الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٣ -
وَيَنْصَحَهُ، وَيَمْنَعَهُ عَنِ الْمُنْكَرِ بِالْوَسِيلَةِ الَّتِي يَسْتَطِيعُهَا.
١٣ - وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْمَرْءَ إِذَا وَقَعَ مِنْهُ مَا يُعَابُ عَلَيْهِ يُنْدَبُ لَهُ السَّتْرُ عَلَى نَفْسِهِ، فَلاَ يُعْلِمُ أَحَدًا، حَتَّى الْقَاضِيَ، بِفَاحِشَتِهِ لإِقَامَةِ الْحَدِّ أَوِ التَّعْزِيرِ عَلَيْهِ (١)، لِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَال: سَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ ﷺ يَقُول: كُل أُمَّتِي مُعَافًى إِلاَّ الْمُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنَ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَل الرَّجُل بِاللَّيْل عَمَلًا، ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى، فَيَقُول: يَا فُلاَنُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سَتْرَ اللَّهِ عَنْهُ. (٢)
وَقَوْلُهُ ﷺ مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِي لَنَا مِنْ صَفْحَتِهِ نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ. (٣) وَقَال أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: لَوْ أَخَذْتُ شَارِبًا لأَحْبَبْتُ أَنْ يَسْتُرَهُ اللَّهُ، وَلَوْ أَخَذْتُ سَارِقًا لأَحْبَبْتُ أَنْ يَسْتُرَهُ اللَّهُ (٤)، وَأَنَّ الصَّحَابَةَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلِيًّا وَعَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ وَأَبَا هُرَيْرَةَ وَأَبَا الدَّرْدَاءِ وَالْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ وَغَيْرَهُمْ (٥)، قَدْ أُثِرَ عَنْهُمُ السَّتْرُ عَلَى مُعْتَرِفٍ بِالْمَعْصِيَةِ، أَوْ تَلْقِينِهِ الرُّجُوعَ مِنْ إِقْرَارِهِ بِهَا، سَتْرًا عَلَيْهِ، وَسَتْرُ مُعْتَرِفِ الْمَعْصِيَةِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْلَى مِنْ سَتْرِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ.
وَالْجَهْرُ بِالْمَعْصِيَةِ عَنْ جَهْلٍ، لَيْسَ كَالْجَهْرِ بِالْمَعْصِيَةِ تَبَجُّحًا. قَال ابْنُ حَجَرٍ: فَإِنَّ مَنْ قَصَدَ
_________
(١) فتح الباري ١ / ٣٩٩، والفروع ٣ / ٢٦٤، ومنتهى الإرادات ٢ / ٤٦٠، ومغني المحتاج ٤ / ١٥٠، وحاشية ابن عابدين ٥ / ١٤٠
(٢) فتح الباري ١٠ / ٣٩٩
(٣) أخرجه الحاكم والبيهقي، ومالك في الموطأ باب الحدود.
(٤) مخطوط مصنف ابن أبي شيبة ٢ / ١٣٢
(٥) مخطوط مصنف ابن أبي شيبة ٢ / ١٢٣ و١٣٠