الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٣ -
الْقِيَامِ بِمَا كُلِّفَ بِهِ بِإِعَانَةِ غَيْرِهِ، وَعَدَمِ قُدْرَتِهِ بِنَفْسِهِ. وَهَذَا النَّوْعُ مِنْ الاِسْتِطَاعَةِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَحَقُّقِ شَرْطِ التَّكْلِيفِ بِهِ:
فَالْجُمْهُورُ مِنَ الْفُقَهَاءِ يَعْتَبِرُونَ الْمُسْتَطِيعَ بِغَيْرِهِ مُكَلَّفًا بِمُقْتَضَى هَذِهِ الاِسْتِطَاعَةِ، ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ الْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ، وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ؛ لأَِنَّ الْمُسْتَطِيعَ بِغَيْرِهِ يُعْتَبَرُ قَادِرًا عَلَى الأَْدَاءِ.
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: الْمُسْتَطِيعُ بِغَيْرِهِ عَاجِزٌ وَغَيْرُ مُسْتَطِيعٌ؛ لأَِنَّ الْعَبْدِ يُكَلَّفُ بِقُدْرَةِ نَفْسِهِ لاَ بِقُدْرَةِ غَيْرِهِ؛ وَلأَِنَّهُ يُعَدُّ قَادِرًا إِذَا اخْتُصَّ بِحَالَةٍ تُهَيِّئُ لَهُ الْفِعْل مَتَى أَرَادَ، وَهَذَا لاَ يَتَحَقَّقُ بِقُدْرَةِ غَيْرِهِ.
وَيَسْتَثْنِي أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ ذَلِكَ حَالَتَيْنِ:
الْحَالَةَ الأُْولَى: مَا إِذَا وَجَدَ مَنْ كَانَتْ إِعَانَتُهُ وَاجِبَةً عَلَيْهِ، كَوَلَدِهِ وَخَادِمِهِ.
الْحَالَةَ الثَّانِيَةَ: مَا إِذَا وَجَدَ مَنْ إِذَا اسْتَعَانَ بِهِ أَعَانَهُ مِنْ غَيْرِ مِنَّةٍ، كَزَوْجَتِهِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ قَادِرًا بِقُدْرَةِ هَؤُلاَءِ (١) .
وَقَدْ أَوْرَدَ الْفُقَهَاءُ ذَلِكَ فِي كَثِيرٍ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ. وَاخْتَلَفُوا فِي حُكْمِهَا، وَمِنْهَا:
الْعَاجِزُ عَنِ الْوُضُوءِ إِذَا وَجَدَ مَنْ يُعِينُهُ.
وَالْعَاجِزُ عَنِ التَّوَجُّهِ إِلَى الْقِبْلَةِ إِذَا وَجَدَ مَنْ يُوَجِّهُهُ إِلَيْهَا.
وَالأَْعْمَى إِذَا وَجَدَ مَنْ يَقُودُهُ إِلَى صَلاَةِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ.
_________
(١) البحر الرائق ١ / ١٤٧ - ١٤٨، و٣٠٢، وحاشية ابن عابدين ١ / ٢٩٠، و٤٧٠ - ٤٧١، ونهاية المحتاج ١ / ٤٠٨، والمغني ١ / ٢٤٠، وشرح الزرقاني على مختصر خليل ١ / ١١٣