١٣٥هـ)
عبد القادر الفاسي (١٠٠٧ - ١٠٩١هـ)
محمد أبو السعود الحنفي (كان حيا ١١٥٥هـ)
قَضَاءُ الْحَاجَةِ
التَّعْرِيفُ:
١ - مِنْ مَعَانِي الْقَضَاءِ فِي اللُّغَةِ: الْفَرَاغُ، وَمِنْهُ قَوْل الْقَائِل: قَضَيْتُ حَاجَتِي.
وَالْقَضَاءُ أَيْضًا بِمَعْنَى الْحُكْمِ وَالْقَطْعِ وَالْفَصْل، يُقَال: قَضَى يَقْضِي قَضَاءً. إِذَا حَكَمَ وَفَصَل، وَقَضَاءُ الشَّيْءِ: إِحْكَامُهُ وَإِمْضَاؤُهُ.
قَال الزُّهْرِيُّ: الْقَضَاءُ فِي اللُّغَةِ عَلَى وُجُوهٍ: مَرْجِعُهَا إِلَى انْقِطَاعِ الشَّيْءِ وَتَمَامِهِ (١) .
وَالْحَاجَةُ: الْمَأْرَبَةُ (٢)، وَيُكَنَّى عَنْهَا فِي اسْتِعْمَال الْعَرَبِ بِالْبَوْل وَالْغَائِطِ، كَمَا يُكَنَّى عَنِ التَّبَوُّل وَالتَّغَوُّطِ بِقَضَاءِ الْحَاجَةِ، قَال الْغَزَالِيُّ: الْكِنَايَةُ بِقَضَاءِ الْحَاجَةِ عَنِ التَّبَوُّل وَالتَّغَوُّطِ أَوْلَى مِنَ التَّصْرِيحِ (٣) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الاِسْتِنْجَاءُ:
٢ - مِنْ مَعَانِي الاِسْتِنْجَاءِ: الْخَلاَصُ مِنَ
_________
(١) لسان العرب، والمصباح المنير، والقاموس المحيط مادة " قضى ".
(٢) مختار الصحاح، ولسان العرب مادة " حوج ".
(٣) حاشية كنون بهامش الرهوني ١ / ١٥٠.
الشَّيْءِ، يُقَال: اسْتَنْجَى حَاجَتَهُ مِنْهُ أَيْ خَلَّصَهَا، وَقَال ابْنُ قُتَيْبَةَ: مَأْخُوذٌ مِنَ النَّجْوَةِ وَهِيَ مَا ارْتَفَعَ مِنَ الأَْرْضِ، لأَِنَّهُ إِذَا أَرَادَ قَضَاءَ الْحَاجَةِ اسْتَتَرَ بِهَا (١) .
وَاصْطِلاَحًا: قَال الْقَلْيُوبِيُّ: إِزَالَةُ الْخَارِجِ مِنَ الْفَرْجِ عَنِ الْفَرْجِ بِمَاءٍ أَوْ حَجَرٍ (٢) .
وَالْعَلاَقَةُ بَيْنَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ وَالاِسْتِنْجَاءِ أَنَّ الثَّانِيَ يَعْقُبُ الأَْوَّل.
ب - الْخَلاَءُ:
٣ - الْخَلاَءُ فِي الأَْصْل الْمَكَانُ الْخَالِي.
وَفِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ هُوَ الْمَكَانُ الْمُعَدُّ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ (٣) .
وَالْعَلاَقَةُ أَنَّ قَضَاءَ الْحَاجَةِ يَكُونُ فِي الْخَلاَءِ.
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِقَضَاءِ الْحَاجَةِ:
١ - أَحْكَامٌ تَتَعَلَّقُ بِكَيْفِيَّةِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ:
أ - اسْتِقْبَال الْقِبْلَةِ وَاسْتِدْبَارُهَا:
٤ - ذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْل الْعِلْمِ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ اسْتِقْبَال الْقِبْلَةِ وَاسْتِدْبَارُهَا عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ (٤)، لِمَا رَوَى أَبُو أَيُّوبَ ﵁
_________
(١) لسان العرب.
(٢) حاشية العدوي على الخرشي ١ / ٤١، حاشية القليوبي ١ / ٤٢.
(٣) حاشية الجمل ١ / ٨٢ ط. المكتبة التجارية الكبرى، ونيل المآرب ١ / ٥١ ط. مكتبة الفلاح.
(٤) ابن عابدين ١ / ٢٨٨ ط. دار إحياء التراث العربي، وتقريرات الرافعي على حاشية ابن عابدين ١ / ٤٣ ط. دار إحياء التراث العربي، وحاشية الدسوقي ١ / ١٠٨ ط. دار الفكر، وبداية المجتهد ١ / ١٤٤، وحاشية الجمل ١ / ٨٣، ٨٤، ٨٥ ط. مطبعة مصطفى محمد، والمغني لابن قدامة ١ / ١٦٢ ط. مطبعة الرياض الحديثة، ونيل المآرب ١ / ٥٣.
قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: إِذَا أَتَيْتُمُ الْغَائِطَ فَلاَ تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ وَلاَ تَسْتَدْبِرُوهَا، وَلَكِنْ شَرِّقُوا، أَوْ غَرِّبُوا قَال أَبُو أَيُّوبَ: " فَقَدِمْنَا الشَّامَ فَوَجَدْنَا مَرَاحِيضَ بُنِيَتْ قِبَل الْقِبْلَةِ فَنَنْحَرِفُ، وَنَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى (١)، وَلِمَا وَرَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: عَنْ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: إِذَا جَلَسَ أَحَدُكُمْ عَلَى حَاجَتِهِ فَلاَ يَسْتَقْبِل الْقِبْلَةَ وَلاَ يَسْتَدْبِرْهَا (٢) .
وَتَتَحَقَّقُ حُرْمَةُ الاِسْتِقْبَال وَالاِسْتِدْبَارِ هَذِهِ بِشَرْطَيْنِ:
١ - أَنْ يَكُونَ فِي الصَّحْرَاءِ.
٢ - أَنْ يَكُونَ بِلاَ حَائِلٍ.
وَأَمَّا فِي الْبُنْيَانِ، أَوْ إِذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ شَيْءٌ يَسْتُرُهُ فَفِيهِ قَوْلاَنِ:
أَحَدُهُمَا: لاَ يَجُوزُ أَيْضًا، وَهُوَ قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ فِي الصَّحِيحِ وَالثَّوْرِيِّ، لِعُمُومِ الأَْحَادِيثِ فِي النَّهْيِ.
وَالثَّانِي: يَجُوزُ اسْتِقْبَال الْقِبْلَةِ وَاسْتِدْبَارُهَا فِي الْبُنْيَانِ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ الْعَبَّاسِ وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ، وَبِهِ قَال مَالِكٌ
_________
(١) (١) حديث أبي أيوب: " إذا أتيتم الغائط. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري ١ / ٤٩٨)، ومسلم (١ / ٢٢٤) .
(٢) (٢) حديث: " إذا جلس أحدكم على حاجته. . . ". أخرجه مسلم (١ / ٢٢٤) .
وَالشَّافِعِيُّ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا: أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ ذُكِرَ لَهُ أَنْ قَوْمًا يَكْرَهُونَ أَنْ يَسْتَقْبِلُوا بِفُرُوجِهِمُ الْقِبْلَةَ، فَقَال: أُرَاهُمْ قَدْ فَعَلُوهَا؟ اسْتَقْبِلُوا بِمَقْعَدَتِي الْقِبْلَةَ (١) . قَال أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: أَحْسَنُ مَا رَوَى الرُّخْصَةَ حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا، وَعَنْ مَرْوَانَ الأَْصْفَرِ قَال: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ ﵄ أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ مُسْتَقْبِل الْقِبْلَةِ، ثُمَّ جَلَسَ يَبُول إِلَيْهَا، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَلَيْسَ قَدْ نُهِيَ عَنْ هَذَا؟ قَال: بَلَى، إِنَّمَا نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ فِي الْفَضَاءِ فَإِذَا كَانَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ شَيْءٌ يَسْتُرُكَ فَلاَ بَأْسَ (٢)، وَهَذَا تَفْسِيرٌ لِنَهْيِ رَسُول اللَّهِ ﷺ وَفِيهِ جَمْعٌ بَيْنَ الأَْحَادِيثِ، فَيَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ (٣) .
_________
(١) (١) حديث عائشة أن رسول الله ﷺ: " ذكر له أن قومًا يكرهون أن يستقبلوا بفروجهم القبلة. . . ". أخرجه ابن ماجه (١ / ١١٧)، وذكره الذهبي في ميزان الاعتدال (١ / ٢٣٢) في ترجمة أحد رواته، وذكر أن فيه جهالة وقال: هذا حديث منكر.
(٢) (٢) أثر ابن عمر. أخرجه أبو داود (١ / ٢٠)، والحازمي في الاعتبار (ص ٤٠) وحسنه الحازمي.
(٣) الاختيار لتعليل المختار ١ / ٣٧. ط. دار الدعوة، وابن عابدين ١ / ٢٢٨. ط. دار إحياء التراث العربي، وتقريرات الرافعي على حاشية ابن عابدين ١ / ٤٣. ط. دار إحياء التراث العربي، وحاشية الدسوقي ١ / ١٠٨. ط. دار الفكر، وحاشية الجمل ١ / ٨٣، ٨٤، ٨٥. ط. مطبعة مصطفى محمد، والمغني لابن قدامة ١ / ١٦٢ ط. مطبعة الرياض الحديثة، ونيل المآرب ١ / ٣. ط. مكتبة الفلاح، وبداية المجتهد ١ / ٨٩.
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ اسْتِدْبَارُ الْكَعْبَةِ فِي الْبُنْيَانِ وَالْفَضَاءِ جَمِيعًا، لأَِنَّهُ غَيْرُ مُقَابِلٍ لِلْقِبْلَةِ، وَمَا يَنْحَطُّ مِنْهُ يَنْحَطُّ نَحْوَ الأَْرْضِ بِخِلاَفِ الْمُسْتَقْبِل، لأَِنَّ فَرْجَهُ مُوَازٍ لَهَا وَمَا يَنْحَطُّ مِنْهُ، يَنْحَطُّ إِلَيْهَا (١) .
وَبِهِ قَال أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ (٢) لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ ﵄ قَال: ارْتَقَيْتُ فَوْقَ ظَهْرِ بَيْتِ حَفْصَةَ لِبَعْضِ حَاجَتِي فَرَأَيْتُ رَسُول اللَّهِ ﷺ يَقْضِي حَاجَتَهُ، مُسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةِ مُسْتَقْبِل الشَّامِ (٣) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ فِي غَيْرِ الْمَكَانِ الْمُعَدِّ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ: لاَ تُسْتَقْبَل الْقِبْلَةُ بِبَوْلٍ وَلاَ تُسْتَدْبَرُ بِغَائِطٍ، لأَِنَّ الاِسْتِقْبَال جَعْل الشَّيْءِ قُبَالَةَ الْوَجْهِ وَالاِسْتِدْبَارَ جَعْل الشَّيْءِ جِهَةَ دُبُرِهِ، فَلَوِ اسْتَقْبَل وَتَغَوَّطَ أَوِ اسْتَدْبَرَ وَبَال لَمْ يَحْرُمْ، وَكَذَا لَوِ اسْتَقْبَل وَلَوَى ذَكَرَهُ يَمِينًا أَوْ يَسَارًا بِخِلاَفِ عَكْسِهِ (٤) .
فَإِنْ جَلَسَ مُسْتَقْبِلًا لَهَا غَافِلًا، ثُمَّ تَذَكَّرَ انْحَرَفَ نَدْبًا، لِحَدِيثِ: مَنْ جَلَسَ يَبُول
_________
(١) (٢) بداية المجتهد ونهاية المقتصد ١ / ١١٤ طبع دار الكتب الحديثة، والمغني لابن قدامة ١ / ١٦٣.
(٣) (٣) حديث ابن عمر: " ارتقيت فوق ظهر بيت حفصة. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري ١ / ٢٥٠)، ومسلم (١ / ٢٢٥) واللفظ للبخاري.
(٤) حاشية الجمل ١ / ٨٣.
قُبَالَةَ الْقِبْلَةِ فَذَكَرَ، فَتَحَرَّفَ عَنْهَا إِجْلاَلًا لَهَا، لَمْ يَقُمْ مِنْ مَجْلِسِهِ حَتَّى يُغْفَرَ لَهُ (١) هَذَا إِنْ أَمْكَنَهُ وَإِلاَّ فَلاَ بَأْسَ (٢) .
وَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ يُكْرَهُ تَحْرِيمًا لِلْمَرْأَةِ إِمْسَاكُ صَغِيرٍ لِبَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ نَحْوَ الْقِبْلَةِ، لأَِنَّهُ قَدْ وُجِدَ الْفِعْل مِنَ الْمَرْأَةِ (٣) .
ب - تَجَنُّبُ اسْتِقْبَال بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَاسْتِدْبَارِهِ:
٥ - فِي اسْتِقْبَال بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَاسْتِدْبَارِهِ حَال قَضَاءِ الْحَاجَةِ قَوْلاَنِ:
الأَْوَّل: أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَلَيْسَ بِحَرَامٍ، وَهَذَا قَوْل الشَّافِعِيَّةِ، وَظَاهِرُ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ، قَال النَّوَوِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ (٤) .
الثَّانِي: أَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ وَلاَ مَكْرُوهٍ، وَهُوَ قَوْل الْمَالِكِيَّةِ، وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ الأُْخْرَى عَنِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ وَهِيَ الْمَذْهَبُ.
قَال الْحَطَّابُ الْمَالِكِيُّ: لاَ يُكْرَهُ اسْتِقْبَال بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَلاَ اسْتِدْبَارُهُ حَال قَضَاءِ
_________
(١) ابن عابدين ١ / ٢٢٨.
(٣) نفس المرجع السابق.
(٤) المجموع ٢ / ٨٠، ومغني المحتاج ١ / ٤٠، ونيل الأوطار ١ / ٩٥، ٩٦.
الْحَاجَةِ، هَكَذَا قَال سَنَدٌ، لأَِنَّ بَيْتَ الْمَقْدِسِ لَيْسَ قِبْلَةً (١) .
ج - اسْتِقْبَال الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ:
٦ - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ اسْتِقْبَال الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ لأَِنَّهُمَا مِنْ آيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى الْبَاهِرَةِ، فَيُكْرَهُ اسْتِقْبَالُهُمَا تَعْظِيمًا لَهُمَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ اسْتِقْبَال عَيْنِهِمَا مُطْلَقًا لاَ جِهَتِهِمَا، وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ سَاتِرٌ يَمْنَعُ عَنِ الْعَيْنِ وَلَوْ سَحَابًا فَلاَ كَرَاهَةَ، لأَِنَّهُ لَوِ اسْتَتَرَ عَنِ الْقِبْلَةِ جَازَ، فَهَاهُنَا أَوْلَى (٢) .
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِقْبَالُهُمَا، وَالْمُرَادُ بِالْجَوَازِ خِلاَفُ الأَْوْلَى عِنْدَهُمْ (٣) .
وَأَمَّا اسْتِدْبَارُهُمَا فَيَجُوزُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ (٤) .
وَنَقَل ابْنُ عَابِدِينَ عَنْ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ يُكْرَهُ اسْتِدْبَارُهُمَا أَيْضًا.
وَهُوَ مَا نُقِل عَنِ الْمِفْتَاحِ: وَلاَ يَقْعُدُ مُسْتَقْبِلًا لِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَلاَ مُسْتَدْبِرًا لَهُمَا لِلتَّعْظِيمِ، وَقَال الشِّرْبِينِيُّ: وَقِيل يُكْرَهُ اسْتِدْبَارُهُمَا (٥) .
_________
(١) مواهب الجليل والمواق ١ / ٢٨١، الفروع ١ / ٤٥، ٤٦، وكشاف القناع ١ / ٥٤، القليوبي على شرح المنهاج ١ / ٣٩.
(٢) ابن عابدين ١ / ٢٢٨، وحاشية الجمل ١ / ٨٥، والمغني ١ / ١٦٣.
(٣) حاشية الدسوقي ١ / ١٠٩.
(٤) ابن عابدين ١ / ٢٢٨، وحاشية الدسوقي ١ / ١٦٢، وحاشية الجمل ١ / ٨٥.
(٥) ابن عابدين ١ / ٢٢٨، ومغني المحتاج ١ / ٤٠.
د - اسْتِقْبَال مَهَبِّ الرِّيحِ:
٧ - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ يُكْرَهُ لِقَاضِي الْحَاجَةِ إِذَا كَانَتِ الْحَاجَةُ بَوْلًا أَوْ غَائِطًا رَقِيقًا أَنْ يَسْتَقْبِل مَهَبَّ الرِّيحِ، لِئَلاَّ يُصِيبَهُ رَشَاشُ الْخَارِجِ فَيُنَجِّسَهُ، وَزَادَ الْمَالِكِيَّةُ: وَلَوْ كَانَتِ الرِّيحُ سَاكِنَةً لاِحْتِمَال تَحَرُّكِهَا وَهَيَجَانِهَا (١) .
وَلَوْ هَبَّتْ رِيحٌ عَنْ يَمِينِ الْقِبْلَةِ وَيَسَارِهَا، وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ عَوْدُ النَّجَاسَةِ عَلَيْهِ، فَالظَّاهِرُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ اسْتِدْبَارُ الْقِبْلَةِ حَيْثُ أَمْكَنَ لأَِنَّ الاِسْتِقْبَال أَفْحَشُ (٢) .
هـ - كَيْفِيَّةُ الْجُلُوسِ عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ:
٨ - صَرَّحَ الْفُقَهَاءُ بِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِقَاضِي الْحَاجَةِ أَنْ يُوَسِّعَ بَيْنَ رِجْلَيْهِ فِي جُلُوسِهِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ، وَيَعْتَمِدَ عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى، لِمَا رَوَى سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَال: عَلَّمَنَا رَسُول اللَّهِ ﷺ إِذَا دَخَل أَحَدُنَا الْخَلاَءَ أَنْ يَعْتَمِدَ الْيُسْرَى وَيَنْصِبَ الْيُمْنَى (٣) وَلأَِنَّهُ أَسْهَل لِخُرُوجِ الْخَارِجِ، وَيَجْتَهِدَ فِي الاِسْتِفْرَاغِ مِنْهُ، وَلاَ يُطِيل الْمُقَامَ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الْحَاجَةِ، لأَِنَّ ذَلِكَ يَضُرُّهُ، وَرُبَّمَا آذَى مَنْ يَنْتَظِرُهُ.
_________
(١) ابن عابدين ١ / ٢٢٩، وحاشية الدسوقي ١ / ١٠٧، وحاشية الجمل ١ / ٨٩، والمغني ١ / ١٦٣، ونيل المآرب ١ / ٥٢.
(٢) ابن عابدين ١ / ٢٢٨.
(٣) (٣) حديث سراقة بن مالك: " علمنا رسول الله ﷺ إذا دخل أحدنا الخلاء. . . ". أخرجه البيهقي (١ / ٩٦)، وقال ابن حجر في التلخيص (١ / ١٠٧) وفي إسناده من لا يعرف.
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُغَطِّيَ رَأْسَهُ حَال الْجُلُوسِ، لأَِنَّ ذَلِكَ يُرْوَى عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، وَلأَِنَّهُ حَال كَشْفِ الْعَوْرَةِ فَيَسْتَحْيِي فِيهَا مِنَ اللَّهِ ﷿ وَمِنَ الْمَلاَئِكَةِ، وَقِيل: لأَِنَّهُ أَحْفَظُ لِمَسَامِّ الشَّعْرِ مِنْ عُلُوقِ الرَّائِحَةِ بِهَا فَتَضُرُّهُ، وَيَلْبَسُ حِذَاءَهُ لِئَلاَّ تَتَنَجَّسَ رِجْلاَهُ، وَلاَ يَكْشِفُ عَوْرَتَهُ قَبْل أَنْ يَدْنُوَ إِلَى الْقُعُودِ (١) .
و التَّبَوُّل قَائِمًا:
٩ - يُكْرَهُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ أَنْ يَبُول الرَّجُل قَائِمًا لِغَيْرِ عُذْرٍ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ ﵂ قَالَتْ: مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ بَال قَائِمًا فَلاَ تُصَدِّقْهُ (٢)، وَقَال جَابِرٌ ﵁: نَهَى رَسُول اللَّهِ ﷺ أَنْ يَبُول الرَّجُل قَائِمًا (٣) .
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ ذَكَرَهَا فِي الإِْنْصَافِ: لاَ يُكْرَهُ وَلَوْ بِلاَ حَاجَةٍ إِنْ أَمِنَ تَلَوُّثًا أَوْ نَاظِرًا، وَالْمَذْهَبُ كَقَوْل الْجُمْهُورِ، قَال صَاحِبُ الْمُغْنِي: وَقَدْ رُوِيَتِ الرُّخْصَةُ فِيهِ - يَعْنِي الْبَوْل مِنْ قِيَامٍ - عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ
_________
(١) ابن عابدين ١ / ٢٢٩، ٢٣٠، وحاشية الدسوقي ١ / ١٠٦، حاشية الجمل ١ / ٨٣، ونيل المآرب ١ / ٥٣، والمغني لابن قدامة ١ / ١٦٦. .
(٢) حديث عائشة: " من حدثك أن رسول الله ﷺ بال قائمًا. . . ". أخرجه أحمد (٦ / ١٩٢) .
(٣) حديث جابر: " نهى رسول الله ﷺ أن يبول الرجل قائمًا ". أخرجه البيهقي (١ / ١٠٢) وذكر تضعيف أحد رواته.
وَابْنِ عُمَرَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَسَهْل بْنِ سَعْدٍ وَأَنَسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعُرْوَةَ ﵃.
فَإِنْ كَانَ لِعُذْرٍ فَلَيْسَ بِمَكْرُوهٍ اتِّفَاقًا، قَال الشَّافِعِيَّةُ: بَل وَلاَ خِلاَفَ الأَْوْلَى، لِمَا وَرَدَ عَنْ حُذَيْفَةَ ﵁: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ فَبَال قَائِمًا، فَتَنَحَّيْتُ فَقَال: ادْنُهْ، فَدَنَوْتُ حَتَّى قُمْتُ عِنْدَ عَقِبَيْهِ فَتَوَضَّأَ فَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ (١) .
وَسَبَبُ بَوْلِهِ قَائِمًا مَا قِيل إِنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَسْتَشْفِي بِهِ لِوَجَعِ الصُّلْبِ، فَلَعَلَّهُ كَانَ بِهِ، قَال النَّوَوِيُّ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فَعَلَهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ، وَيُفْهَمُ مِثْل ذَلِكَ مِنْ تَعْلِيل الْحَنَابِلَةِ (٢) .
وَفَصَّل الْمَالِكِيَّةُ فِي ذَلِكَ، فَرَأَوْا أَنَّهُ إِنْ كَانَ الْمَكَانُ رَخْوًا طَاهِرًا كَالرَّمَل جَازَ فِيهِ الْقِيَامُ، وَالْجُلُوسُ أَوْلَى لأَِنَّهُ أَسْتَرُ، وَإِنْ كَانَ رَخْوًا نَجِسًا بَال قَائِمًا مَخَافَةَ أَنْ تَتَنَجَّسَ ثِيَابُهُ، وَإِنْ كَانَ صُلْبًا طَاهِرًا تَعَيَّنَ الْجُلُوسُ لِئَلاَّ يَتَطَايَرَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنَ الْبَوْل، وَإِنْ كَانَ صُلْبًا نَجِسًا تَنَحَّى عَنْهُ إِلَى غَيْرِهِ وَلاَ يَبُول فِيهِ قَائِمًا وَلاَ قَاعِدًا (٣) .
_________
(١) (١) حديث حذيفة: " أن النبي ﷺ أتى سباطة قوم. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري ١ / ٣٢٨)، ومسلم (١ / ٢٢٨) واللفظ لمسلم.
(٢) رد المحتار ١ / ٢٢٩، ٢٣٠، والمجموع ٢ / ٨٥، وشرح البهجة ١ / ١٢١، والمغني ١ / ١٦٤، والإنصاف ١ / ٩٩.
(٣) حاشية الدسوقي ١ / ١٠٤، ١٠٧، والحطاب ١ / ٢٦٧.