الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٣٣
زَوْجًا وَقَذَفَهَا فِي غَيْرِ مَا لاَعَنَهَا فِيهِ حُدَّ مُطْلَقًا فَإِذَا كَانَ الْمُلاَعِنُ نَفْسُهُ وَقَذَفَهَا فِيمَا لاَعَنَهَا فِيهِ لَمْ يُحَدَّ، وَأَضَافَ الشَّافِعِيَّةُ أَنَّهُ لاَ يُحَدُّ وَلَكِنْ يُعَزَّرُ وَكَذَلِكَ لَوْ أَطْلَقَ الْقَذْفَ (١) .
قَذْفُ الْمَيِّتِ:
٣٥ - أَوْجَبَ الْجُمْهُورُ حَدَّ الْقَذْفِ عَلَى مَنْ قَذَفَ مَيِّتًا مُحْصَنًا، ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى إِذَا طَالَبَ بِالْحَدِّ مَنْ لَهُ الْحَقُّ مِنَ الْوَرَثَةِ، وَذَلِكَ لأَِنَّ وُجُوبَ الْحَدِّ بِاعْتِبَارِ إِحْصَانِ الْمَقْذُوفِ، وَالْمَوْتُ يُقَرِّرُ الإِْحْصَانَ وَلاَ يَنْفِيهِ.
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: لاَ حَدَّ عَلَى مَنْ قَذَفَ مَيِّتًا إِلاَّ إِذَا كَانَ الْمَيِّتُ أُنْثَى، وَكَانَ لَهَا ابْنٌ مُحْصَنٌ فَإِنَّ لَهُ الْحَقَّ فِي الْمُطَالَبَةِ بِالْحَدِّ؛ لأَِنَّ قَذْفَ أُمِّهِ قَذْفٌ لَهُ لِنَفْيِ نَسَبِهِ، وَلِهَذَا لَمْ يُعْتَبَرْ إِحْصَانُ الْمَقْذُوفِ وَاعْتُبِرَ إِحْصَانُ الْوَلَدِ، وَمَتَى كَانَ الْمَقْذُوفُ مِنْ غَيْرِ أُمَّهَاتِهِ لَمْ يَتَضَمَّنْ نَفْيَ نَسَبِهِ فَلاَ يُحَدُّ (٢) .
قَذْفُ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ بِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ:
٣٦ - مَنْ قَذَفَ امْرَأَتَهُ بِالزِّنَا بِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَقَدْ قَذَفَهُمَا جَمِيعًا، فَإِنْ لاَعَنَهَا سَقَطَ الْحَدُّ عَنْهُ لَهُمَا، وَإِنْ لَمْ يُلاَعِنْ فَلِكُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْمُطَالَبَةُ
_________
(١) فتح القدير ٤ / ٢٠٣، حاشية الدسوقي ٤ / ٣٢٧، وروضة الطالبين ٨ / ٣٣٨، والمغني ٨ / ٢٣٠.
(٢) المبسوط ٩ / ١١٢، وحاشية الدسوقي ٤ / ٣٣١، والمهذب ٢ / ٢٩٢، ومغني المحتاج ٣ / ٣٧٢، والمغني ٨ / ٢٣٣، ٢٣٤.
بِإِقَامَةِ الْحَدِّ، وَأَيُّهُمَا طَالَبَ حُدَّ لَهُ وَمَنْ لَمْ يُطَالِبْ فَلاَ يُحَدَّ لَهُ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ قَوْلٌ لِلْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ الْقَذْفَ لِلزَّوْجَةِ وَحْدَهَا، وَلاَ يَتَعَلَّقُ بِغَيْرِهَا حَقٌّ فِي الْمُطَالَبَةِ وَلاَ الْحَدُّ (١) .
حُكْمُ مَنْ قَذَفَ الأَْجْنَبِيَّةَ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا:
٣٧ - مَنْ قَذَفَ أَجْنَبِيَّةً ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ وَلاَ يُلاَعِنُ، لأَِنَّهُ قَذَفَهَا فِي حَال كَوْنِهَا أَجْنَبِيَّةً فَوَجَبَ الْحَدُّ، وَلاَ يَمْلِكُ اللِّعَانَ لأَِنَّهُ قَاذِفٌ غَيْرَ زَوْجَةٍ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ لَمْ يَتَزَوَّجْ (٢) .
مَنْ قَذَفَ امْرَأَةً لَهَا أَوْلاَدٌ لاَ يُعْرَفُ لَهُمْ أَبٌ:
٣٨ - مَنْ قَذَفَ امْرَأَةً لَهَا أَوْلاَدٌ لاَ يُعْرَفُ لَهُمْ أَبٌ، فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ لِقِيَامِ أَمَارَةِ الزِّنَا، وَهِيَ وِلاَدَةُ وَلَدٍ لاَ أَبَ لَهُ فَفَاتَتِ الْعِفَّةُ نَظَرًا إِلَيْهَا، وَهِيَ شَرْطُ الإِْحْصَانِ وَيُعَزَّرُ لِلإِْيذَاءِ (٣) .
قَذْفُ وَاحِدٍ لِجَمَاعَةٍ:
٣٩ - مَنْ قَذَفَ جَمَاعَةً بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ بِكَلِمَاتٍ فَعَلَيْهِ حَدٌّ وَاحِدٌ، سَوَاءٌ طَالَبُوهُ دُفْعَةً وَاحِدَةً أَوْ طَالَبُوهُ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ. فَإِنْ حُدَّ لِلأَْوَّل لَمْ يُحَدَّ لِمَنْ جَاءَ بَعْدَهُ؛ لأَِنَّ حُضُورَ بَعْضِهِمْ لِلْخُصُومَةِ كَحُضُورِ كُلِّهِمْ، فَلاَ يُحَدُّ
_________
(١) المغني ٨ / ٢٣٠، وروضة الطالبين ٨ / ٣١٣.
(٢) ابن عابدين ٢ / ٥٨٥، وحاشية الدسوقي ٢ / ٤٥٨، وروضة الطالبين ٨ / ٣٣٥، والمغني ٨ / ٤٠٢.
(٣) فتح القدير ٤ / ٢٠٣.
ثَانِيًا إِلاَّ إِذَا كَانَ بِقَذْفٍ آخَرَ مُسْتَأْنَفٍ، وَهُوَ قَوْل الثَّوْرِيِّ وَالشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ وَالزُّهْرِيِّ وَقَتَادَةَ، وَطَاوُسٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ.
وَعِنْدَ عَطَاءٍ وَالشَّعْبِيِّ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ: إِذَا قَذَفَ جَمَاعَةً بِكَلِمَاتٍ فَلِكُل وَاحِدٍ حَدٌّ؛ لأَِنَّهَا حُقُوقٌ لآِدَمِيِّينَ، فَلَمْ تَتَدَاخَل كَالدُّيُونِ.
وَأَمَّا إِذَا قَذَفَهُمْ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَال الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ: عَلَيْهِ حَدٌّ وَاحِدٌ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ، وَرَجَّحَهَا فِي الْمُغْنِي لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً﴾ (١)، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ قَذْفِ وَاحِدٍ أَوْ جَمَاعَةٍ؛ وَلأَِنَّ الَّذِينَ شَهِدُوا عَلَى الْمُغِيرَةِ قَذَفُوا امْرَأَةً، فَلَمْ يَحُدَّهُمْ عُمَرُ ﵁ إِلاَّ حَدًّا وَاحِدًا؛ وَلأَِنَّهُ قَذْفٌ وَاحِدٌ فَلَمْ يَجِبْ إِلاَّ حَدٌّ وَاحِدٌ كَمَا لَوْ قَذَفَ وَاحِدًا؛ وَلأَِنَّ الْحَدَّ إِنَّمَا وَجَبَ بِإِدْخَال الْمَعَرَّةِ عَلَى الْمَقْذُوفِ بِقَذْفِهِ، وَبِحَدٍّ وَاحِدٍ يَظْهَرُ كَذِبُ هَذَا الْقَاذِفِ وَتَزُول الْمَعَرَّةُ فَوَجَبَ أَنْ يُكْتَفَى بِهِ، بِخِلاَفِ مَا إِذَا قَذَفَ كُل وَاحِدٍ قَذْفًا مُفْرَدًا فَإِنَّ كَذِبَهُ فِي قَذْفٍ لاَ يَلْزَمُ مِنْهُ كَذِبُهُ فِي آخَرَ، وَلاَ تَزُول الْمَعَرَّةُ عَنْ أَحَدِ الْمَقْذُوفَيْنِ بِحَدِّهِ لِلآْخَرِ.
_________
(١) سورة النور / ٤.
وَقَال الْحَسَنُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنْ أَحْمَدَ: يَجِبُ لِكُل وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَدٌّ، لأَِنَّهُ أَلْحَقَ الْعَارَ بِقَذْفِ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمْ، فَلَزِمَهُ لِكُل وَاحِدِ مِنْهُمْ حَدٌّ، كَمَا لَوِ انْفَرَدَ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِالْقَذْفِ (١) .
وَاخْتَلَفَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ فِيمَا إِذَا قَذَفَ إِنْسَانًا فَحُدَّ لَهُ وَفِي أَثْنَاءِ إِقَامَةِ الْحَدِّ قَذَفَ إِنْسَانًا آخَرَ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لاَ يُقَامُ إِلاَّ حَدٌّ وَاحِدٌ وَلَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الضَّرْبِ إِلاَّ سَوْطٌ وَاحِدٌ، فَلاَ يُضْرَبُ إِلاَّ ذَلِكَ السَّوْطَ لِلتَّدَاخُل؛ لأَِنَّهُ اجْتَمَعَ حَدَّانِ؛ وَلأَِنَّ كَمَال الْحَدِّ الأَْوَّل بِالسَّوْطِ الَّذِي بَقِيَ.
وَعِنْدَ مَالِكٍ: إِنْ كَرَّرَ أَثْنَاءَ الْجَلْدِ فَإِنْ كَانَ مَا مَضَى مِنَ الْجَلْدِ أَقَلَّهُ أُلْغِيَ مَا مَضَى، وَابْتُدِئَ الْعَدَدُ وَبِذَلِكَ يُسْتَوْفَى الثَّانِي. وَإِنْ كَانَ مَا بَقِيَ قَلِيلًا فَيَكْمُل الأَْوَّل، ثُمَّ يَبْتَدِئُ لِلثَّانِي (٢) .
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِذَا قَذَفَ جَمَاعَةً لاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا كُلُّهُمْ زُنَاةً عَادَةً لَمْ يَجِبِ الْحَدُّ؛ لأَِنَّ الْحَدَّ إِنَّمَا يَجِبُ لِنَفْيِ الْعَارِ، وَلاَ عَارَ عَلَى الْمَقْذُوفِ لأَِنَّا نَقْطَعُ بِكَذِبِهِ وَيُعَزَّرُ لِلْكَذِبِ (٣) .
_________
(١) فتح القدير ٤ / ٢٠٨، وحاشية الدسوقي ٤ / ٣٢٧، والمهذب ٢ / ٢٩٢، ٢٩٣، والمغني ٨ / ٢٣٣، ٢٣٤.
(٢) فتح القدير ٤ / ٢٠٨، وحاشية الدسوقي ٤ / ٣٢٧.
(٣) المهذب ٤ / ٣٢٨، والإقناع في فقه الإمام أحمد ٤ / ٢٦٤.
قَذْفُ الرَّجُل نَفْسَهُ:
٤٠ - مَنْ قَذَفَ نَفْسَهُ بِأَنْ قَال: أَنَا وَلَدُ زِنًا، حُدَّ لأَِنَّهُ قَذْفٌ لأُِمِّهِ (١) .
حُكْمُ قَذْفِ النَّبِيِّ ﷺ وَأُمِّهِ:
٤١ - قَذْفُ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ ﷺ وَقَذْفُ أُمِّهِ رِدَّةٌ عَنِ الإِْسْلاَمِ، وَخُرُوجٌ عَنِ الْمِلَّةِ، وَمَنْ قَذَفَ النَّبِيَّ ﷺ كَفَرَ وَقُتِل وَلَوْ تَابَ أَوْ كَانَ كَافِرًا فَأَسْلَمَ، لاَ إِنْ سَبَّهُ بِغَيْرِ الْقَذْفِ ثُمَّ أَسْلَمَ (٢) .
قَذْفُ زَوْجَةٍ مِنْ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ ﷺ:
٤٢ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ قَذَفَ عَائِشَةَ ﵂ فَقَدْ كَذَّبَ صَرِيحَ الْقُرْآنِ الَّذِي نَزَل بِحَقِّهَا، وَهُوَ بِذَلِكَ كَافِرٌ بَعْدَ أَنْ بَرَّأَهَا اللَّهُ مِنْهُ فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُو بِالإِْفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَل هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُل امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإِْثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبَرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ إِلَى قَوْله تَعَالَى: ﴿يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ (٣) .
أَمَّا سَائِرُ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ ﷺ فَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي
_________
(١) الشرح الكبير على هامش حاشية الدسوقي ٤ / ٣٢٨.
(٢) المغني ٨ / ٢٣٣، والإقناع ٤ / ٢٦٥.
(٣) سورة النور / ١١ - ١٧.
الصَّحِيحِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ أَنَّهُنَّ مِثْل عَائِشَةَ فِي الْحُكْمِ، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ﴾ (١)، وَقَذْفُهُنَّ طَعْنٌ بِالرَّسُول ﷺ وَعَارٌ عَلَيْهِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ الرِّوَايَةُ الأُْخْرَى لِلْحَنَابِلَةِ: أَنَّ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ ﷺ سِوَى عَائِشَةَ كَسَائِرِ الصَّحَابَةِ، وَسَابُّهُنَّ يُجْلَدُ؛ لأَِنَّهُ قَاذِفٌ (٢) .
وَلِلتَّفْصِيل ر: (رِدَّة ف ١٨، وَسَبّ ف ١٨)
حُكْمُ قَذْفِ الأَْنْبِيَاءِ:
٤٣ - يَرَى الْفُقَهَاءُ أَنَّ مَنْ قَذَفَ نَبِيًّا مِنَ الأَْنْبِيَاءِ يُقْتَل، وَلاَ تُقْبَل تَوْبَتُهُ (٣) .
انْظُرْ مُصْطَلَحَ: (رَسُول ف ٣)،
وَمُصْطَلَحَ: (سَبّ ف ١١ - ١٣)
حَقُّ الْوَرَثَةِ فِي الْمُطَالَبَةِ بِحَدِّ الْقَذْفِ:
٤٤ - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ: لاَ يُطَالَبُ بِحَدِّ الْقَذْفِ لِلْمَيِّتِ إِلاَّ مَنْ يَقَعُ الْقَدْحُ فِي نَسَبِهِ بِقَذْفِهِ، وَهُوَ الْوَالِدُ وَإِنْ عَلاَ وَالْوَلَدُ وَإِنْ سَفَل؛ لأَِنَّ الْعَارَ يُلْتَحَقُ بِهِمَا لِلْجُزْئِيَّةِ، فَيَكُونُ الْقَذْفُ مُتَنَاوِلًا مَعْنًى لَهُمَا، فَلِذَلِكَ يَثْبُتُ لَهُمَا حَقُّ الْمُطَالَبَةِ، لَكِنَّ لُحُوقَهُ لَهُمَا بِوَاسِطَةِ لُحُوقِ
_________
(١) سورة النور / ٢٦.
(٢) الشفاء للقاضي عياض ٢ / ١١٠٩، ١١١٠.
(٣) حاشية ابن عابدين ٣ / ٢٩٠، و، وجواهر الإكليل ٢ / ٢٨٠.
الْمَقْذُوفِ بِالذَّاتِ فَهُوَ الأَْصْل فِي الْخُصُومَةِ؛ لأَِنَّ الْعَارَ يَلْحَقُهُ مَقْصُودًا، فَلاَ يُطَالَبُ غَيْرُهُ بِمُوجِبِهِ إِلاَّ عِنْدَ الْيَأْسِ عَنْ مُطَالَبَتِهِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ مَيِّتًا، فَلِذَا لَوْ كَانَ غَائِبًا لَمْ يَكُنْ لِوَلَدِهِ وَلاَ لِوَالِدِهِ الْمُطَالَبَةُ لأَِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُصَدِّقَهُ الْغَائِبُ،
وَيَثْبُتَ لِلأَْبْعَدِ مَعَ وُجُوبِ الأَْقْرَبِ، وَكَذَا يَثْبُتُ لِوَلَدِ الْوَلَدِ مَعَ وُجُودِ الْوَلَدِ، وَلَوْ عَفَا بَعْضُهُمْ كَانَ لِغَيْرِهِ أَنْ يُطَالِبَ بِهِ؛ لأَِنَّهُ لِلدَّفْعِ عَنْ نَفْسِهِ.
وَإِذَا كَانَ الْمَقْذُوفُ مُحْصَنًا جَازَ لاِبْنِهِ الْكَافِرِ أَنْ يُطَالِبَ بِالْحَدِّ خِلاَفًا لِزُفَرَ، إِذْ يَقُول: الْقَذْفُ يَتَنَاوَلُهُ مَعْنًى لِرُجُوعِ الْعَارِ إِلَيْهِ وَلَيْسَ طَرِيقُهُ الإِْرْثَ عِنْدَنَا، كَمَا إِذَا كَانَ مُتَنَاوِلًا لَهُ صُورَةً وَمَعْنًى، بِأَنْ يَكُونَ هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْقَذْفِ وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ لِعَدَمِ إِحْصَانِهِ، فَكَذَا إِذَا كَانَ مَقْذُوفًا مَعْنًى فَقَطْ.
وَلَكِنَّا نَقُول: إِنَّهُ عَيَّرَهُ بِقَذْفِ مُحْصَنٍ، فَيَأْخُذُهُ بِالْحَدِّ، وَهَذَا لأَِنَّ الإِْحْصَانَ فِي الَّذِي يُنْسَبُ إِلَى الزِّنَا شَرْطٌ لِيَقَعَ تَعْيِيرًا عَلَى الْكَمَال، ثُمَّ يَرْجِعُ هَذَا التَّعْيِيرُ الْكَامِل إِلَى وَلَدِهِ، وَالْكُفْرُ لاَ يُنَافِي أَهْلِيَّةَ الاِسْتِحْقَاقِ، بِخِلاَفِ مَا إِذَا تَنَاوَل الْقَذْفُ نَفْسَهُ لأَِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ تَعْيِيرٌ عَلَى الْكَمَال، لِفَقْدِ الإِْحْصَانِ فِي الْمَنْسُوبِ إِلَى الزِّنَا.
وَالْحَاصِل أَنَّ السَّبَبَ التَّعْيِيرُ الْكَامِل، وَهُوَ
بِإِحْصَانِ الْمَقْذُوفِ، فَإِنْ كَانَ حَيًّا كَانَتِ الْمُطَالَبَةُ لَهُ، أَوْ مَيِّتًا طَالَبَ بِهِ أَصْلُهُ أَوْ فَرْعُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْصَنًا لَمْ يَتَحَقَّقِ التَّعْيِيرُ الْكَامِل فِي حَقِّهِ (١) .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ: لِلْوَارِثِ حَقَّ الْقِيَامِ بِحَقِّ مُوَرِّثِهِ الْمَقْذُوفِ قَبْل مَوْتِهِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ، وَهُوَ وَلَدٌ وَوَلَدُهُ وَإِنْ سَفَل، وَأَبٌ وَأَبُوهُ وَإِنْ عَلاَ، ثُمَّ الأَْخُ فَابْنُهُ. فَعَمٌّ فَابْنُهُ، وَهَكَذَا وَلِكُلٍّ مِنَ الْوَرَثَةِ الْقِيَامُ بِحَقِّ الْمُوَرِّثِ وَإِنْ وُجِدَ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْهُ. كَابْنِ الاِبْنِ مَعَ وُجُودِ الاِبْنِ؛ لأَِنَّ الْمَعَرَّةَ تَلْحَقُ الْجَمِيعَ وَلاَ سِيَّمَا إِذَا كَانَ الْمَقْذُوفُ أُنْثَى خِلاَفًا لأَِشْهَبَ الْقَائِل: يُقَدَّمُ الأَْقْرَبُ فَالأَْقْرَبُ فِي الْقِيَامِ بِحَقِّ الْمُوَرِّثِ الْمَقْذُوفِ كَالْقِيَامِ بِالدَّمِ (٢) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ: إِذَا مَاتَ مَنْ لَهُ الْحَدُّ أَوِ التَّعْزِيرُ وَهُوَ مِمَّنْ يُورَثُ انْتَقَل ذَلِكَ إِلَى الْوَارِثِ، وَفِيمَنْ يَرِثُهُ ثَلاَثَةُ أَوْجُهٍ:
الأَْوَّل: أَنَّهُ يَرِثُهُ جَمِيعُ الْوَرَثَةِ، لأَِنَّهُ مَوْرُوثٌ فَكَانَ لِجَمِيعِ الْوَرَثَةِ كَالْمَال، وَهُوَ الأَْصَحُّ عِنْدَهُمْ (٣) .
الثَّانِي: أَنَّهُ لِجَمِيعِ الْوَرَثَةِ إِلاَّ لِمَنْ يَرِثُ بِالزَّوْجِيَّةِ؛ لأَِنَّ الْحَدَّ يَجِبُ لِدَفْعِ الْعَارِ، وَلاَ يَلْحَقُ الزَّوْجَ عَارٌ بَعْدَ الْمَوْتِ لأَِنَّهُ لاَ تَبْقَى
_________
(١) فتح القدير ٤ / ١٩٤ - ١٩٦.
(٢) حاشية الدسوقي ٤ / ٣٣١.
(٣) روضة الطالبين ٨ / ٣٢٦.
زَوْجِيَّةٌ.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ يَرِثُهُ الْعَصَبَاتُ دُونَ غَيْرِهِمْ لأَِنَّهُ حَقٌّ ثَبَتَ لِدَفْعِ الْعَارِ، فَاخْتَصَّ بِهِ الْعَصَبَاتُ كَوِلاَيَةِ النِّكَاحِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ وَارِثَانِ فَعَفَا أَحَدُهُمَا ثَبَتَ لِلآْخَرِ الْحَدُّ لأَِنَّهُ جُعِل لِلرَّدْعِ، وَلاَ يَحْصُل الرَّدْعُ إِلاَّ بِمَا جَعَلَهُ اللَّهُ ﷿ لِلرَّدْعِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ فَهُوَ لِلْمُسْلِمِينَ وَيَسْتَوْفِيهِ السُّلْطَانُ (١) .
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ مَنْ قُذِفَتْ أُمُّهُ وَهِيَ مَيِّتَةٌ مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ كَافِرَةً، حُرَّةً أَوْ أَمَةً حُدَّ الْقَاذِفُ إِذَا طَالَبَ الاِبْنُ وَكَانَ حُرًّا مُسْلِمًا.
أَمَّا إِذَا قُذِفَتْ وَهِيَ فِي الْحَيَاةِ فَلَيْسَ لِوَلَدِهَا الْمُطَالَبَةُ لأَِنَّ الْحَقَّ لَهَا فَلاَ يُطَالِبُ بِهِ غَيْرُهَا، وَلاَ يَقُومُ غَيْرُهَا مَقَامَهَا سَوَاءٌ كَانَتْ مَحْجُورًا عَلَيْهَا أَوْ غَيْرَ مَحْجُورٍ عَلَيْهَا؛ لأَِنَّهُ حَقٌّ يَثْبُتُ لِلتَّشَفِّي فَلاَ يَقُومُ غَيْرُ الْمُسْتَحِقِّ مَقَامَهُ كَالْقِصَاصِ، وَتُعْتَبَرُ حَصَانَتُهَا لأَِنَّ الْحَقَّ لَهَا، فَتُعْتَبَرُ حَصَانَتُهَا كَأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ، وَأَمَّا إِذَا قُذِفَتْ وَهِيَ مَيِّتَةٌ، فَإِنَّ لِوَلَدِهَا الْمُطَالَبَةَ لأَِنَّهُ قَدْحٌ فِي نَسَبِهِ؛ وَلأَِنَّهُ بِقَذْفِ أُمِّهِ يَنْسُبُهُ إِلَى أَنَّهُ مِنْ زِنًا، وَلاَ يُسْتَحَقُّ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الإِْرْثِ، وَلِذَلِكَ لاَ تُعْتَبَرُ الْحَصَانَةُ فِي أُمِّهِ لأَِنَّ الْقَذْفَ لَهُ.
فَأَمَّا إِنْ قُذِفَتْ أُمُّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا وَهُوَ مُشْرِكٌ أَوْ
_________
(١) المهذب ٢ / ٢٩٢.
عَبْدٌ فَلاَ حَدَّ عَلَى الْقَاذِفِ، سَوَاءٌ كَانَتِ الأُْمُّ حُرَّةً مُسْلِمَةً أَوْ لَمْ تَكُنْ، وَإِنْ قُذِفَتْ جَدَّتُهُ فَهُوَ كَقَذْفِ أُمِّهِ.
فَأَمَّا إِنْ قَذَفَ أَحَدٌ أَبَاهُ أَوْ جَدَّهُ أَوْ أَحَدًا مِنْ أَقَارِبِهِ غَيْرَ أُمَّهَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، لَمْ يَجِبِ الْحَدُّ بِقَذْفِهِ؛ لأَِنَّهُ إِنَّمَا يَجِبُ بِقَذْفِ أُمِّهِ حَقًّا لَهُ لِنَفْيِ نَسَبِهِ لاَحِقًا لِلْمَيِّتِ، وَلِهَذَا لَمْ يُعْتَبَرْ إِحْصَانُ الْمَقْذُوفَةِ وَاعْتُبِرَ إِحْصَانُ الْوَلَدِ، وَمَتَى كَانَ الْمَقْذُوفُ مِنْ غَيْرِ أُمَّهَاتِهِ لَمْ يَتَضَمَّنْ نَفْيَ نَسَبِهِ فَلَمْ يَجِبِ الْحَدُّ (١) .
قَذْفُ الْمَجْهُول:
٤٥ - مَنْ قَذَفَ مَجْهُولًا لاَ حَدَّ عَلَيْهِ لِعَدَمِ تَعْيِينِ الْمَعَرَّةِ، إِذْ لاَ يُعْرَفُ مَنْ أَرَادَ وَالْحَدُّ إِنَّمَا هُوَ لِلْمَعَرَّةِ، فَإِنِ اخْتَلَفَ رَجُلاَنِ فِي شَيْءٍ فَقَال أَحَدُهُمَا: الْكَاذِبُ هُوَ ابْنُ زَانِيَةٍ، فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ لأَِنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ أَحَدًا بِالْقَذْفِ، وَإِذَا سَمِعَ السُّلْطَانُ رَجُلًا يَقُول: زَنَى رَجُلٌ، لَمْ يُقِمْ عَلَيْهِ الْحَدَّ؛ لأَِنَّ الْمُسْتَحِقَّ مَجْهُولٌ، وَلاَ يُطَالِبُهُ بِتَعْيِينِهِ لِقَوْل اللَّهِ ﷿: ﴿لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾ (٢)، وَلأَِنَّ الْحَدَّ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ، وَلِهَذَا قَال ﷺ: يَا هُزَال، لَوْ سَتَرْتَهُ بِثَوْبِكَ كَانَ خَيْرًا لَكَ (٣)، وَإِنْ قَال
_________
(١) المغني ٨ / ٢٣٠، ٢٣٢.
(٢) سورة المائدة / ١٠١.
(٣) حديث " يا هزال، لو سترته بثوبك كان خيرًا لك " أخرجه الحاكم (٤ / ٣٦٣) وصححه. ووافقه الذهبي.