الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٩ -
جَوْرِهِ، بِخِلاَفِ مَا إِذَا كَانَ الْحَال مُشْتَبَهًا أَنَّهُ ظُلْمٌ، مِثْل تَحْمِيل بَعْضِ الْجِبَايَاتِ الَّتِي لِلإِْمَامِ أَخْذُهَا وَإِلْحَاقُ الضَّرَرِ بِهَا لِدَفْعِ ضَرَرٍ أَعَمَّ مِنْهُ (١) .
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: إِذَا كَلَّفَ الإِْمَامُ أَوْ نَائِبُهُ النَّاسَ بِمَالٍ ظُلْمًا فَامْتَنَعُوا عَنْ إِعْطَائِهِ، فَاسْتَظْهَرَ الْبُنَانِيِّ مِنْهُمْ أَنَّ تَعْرِيفَ ابْنِ عَرَفَةَ لِلْبَغْيِ يَقْتَضِي أَنَّهُمْ بُغَاةٌ لأَِنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِمَعْصِيَةٍ، وَإِنْ حَرُمَ عَلَيْهِ قِتَالُهُمْ لأَِنَّهُ جَائِرٌ.
أَمَّا تَعْرِيفُ خَلِيلٍ لِلْبُغَاةِ فَيَقْتَضِي أَنَّهُمْ غَيْرُ بُغَاةٍ لأَِنَّهُمْ لَمْ يَمْنَعُوا حَقًّا وَلاَ أَرَادُوا خَلْعَهُ (٢) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ مَا كَلَّفَهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ ظُلْمًا لَمْ يَتَوَجَّهْ عَلَيْهِمْ، فَلاَ يُعْتَبَرُ امْتِنَاعُهُمْ عَنْ دَفْعِهِ بَغْيًا، لَكِنْ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِمْ وُجُوبُ دَفْعِهِ فِيمَا إِذَا تَرَتَّبَ عَلَى عَدَمِهِ ضَرَرٌ أَعْظَمُ مِمَّا طَلَبَهُ، فَإِنَّ الإِْمَامَ إِذَا أَكْرَهَ أَحَدًا مِنَ الرَّعِيَّةِ عَلَى حَرَامٍ أَوْ مَكْرُوهٍ - مُجْمَعٍ عَلَيْهِ، أَوْ عِنْدَ الْمَأْمُورِ فَقَطْ - فَلاَ لَوْمَ عَلَى فَاعِلِهِ، وَإِنْ كَانَتْ مَفْسَدَةُ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ أَقَل امْتَنَعَتِ الْمُخَالَفَةُ. وَيَدُل عَلَى وُجُوبِ الدَّفْعِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ حَدِيثُ أَبِي دَاوُدَ: سَيَأْتِيكُمْ رَكِيبٌ مُبْغِضُونَ، فَإِنْ جَاءُوكُمْ فَرَحِّبُوا بِهِمْ وَخَلُّوا
_________
(١) فتح القدير ٤ / ٤١١.
(٢) الزرقاني شرح مختصر خليل مع حاشية البناني ٨ / ٦٠.