الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٣
الارتفاق بالمنافع العامة والأولوية فيه
أحكام رجوع المرفق وأثره على الارتفاق
الحقوق المتعلقة بالتركة والترتيب بينها
اختلاف الدارين بين غير المسلمين
أدلة القائلين بتوريث ذوي الأرحام
المذاهب في كيفية توريث ذوي الأرحام
كيفية توريث أولاد الصنف الرابع
إرث ذوي الأرحام مع أحد الزوجين
استحقاق المقر له بالنسب على الغير
الموصى له بأكثر من الثلث ولا وارث له
الغراوان، أو الغريمتان، أو الغريبتان، أو العمريتان
النظر واللمس والخلوة بالنسبة للمحارم
إرسال العذبة من العمامة والتحنيك بها
ثانيا الإرسال بمعنى بعث الرسول
أثر الإرسال في قبول الشهادة للمرسل أو عليه
حكم ضمان ما أتلفته الحيوانات والمواشي المرسلة
أولا الإرصاد بمعنى (تخصيص بعض أراضي بيت المال لبعض مصارفه)
ثانيا الإرصاد بمعنى تخصيص ريع الوقف لسداد ديونه
طهارة الأرض، وتطهيرها، والتطهير بها
التطهر بالتراب وغيره من أجزاء الأرض
كراؤها بالطعام وما تنبته الأرض
بيع الإمام أرض الحوز، وحق مشتريها في التصرف
الوظيفة في المبيع من أرض الحوز
وقف الإمام أرض الحوز التي بأيدي المنتفعين
إقطاع الإمام شيئا من أرض الحوز
ما يمنع الكفار من سكناه من أرض العرب
بحر الجزيرة العربية وما فيه من الجزر
ما يشترط لدخول الكفار أرض العرب
دور العبادة للكفار في أرض العرب
حكم صنعها واقتنائها والتعامل فيها
ثانيا الاستئذان للتصرف في ملك الغير أو حقه
استئذان المرأة لإدخال الغير إلى بيت زوجها
الاستئذان للأكل من ثمر البستان وشرب لبن الماشية
استئذان المرأة زوجها في التبرع من ماله
استئذان المرأة زوجها للخروج من منزله
الحصول على حق لا يمكن الحصول عليه بالاستئذان
عند حصول الملك للتي يقصد وطؤها
وجوب الاستتار عمن لا يحل له النظر إليه
الشرط الرابع التلفظ بالاستثناء
ما يثبت فيه حكم الاستثناء الحقيقي
ما يثبت فيه حكم الاستثناء بالمشيئة
استحاضة المبتدأة بالحيض، والمبتدأة بالحمل
استحاضة من ليس لها عادة معروفة
ما تراه المرأة الحامل من الدم أثناء حملها
ما تراه المرأة من الدم بين الولادتين (إن كانت حاملا بتوأمين)
حكم ما يسيل من دم المستحاضة على الثوب
تلف المرهون المستحق في يد المرتهن
استحقاق المرهون بعد بيع العدل له
ثانيا الاستخلاف لإقامة الجمعة ونحوها
الاستخلاف في أثناء خطبة الجمعة
من يصح استخلافه، وأفعال المستخلف
صفة الاستدانة (حكمها التكليفي)
أولا الاستدانة لحقوق الله تعالى
ثانيا الاستدانة لأداء حقوق العباد
ثانيا الاستدانة للنفقة على الزوجة
ثالثا الاستدانة للإنفاق على الأولاد والأقارب
الشرط الثاني عدم انضمام عقد آخر
الاستدانة من بيت المال، ولبيت المال، ونحوه، كالوقف
القسم الأول الاستدراك القولي ب " لكن " وأخواتها
أولا الاستدراك بمعنى تلافي النقص عن الأوضاع الشرعية
وسائل استدراك النقص في العبادة
ثانيا ١٤ - تلافي القصور في الإخبار والإنشاء.
متى يشرع الاسترجاع عند المصيبة؟ ومتى لا يشرع
التصرفات التي لا تلزم متنوعة، منها
ثالثا العقد الموقوف عند عدم الإجازة
أولا بالنسبة للبيع الفاسد والغصب
التغيير بالغرس والبناء في الأرض
أولا يسقط الحق في استرداد العين والضمان بما يأتي
ثانيا ما يسقط الحق في استرداد العين مع بقاء الحق في الضمان
عودة حق الاسترداد بعد زوال المانع
الأسرى من الذين اشتركوا في حرب المسلمين فعلا
الأسرى من الذين أخذوا في الحرب ممن لا يجوز قتلهم، كالنساء والذراري وغيرهم
المرأة المرتدة في بلاد الإسلام
الحربي الذي دخل إلينا بغير أمان
تقديم الصلاة على الخطبة وتأخيرها
التقسيم الثاني استطاعة بالنفس، واستطاعة بالغير
اختلاف الاستطاعة من شخص لآخر، ومن عمل لآخر
ابن عقيل الحنبلي (٤٣١ - ٥١٣ هـ)
أبو الحسن المغربي (؟ - ١١٩٩هـ)
أبو علي السنجي (؟ - ٤٢٧ وقيل ٤٣٠ هـ)
الخطيب البغدادي (٣٩٢ - ٤٦٣ هـ)
داود الطائي (؟ - ١٦٥ وقيل ١٦٠هـ)
عبد الحق الأشبيلي (٥١٠ - ٥٨١ هـ)
عبد الرحمن بن مهدي (١٣٥ - ١٩٨ هـ)
عبد الله بن زيد (٧ ق هـ - ٦٣ هـ)
عتبة بن السلمي (؟ - ٨٧ وقيل ٧٢ هـ)
فاطمة الزهراء (١٨ق هـ - ١١ هـ)
إِرَادَةٌ
التَّعْرِيفُ:
١ - الإِْرَادَةُ فِي اللُّغَةِ الْمَشِيئَةُ. وَيَسْتَعْمِلُهَا الْفُقَهَاءُ بِمَعْنَى الْقَصْدِ إِلَى الشَّيْءِ وَالاِتِّجَاهِ إِلَيْهِ (١) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - النِّيَّةُ:
٢ - إِذَا كَانَتِ الإِْرَادَةُ مَا سَبَقَ، فَإِنَّ النِّيَّةَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ قَصْدُ الشَّيْءِ مُقْتَرِنًا بِفِعْلِهِ (٢)، وَعِنْدَ الأَْئِمَّةِ الثَّلاَثَةِ: عَقْدُ الْقَلْبِ عَلَى إِيجَادِ الْفِعْل جَزْمًا (٣) وَعَلَى هَذَا فَإِنَّهُ يُلْحَظُ فِي النِّيَّةِ ارْتِبَاطُهَا بِالْعَمَل، وَهِيَ بِغَيْرِ هَذَا الاِرْتِبَاطِ لاَ تُسَمَّى نِيَّةً، بَيْنَمَا لاَ يُلاَحَظُ ذَلِكَ فِي الإِْرَادَةِ.
ب - الرِّضَا:
٣ - الرِّضَا هُوَ الرَّغْبَةُ فِي الْفِعْل وَالاِرْتِيَاحُ إِلَيْهِ، فَلاَ تَلاَزُمَ بَيْنَ الإِْرَادَةِ وَالرِّضَا، فَقَدْ يُرِيدُ الْمَرْءُ شَيْئًا مَعَ أَنَّهُ لاَ يَرْضَاهُ - أَيْ لاَ يَرْتَاحُ إِلَيْهِ وَلاَ يُحِبُّهُ - وَمِنْ هُنَا كَانَ تَفْرِيقُ عُلَمَاءِ الْعَقِيدَةِ بَيْنَ إِرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى
_________
(١) المقنع ٣ / ١٤٣ طبع المطبعة السلفية، والبحر الرائق ٣ / ٣٢٢ طبع المطبعة العلمية، وحاشية البجيرمي على منهج الطلاب ٤ / ٥، طبع المكتبة الإسلامية ديار بكر - تركيا.
(٢) نهاية المحتاج ١ / ١٤٣، طبع مصطفى محمد.
(٣) حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح ص ١١٧، طبع المطبعة العثمانية، وحاشية الصفتي على الجواهر الزكية ص ٤٧ و٤٨ طبع مصطفى البابي الحلبي، والمغني مع الشرح الكبير ٣ / ٢٦
وَرِضَاهُ، وَكَذَلِكَ تَفْرِقَةُ الْفُقَهَاءِ بَيْنَهُمَا فِي بَابِ الإِْكْرَاهِ وَغَيْرِهِ.
ج - الاِخْتِيَارُ:
٤ - الاِخْتِيَارُ لُغَةً: تَفْضِيل الشَّيْءِ عَلَى غَيْرِهِ. وَاصْطِلاَحًا: الْقَصْدُ إِلَى أَمْرٍ مُتَرَدِّدٍ بَيْنَ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ بِتَرْجِيحِ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ عَلَى الآْخَرِ. فَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الإِْرَادَةِ أَنَّهَا تُتَّجَهُ إِلَى أَمْرٍ وَاحِدٍ.
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ، وَمَوَاطِنُ الْبَحْثِ:
٥ - أ - لاَ تُعْتَبَرُ الإِْرَادَةُ صَحِيحَةً إِلاَّ إِذَا صَدَرَتْ عَنْ ذِي أَهْلِيَّةٍ وَقَدْ تَنَاوَل الْفُقَهَاءُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْحَجْرِ، عِنْدَمَا حَكَمُوا بِفَسَادِ تَبَرُّعَاتِ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ، وَالسَّفِيهِ وَالْمُفْلِسِ وَنَحْوِهِمْ، وَاعْتَبَرُوا إِرَادَتَهُمْ الصَّادِرَةَ بِذَلِكَ لاَغِيَةً لِصُدُورِهَا عَنْ غَيْرِ ذِي أَهْلِيَّةٍ، أَوْ عَنْ مُقَيَّدِ الأَْهْلِيَّةِ، أَوْ نَاقِصِهَا.
ب الأَْصْل فِي الإِْرَادَةِ أَنْ تَصْدُرَ عَنِ الأَْصِيل، وَلَكِنْ قَدْ تَنُوبُ عَنْ إِرَادَةِ الأَْصِيل إِرَادَةُ غَيْرِهِ، كَمَا فِي الْوَكَالَةِ، حَيْثُ تَنُوبُ إِرَادَةُ الْوَكِيل عَنْ إِرَادَةِ الْمُوَكِّل، كَمَا هُوَ مُفَصَّلٌ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ.
وَقَدْ تَنُوبُ إِرَادَةُ غَيْرِ الأَْصِيل عَنْ الأَْصِيل جَبْرًا كَالْوِلاَيَةِ أَوِ الْوِصَايَةِ فَيَلْزَمُ الأَْصِيل بِمَا أَمْضَاهُ ذَلِكَ الْغَيْرُ مِنْ تَصَرُّفَاتٍ (١) فِي الْجُمْلَةِ، وَقَدْ سَبَقَ الْكَلاَمُ عَنْهُ فِي مُصْطَلَحِ (إِجْبَار) .
مَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنِ الإِْرَادَةِ:
٦ - الأَْصْل أَنْ يُعَبَّرَ عَنِ الإِْرَادَةِ بِاللَّفْظِ الصَّادِرِ عَنْ
_________
(١) مواهب الجليل ٤ / ٢٤٨
أَهْلِهِ، وَتَقُومُ مَقَامَهُ الإِْشَارَةُ مِنَ الْعَاجِزِ عَنِ اللَّفْظِ، أَوِ الرِّسَالَةُ، أَوِ السُّكُوتُ، أَوِ التَّعَاطِي، أَوِ الْقَرَائِنُ الْقَوِيَّةُ (١) . وَذَلِكَ مَنْثُورٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ فِي أَبْوَابٍ شَتَّى: كَالطَّلاَقِ، وَالنِّكَاحِ، وَالْبُيُوعِ، وَمِنْ هُنَا اعْتَبَرَ الْفُقَهَاءُ إِشَارَةَ الأَْخْرَسِ كَعِبَارَتِهِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأُْمُورِ.
الإِْرَادَةُ وَالتَّصَرُّفَاتُ:
٧ - هُنَاكَ تَصَرُّفَاتٌ لاَ تُنْتِجُ آثَارَهَا إِلاَّ بِمُطَابَقَةِ الْقَبُول لِلإِْيجَابِ، كَالْعُقُودِ، لأَِنَّ الْعَقْدَ مَأْخُوذٌ مِنْ عَقَدَ طَرَفَيِ الْحَبْل، وَقَدْ شَبَّهَ الْفُقَهَاءُ الْعَقْدَ بِالْحَبْل، لاِحْتِيَاجِهِ إِلَى طَرَفَيْنِ، وَبِالتَّالِي إِلَى إِرَادَتَيْنِ، نَذْكُرُ مِنْ ذَلِكَ الْبَيْعَ، وَالإِْجَارَةَ، وَالرَّهْنَ، وَالصُّلْحَ، وَالشَّرِكَةَ، وَالْمُضَارَبَةَ، وَالْمُزَارَعَةَ، وَالنِّكَاحَ، وَالْخُلْعَ، وَنَحْوَ ذَلِكَ.
وَهُنَاكَ تَصَرُّفَاتٌ تُنْتِجُ آثَارَهَا بِالإِْرَادَةِ الْمُنْفَرِدَةِ وَهِيَ عَلَى نَوْعَيْنِ:
النَّوْعُ الأَْوَّل: مَا لاَ تَرِدُ فِيهِ الإِْرَادَةُ بِالرَّدِّ كَالْوَقْفِ، وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي أَبْوَابِهِ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ.
النَّوْعُ الثَّانِي: مَا تَرِدُ فِيهِ الإِْرَادَةُ بِالرَّدِّ، كَالإِْقْرَارِ (٢)، وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي أَبْوَابِهِ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ أَيْضًا.
_________
(١) بدائع الصنائع ٥ / ١٣٥ و٢٧٠ طبع شركة المطبوعات العلمية بمصر، وحاشية ابن عابدين ٤ / ١٣ طبعة بولاق الأولى، وحاشية الدسوقي ٣ / ٣ طبع عيسى البابي الحلبي، ونهاية المحتاج ٦ / ٤٢٦ والكافي ٢ / ٨٠٢ الطبعة الأولى، وفتح القدير ٥ / ٧٧ طبع بولاق ١٣١٦، والأشباه والنظائر لابن نجيم بحاشية الحموي ص ١٨٤ وما بعدها طبع دار الطباعة العامرة، والمبسوط ١١ / ١٥٠
(٢) انظر المبسوط ١٣ / ١٢ - ١٣ وانظر المدخل الفقهي للزرقا ف / ١٨٣ وما بعدها ومصادر الحق في الفقه الإسلامي للسنهوري ٢ / ١٠٣ طبع لجنة البيان العربي.
٨ - إِنَّ إِرَادَةَ الْعَاقِدَيْنِ تُنْشِئُ الْعَقْدَ، وَالإِْرَادَةُ الْمُنْفَرِدَةُ تُنْشِئُ التَّصَرُّفَاتِ غَيْرَ الْعَقْدِيَّةِ. أَمَّا أَحْكَامُ الْعُقُودِ، وَآثَارُهَا فَإِنَّهَا مِنْ تَرْتِيبِ الشَّارِعِ لاَ الْعَاقِدِ (١) .
٩ - إِذَا وَقَعَ فِي تَصَرُّفٍ مَا الْغَلَطُ أَوِ التَّغْرِيرُ أَوِ التَّدْلِيسُ أَوِ الإِْكْرَاهُ كَانَ هَذَا التَّصَرُّفُ قَابِلًا لِلإِْبْطَال فِي الْجُمْلَةِ، بِإِثْبَاتِ الْخِيَارِ لِمَنْ وَقَعَ ذَلِكَ فِي إِرَادَتِهِ (٢) .
إِرَاقَةٌ
التَّعْرِيفُ:
١ - الإِْرَاقَةُ فِي اللُّغَةِ: الصَّبُّ، يُقَال: أَرَاقَ الْمَاءَ أَيْ صَبَّهُ (٣) . وَيَسْتَعْمِل الْفُقَهَاءُ كَلِمَةَ " إِرَاقَةٍ " اسْتِعْمَالاَتٍ مُتَعَدِّدَةً، كُلُّهَا تَعُودُ لِمَعْنَى الصَّبِّ، فَيَقُولُونَ: إِرَاقَةُ الْخَمْرِ، وَإِرَاقَةُ الدَّمِ، وَكُلُّهَا بِمَعْنًى.
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ وَمَوَاطِنُ الْبَحْثِ:
أ - إِرَاقَةُ الدَّمِ:
٢ - اعْتَبَرَ الشَّارِعُ إِرَاقَةَ دَمِ الأَْنْعَامِ قُرْبَةً بِذَاتِهَا فِي الْهَدْيِ وَالأُْضْحِيَّةِ وَالْعَقِيقَةِ، قَال ابْنُ الْقَيِّمِ: " وَالذَّبَائِحُ الَّتِي هِيَ قُرْبَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى، وَعِبَادَةٌ ثَلاَثَةٌ: الْهَدْيُ وَالأُْضْحِيَّةُ وَالْعَقِيقَةُ (٤) ". وَقَال الْمَرْغِينَانِيُّ:
_________
(١) حاشية ابن عابدين ٤ / ١٢٣
(٢) المبسوط ١٣ / ١٢ - ١٣
(٣) المغرب في ترتيب المعرب
(٤) زاد المعاد في هدي خير العباد ١ / ٢٤٥ طبع مصطفى البابي الحلبي سنة ١٣٦٩
لاَ يَجُوزُ فِي الْهَدَايَا إِلاَّ مَا جَازَ فِي الضَّحَايَا، لأَِنَّهُ قُرْبَةٌ تَعَلَّقَتْ بِإِرَاقَةِ الدَّمِ (١) ".
وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لاَ يَقُومُ مَقَامَ الإِْرَاقَةِ غَيْرُهَا، حَتَّى لَوْ تَصَدَّقَ بِالأُْضْحِيَّةِ أَوِ الْهَدْيِ أَوْ شَاةِ الْعَقِيقَةِ قَبْل ذَبْحِهَا لَمْ يُجْزِئْهُ ذَلِكَ عَنِ الأُْضْحِيَّةِ أَوِ الْهَدْيِ أَوِ الْعَقِيقَةِ (٢) . وَقَدْ تَحَدَّثَ الْفُقَهَاءُ عَنْ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الأَْضَاحِيِّ، وَفِي الْحَجِّ.
كَمَا اعْتَبَرَ الشَّارِعُ إِرَاقَةَ الدَّمِ قُرْبَةً عِنْدَمَا تَكُونُ وَسِيلَةً لِتَحْقِيقِ الْخَيْرِ، كَمَا هُوَ الْحَال فِي وُجُوبِ قِتَال الْكَافِرِينَ وَالْبُغَاةِ، وَقَتْلِهِمْ إِزَالَةً لِطُغْيَانِهِمْ، وَإِعْلاَءً لِكَلِمَةِ اللَّهِ فِي الأَْرْضِ، حَتَّى إِذَا مَا تَحَقَّقَ ذَلِكَ الْخَيْرُ بِغَيْرِ إِرَاقَةِ الدِّمَاءِ وَجَبَ أَلاَّ يُلْجَأَ إِلَيْهِ، وَلِذَلِكَ يَمْتَنِعُ الْقِتَال وَالْقَتْل إِذَا مَا أَجَابُوا أَهْل الْحَقِّ إِلَى الاِنْضِوَاءِ تَحْتَ رَايَةِ الإِْسْلاَمِ.
وَقَدْ فَصَّل الْفُقَهَاءُ ذَلِكَ فِي كِتَابَيِ الْجِهَادِ وَالْبُغَاةِ.
وَكَمَا هُوَ الْحَال فِي إِرَاقَةِ الدَّمِ قِصَاصًا أَوْ حَدًّا، لِيَرْتَدِعَ النَّاسُ عَنِ الطُّغْيَانِ وَانْتِهَاكِ حُرُمَاتِ اللَّهِ، قَال تَعَالَى: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَْلْبَابِ﴾ . (٣)
وَاعْتَبَرَ الشَّارِعُ إِرَاقَةَ الدَّمِ حَرَامًا إِذَا كَانَتْ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَلَمْ تَكُنْ لِغَرَضٍ مَشْرُوعٍ، وَلِذَلِكَ حَرَّمَ قَتْل الْمُسْلِمِ أَوِ الذِّمِّيِّ ظُلْمًا، وَحَرَّمَ ذَبْحَ الْحَيَوَانِ غَيْرِ الْمُؤْذِي لِغَيْرِ مَأْكَلَةٍ. وَحَرَّمَ ذَبْحَ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُول إِذَا أُهِل بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ (٤)، كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ الْفُقَهَاءُ فِي كِتَابِ
_________
(١) الهداية ١ / ١٨٥ طبع مصطفى البابي الحلبي.
(٢) البدائع ٥ / ٦٦ مطبعة الجمالية بمصر سنة ١٣٢٨
(٣) سورة البقرة / ١٧٩
(٤) جواهر الإكليل ١ / ٢٠٩ وما بعدها، وحاشية ابن عابدين ٥ / ١٦٩
الذَّبَائِحِ.
وَاعْتَبَرَ الشَّارِعُ إِرَاقَةَ الدَّمِ مُبَاحَةً لِدَفْعِ صِيَال إِنْسَانٍ عَلَى إِنْسَانٍ (١)، أَوْ لِحُصُولِهِ عَلَى مَا يَدْفَعُ عَنْهُ الْمَوْتَ، إِنْ لَمْ يُمْكِنِ الْحُصُول عَلَيْهِ إِلاَّ بِإِرَاقَةِ دَمِ مَنْ يَمْنَعُهُ مَا يُحْيِي بِهِ نَفْسَهُ مِمَّا هُوَ فَائِضٌ عَنْ حَاجَتِهِ (٢)، كَمَا تُبَاحُ إِرَاقَةُ دَمِ الْحَيَوَانِ الْمُؤْذِي (٣) . وَقَدْ تَحَدَّثَ الْفُقَهَاءُ عَنْ ذَلِكَ فِي أَبْوَابٍ مُتَعَدِّدَةٍ، كَالصِّيَال، وَالْجِنَايَاتِ، وَالْحَجِّ عِنْدَ حَدِيثِهِمْ عَلَى مَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ قَتْلُهُ مِنَ الْحَيَوَانِ.
ب - إِرَاقَةُ النَّجَاسَاتِ:
٣ - إِرَاقَةُ النَّجَاسَةِ إِتْلاَفٌ لَهَا، وَهُوَ مَطْلُوبٌ فِي الْجُمْلَةِ إِنْ لَمْ تَكُنْ ثَمَّةَ حَاجَةٌ أَوِ اضْطِرَارٌ إِلَيْهَا، وَجَمِيعُ الأَْحْكَامِ الَّتِي تَرِدُ عَلَى إِرَاقَتِهَا تَرِدُ عَلَى إِتْلاَفِهَا، وَقَدْ سَبَقَ الْكَلاَمُ عَنْهُ تَحْتَ مُصْطَلَحِ: " إِتْلاَفٌ ".
ج - إِرَاقَةُ الْمَنِيِّ:
٤ - يُعَبِّرُ الْفُقَهَاءُ عَنْ إِرَاقَةِ الْمَنِيِّ خَارِجَ الْفَرْجِ عِنْدَ الْوَطْءِ بِالْعَزْل. وَهُوَ جَائِزٌ عَنِ الْحُرَّةِ بِإِذْنِهَا، وَلاَ يَحْتَاجُ إِلَى الإِْذْنِ عَنِ الأَْمَةِ فِي الْجُمْلَةِ (٤) . وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: " عَزْلٌ ". وَقَدْ تَحَدَّثَ الْفُقَهَاءُ عَنْهُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ.
_________
(١) انظر جواهر الإكليل ٢ / ٢٩٧ طبع مطبعة عباس، وحاشية قليوبي ٢ / ٢٠٦ طبع مصطفى البابي الحلبي. وحاشية ابن عابدين ٥ / ٣٥١ ط بولاق الأولى، والمغني ٨ / ٣٢٩ وما بعدها
(٢) المغني ٨ / ٦٠٢ وما بعدها.
(٣) حاشية ابن عابدين ٥ / ٢٤٩، وموطأ الإمام مالك ١ / ٣٥٣، ونيل الأوطار ٥ / ٢٧ طبع المطبعة العثمانية المصرية، وعمدة القاري شرح البخاري في كتاب الصيد، باب ما يقتل المحرم من الدواب.
(٤) المغني ٧ / ٢٣ - ٢٤ ط الرياض.
أَرَاكٌ
اُنْظُرِ: اسْتِيَاك
إِرْبَةٌ
التَّعْرِيفُ:
١ - الإِْرْبَةُ لُغَةً: الْحَاجَةُ، وَالْجَمْعُ الإِْرَبُ. يُقَال: أَرِبَ الرَّجُل إِلَى الشَّيْءِ إِذَا احْتَاجَ إِلَيْهِ فَهُوَ آرِبٌ (١) . وَاصْطِلاَحًا: الْحَاجَةُ إِلَى النِّسَاءِ (٢) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
غَيْرِ أُولِي الإِْرْبَةِ:
٢ - قَال الْفَخْرُ الرَّازِيُّ: قِيل: هُمُ الَّذِينَ يَتْبَعُونَكُمْ لِيَنَالُوا مِنْ فَضْل طَعَامِكُمْ، وَلاَ حَاجَةَ بِهِمْ إِلَى النِّسَاءِ، لأَِنَّهُمْ بُلْهٌ لاَ يَعْرِفُونَ مِنْ أَمْرِهِنَّ شَيْئًا، أَوْ شُيُوخٌ صُلَحَاءُ إِذَا كَانُوا مَعَهُنَّ غَضُّوا أَبْصَارَهُمْ
. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْخَصِيَّ وَالْعِنِّينَ وَمَنْ شَاكَلَهُمَا قَدْ لاَ يَكُونُ لَهُ إِرْبَةٌ فِي نَفْسِ الْجِمَاعِ، وَيَكُونُ لَهُ إِرْبَةٌ قَوِيَّةٌ فِيمَا عَدَاهُ مِنَ التَّمَتُّعِ، وَذَلِكَ يَمْنَعُ مِنْ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُرَادَ. فَيَجِبُ أَنْ يُحْمَل الْمُرَادُ عَلَى مَنِ الْمَعْلُومُ مِنْهُ أَنَّهُ لاَ إِرْبَةَ لَهُ فِي سَائِرِ وُجُوهِ التَّمَتُّعِ، إِمَّا لِفَقْدِ
_________
(١) المصباح المنير، ولسان العرب مادة (أرب)
(٢) تفسير الفخر الرازي ٢٣ / ٢٠٨ ط عبد الرحمن محمد.
شَهْوَةٍ، وَإِمَّا لِفَقْدِ الْمَعْرِفَةِ، وَإِمَّا لِلْفَقْرِ وَالْمَسْكَنَةِ، فَعَلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ الثَّلاَثَةِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فَقَال بَعْضُهُمْ: هُمُ الْفُقَرَاءُ الَّذِينَ بِهِمُ الْفَاقَةُ، وَقَال بَعْضُهُمْ: الْمَعْتُوهُ وَالأَْبْلَهُ وَالصَّبِيُّ، وَقَال بَعْضُهُمْ: الشَّيْخُ، وَسَائِرُ مَنْ لاَ شَهْوَةَ لَهُ، وَلاَ يَمْتَنِعُ دُخُول الْكُل فِي ذَلِكَ. عَلَى أَنَّهُ لاَ يَنْبَغِي - كَمَا قَال أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ - أَنْ يَشْمَل ذَلِكَ (الصَّبِيَّ)، لأَِنَّهُ أُفْرِدَ بِحُكْمٍ يَخُصُّهُ. وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: ﴿مِنَ الرِّجَال أَوِ الطِّفْل الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ﴾ . (١)
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
٣ - الرَّأْيُ الرَّاجِحُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْخَصِيَّ وَالْمَجْبُوبَ وَالشَّيْخَ وَالْعَبْدَ وَالْفَقِيرَ وَالْمُخَنَّثَ وَالْمَعْتُوهَ وَالأَْبْلَهَ فِي النَّظَرِ إِلَى الأَْجْنَبِيَّةِ كَالْفَحْل (أَيْ كَصَاحِبِ الإِْرْبَةِ) لأَِنَّ الْخَصِيَّ قَدْ يُجَامِعُ وَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهِ، وَالْمَجْبُوبُ يَتَمَتَّعُ وَيُنْزِل، وَالْمُخَنَّثُ فَحْلٌ فَاسِقٌ، وَأَمَّا الْمَعْتُوهُ وَالأَْبْلَهُ فَفِيهِمَا شَهْوَةٌ، وَقَدْ يَحْكِيَانِ مَا يَرَيَانِهِ (٢) . وَقَال الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ رَأْيٌ لِلْحَنَفِيَّةِ: حُكْمُ غَيْرِ أُولِي الإِْرْبَةِ حُكْمُ الْمَحَارِمِ فِي النَّظَرِ إِلَى النِّسَاءِ، يَرَوْنَ مِنْهُنَّ مَوْضِعَ الزِّينَةِ مِثْل الشَّعْرِ وَالذِّرَاعَيْنِ، وَحُكْمُهُمْ فِي الدُّخُول عَلَيْهِنَّ مِثْل الْمَحَارِمِ أَيْضًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِْرْبَةِ مِنَ الرِّجَال﴾ . (٣)
_________
(١) تفسير الفخر الرازي ٢٣ / ٢٠٨. وأحكام القرآن لابن العربي " ٣ / ١٣٦٢، والآية من سورة النور / ٣١
(٢) ابن عابدين ٥ / ٢٣٩ ط بولاق الأولى، والطحطاوي على الدر ٤ / ١٨٦ ط المعرفة، وروح المعاني ١٨ / ١٤٤ ط المنيرية.
(٣) حاشية الطحطاوي على الدر ٤ / ١٨٦. والحطاب ١ / ٥٠٠ - ٥٠١ ط ليبيا، والبجيرمي على الخطيب ٣ / ٣١٤ ط المعرفة، والمغني ٧ / ٤٦٢ ط الأولى المنار. والآية من سورة النور / ٣١
أَرَتُّ
اُنْظُرْ: أَلْثَغ
ارْتِثَاثٌ
التَّعْرِيفُ:
١ - الاِرْتِثَاثُ فِي اللُّغَةِ: أَنْ يُحْمَل الْجَرِيحُ مِنَ الْمَعْرَكَةِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ قَدْ أَثْخَنَتْهُ الْجِرَاحُ (١) يُقَال: ارْتَثَّ الرَّجُل - عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ - أَيْ حُمِل مِنَ الْمَعْرَكَةِ رَثِيثًا أَيْ جَرِيحًا وَبِهِ رَمَقٌ، وَيَزِيدُ الْفُقَهَاءُ فِي تَعْرِيفِهِ بَعْضَ الْقُيُودِ، فَهُوَ عِنْدَهُمْ: الْخُرُوجُ عَنْ صِفَةِ الْقَتْلَى، وَالصَّيْرُورَةُ إِلَى حَال الدُّنْيَا، وَالْمُرْتَثُّ هُوَ مَنْ حُمِل مِنَ الْمَعْرَكَةِ مُسْتَقِرَّ الْحَيَاةِ، بِأَنْ تَكَلَّمَ، أَوْ أَكَل أَوْ شَرِبَ، أَوْ نَامَ، أَوْ بَاعَ أَوِ ابْتَاعَ، أَوْ طَال بَقَاؤُهُ عُرْفًا، ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ (٢) .
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
٢ - الْمُرْتَثُّ يُغَسَّل وَيُصَلَّى عَلَيْهِ، لأَِنَّهُ لاَ يُعْتَبَرُ
_________
(١) لسان العرب وتاج العروس.
(٢) بدائع الصنائع ١ / ٣٢١ ط شركة المطبوعات العلمية، وحاشية الدسوقي مع الشرح الكبير ١ / ٤٢٥ ط عيسى الحلبي، والمغني مع الشرح الكبير ٢ / ٤٠٣ ط المنار الأولى، ونهاية المحتاج ٢ / ٤٩٠ ط مصطفى الحلبي.
شَهِيدًا فِي حُكْمِ الدُّنْيَا، فَلاَ تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الشُّهَدَاءِ.
وَهُوَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَهِيدًا فِي حُكْمِ الدُّنْيَا فَهُوَ شَهِيدٌ فِي حَقِّ الثَّوَابِ، حَتَّى إِنَّهُ يَنَال ثَوَابَ الشُّهَدَاءِ وَهَذَا بِاتِّفَاقٍ فِيمَنْ مَاتَ بَعْدَ الْمَعْرَكَةِ مَعَ الْكُفَّارِ.
أَمَّا الْمُرْتَثُّ مِنَ الْبُغَاةِ، أَوْ أَهْل الْعَدْل فِي الْمَعَارِكِ بَيْنَهُمْ، فَفِيهِ خِلاَفُ الْفُقَهَاءِ مِنْ حَيْثُ الْغُسْل وَالصَّلاَةُ (١) . ر: بُغَاة.
مَوَاطِنُ الْبَحْثِ:
٣ - يَذْكُرُ الْفُقَهَاءُ أَحْكَامَ الْمُرْتَثِّ فِي بَابِ الْجَنَائِزِ وَفِي بَابِ الْبُغَاةِ.
ارْتِدَادٌ
اُنْظُرْ: رِدَّةٌ
ارْتِزَاقٌ
اُنْظُرْ: رِزْقٌ
ارْتِفَاقٌ
التَّعْرِيفُ:
١ - مِنْ مَعَانِي الاِرْتِفَاقِ لُغَةً: الاِتِّكَاءُ. وَارْتَفَقَ
_________
(١) المراجع السابقة.