الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٣ - تراجم الفقهاء - استرقاق - حكمة تشريع الاسترقاق
الإِْمَامِ، إِنْ رَأَى فِي قَتْلِهِ مَصْلَحَةً لِلْمُسْلِمِينَ قَتَلَهُ، وَإِنْ رَأَى فِي اسْتِرْقَاقِهِ مَصْلَحَةً لِلْمُسْلِمِينَ اسْتَرَقَّهُ، كَمَا يَجُوزُ الْمَنُّ وَالْفِدَاءُ أَيْضًا. أَمَّا إِنْ كَانَ مِمَّنْ لاَ يَجُوزُ قَتْلُهُ فِي الْحَرْبِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهِ عَلَى اتِّجَاهَيْنِ:
فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى وُجُوبِ اسْتِرْقَاقِهِ، بَل إِنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّهُ يُسْتَرَقُّ بِنَفْسِ الأَْسْرِ (١) .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى جَوَازِ اسْتِرْقَاقِهِ، حَيْثُ يُخَيَّرُ الإِْمَامُ بَيْنَ الاِسْتِرْقَاقِ وَغَيْرِهِ، كَجَعْلِهِمْ ذِمَّةً لِلْمُسْلِمِينَ، أَوِ الْمُفَادَاةِ بِهِمْ (٢)، أَوِ الْمَنِّ عَلَيْهِمْ - كَمَا فَعَل الرَّسُول ﷺ فِي فَتْحِ مَكَّةَ - عَلَى مَا يَرَى مِن الْمَصْلَحَةِ فِي ذَلِكَ. وَلِلتَّفْصِيل (ر: أَسْرَى)
حِكْمَةُ تَشْرِيعِ الاِسْتِرْقَاقِ:
٤ - قَال مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبُخَارِيُّ شَيْخُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ:
" الرِّقُّ إِنَّمَا ثَبَتَ فِي بَنِي آدَمَ لاِسْتِنْكَافِهِمْ مِنْ عُبُودِيَّتِهِمْ لِلَّهِ تَعَالَى الَّذِي خَلَقَهُمْ، وَكُلُّهُمْ عَبِيدُهُ وَأَرِقَّاؤُهُ، فَإِنَّهُ خَلَقَهُمْ وَكَوَّنَهُمْ، فَلَمَّا اسْتَنْكَفُوا عَنْ عُبُودِيَّتِهِمْ لِلَّهِ تَعَالَى جَزَاهُمْ بِرِقِّهِمْ لِعِبَادِهِ، فَإِذَا أَعْتَقَهُ فَقَدْ أَعَادَهُ الْمُعْتِقُ إِلَى رِقِّهِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى خَالِصًا، فَعَسَى يَرَى هَذِهِ الْمِنَّةَ: أَنَّهُ لَوِ اسْتَنْكَفَ مِنْ عُبُودِيَّتِهِ لِلَّهِ تَعَالَى لاَبْتُلِيَ بِرِقٍّ لِعَبِيدِهِ، فَيُقِرُّ لِلَّهِ تَعَالَى
_________
(١) الأم ٤ / ١٤٤ طبع دار المعرفة، وأسنى المطالب ٤ / ١٩٣، والكافي ٣ / ٢٧١
(٢) بدائع الصنائع ٩ / ٤٣٤٨، وفتح القدير ٤ / ٣٠٦، ومواهب الجليل ٣ / ٣٥١