الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٣٢ -
لاَ يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ لاِنْتِقَال الْمِلْكِيَّةِ إلَى الْمَوْهُوبِ بَل تَثْبُتُ لَهُ بِالْعَقْدِ وَعَلَى الْوَاهِبِ إقْبَاضُهُ وَفَاءً بِالْعَقْدِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ (١) حَتَّى إنَّ الْمَالِكِيَّةَ نَصُّوا عَلَى إجْبَارِ الْوَاهِبِ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَوْهُوبِ إنِ امْتَنَعَ (٢) .
وَاسْتَدَلُّوا عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ فِي الْهِبَةِ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْبَيْعِ، حَيْثُ إنَّ الْمُشْتَرِيَ يَمْلِكُ مَا اشْتَرَاهُ بِالْعَقْدِ، وَلَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ.
كَمَا اسْتَدَلُّوا بِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ أَهْدَى إلَى النَّجَاشِيِّ أُوَاقًا مِنْ مِسْكٍ، ثُمَّ قَال لأُِمِّ سَلَمَةَ: إنِّي لاَ أَرَاهُ إلاَّ قَدْ مَاتَ، وَلاَ أَرَى الْهَدِيَّةَ الَّتِي أَهْدَيْتُ إلَيْهِ إلاَّ سَتُرَدُّ، فَإِذَا رُدَّتْ إلَيَّ، فَهُوَ لَكِ أَمْ لَكُمْ، فَكَانَ كَمَا قَال (٣) فَدَل ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْهَدِيَّةَ لاَ تُمْلَكُ إلاَّ بِالْقَبْضِ.
وَبِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَة ﵂ أَنَّهَا قَالَتْ: إنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ نَحَلَهَا جَادَّ عِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ مَالِهِ بِالْغَابَةِ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ، قَال: وَاَللَّهِ يَا بُنَيَّةُ مَا مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ أَحَبُّ إلَيَّ غِنًى بَعْدِي مِنْكِ، وَلاَ أَعَزُّ عَلَيَّ فَقْرًا
_________
(١) سورة المائدة / ١.
(٢) الشرح الكبير ٤ / ١٠١.
(٣) حديث: " أن النبي صلى الله عليه ولم أهدى إلى النجاشي أواقًا من مسك. . . ". أخرجه الحاكم (٢ / ١٨٨) وقال الذهبي: منكر، ومسلم الزنجي ضعيف.