الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٩
٤٩ - ٥ - وُجُودُ رَابِطٍ، وَهُوَ أَدَاةٌ مِنْ أَدَوَاتِ الشَّرْطِ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ، إِلاَّ أَنْ يُفْهَمَ الشَّرْطُ مِنَ الْمَعْنَى، فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِدُونِ رَابِطٍ، كَمَا إِذَا قَال لَهَا: عَلَيَّ الطَّلاَقُ سَأَذْهَبُ إِلَى فُلاَنٍ، فَإِنَّهُ تَعْلِيقٌ صَحِيحٌ مَعَ عَدَمِ الرَّابِطِ (١) .
٥٠ - ٦ - قِيَامُ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَ الْحَالِفِ وَالْمَحْلُوفِ عَلَيْهَا عِنْدَ التَّعْلِيقِ، حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا، بِأَنْ تَكُونَ زَوْجَتُهُ أَوْ مُعْتَدَّتُهُ مِنْ رَجْعِيٍّ أَوْ بَائِنٍ، فَإِذَا لَمْ تَكُنْ زَوْجَتَهُ عِنْدَ التَّعْلِيقِ، وَلاَ مُعْتَدَّتَهُ، لَغَا التَّعْلِيقُ وَلَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا بِهِ شَيْءٌ، كَمَا إِذَا قَال لأَِجْنَبِيَّةٍ عَنْهُ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ دَخَلْتِ دَارَ فُلاَنٍ، فَإِنَّهُ لَغْوٌ، إِلاَّ أَنْ تَكُونَ زَوْجَةً لِغَيْرِهِ، فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ التَّعْلِيقُ عِنْدَهَا عَلَى إِجَازَةِ زَوْجِهَا؛ لأَِنَّهُ فُضُولِيٌّ، فَإِنْ أَجَازَهُ الزَّوْجُ صَحَّ التَّعْلِيقُ، ثُمَّ إِنْ دَخَلَتْ بَعْدَ الإِْجَازَةِ وَقَعَ الطَّلاَقُ عَلَيْهَا، وَإِلاَّ فَلاَ.
هَذَا مَا لَمْ يُعَلَّقِ الطَّلاَقُ عَلَى نِكَاحِهَا، فَإِنْ عَلَّقَهُ عَلَيْهِ صَحَّ التَّعْلِيقُ أَيْضًا وَلَوْ لَمْ تَكُنْ زَوْجَتَهُ أَوْ مُعْتَدَّتَهُ عِنْدَ التَّعْلِيقِ، كَأَنْ يَقُول لأَِجْنَبِيَّةٍ عَنْهُ: إِنْ تَزَوَّجْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا، فَإِنَّهَا تَطْلُقُ بِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: كُل امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ، ثُمَّ يَتَزَوَّجُ امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً، فَإِنَّهَا تَطْلُقُ بِذَلِكَ لِصِحَّةِ التَّعْلِيقِ هُنَا، فَإِذَا عَلَّقَ بِغَيْرِ نِكَاحِهَا لَمْ يَصِحَّ
_________
(١) الدر المختار ٣ / ٣٤٤.
التَّعْلِيقُ، وَيَلْغُو الطَّلاَقُ، كَمَا إِذَا قَال لأَِجْنَبِيَّةٍ عَنْهُ: إِنْ دَخَلْتِ دَارَ فُلاَنٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ دَخَلَتْهَا قَبْل زَوَاجِهَا مِنْهُ أَوْ بَعْدَهُ، فَإِنَّهَا لاَ تَطْلُقُ. وَهَذَا كُلُّهُ لَدَى الْمَالِكِيَّةِ، وَفِي الْقَوْل الرَّاجِحِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ.
وَقَال مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: لاَ يَصِحُّ التَّعْلِيقُ، وَيَلْغُو الطَّلاَقُ. وَقَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: لاَ يَنْعَقِدُ الطَّلاَقُ هُنَا، كَمَا لَوْ عَلَّقَهُ عَلَى غَيْرِ الزَّوَاجِ. فَإِذَا عَلَّقَهُ بِمُقَارَنَةِ النِّكَاحِ لاَ عَلَيْهِ، لَغَا بِالاِتِّفَاقِ، كَأَنْ يَقُول لأَِجْنَبِيَّةٍ: أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ نِكَاحِكِ، فَإِنَّهُ لَغْوٌ، وَكَذَلِكَ إِذَا عَلَّقَهُ عَلَى انْتِهَاءِ النِّكَاحِ، كَأَنْ يَقُول لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ مَوْتِي، أَوْ مَعَ مَوْتِك، فَإِنَّهُ لَغْوٌ أَيْضًا لِعَدَمِ الْمِلْكِ (١) .
٥١ - ٧ - قِيَامُ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَ الْحَالِفِ وَالْمَحْلُوفِ عَلَيْهَا عِنْدَ حُصُول الشَّرْطِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا، بِأَنْ تَكُونَ زَوْجَةً لَهُ أَوْ مُعْتَدَّةً مِنْ طَلاَقٍ رَجْعِيٍّ أَوْ بَائِنٍ، فَإِذَا لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ عِنْدَ وُقُوعِ الشَّرْطِ لَمْ يَقَعِ الطَّلاَقُ بِهِ عَلَيْهَا، فَإِذَا قَال لِزَوْجَتِهِ: إِنْ دَخَلْتِ دَارَ فُلاَنٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَدَخَلَتْهَا وَهِيَ زَوْجَتُهُ أَوْ مُعْتَدَّتُهُ
_________
(١) الدر المختار ٣ / ٣٤٤، والدسوقي ٣ / ٣٧٠ - ٣٧٦، والخرشي ٤ / ٣٢ ومغني المحتاج ٣ / ٣٩٢.
طَلُقَتْ، وَإِنْ دَخَلَتْهَا بَعْدَ أَنْ طَلَّقَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا، لَمْ تَقَعْ عَلَيْهَا الطَّلْقَةُ الْمُعَلَّقَةُ، لِعَدَمِ صَلاَحِيَّتِهَا لِوُقُوعِ الطَّلاَقِ عَلَيْهَا عِنْدَئِذٍ (١) .
٥٢ - ٨ - كَوْنُ الزَّوْجِ أَهْلًا لإِيقَاعِ الطَّلاَقِ عِنْدَ التَّعْلِيقِ، بِأَنْ يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ، خِلاَفًا لِلْحَنَابِلَةِ كَمَا سَبَقَ، وَلاَ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ كَذَلِكَ عِنْدَ حُصُول الشَّرْطِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ، فَلَوْ قَال لَهَا الزَّوْجُ عَاقِلًا: إِنْ دَخَلْتِ دَارَ فُلاَنٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ جُنَّ، ثُمَّ دَخَلَتِ الدَّارَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهَا، فَإِنَّهَا تَطْلُقُ، وَكَذَلِكَ إِذَا دَخَلَتْهَا قَبْل جُنُونِهِ، فَإِنَّهَا تَطْلُقُ أَيْضًا، بِخِلاَفِ مَا لَوْ عَلَّقَ طَلاَقَهَا وَهُوَ مَجْنُونٌ، فَإِنَّهُ لَغْوٌ (٢) .
انْحِلاَل الطَّلاَقِ الْمُعَلَّقِ عَلَى شَرْطٍ:
٥٣ - إِذَا عَلَّقَ الزَّوْجُ الطَّلاَقَ عَلَى شَرْطٍ، فَإِنَّهُ يَنْحَل بِحُصُول الشَّرْطِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، مَعَ وُقُوعِ الطَّلاَقِ بِهِ عَلَى الزَّوْجَةِ فِي هَذِهِ الْمَرَّةِ، فَإِذَا عَادَتْ إِلَيْهِ ثَانِيَةً فِي الْعِدَّةِ أَوْ بَعْدَهَا، لَمْ تَقَعْ عَلَيْهَا بِهِ طَلْقَةٌ أُخْرَى لاِنْحِلاَلِهِ، هَذَا مَا لَمْ يَكُنِ التَّعْلِيقُ بِلَفْظِ (كُلَّمَا)، وَإِلاَّ وَقَعَ عَلَيْهَا
_________
(١) مغني المحتاج ٣ / ٢٩٢، والدسوقي ٣ / ٣٧٠ - ٣٧٦، والدر المختار ٣ / ٣٤٥.
(٢) الدسوقي ٣ / ٣٦٥، ومغني المحتاج ٣ / ٢٧٩، والدر المختار ٣ / ٣٤٨.
بِهِ ثَانِيَةً وَثَالِثَةً؛ لأَِنَّ كُلَّمَا تُفِيدُ التَّكْرَارَ دُونَ غَيْرِهَا.
وَعَلَى ذَلِكَ فَلَوْ قَال لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلاَثًا إِنْ دَخَلْتِ دَارَ فُلاَنٍ، ثُمَّ طَلَّقَهَا مُنَجَّزًا وَاحِدَةً قَبْل دُخُول الدَّارِ، ثُمَّ مَضَتْ عِدَّتُهَا، ثُمَّ دَخَلَتْ الدَّارَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهَا، ثُمَّ عَادَتْ إِلَيْهِ بِزَوْجِيَّةٍ أُخْرَى، جَازَ، فَإِذَا دَخَلَتِ الدَّارَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَضُرَّهَا، وَلَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا بِذَلِكَ شَيْءٌ، لاِنْحِلاَل الطَّلاَقِ الْمُعَلَّقِ بِالدُّخُول الأَْوَّل بَعْدَ الْعِدَّةِ، فَإِذَا عَلَّقَ طَلاَقَهَا الثَّلاَثَ عَلَى دُخُول الدَّارِ، ثُمَّ نَجَّزَ طَلاَقَهَا مَرَّةً وَاحِدَةً، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا دُونَ أَنْ تَدْخُل الدَّارَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهَا، ثُمَّ عَادَتْ إِلَيْهِ بِعَقْدٍ جَدِيدٍ، ثُمَّ دَخَلَتْهَا، وَقَعَ الثَّلاَثُ عَلَيْهَا، لِعَدَمِ انْحِلاَل الْيَمِينِ الْمُعَلَّقَةِ، بِخِلاَفِ مَا لَوْ دَخَلَتْهَا بَعْدَ عِدَّتِهَا، فَإِنَّهَا تَنْحَل بِذَلِكَ. وَكَذَلِكَ تَنْحَل الْيَمِينُ الْمُعَلَّقَةُ عَلَى شَرْطٍ بِزَوَال الْحِل بِالْكُلِّيَّةِ، كَمَا إِذَا عَلَّقَ طَلاَقَهَا الثَّلاَثَ عَلَى دُخُول الدَّارِ، ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلاَثًا مُنَجَّزَةً، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ التَّحْلِيل، ثُمَّ دَخَلَتِ الدَّارَ وَلَمْ تَكُنْ دَخَلَتْهَا مِنْ قَبْل، فَإِنَّهَا لاَ تَطْلُقُ هُنَا لاِنْحِلاَل الْيَمِينِ الْمُعَلَّقَةِ بِزَوَال الْحِل بِالْكُلِّيَّةِ، وَذَلِكَ بِوُقُوعِ الثَّلاَثِ عَلَيْهَا، عَلَى خِلاَفِ وُقُوعِ مَا دُونَ الثَّلاَثِ، فَإِنَّهُ لاَ يُزِيل الْحِل، فَلاَ تَنْحَل بِهِ الْيَمِينُ الْمُعَلَّقَةُ إِلاَّ بِحُصُول الشَّرْطِ فِعْلًا مَرَّةً.
وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَلِلشَّافِعِيَّةِ فِيهِ أَقْوَالٌ ثَلاَثَةٌ: الأَْوَّل: يَقَعُ مُطْلَقًا، وَالثَّانِي: لاَ يَقَعُ مُطْلَقًا، وَالثَّالِثُ: يَقَعُ بِمَا دُونَ الثَّلاَثِ، وَلاَ يَقَعُ بَعْدَ الثَّلاَثِ، وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى وُقُوعِهِ فِي الْكُل.
كَمَا تَنْحَل الْيَمِينُ الْمُعَلَّقَةُ عَلَى شَرْطٍ بِرِدَّةِ الْحَالِفِ مَعَ لَحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ، فَلَوْ طَلَّقَهَا مُعَلَّقًا، ثُمَّ ارْتَدَّ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ، ثُمَّ عَادَ إِلَى الإِْسْلاَمِ، وَعَادَ إِلَيْهَا، ثُمَّ فَعَلَتِ الْمُعَلَّقَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهَا لاَ تَطْلُقُ بِذَلِكَ، لاِنْحِلاَل الْيَمِينِ الْمُعَلَّقَةِ بِرِدَّتِهِ، وَهَذَا قَوْل الإِْمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَخَالَفَهُ الصَّاحِبَانِ: أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ، وَقَالاَ: لاَ يَنْحَل التَّعْلِيقُ بِالرِّدَّةِ مُطْلَقًا.
وَتَنْحَل الْيَمِينُ الْمُعَلَّقَةُ عَلَى شَرْطٍ أَيْضًا بِفَوْتِ مَحَل الْبِرِّ، فَإِذَا قَال لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ دَخَلْتِ دَارَ فُلاَنٍ، ثُمَّ خَرِبَتِ الدَّارُ، أَوْ إِنْ كَلَّمْتِ زَيْدًا فَمَاتَ زَيْدٌ، انْحَلَّتِ الْيَمِينُ الْمُعَلَّقَةُ، حَتَّى لَوْ أَنَّ الدَّارَ الْخَرِبَةَ بُنِيَتْ ثَانِيَةً فَإِنَّ الْيَمِينَ الْمُعَلَّقَةَ لاَ تَعُودُ، لأَِنَّهَا غَيْرُ الدَّارِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهَا (١) .
_________
(١) المغني ٧ / ٢٩٤ - ٢٩٥، مغني المحتاج ٣ / ٢٩٣، والدسوقي ٢ / ٣٧٥ - ٣٧٦، والدر المختار ٣ / ٣٥٢ - ٣٥٣.
تَعْلِيقُ الطَّلاَقِ عَلَى شَرْطَيْنِ:
٥٤ - إِذَا عَلَّقَ طَلاَقَهَا عَلَى شَرْطَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ وَقَعَ الطَّلاَقُ عَلَيْهَا بِحُصُول الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ كُلِّهِ فِي النِّكَاحِ، وَكَذَلِكَ بِوُقُوعِ الثَّانِي أَوِ الأَْخِيرِ فَقَطْ فِي النِّكَاحِ، وَعَلَى هَذَا فَإِنْ حَصَل الشَّرْطُ الأَْوَّل فِي النِّكَاحِ، وَالشَّرْطُ الثَّانِي بَعْدَهُ، كَمَا إِذَا قَال لَهَا: إِنْ جَاءَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَجَاءَ زَيْدٌ، ثُمَّ طَلَّقَهَا مُنَجَّزًا وَاحِدَةً، ثُمَّ جَاءَ عَمْرٌو بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، لَمْ تَطْلُقْ ثَانِيَةً بِمَجِيئِهِ. فَإِنْ طَلَّقَهَا مُنَجَّزًا وَاحِدَةً إِثْرَ تَعْلِيقِهِ، ثُمَّ جَاءَ الأَْوَّل زَيْدٌ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَجَاءَ عَمْرٌو وَهِيَ زَوْجَتُهُ، وَقَعَ عَلَيْهَا الْمُعَلَّقُ، فَكَانَتَا اثْنَتَيْنِ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ (١) .
الاِسْتِثْنَاءُ فِي الطَّلاَقِ:
تَعْرِيفُهُ وَحُكْمُهُ:
٥٥ - الاِسْتِثْنَاءُ فِي اللُّغَةِ: هُوَ الإِْخْرَاجُ بِإِلاَّ أَوْ بِإِحْدَى أَخَوَاتِهَا، بَعْضًا مِمَّا يُوجِبُهُ عُمُومٌ سَابِقٌ، تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا، وَالأَْوَّل هُوَ الْمُتَّصِل، وَالثَّانِي هُوَ الْمُنْقَطِعُ، وَالأَْوَّل هُوَ الْمُرَادُ هُنَا دُونَ الثَّانِي لَدَى الْفُقَهَاءِ، وَيُضَافُ إِلَى الأَْوَّل الاِسْتِثْنَاءُ الشَّرْعِيُّ، وَهُوَ التَّعْلِيقُ عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى (٢)، أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ:
_________
(١) الدر المختار ٣ / ٣٦٣ - ٣٦٤.
(٢) مغني المحتاج ٣ / ٣٠٠.
﴿إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ وَلاَ يَسْتَثْنُونَ﴾ (١) . وَالاِسْتِثْنَاءُ الشَّرْعِيُّ - وَهُوَ التَّعْلِيقُ عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى - مُبْطِلٌ لِلطَّلاَقِ، (أَيْ لاَ يَقَعُ بِهِ الطَّلاَقُ) لَدَى الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ إِذَا اسْتَوْفَى شُرُوطَهُ لِلشَّكِّ فِيمَا يَشَاؤُهُ سُبْحَانَهُ، وَخَالَفَ الْحَنَابِلَةُ وَالْمَالِكِيَّةُ، وَقَالُوا: لاَ يَبْطُل الطَّلاَقُ بِهِ - أَيْ يَقَعُ بِهِ الطَّلاَقُ (٢) . أَمَّا الاِسْتِثْنَاءُ اللُّغَوِيُّ بِإِلاَّ وَأَخَوَاتِهَا فَمُؤَثِّرٌ وَمُلْغٍ لِلطَّلاَقِ بِحَسَبِهِ إِذَا اسْتَوْفَى شُرُوطَهُ، وَعَلَى ذَلِكَ لَوْ قَال لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلاَثًا إِلاَّ وَاحِدَةً، طَلُقَتِ اثْنَتَيْنِ فَقَطْ، وَلَوْ قَال: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلاَثًا إِلاَّ اثْنَتَيْنِ طَلُقَتْ وَاحِدَةً فَقَطْ، فَإِنْ قَال: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلاَثًا إِلاَّ ثَلاَثًا، وَقَعَ الثَّلاَثُ؛ لأَِنَّهُ إِلْغَاءٌ، وَلَيْسَ اسْتِثْنَاءٌ، وَالإِْلْغَاءُ بَاطِلٌ هُنَا.
شُرُوطُهُ:
يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الاِسْتِثْنَاءِ مِنَ الطَّلاَقِ، سَوَاءٌ أَكَانَ اسْتِثْنَاءً لُغَوِيًّا أَمْ تَعْلِيقًا عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى، شُرُوطٌ هِيَ (٣):
_________
(١) الآية ١٧ - ١٨ من سورة القلم.
(٢) المغني ٧ / ٤٠٢ - ٤٠٣، والقوانين الفقهية ص ٢٤٣، ومغني المحتاج ٣ / ٣٠٢، والدر المختار ٣ / ٣٦٦ - ٣٦٨.
(٣) الدر المختار ٣ / ٣٦٦ - ٣٧٠، ومغني المحتاج ٣ / ٣٠٠ - ٣٠٣، والشرح الكبير ٢ / ٣٨٨.
٥٦ - ١ - اتِّصَالُهُ بِالْكَلاَمِ السَّابِقِ عَلَيْهِ، أَيِ اتِّصَال الْمُسْتَثْنَى بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، بِحَيْثُ يُعَدَّانِ كَلاَمًا وَاحِدًا عُرْفًا، فَإِنْ فَصَل بَيْنَهُمَا بِكَلاَمٍ أَوْ سُكُوتٍ لَغَا الاِسْتِثْنَاءُ، وَثَبَتَ حُكْمُ الطَّلاَقِ، فَإِذَا قَال لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَال: إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مُنْفَصِلًا، طَلُقَتْ، أَوْ قَال: أَنْتِ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ، ثُمَّ سَكَتَ، ثُمَّ قَال: إِلاَّ وَاحِدَةً وَقَعَ اثْنَتَانِ، وَلَغَا الاِسْتِثْنَاءُ، وَكَذَلِكَ إِذَا قَال لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلاَثًا، ثُمَّ سَأَلَهَا عَنْ أَمْرٍ، ثُمَّ قَال: إِلاَّ اثْنَتَيْنِ، فَإِنَّهَا تَطْلُقُ ثَلاَثًا، لإِلْغَاءِ الاِسْتِثْنَاءِ بِالْكَلاَمِ الْفَاصِل.
إِلاَّ أَنَّهُ يُعْفَى هُنَا عَنِ الْفَاصِل الْقَصِيرِ الضَّرُورِيِّ، كَالسُّكُوتِ لِلتَّنَفُّسِ أَوْ إِسَاغَةِ اللُّقْمَةِ، كَمَا يُعْفَى عَنِ الْكَلاَمِ الْمُفِيدِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، كَأَنْ يَقُول لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلاَثًا يَا زَانِيَةُ إِلاَّ اثْنَتَيْنِ، فَإِنَّهَا تَطْلُقُ بِوَاحِدَةٍ، لأَِنَّ لَفْظَةَ (زَانِيَةُ) بَيَانٌ لِسَبَبِ الطَّلاَقِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلاَثًا بَائِنًا إِلاَّ اثْنَتَيْنِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، فَإِنَّهُ يَقَعُ بِهِ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ عِنْدَهُمْ، بِخِلاَفِ: أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ رَجْعِيَّتَيْنِ إِلاَّ وَاحِدَةً، فَإِنَّهُ يَقَعُ بِهِ اثْنَتَانِ رَجْعِيَّتَانِ، وَيَلْغُو الاِسْتِثْنَاءُ لِعَدَمِ إِفَادَةِ هَذَا الْفَاصِل.
٥٧ - ٢ - نِيَّةُ الْحَالِفِ الاِسْتِثْنَاءَ قَبْل الْفَرَاغِ مِنَ التَّلَفُّظِ فِي الطَّلاَقِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ
فِي الأَْصَحِّ، فَإِنْ نَوَاهُ بَعْدَهُ لَمْ يَصِحَّ وَيَقَعُ الطَّلاَقُ بِدُونِهِ، وَفِي قَوْلٍ ثَانٍ لِلشَّافِعِيَّةِ إِنْ نَوَاهُ بَعْدَهُ جَازَ، وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: يَصِحُّ بِغَيْرِ نِيَّةٍ مُطْلَقًا، وَلَمْ أَرَ مَنْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الْحَنَابِلَةِ، وَلَعَلَّهُمْ مَعَ الْحَنَفِيَّةِ فِي ذَلِكَ.
٥٨ - ٣ - أَنْ يَكُونَ الاِسْتِثْنَاءُ بِصَوْتٍ مَسْمُوعٍ لِنَفْسِهِ عَلَى الأَْقَل، فَلَوْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ الاِسْتِثْنَاءُ، لأَِنَّهُ مُجَرَّدُ نِيَّةٍ، وَهِيَ غَيْرُ كَافِيَةٍ لِصِحَّتِهِ بِالاِتِّفَاقِ.
٥٩ - ٤ - عَدَمُ اسْتِغْرَاقِ الْمُسْتَثْنَى لِلْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، فَإِذَا قَال: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلاَثًا إِلاَّ ثَلاَثًا لَمْ يَصِحَّ؛ لأَِنَّهُ رُجُوعٌ وَإِلْغَاءٌ، وَلَيْسَ اسْتِثْنَاءً.
وَهَل يَجُوزُ اسْتِثْنَاءُ الأَْكْثَرِ؟ نَصَّ الْجُمْهُورُ عَلَى صِحَّتِهِ، وَنَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى عَدَمِ صِحَّتِهِ (١) . إِلاَّ أَنَّهُ إِنْ قَال: طَالِقٌ ثَلاَثًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَاصِدًا الاِسْتِثْنَاءَ مُتَّصِلًا لَغَا طَلاَقُهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، خِلاَفًا لِلْحَنَابِلَةِ لِمَا تَقَدَّمَ.
وَهَل يَجِبُ تَقْدِيمُ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ عَلَى الْمُسْتَثْنَى؟ نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ عَلَى عَدَمِ شَرْطِيَّةِ ذَلِكَ، وَسَوَّوْا بَيْنَ أَنْ يُقَدَّمَ الْمُسْتَثْنَى أَوِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، فَلَوْ قَال: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلاَثًا إِلاَّ وَاحِدَةً وَقَعَ ثِنْتَانِ، وَإِذَا قَال: أَنْتِ إِلاَّ وَاحِدَةً
_________
(١) المغني ٧ / ٣٥٤.
طَالِقٌ ثَلاَثًا وَقَعَ ثِنْتَانِ أَيْضًا، وَإِذَا قَال: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، صَحَّ الاِسْتِثْنَاءُ أَوْ قَال: إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَأَنْتِ طَالِقٌ فَكَذَلِكَ مَا دَامَ أَدْخَل الْفَاءَ عَلَى (أَنْتِ) فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْهَا فَقَوْلاَنِ، الْمُفْتَى بِهِ مِنْهُمَا: عَدَمُ الْوُقُوعِ (١) . وَهَل يَجِبُ التَّلَفُّظُ بِالْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ؟ نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا إِذَا قَال لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلاَثًا، ثُمَّ كَتَبَ مُتَّصِلًا: إِلاَّ وَاحِدَةً، وَقَعَ اثْنَتَانِ، وَلَوْ كَتَبَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلاَثًا، ثُمَّ قَال مُتَّصِلًا: إِلاَّ وَاحِدَةً وَقَعَ اثْنَتَانِ أَيْضًا. فَإِنْ كَتَبَهُمَا مَعًا، ثُمَّ أَزَال الاِسْتِثْنَاءَ وَقَعَ اثْنَتَانِ فَقَطْ، وَلاَ قِيمَةَ لإِزَالَةِ الاِسْتِثْنَاءِ بَعْدَ كِتَابَتِهِ؛ لأَِنَّهُ رُجُوعٌ عَنْهُ، وَالرُّجُوعُ هُنَا غَيْرُ صَحِيحٍ (٢) .
٦٠ - ٥ - أَنْ لاَ يَكُونَ الْمُسْتَثْنَى جُزْءَ طَلْقَةٍ، فَإِنِ اسْتَثْنَى جُزْءَ طَلْقَةِ لَمْ يَصِحَّ الاِسْتِثْنَاءُ، وَعَلَى ذَلِكَ إِذَا قَال لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلاَثًا إِلاَّ نِصْفَ طَلْقَةٍ طَلُقَتْ ثَلاَثًا، وَلَوْ قَال لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ إِلاَّ ثُلُثَيْ طَلْقَةٍ، طَلُقَتِ اثْنَتَيْنِ أَيْضًا لَدَى الْجُمْهُورِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ لَدَى الشَّافِعِيَّةِ، وَالثَّانِي: يَصِحُّ الاِسْتِثْنَاءُ، وَيُسْتَثْنَى بِجُزْءِ الطَّلْقَةِ طَلْقَةٌ كَامِلَةٌ (٣) .
_________
(١) مغني المحتاج ٣ / ٣٠٠، والدر المختار ٣ / ٣٧٢.
(٢) الدر المختار ٣ / ٣٧٣ - ٣٧٧.
(٣) الدر المختار ٣ / ٣٧٦، ومغني المحتاج ٣ / ٣٠١.