الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٣٢ -
فَكَيْفَ يَفْضُل بَعْضُهُ بَعْضًا، وَكَيْفَ يَكُونُ بَعْضُهُ أَشْرَفَ مِنْ بَعْضٍ؟ وَلِئَلاَّ يُوهِمَ التَّفْضِيل نَقْصَ الْمُفَضَّل عَلَيْهِ، وَلِذَلِكَ كَرِهَ الإِْمَامُ مَالِكٌ أَنْ تُعَادَ قِرَاءَةُ سُورَةٍ أَوْ تُرَدَّدَ دُونَ غَيْرِهَا.
ثُمَّ اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِالتَّفْضِيل فِي السَّبَبِ الَّذِي يُفَضَّل بِهِ بَعْضُ الْقُرْآنِ عَلَى بَعْضٍ، فَقَال بَعْضُهُمْ: الْفَضْل رَاجِعٌ إِلَى عِظَمِ الأَْجْرِ وَمُضَاعَفَةِ الثَّوَابِ، بِحَسَبِ انْتِقَالاَتِ النَّفْسِ وَخَشْيَتِهَا وَتَدَبُّرِهَا وَتَفَكُّرِهَا عِنْدَ وُرُودِ أَوْصَافِ الْعَلِيِّ الْحَكِيمِ.
وَقَال بَعْضُهُمْ: إِنَّ التَّفْضِيل يَرْجِعُ إِلَى أَمْرٍ تَعَبُّدِيٍّ لاَ يَظْهَرُ لَنَا، فَتَكُونُ سُورَةٌ أَفْضَل مِنْ سُورَةٍ، لأَِنَّ اللَّهَ ﷾ جَعَل قِرَاءَتَهَا كَقِرَاءَةِ أَضْعَافِهَا مِمَّا سِوَاهَا، وَأَوْجَبَ بِهَا مِنَ الثَّوَابِ مَا لَمْ يُوجِبْ بِغَيْرِهَا، كَمَا جَعَل يَوْمًا أَفْضَل مِنْ يَوْمٍ وَشَهْرًا أَفْضَل مِنْ شَهْرٍ، بِمَعْنَى أَنَّ الْعِبَادَةَ فِيهِ تَفْضُل عَلَى الْعِبَادَةِ فِي غَيْرِهِ، وَالذَّنْبَ فِيهِ أَعْظَمُ مِنَ الذَّنْبِ فِي غَيْرِهِ، وَكَمَا جَعَل الْحَرَمَ أَفْضَل مِنَ الْحِل، لأَِنَّهُ يَتَأَدَّى فِيهِ مِنَ الْمَنَاسِكِ مَا لاَ يَتَأَدَّى فِي غَيْرِهِ، وَالصَّلاَةُ فِيهِ يُضَاعَفُ أَجْرُهَا أَكْثَرَ مِنَ الصَّلاَةِ فِي غَيْرِهِ.
وَقَال آخَرُونَ: إِنَّ الْفَضْل يَرْجِعُ لِذَاتِ اللَّفْظِ، فَإِنَّ مَا تَضَمَّنَهُ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِلَهُكُمْ