الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٣٣

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٣٣

حرف القاف

قذف

الألفاظ ذات الصلة

اللعان

الرمي

الحكم التكليفي

صيغة القذف

حكم التعريض

شروط حد القذف

شروط القاذف

شروط المقذوف

كون المقذوف محصنا

وقوعه في دار الحرب أو دار الإسلام

ثبوت حد القذف

ثبوته بالشهادة

حد القذف

ما يسقط به حد القذف

أولا عفو المقذوف عن القاذف

ثالثا البينة

رابعا زوال الإحصان

ثبوت فسق القاذف ورد شهادته

تكرار القذف

حكم من قذف من وطئ المظاهر منها

حكم من قذف من وطئ بنكاح فاسد

حكم قذف اللقيط

قذف المحدود في الزنا

قذف المرأة الملاعنة

قذف الزوج زوجته برجل بعينه

قذف واحد لجماعة

قذف زوجة من زوجات النبي ﷺ

حق الورثة في المطالبة بحد القذف

قذف المجهول

قذف المرتد والكافر والذمي والفاسق

قذف الخصي والمجبوب والمريض مرضا مدنفا والرتقاء

حكم من قذف ولده

قرء

التعريف

الأحكام المتعلقة بالقرء

عدة ذوات الأقراء

انتقال العدة

انتقال العدة من القروء أو الأشهر إلى وضع الحمل

انتقال العدة من الأشهر إلى الأقراء

قرآن

حجية القرآن

خصائص القرآن

التواتر

الإعجاز

كونه بلغة العرب

كونه محفوظا بحفظ الله تعالى

تنجيم القرآن

الأحكام الفقهية المتعلقة بالقرآن

ثانيا قراءة القرآن خارج الصلاة

آداب قراءة القرآن

آداب استماع القرآن

آداب حامل القرآن

تفسير القرآن

ترجمة القرآن

سور القرآن

ختم القرآن

النشرة

قراءات

القرآن

أركان القراءة الصحيحة

الفرق بين القراءات والروايات والطرق

أنواع القراءات

القراءات المتواترة والشاذة

أشهر القراء ورواتهم

القراءة بالقراءات في الصلاة

قراءة

الترتيل

الأحكام المتعلقة بالقراءة

أولا قراءة القرآن

القراءة في الصلاة

ما يجب من القراءة في الصلاة

ما يسن من القراءة في الصلاة

ما يكره من القراءة وما يجوز في الصلاة

ما يحرم من القراءة في الصلاة

الجهر والإسرار في القراءة

اللحن في القراءة

قراءة المأموم خلف الإمام

القراءة في الركوع والسجود

قراءة القرآن بغير العربية في الصلاة

القراءة بالمتواتر والشاذ من القراءات

القراءة من المصحف في الصلاة

القراءة خارج الصلاة

حكم قراءة القرآن

قراءة الحائض والنفساء والجنب للقرآن

قراءة القرآن على المحتضر والقبر

قراءة القرآن للميت وإهداء ثوابها له

قراءة القرآن للاستشفاء

الاجتماع لقراءة القرآن

الأماكن التي تكره فيها قراءة القرآن

الأحوال التي تجوز فيها قراءة القرآن والتي تكره

الاستئجار على قراءة القرآن

ثانيا قراءة غير القرآن الكريم

قراءة كتب الحديث

قراءة الكتب السماوية

قرائن

قرابة

النسب

المصاهرة

الولاء

الأحكام المتعلقة بالقرابة

أولا قرابة النبي ﷺ (ذوو القربى)

المراد بهم

حكم أخذهم من الصدقات والكفارات

حكم أخذ ذوي القربى من الغنيمة والفيء

مودة آل البيت

ثانيا القرابة النسبية

أقسامها من حيث المحرمية وغيرها

العتق بالقرابة

ما يقطع أحكام القرابة من الردة أو اختلاف الدين

خامسا القرابة بسبب الولاء

مراعاة حقوق القرابة وبم تكون

قرار

الكردار

ما يتعلق بالقرار من أحكام

أولا القرار بمعنى الأرض

حكم الارتفاق بما يتبع القرار

ثانيا القرار بمعنى الثبوت وعدم الانفصال

بيع ما يتصل بغيره اتصال قرار

ثالثا - حق القرار وما يثبت به

قراض

قران

الإفراد

مشروعية القران

أركان القران

شروط القران

الشرط الأول أن يحرم بالحج قبل طواف العمرة

الشرط الرابع أن يطوف للعمرة كل الأشواط أو أكثرها

الشرط السادس أن لا يكون من حاضري المسجد الحرام

كيفية القران

تحلل القارن

هدي القران

صيرورة التمتع قرانا

جنايات القارن على إحرامه

قرب

البعد

ما يتعلق بالقرب من أحكام

في الإرث

في ولاية النكاح

حكم إنكاح الولي الأبعد مع وجود الأقرب

في العاقلة

في قدر المسافة التي يترخص فيها في السفر

في انتقال الحاضن

قربان

قربة

ب - الطاعة

من تصح منه القربة

نية القربة

أثر القصد في الثواب على القربة

نقل ثواب القربة للغير

الأجر على القربات

النيابة في القربة

الإيثار بالقرب

مراتب القربات

نذر القربة

الوصية بالقربة

القربة في الوقف

قرد

قرض

السلف

مشروعية القرض

الحكم التكليفي للقرض

أركان القرض

الركن الأول الصيغة (الإيجاب والقبول)

الركن الثاني العاقدان (المقرض والمقترض)

(أ) ما يشترط في القرض

(ب) ما يشترط في المقترض

الاقتراض على بيت المال والوقف

الركن الثالث المحل (المال المقرض)

الشرط الأول أن يكون من المثليات

الشرط الثاني أن يكون عينا

الشرط الثالث أن يكون معلوما

أحكام القرض

(من حيث أثره)

من حيث موجبه

صفة بدل القرض

مكان رد البدل

زمان رد البدل

الشروط الجعلية في القرض

اشتراط توثيق دين القرض

اشتراط الوفاء بأنقص

اشتراط الأجل

اشتراط الزيادة للمقرض

الهدية للمقرض ذريعة إلى الزيادة

اشتراط عقد آخر في القرض

الصورة الثانية

الصورة الثالثة

اشتراط الجعل على الاقتراض بالجاه

قرعة

القسمة

الحكمة من مشروعيتها

ما تجري فيه القرعة

ما لا تجري فيه القرعة

القرعة في معرفة الأحق بغسل الميت

القرعة بين الزوجات في السفر

القرعة بين الزوجات في ابتداء المبيت

القرعة في الطلاق

القرعة في الموصى بعتقهم

القرعة عند تعارض البينتين

البداءة بالقرعة عند التحالف

استعمال القرعة في إثبات نسب اللقيط

استعمال القرعة في إثبات أحقية حضانة اللقيط

القرعة في المسابقة

الحاجة إلى القرعة في التبدئة بالشرب

قرقرة

الحاقب والحاقن والحازق والحافز

الحكم الإجمالي

قرن

الأحكام المتعلقة بالقرن

أولا قرن بمعنى الميقات

ثانيا القرن من الحيوان

التضحية بمكسورة القرن

ثالثا القرن بمعنى الجيل من الناس، ووقت من الزمان

خير القرون

الرتق

إجبار الزوجة القرناء على المداواة

قرين

قرينة

مشروعية القرينة

القرائن القاطعة وغير القاطعة

الأخذ بالقرائن

قرية

البلد

الأحكام المتعلقة بالقرية

في صلاة الجمعة

في السفر

قزع

قسامة

حكم القسامة

شروط القسامة

الشرط الثاني أن يكون المدعى عليه مكلفا

الشرط الرابع أن يكون المدعى عليه معينا

الشرط السادس أن يكون أولياء القتيل ذكورا مكلفين

الشرط الثامن أن يكون بالقتيل أثر قتل

الشرط التاسع أن يوجد القتيل في محل مملوك لأحد أو في يد أحد

الشرط الحادي عشر الإسلام

كيفية القسامة

من توجه إليهم القسامة

الأحكام المترتبة على القسامة

مبطلات القسامة

قسم

قسم بين الزوجات

العدل بين الزوجات

البيتوتة

ما يتحقق به العدل في القسم

الزوج الذي يستحق عليه القسم

قسم الصبي لزوجاته

قسم الزوج المريض

قسم الزوج المجنون

الزوجة التي تستحق القسم

القسم للزوجة المعتدة من وطء شبهة

القسم للزوجة الجديدة

بدء القسم وما يكون به

الأصل في القسم

مدة القسم

الخروج في نوبة زوجة والدخول على غيرها

ذهاب الزوج إلى زوجاته ودعوتهن إليه

القرعة للسفر

قضاء ما فات من القسم

تنازل الزوجة عن قسمها

العوض للتنازل عن القسم

ما يسقط به القسم

قسمة

ج - الشركة

مشروعية القسمة

تكييف القسمة

المذهب الأول

المذهب الثالث

المذهب الرابع

الآثار المترتبة على الخلاف في تكييف القسمة

أقسام القسمة

تنقسم القسمة باعتبار الحاجة إلى التقويم وعدمه

أولا قسمة الإفراز

ثانيا قسمة التعديل

ثالثا قسمة الرد

تقسيم القسمة باعتبار إرادة المتقاسمين

وهاك ما اجتمع لنا من قيودهم

تقسيم القسمة باعتبار وحدة المحل وتعدده

مقومات القسمة

شرائط القاسم

الشريطة الثالثة الذكورة

الشريطة الرابعة علمه بالقسمة

الشريطة الخامسة تعدد القاسم حين تكون ثم حاجة إلى التقويم

من تكون عليه أجرة القاسم؟

كيفية توزيع الأجرة

المقسوم

الثاني

الثالث

قسمة الأعيان

تنوع قسمة العقار

كيفية قسمة العقار

القسمة بالقرعة

قسمة المنقول المتشابه

قسمة المنقول غير المتشابه

مسائل ذات اعتبارات خاصة

المسألة الأولى قسمة عين واحدة لا تقبل القسمة

المسألة الثالثة الاختلاف في رفع الطريق ومقداره

المسألة الرابعة العلو والسفل

الآثار المترتبة على قسمة الأعيان

أولا لزوم القسمة

ثانيا - استقلال كل واحد بملك نصيبه والتصرف فيه

ثالثا للمتقاسمين إحداث أبواب ونوافذ في السكة المشتركة غير النافذة

ما يطرأ على القسمة

قسمة المنافع

مشروعيتها

محل قسمة المنافع

التراضي والإجبار في قسمة المنافع

كيفية قسمة المنافع

مهايأة زمانية

مهايأة مكانية

الآثار المترتبة على قسمة المنافع

حق الاستغلال

قصاص

الثأر

الجناية

العقوبة

أسباب القصاص

القصاص في الجناية على النفس

شروط القصاص في النفس

التكليف

عصمة القتيل

المكافأة بين القاتل والقتيل

أن لا يكون القاتل حربيا

أن يكون القاتل مختارا

أن لا يكون المقتول جزء القاتل أو من فروعه

أن لا يكون المقتول مملوكا للقاتل

أن يكون القتل قد حدث في دار الإسلام

أن لا يكون ولي الدم فرعا للقاتل

أن لا يكون للقاتل شريك في القتل سقط القصاص عنه

قتل الجماعة بالواحد

ولي القصاص في النفس

طريقة استيفاء القصاص في النفس

استيفاء القصاص في النفس

زمان استيفاء القصاص في النفس

مكان استيفاء القصاص في النفس

ما يسقط به القصاص في النفس

فوات محل القصاص

الصلح عن القصاص في النفس

القصاص في الجناية على ما دون النفس

شروط القصاص فيما دون النفس

القصاص في الجنايتين

طريقة استيفاء القصاص فيما دون النفس

من يستوفي القصاص فيما دون النفس

قصر الصلاة

قصة

قضاء

الفتوى

الحسبة

حكمة القضاء

طلب القضاء

بذل المال لتولي القضاء

الإجبار على القضاء

الترغيب في القضاء

الترهيب من القضاء

أركان القضاء وأحكامها

أولا القاضي

أهلية القاضي

رابعها

حكم تقليد المفضول

حكم تقليد المرأة القضاء

حكم تقليد الفاسق

حكم تقليد الكافر

ولاية تقليد القضاء

صفة عقد القضاء

سلطة القاضي واختصاصه

الولاية العامة

الولاية الخاصة

تقييد القاضي بمذهب معين

تعدد القضاة

تعيين قاضي القضاة

آداب القاضي

هيئته وزيه

مشاركته في المناسبات العامة

الهدية للقاضي

مجلس القضاء

القضاء في المسجد

وقت عمله ووقت راحته

كراهية البيع والشراء

معاونو القضاة

كاتب القاضي

حاجب القاضي

المزكي

المترجم

كتاب القاضي إلى غيره من القضاة

الشهادة على كتاب القاضي

اشتراط المسافة

الحق المكتوب به

خصوص الكتاب وعمومه

المشافهة

تغير حال القاضي الكاتب

اختلاف الرأي في حكم الواقعة

رزق القاضي

اشتراط الأجرة على القضاء

التفتيش على أعمال القضاة

مسئولية القاضي

انتهاء ولاية القاضي

عزل القاضي

إنكار كونه قاضيا

طروء ما يوجب العزل

عزل القاضي نفسه

ما يترتب على موت القاضي وعزله واعتزاله

ثانيا المقضي به

ثالثا المقضي له

رابعا المقضي فيه

خامسا المقضي عليه

القضاء على الغائب في الحقوق المالية

القضاء على الغائب في الحدود والقصاص

سادسا الحكم

اشتراط سبق الدعوى للحكم

استشارة الفقهاء

صيغة الحكم

سجل الحكم

أنواع الحكم

الحكم بالصحة وبالموجب

قضاء الاستحقاق والترك

القضاء القولي والقضاء الفعلي

أثر الحكم في تحويل الشيء عن صفته

أثر الحكم في المجتهدات

نقض الحكم

تراجم فقهاء الجزء الثالث والثلاثين

ابن أبي داود (٢٣٠ - ٣١٦ هـ)

ابن أبي الفتح (٦٤٥ - ٧٠٩ هـ)

ابن عامر الشامي (٨ - ١١٨ هـ)

ابن عبد السلام (٦٧٦ - ٧٤٩ هـ)

ابن قندس (٨٠٩ - ٨٦١ هـ)

ابن كثير (٤٥ - ١٢٠ هـ)

ابن محيصن (؟ - ١٢٣ هـ)

أبو جعفر المدني (؟ - ١٣٢ هـ)

أبو عمرو البصري (٧٠ - ١٥٤ هـ)

أبو نصر محمد بن سلام (؟ - ٣٠٥ هـ)

إسماعيل بن علية (١١٠ - ١٩٣ هـ)

خلف القارئ (١٥٠ - ٢٢٩ هـ)

زرارة بن أوفى (؟ - ٩٣ هـ)

سليمان الجمل (؟ - ١٢٠٤ هـ)

صفوان بن أمية (؟ - ٤١ هـ)

عاصم بن أبي النجود (؟ - ١٢٧ هـ)

عبد الرحمن بن شبل (؟ - مات في إمارة معاوية)

عبد الملك بن عمير (؟ - ١٣٦ هـ)

عرباض بن سارية (؟ - ٧٥ هـ)

العماد النيهي (؟ - ٥٤٨ هـ)

نافع المدني (؟ - ١٦٩)

اليزناسي (؟ - ٧٩٤ هـ)

يعقوب البصري (١١٧ - ٢٠٥ هـ)

قَذْفٌ

التَّعْرِيفُ:

١ - الْقَذْفُ لُغَةً: الرَّمْيُ مُطْلَقًا، وَالتَّقَاذُفُ التَّرَامِي، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: كَانَ عِنْدَ عَائِشَةَ ﵂ قَيْنَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِمَا تَقَاذَفَتْ فِيهِ الأَْنْصَارُ مِنَ الأَْشْعَارِ يَوْمَ بُعَاثٍ (١) أَيْ: تَشَاتَمَتْ، وَفِيهِ مَعْنَى الرَّمْيِ؛ لأَِنَّ الشَّتْمَ رَمْيٌ بِمَا يَعِيبُهُ وَيَشِينُهُ (٢) .

وَاصْطِلاَحًا: عَرَّفَهُ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ: الرَّمْيُ بِالزِّنَا، وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ: " فِي مَعْرِضِ التَّعْيِيرِ "، وَعَرَّفَهُ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّهُ: رَمْيُ مُكَلَّفٍ حُرًّا مُسْلِمًا بِنَفْيِ نَسَبٍ عَنْ أَبٍ أَوْ جَدٍّ أَوْ بِزِنًا (٣) .

الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - اللِّعَانُ:

٢ - اللِّعَانُ لُغَةً: مَصْدَرُ لاَعَنَ كَقَاتَل مِنَ

_________

(١) حديث: " كان عند عائشة قينتان. . . " أخرجه البخاري (٧ / ٢٤٦) بلفظ " تعازفت " وذكر ابن حجر في الفتح (٤٤١٢) أنه وقع في رواية: " تقاذفت ".

(٢) الاختيار لتعليل المختار ٣ / ٢٨٠ طبعة المعاهد الأزهرية.

(٣) حاشية ابن عابدين ٤ / ٤٣، ٤٤، الشرح الصغير ٢ / ٤٢٥ - ٤٢٤ ط. الحلبي، ومغني المحتاج ٤ / ١٥٥، والمغني لابن قدامة ٨ / ٢١٥.

اللَّعْنِ، وَهُوَ الطَّرْدُ وَالإِْبْعَادُ.

وَاصْطِلاَحًا: عِبَارَةٌ عَنْ كَلِمَاتٍ مَعْلُومَةٍ جُعِلَتْ حُجَّةً لِلْمُضْطَرِّ إِلَى قَذْفِ مَنْ لَطَّخَ فِرَاشَهُ وَأَلْحَقَ بِهِ الْعَارَ (١)، أَوْ شَهَادَاتٍ مُؤَكَّدَاتٍ بِالأَْيْمَانِ، مَقْرُونَةٍ بِاللَّعْنِ مِنْ جِهَةٍ، وَبِالْغَضَبِ مِنَ الأُْخْرَى، قَائِمَةٍ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ فِي حَقِّهِ، وَمَقَامَ حَدِّ الزِّنَا فِي حَقِّهَا (٢) .

وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْقَذْفِ وَاللِّعَانِ أَنَّ اللِّعَانَ سَبَبٌ لِدَرْءِ حَدِّ الْقَذْفِ عَنِ الزَّوْجِ.

ب - السَّبُّ:

٣ - السَّبُّ لُغَةً وَاصْطِلاَحًا: هُوَ الشَّتْمُ، وَهُوَ: كُل كَلاَمٍ قَبِيحٍ (٣) .

وَالصِّلَةُ: أَنَّ السَّبَّ أَعَمُّ مِنَ الْقَذْفِ.

ج - الرَّمْيُ:

٤ - مِنْ مَعَانِي الرَّمْيِ: الْقَذْفُ وَالإِْلْقَاءُ، قَال تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ﴾ (٤)، أَيْ: يَقْذِفُونَ، وَيُقَال: رَمَيْتُ الْحَجَرَ: أَلْقَيْتُهُ.

وَالرَّمْيُ أَعَمُّ مِنَ الْقَذْفِ (٥) .

_________

(١) كفاية الأخيار ٢ / ٧٥ طبعة دار المعرفة.

(٢) حاشية ابن عابدين ٣ / ٤٨٢.

(٣) الموسوعة مصطلح (سب ف ١ - ٤)، وحاشية الدسوقي ٤ / ٣٠٩.

(٤) سورة النور / ٤.

(٥) لسان العرب والمصباح المنير، والموسوعة الفقهية. مصطلح (رمى ١ - ٢) .

د - الزِّنَا:

٥ - الزِّنَا بِالْقَصْرِ لُغَةُ أَهْل الْحِجَازِ، وَبِالْمَدِّ لُغَةُ أَهْل نَجْدٍ، وَمَعْنَاهُ الْفُجُورُ، يُقَال: زَنَى يَزْنِي زِنًا: فَجَرَ. وَاصْطِلاَحًا: عَرَّفَهُ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ وَطْءُ الرَّجُل الْمَرْأَةَ فِي الْقُبُل فِي غَيْرِ الْمِلْكِ وَشُبْهَتِهِ (١) .

وَالصِّلَةُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ الْقَذْفَ اتِّهَامٌ بِالزِّنَا.

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:

٦ - قَذْفُ الْمُحْصَنِ وَالْمُحْصَنَةِ حَرَامٌ، وَهُوَ مِنَ الْكَبَائِرِ، وَالأَْصْل فِي تَحْرِيمِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ.

أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ (٢)، وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاَتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ (٣) .

وَأَمَّا السُّنَّةُ: فَقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ، قَالُوا: يَا رَسُول اللَّهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَال: الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْل النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ، وَأَكْل الرِّبَا، وَأَكْل مَال الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ،

_________

(١) حاشية ابن عابدين ٤ / ٤، وبداية المجتهد ٢ / ٣٢٤.

(٢) سورة النور / ٤.

(٣) سورة النور / ٢٣.

وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلاَتِ (١) .

وَقَدْ يَكُونُ وَاجِبًا وَهُوَ: أَنْ يَرَى امْرَأَتَهُ تَزْنِي فِي طُهْرٍ لَمْ يَطَأْهَا فِيهِ ثُمَّ يَعْتَزِلَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، فَإِنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ الزِّنَى وَأَمْكَنَهُ نَفْيُهُ عَنْهُ، وَجَبَ عَلَيْهِ قَذْفُهَا وَنَفْيُ وَلَدِهَا.

وَمُبَاحٌ: وَهُوَ أَنْ يَرَى زَوْجَتَهُ تَزْنِي، أَوْ يَثْبُتَ عِنْدَهُ زِنَاهَا، وَلَيْسَ ثَمَّ وَلَدٌ يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ.

صِيغَةُ الْقَذْفِ:

٧ - الْقَذْفُ عَلَى ثَلاَثَةِ أَضْرُبٍ: صَرِيحٌ، وَكِنَايَةٌ، وَتَعْرِيضٌ.

فَاللَّفْظُ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ الْقَذْفُ: إِنْ لَمْ يَحْتَمِل غَيْرَهُ فَصَرِيحٌ، وَإِلاَّ فَإِنْ فُهِمَ مِنْهُ الْقَذْفُ بِوَضْعِهِ فَكِنَايَةٌ، وَإِلاَّ فَتَعْرِيضٌ (٢) .

وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْقَذْفَ بِصَرِيحِ الزِّنَا يُوجِبُ الْحَدَّ بِشُرُوطِهِ.

وَأَمَّا الْكِنَايَةُ: فَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ:

إِذَا أَنْكَرَ الْقَذْفَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَعَلَيْهِ التَّعْزِيرُ عِنْدَ جُمْهُورِ فُقَهَاءِ الشَّافِعِيَّةِ، لِلإِْيذَاءِ، وَقَيَّدَهُ الْمَاوَرْدِيُّ بِمَا إِذَا خَرَجَ اللَّفْظُ مَخْرَجَ السَّبِّ وَالذَّمِّ، فَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ حُبِسَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، فَإِنْ طَال حَبْسُهُ وَلَمْ يَحْلِفْ عُزِّرَ.

_________

(١) المغني ٨ / ٢١٥. وحديث: " اجتنبوا السبع الموبقات. . . " أخرجه البخاري (فتح الباري ٥ / ٣٩٣)، ومسلم (١ / ٩٢) من حديث أبي هريرة.

(٢) الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع ٣ / ٢٠١.

وَلَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي بَعْضِ الأَْلْفَاظِ:

فَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِذَا قَال لِرَجُلٍ: يَا فَاجِرُ، يَا فَاسِقُ، يَا خَبِيثُ، أَوْ لاِمْرَأَةٍ: يَا فَاجِرَةُ، يَا فَاسِقَةُ، يَا خَبِيثَةُ، أَوْ أَنْتِ تُحِبِّينَ الْخَلْوَةَ، أَوْ لاَ تَرُدِّينَ يَدَ لاَمِسٍ، فَإِنْ أَنْكَرَ إِرَادَةَ الْقَذْفِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ؛ لأَِنَّهُ أَعْرَفُ بِمُرَادِهِ، فَيَحْلِفُ أَنَّهُ مَا أَرَادَ الْقَذْفَ، ثُمَّ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ (١) .

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: إِذَا قَال لآِخَرَ: يَا فَاجِرُ، يَا فَاسِقُ، أَوْ يَا ابْنَ الْفَاجِرَةِ، أَوْ يَا ابْنَ الْفَاسِقَةِ، يُؤَدَّبُ، فَإِذَا قَال: يَا خَبِيثُ، أَوْ يَا ابْنَ الْخَبِيثَةِ، فَإِنَّهُ يَحْلِفُ أَنَّهُ مَا أَرَادَ قَذْفًا، فَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ يُحْبَسُ، فَإِنْ طَال حَبْسُهُ وَلَمْ يَحْلِفْ عُزِّرَ.

وَإِذَا قَال: يَا فَاجِرُ بِفُلاَنَةَ، فَفِيهِ قَوْلاَنِ: الأَْوَّل: حُكْمُهُ حُكْمُ مَا إِذَا قَال: يَا خَبِيثُ، أَوْ يَا ابْنَ الْخَبِيثَةِ.

الثَّانِي: أَنْ يُضْرَبَ حَدَّ الْقَذْفِ، إِلاَّ أَنْ تَكُونَ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى أَمْرٍ صَنَعَهُ مِنْ وُجُوهِ الْفُجُورِ، أَوْ مِنْ أَمْرٍ يَدَّعِيهِ، فَيَكُونُ فِيهِ مَخْرَجٌ لِقَوْلِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ، فَعَلَيْهِ الْحَدُّ، وَإِذَا قَال لآِخَرَ: يَا مُخَنَّثُ، فَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ عَلَيْهِ الْحَدُّ، إِلاَّ أَنْ يَحْلِفَ بِاللَّهِ، إِنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ قَذْفًا، فَإِنْ حَلَفَ عُفِيَ عَنْهُ بَعْدَ الأَْدَبِ، وَلاَ يُضْرَبُ حَدَّ الْفِرْيَةِ، وَإِنَّمَا تُقْبَل يَمِينُهُ، إِذَا

_________

(١) مغني المحتاج ٣ / ٣٦٩.

كَانَ الْمَقْذُوفُ فِيهِ تَأْنِيثٌ وَلِينٌ وَاسْتِرْخَاءٌ، فَحِينَئِذٍ يُصَدَّقُ، وَيَحْلِفُ إِنَّهُ لَمْ يُرِدْ قَذْفًا، وَإِنَّمَا أَرَادَ تَأْنِيثَهُ ذَلِكَ، وَأَمَّا إِذَا كَانَ الْمَقْذُوفُ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، ضُرِبَ الْحَدَّ، وَلَمْ تُقْبَل يَمِينُهُ، إِذَا زَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ قَذْفًا (١)، وَلَوْ قَال لاِمْرَأَةٍ: يَا قَحْبَةُ، فَعَلَيْهِ الْحَدُّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ (٢) .

وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: لاَ حَدَّ إِلاَّ عَلَى مَنْ صَرَّحَ بِالْقَذْفِ، فَلَوْ قَال رَجُلٌ لآِخَرَ: يَا فَاسِقُ يَا خَبِيثُ، أَوْ يَا فَاجِرُ، أَوْ يَا فَاجِرُ ابْنَ الْفَاجِرِ، أَوْ يَا ابْنَ الْقَحْبَةِ، فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ؛ لأَِنَّهُ مَا نَسَبَهُ وَلاَ أُمَّهُ إِلَى صَرِيحِ الزِّنَا، فَالْفُجُورُ قَدْ يَكُونُ بِالزِّنَا وَغَيْرِ الزِّنَا، وَالْقَحْبَةُ مَنْ يَكُونُ مِنْهَا هَذَا الْفِعْل، فَلاَ يَكُونُ هَذَا قَذْفًا بِصَرِيحِ الزِّنَا، فَلَوْ أَوْجَبْنَا الْحَدَّ، فَقَدْ أَوْجَبْنَاهُ بِالْقِيَاسِ، وَلاَ مَدْخَل لِلْقِيَاسِ فِي الْحَدِّ، لَكِنَّهُ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ؛ لأَِنَّهُ ارْتَكَبَ حَرَامًا، وَلَيْسَ فِيهِ حَدٌّ مُقَدَّرٌ؛ وَلأَِنَّهُ أَلْحَقَ بِهِ نَوْعَ شَيْنٍ بِمَا نَسَبَهُ إِلَيْهِ، فَيَجِبُ التَّعْزِيرُ، لِدَفْعِ ذَلِكَ الشَّيْنِ عَنْهُ (٣) .

٨ - وَلَوْ قَال رَجُلٌ لآِخَرَ: زَنَأْتَ مَهْمُوزًا، كَانَ قَذْفًا صَرِيحًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ،

_________

(١) الدسوقي ٤ / ٣٣٠، والمدونة ٤ / ٣٨٧.

(٢) حاشية الدسوقي ٤ / ٣٢٨، ومغني المحتاج ٣ / ٣٦٨.

(٣) المبسوط ٩ / ١١٩، والمغني ٨ / ٢٢١، ٢٢٢، وكشاف القناع ٦ / ١١٠.

وَالْحَنَابِلَةِ فِي الْمَذْهَبِ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ فِي مُقَابِل الأَْصَحِّ لِلشَّافِعِيَّةِ؛ لأَِنَّ عَامَّةَ النَّاسِ لاَ يَفْهَمُونَ مِنْ ذَلِكَ إِلاَّ الْقَذْفَ، فَكَانَ قَذْفًا، كَمَا لَوْ قَال: زَنَيْتَ.

وَالْقَوْل الثَّانِي فِي مُقَابِل الأَْصَحِّ لِلشَّافِعِيَّةِ:

أَنَّهُ إِنْ كَانَ مِنْ أَهْل اللُّغَةِ فَكِنَايَةٌ، وَإِنْ كَانَ مِنَ الْعَامَّةِ فَهُوَ قَذْفٌ؛ لأَِنَّ الْعَامَّةَ لاَ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ زَنَيْتَ وَزَنَأْتَ.

وَالأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّهُ كِنَايَةٌ.

وَقَال ابْنُ حَامِدٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ: إِنْ كَانَ عَامِّيًّا فَهُوَ قَذْفٌ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْل الْعَرَبِيَّةِ لَمْ يَكُنْ قَذْفًا.

٩ - وَلَوْ قَال لِرَجُلٍ: يَا زَانِيَةُ، لاَ يُحَدُّ اسْتِحْسَانًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ لِلْحَنَابِلَةِ؛ لأَِنَّهُ رَمَاهُ بِمَا يَسْتَحِيل مِنْهُ.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَمُحَمَّدٍ يُحَدُّ؛ لأَِنَّهُ قَذَفَهُ عَلَى الْمُبَالَغَةِ، فَإِنَّ التَّاءَ تُزَادُ لَهُ كَمَا فِي عَلاَّمَةٍ وَنَسَّابَةٍ، وَهُوَ الْقَوْل الثَّانِي لِلْحَنَابِلَةِ، وَرَجَّحَهُ فِي الْمُغْنِي؛ لأَِنَّ مَا كَانَ قَذْفًا لأَِحَدِ الْجِنْسَيْنِ، كَانَ قَذْفًا لِلآْخَرِ، كَقَوْلِهِ: زَنَيْتَ بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِهَا لَهُمَا جَمِيعًا؛ وَلأَِنَّ هَذَا خِطَابٌ لَهُ، وَإِشَارَةٌ إِلَيْهِ بِلَفْظِ الزِّنَا، وَذَلِكَ يُغْنِي عَنِ التَّمْيِيزِ بِتَاءِ التَّأْنِيثِ وَحَذْفِهَا، وَلَوْ قَال لاِمْرَأَةٍ: " يَا زَانِي " حُدَّ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا؛ لأَِنَّ التَّرْخِيمَ

شَائِعٌ، كَقَوْلِهِمْ فِي " مَالِكٍ ": " يَا مَال " وَفِي " حَارِثٍ ": " يَا حَارِ (١) ".

١٠ - وَإِنْ قَال زَنَى فَرْجُكِ، أَوْ ذَكَرُكَ، فَهُوَ قَذْفٌ؛ لأَِنَّ الزِّنَا يَقَعُ بِذَلِكَ، وَإِنْ قَال: زَنَتْ عَيْنُكَ، أَوْ يَدُكَ، أَوْ رِجْلُكَ، فَلَيْسَ بِقَذْفٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.

وَلِلشَّافِعِيَّةِ فِيهِ قَوْلاَنِ: الْمَذْهَبُ أَنَّهُ كِنَايَةٌ، إِنْ قَصَدَ الْقَذْفَ كَانَ قَذْفًا، وَإِلاَّ فَلاَ؛ لأَِنَّ الزِّنَا لاَ يُوجَدُ مِنْ هَذِهِ الأَْعْضَاءِ حَقِيقَةً، وَلِهَذَا قَال النَّبِيُّ ﷺ: إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا، أَدْرَكَ ذَلِكَ لاَ مَحَالَةَ، فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَا اللِّسَانِ النُّطْقُ، وَالنَّفْسُ تَتَمَنَّى وَتَشْتَهِي، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُكَذِّبُهُ (٢)، وَمُقَابِل الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ قَذْفٌ، لأَِنَّهُ أَضَافَ الزِّنَا إِلَى عُضْوٍ مِنْهُ، فَأَشْبَهَ مَا إِذَا أَضَافَهُ إِلَى الْفَرْجِ (٣)، فَإِنْ قَال: زَنَى بَدَنُكَ، فَفِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَيْسَ بِقَذْفٍ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ؛ لأَِنَّ الزِّنَا بِجَمِيعِ الْبَدَنِ يَكُونُ بِالْمُبَاشَرَةِ، فَلَمْ يَكُنْ صَرِيحًا فِي الْقَذْفِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ قَذْفٌ؛ لأَِنَّهُ أَضَافَهُ إِلَى جَمِيعِ

_________

(١) فتح القدير ٤ / ١٩١، والمهذب ٢ / ٢٩١، والمغني ٨ / ٢٢٥.

(٢) حديث: " إن الله كتب على ابن آدم. . . " أخرجه البخاري (فتح الباري ١١ / ٢٦)، ومسلم (٤ / ٢٠٤٦) من حديث أبي هريرة.

(٣) مغني المحتاج ٣ / ٣٧٠.

الْبَدَنِ، وَالْفَرْجُ دَاخِلٌ فِيهِ (١) .

وَإِنْ قَال لِرَجُلٍ: أَنْتَ أَزْنَى مِنْ فُلاَنٍ، فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مُطْلَقًا؛ لأَِنَّ أَفْعَل يُذْكَرُ بِمَعْنَى الْمُبَالَغَةِ فِي الْعِلْمِ، فَكَانَ مَعْنَى كَلاَمِهِ: أَنْتَ أَعْلَمُ بِالزِّنَا مِنْ فُلاَنٍ، أَوْ أَنْتَ أَقْدَرُ عَلَى الزِّنَا مِنْ فُلاَنٍ.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: لاَ يَكُونُ قَذْفًا مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ.

وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَأَبِي يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: يَكُونُ قَذْفًا فَيُحَدُّ، وَهَل يَكُونُ قَاذِفًا لِلثَّانِي؟ فِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: يَكُونُ قَاذِفًا لَهُ، لأَِنَّهُ أَضَافَ الزِّنَا إِلَيْهِمَا، وَجَعَل أَحَدَهُمَا فِيهِ أَبْلَغَ مِنَ الآْخَرِ، فَإِنَّ لَفْظَةَ: " أَفْعَل " لِلتَّفْضِيل، فَيَقْتَضِي اشْتِرَاكَ الْمَذْكُورَيْنِ فِي أَصْل الْفِعْل، وَتَفْضِيل أَحَدِهِمَا عَلَى الآْخَرِ فِيهِ، كَقَوْلِهِ: " أَجْوَدُ مِنْ حَاتِمٍ ".

وَالثَّانِي: يَكُونُ قَاذِفًا لِلْمُخَاطَبِ خَاصَّةً؛ لأَِنَّ لَفْظَةَ: " أَفْعَل " قَدْ تُسْتَعْمَل لِلْمُنْفَرِدِ بِالْفِعْل، كَقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: ﴿أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لاَ يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدَى﴾ (٢) .

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِنْ قَال لِرَجُلٍ:

_________

(١) المبسوط ٩ / ١٢٩، والمهذب ٢ / ٢٩٠، ٢٩١.

(٢) سورة يونس / ٣٥.

يَا زَانِي، فَقَال آخَرُ: صَدَقْتَ، لَمْ يُحَدَّ الْمُصَدِّقُ؛ لأَِنَّهُ مَا صَرَّحَ بِنِسْبَتِهِ إِلَى الزِّنَا، وَتَصْدِيقُهُ إِيَّاهُ لَفْظٌ مُحْتَمَلٌ، يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ فِي الزِّنَا وَفِي غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ إِنَّمَا يُفْهَمُ مِنْهُ التَّصْدِيقُ فِي الزِّنَا، وَلَكِنَّ هَذَا الظَّاهِرَ لاَ يَكْفِي لإِيجَابِ الْحَدِّ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ قَال: صَدَقْتَ هُوَ كَمَا قُلْتَ، فَحِينَئِذٍ قَدْ صَرَّحَ بِكَلاَمِهِ أَنَّ مُرَادَهُ التَّصْدِيقُ فِي نِسْبَتِهِ إِلَى الزِّنَا، فَيَكُونُ قَاذِفًا لَهُ.

وَقَال زُفَرُ: فِي كِلْتَا الْمَسْأَلَتَيْنِ يُحَدَّانِ جَمِيعًا، وَإِنْ قَال لِرَجُلٍ: أَشْهَدُ أَنَّكَ زَانٍ، وَقَال آخَرُ: وَأَنَا أَشْهَدُ أَيْضًا، لاَ حَدَّ عَلَى الآْخَرِ؛ لأَِنَّ قَوْلَهُ أَشْهَدُ كَلاَمٌ مُحْتَمَلٌ، فَلاَ يَتَحَقَّقُ بِهِ الْقَذْفُ إِلاَّ أَنْ يَقُول: أَنَا أَشْهَدُ عَلَيْهِ بِمِثْل مَا شَهِدْتَ بِهِ، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ قَاذِفًا لَهُ (١) .

١١ - وَمَنْ قَذَفَ رَجُلًا بِعَمَل قَوْمِ لُوطٍ إِمَّا فَاعِلًا أَوْ مَفْعُولًا، فَعَلَيْهِ حَدُّ الْقَذْفِ؛ لأَِنَّهُ قَذَفَهُ بِوَطْءٍ يُوجِبُ الْحَدَّ، فَأَشْبَهَ الْقَذْفَ بِالزِّنَا، وَهَذَا قَوْل الْحَسَنِ وَالنَّخَعِيِّ، وَالزُّهْرِيِّ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَأَبِي ثَوْرٍ.

وَقَال عَطَاءٌ وَقَتَادَةُ وَأَبُو حَنِيفَةَ: لاَ حَدَّ عَلَيْهِ؛ لأَِنَّهُ قَذَفَهُ بِمَا لاَ يُوجِبُ الْحَدَّ عِنْدَهُمْ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَذَفَ امْرَأَةً أَنَّهَا وُطِئَتْ فِي دُبُرِهَا،

_________

(١) المبسوط ٩ / ١٢٠، ١٢١.

الصفحة السابقة