الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٨
لأَِنَّ التَّمْلِيكَ لِمَجْهُولٍ لاَ يَصِحُّ مُطْلَقًا، أَوْ إِلاَّ لِقَوْمٍ مَعْلُومِينَ. . . وَتَكُونُ فَائِدَةُ الإِْبَاحَةِ حِل الاِنْتِفَاعِ بِهِ مَعَ بَقَائِهِ عَلَى مِلْكِ الْمَالِكِ (١) .
أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَعِنْدَهُمْ كَمَا يَقُول الْحَطَّابُ: إِنْ نَدَّ صَيْدٌ مِنْ صَاحِبِهِ وَصَادَهُ غَيْرُهُ فَفِيهِ طَرِيقَانِ: إِنْ صِيدَ قَبْل تَوَحُّشِهِ، وَبَعْدَ تَأَنُّسِهِ فَهُوَ لِلأَْوَّل اتِّفَاقًا، وَإِنْ صَادَهُ بَعْدَ تَوَحُّشِهِ، فَقَال مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ: هُوَ لِلثَّانِي، وَإِنْ مَلَكَهُ بِشِرَاءٍ فَهَل يَكُونُ كَالأَْوَّل أَمْ لاَ؟ قَال ابْنُ الْمَوَّازِ: هُوَ كَالأَْوَّل، وَقَال ابْنُ الْكَاتِبِ: هُوَ لِلأَْوَّل عَلَى كُل حَالٍ (٢) .
٥٩ - الثَّالِثُ:
مَنْ أَحْرَمَ وَفِي حِيَازَتِهِ صَيْدٌ، فَلِلْفُقَهَاءِ فِيهِ التَّفْصِيل التَّالِي: ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ مَنْ دَخَل الْحَرَمَ أَوْ أَحْرَمَ فِي حِلٍّ، وَفِي يَدِهِ الْحَقِيقِيَّةِ صَيْدٌ وَجَبَ إِطْلاَقُهُ، أَوْ إِرْسَالُهُ لِلْحِل وَدِيعَةً عَلَى وَجْهٍ غَيْرِ مُضَيِّعٍ لَهُ، لأَِنَّ تَضْيِيعَ الدَّابَّةِ حَرَامٌ.
وَلاَ يَخْرُجُ الصَّيْدُ عَنْ مِلْكِهِ بِهَذَا الإِْرْسَال، فَلَهُ إِمْسَاكُهُ فِي الْحِل، وَلَهُ أَخْذُهُ مِنْ إِنْسَانٍ أَخَذَهُ مِنْهُ، لأَِنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ (٣) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يُرْسِل الْمُحْرِمُ الصَّيْدَ وُجُوبًا إِذَا كَانَ مَمْلُوكًا لَهُ قَبْل الإِْحْرَامِ، وَكَانَ فِي
_________
(١) ابن عابدين مع الدر المختار ٢ / ٢٢١.
(٢) مواهب الجليل للحطاب ٣ / ٢٢٣.
(٣) حاشية ابن عابدين وبهامشه الدر المختار للحصكفي ٢ / ٢٢٠ - ٢٢٢.
قَفَصٍ أَوْ نَحْوِهِ بِيَدِهِ، أَوْ بِيَدِ رُفْقَتِهِ الَّذِينَ مَعَهُ، فَإِنْ لَمْ يُرْسِلْهُ وَتَلِفَ ضَمِنَهُ، وَإِذَا أَرْسَلَهُ زَال مِلْكُهُ عَنْهُ حَالًا وَمَآلًا، فَلَوْ أَخَذَهُ أَحَدٌ قَبْل لُحُوقِهِ بِالْوَحْشِ أَوْ بَعْدَهُ فَقَدْ مَلَكَهُ، وَلَيْسَ لِصَاحِبِهِ الأَْصْلِيِّ أَخْذُهُ مِنْهُ.
وَلاَ يَجِبُ إِرْسَالُهُ إِنْ كَانَ الصَّيْدُ حَال إِحْرَامِهِ بِبَيْتِهِ، وَإِنْ أَحْرَمَ مِنْ بَيْتِهِ وَفِيهِ صَيْدٌ فَفِيهِ تَأْوِيلاَنِ: وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ وُجُوبِ الإِْرْسَال، وَعَدَمُ زَوَال الْمِلْكِيَّةِ (١) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ صَيْدٌ فَأَحْرَمَ زَال مِلْكُهُ عَنْهُ، وَلَزِمَهُ إِرْسَالُهُ، لأَِنَّهُ لاَ يُرَادُ لِلدَّوَامِ، فَتَحْرُمُ اسْتِدَامَتُهُ، فَلَوْ لَمْ يُرْسِلْهُ حَتَّى تَحَلَّل لَزِمَهُ إِرْسَالُهُ - أَيْضًا - إِذْ لاَ يَرْتَفِعُ اللُّزُومُ بِالتَّعَدِّي، وَمَنْ أَخَذَهُ وَلَوْ قَبْل إِرْسَالِهِ وَلَيْسَ مُحْرِمًا مَلَكَهُ؛ لأَِنَّهُ بَعْدَ لُزُومِ الإِْرْسَال صَارَ مُبَاحًا (٢) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِذَا أَحْرَمَ وَفِي مِلْكِهِ صَيْدٌ لَمْ يَزُل مِلْكُهُ عَنْهُ، وَلاَ يَدُهُ الْحُكْمِيَّةُ، مِثْل أَنْ يَكُونَ فِي بَلَدِهِ، أَوْ فِي يَدِ نَائِبٍ لَهُ فِي غَيْرِ مَكَانِهِ، وَلَكِنْ يَلْزَمُهُ إِزَالَةُ يَدِهِ الْمُشَاهَدَةِ، فَإِذَا كَانَ فِي قَبْضَتِهِ أَوْ خَيْمَتِهِ أَوْ رَحْلِهِ أَوْ قَفَصٍ مَعَهُ أَوْ مَرْبُوطًا بِحَبْلٍ مَعَهُ لَزِمَهُ إِرْسَالُهُ، وَإِذَا أَرْسَلَهُ لَمْ يَزُل مِلْكُهُ عَنْهُ، فَمَنْ أَخَذَهُ رَدَّهُ عَلَيْهِ إِذَا
_________
(١) الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي ٢ / ٧٢.
(٢) مغني المحتاج ١ / ٥٢٥، ونهاية المحتاج ٣ / ٣٣٤، ٣٣٥.
حَل. وَمَنْ قَتَلَهُ ضَمِنَهُ لَهُ، لأَِنَّ مِلْكَهُ كَانَ عَلَيْهِ، وَإِزَالَةُ يَدِهِ لاَ تُزِيل الْمِلْكَ بِدَلِيل الْغَصْبِ وَالْعَارِيَّةِ (١) .
دُخُول مَالِكِ الصَّيْدِ الْحَرَمَ:
٦٠ - لاَ يَخْتَلِفُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ حُكْمُ الصَّيْدِ مِنْ حَيْثُ لُزُومُ الإِْرْسَال وَالْمِلْكِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا لِمَنْ دَخَل الْحَرَمَ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ عَنْ حُكْمِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُحْرِمِ، فَمَا قَالُوهُ هُنَاكَ نَصُّوا عَلَيْهِ هُنَا أَيْضًا (٢) .
أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَقَالُوا: إِنَّ دُخُول مَالِكِ الصَّيْدِ الْحَرَمَ مِنْ غَيْرِ إِحْرَامٍ لاَ يَزُول بِهِ مِلْكُ الصَّيْدِ، وَلاَ يَجِبُ عَلَيْهِ إِرْسَالُهُ، لأَِنَّ صَيْدَ الْحِل إِذَا مَلَكَهُ إِنْسَانٌ لاَ يَصِيرُ صَيْدَ حَرَمٍ (٣) .
ضَمَانُ الصَّيْدِ:
٦١ - تَعَرَّضَ الْفُقَهَاءُ لِبَيَانِ حُكْمِ ضَمَانِ الصَّيْدِ فِي صُوَرٍ مِنْهَا:
الأُْولَى: ضَمَانُ صَيْدِ الْحَرَمِ، فَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ وَالْحَلاَل التَّعَرُّضُ لِصَيْدٍ فِي الْحَرَمِ بِالْقَتْل وَالْجَرْحِ وَالإِْيذَاءِ وَالاِسْتِيلاَءِ عَلَيْهِ، وَكَذَا التَّنْفِيرُ
_________
(١) الشرح الكبير بذيل المغني ٣ / ٢٩٧، ٢٩٨.
(٢) الدر المختار مع حاشية ابن عابدين ٢ / ٢٢٠ - ٢٢٢، وفتح القدير مع الهداية ٣ / ٣٠، ٣١، والشرح الصغير للدردير ١ / ٢٩٤، والشرح الكبير بذيل المغني ٣ / ٢٩٨، ٢٩٩.
(٣) شرح المنهج بحاشية البجيرمي ٢ / ١٥٣، ونهاية المحتاج ٣ / ٣٣٤ وما بعدها.
وَالْمُسَاعَدَةُ فِي اصْطِيَادِهِ بِأَيِّ وَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، كَالدَّلاَلَةِ وَالإِْشَارَةِ وَالأَْمْرِ وَنَحْوِهَا.
كَمَا اتَّفَقُوا عَلَى ضَمَانِ قَتْلِهِ وَإِصَابَتِهِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً عَلَى الْمُحْرِمِ وَالْحَلاَل، وَيَكُونُ الضَّمَانُ فِيمَا لَهُ مِثْلٌ مِنَ النَّعَمِ بِالْمِثْل، أَوْ تَقْوِيمُهُ بِنَقْدٍ يَشْتَرِي بِهِ طَعَامًا يَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ، أَوْ مَا يَعْدِل ذَلِكَ مِنَ الصِّيَامِ.
أَمَّا فِيمَا لاَ مِثْل لَهُ فَقِيمَتُهُ بِتَقْوِيمِ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ، يُتَصَدَّقُ بِهَا عَلَى الْمَسَاكِينِ، كَمَا وَرَدَ فِي قَوْله تَعَالَى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْل مَا قَتَل مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْل ذَلِكَ صِيَامًا﴾ (١) .
وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (إِحْرَام ف ١٦٠ - ١٦٤) .
الثَّانِيَةُ: ضَمَانُ صَيْدِ الْحِل إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْخُل بِهِ الْحَرَمَ، فَمَنْ مَلَكَ صَيْدًا فِي الْحِل، وَأَرَادَ أَنْ يَدْخُل بِهِ الْحَرَمَ لَزِمَهُ رَفْعُ يَدِهِ عَنْهُ وَإِرْسَالُهُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ: (الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ) كَمَا قَدَّمْنَاهُ، فَإِنْ لَمْ يُرْسِلْهُ وَتَلِفَ فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ، لأَِنَّهُ تَلِفَ تَحْتَ الْيَدِ الْمُعْتَدِيَةِ.
_________
(١) سورة المائدة / ٩٥.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ أَدْخَل الْحَلاَل مَعَهُ صَيْدًا إِلَى الْحَرَمِ لاَ يَضْمَنُهُ، لأَِنَّهُ صَيْدُ حِلٍّ.
وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (حَرَم ١٣) .
صِيغَةٌ
التَّعْرِيفُ:
١ - الصِّيغَةُ فِي اللُّغَةِ مِنَ الصَّوْغِ مَصْدَرُ صَاغَ الشَّيْءَ يَصُوغُهُ صَوْغًا وَصِيَاغَةً، وَصُغْتُهُ أَصُوغُهُ صِيَاغَةً وَصِيغَةً، وَهَذَا شَيْءٌ حَسَنُ الصِّيغَةِ، أَيْ حَسَنُ الْعَمَل. وَصِيغَةُ الأَْمْرِ كَذَا وَكَذَا، أَيْ هَيْئَتُهُ الَّتِي بُنِيَ عَلَيْهَا. وَصِيغَةُ الْكَلِمَةِ: هَيْئَتُهَا الْحَاصِلَةُ مِنْ تَرْتِيبِ حُرُوفِهَا وَحَرَكَاتِهَا، وَالْجَمْعُ صِيَغٌ، قَالُوا: اخْتَلَفَتْ صِيَغُ الْكَلاَمِ، أَيْ: تَرَاكِيبُهُ وَعِبَارَاتُهُ (١) .
وَاصْطِلاَحًا: لَمْ نَعْرِفْ لِلْفُقَهَاءِ تَعْرِيفًا جَامِعًا لِلصِّيغَةِ يَشْمَل صِيَغَ الْعُقُودِ وَالتَّصَرُّفَاتِ وَالْعِبَادَاتِ وَغَيْرِهَا، لَكِنَّهُ يُفْهَمُ مِنَ التَّعْرِيفِ اللُّغَوِيِّ وَمِنْ كَلاَمِ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الصِّيغَةَ هِيَ الأَْلْفَاظُ وَالْعِبَارَاتُ الَّتِي تُعْرِبُ عَنْ إِرَادَةِ الْمُتَكَلِّمِ وَنَوْعِ تَصَرُّفِهِ
، يَقُول ابْنُ الْقَيِّمِ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَضَعَ الأَْلْفَاظَ بَيْنَ عِبَادِهِ تَعْرِيفًا وَدَلاَلَةً عَلَى مَا فِي نُفُوسِهِمْ،
_________
(١) لسان العرب والمعجم الوسيط.
فَإِذَا أَرَادَ أَحَدُهُمْ مِنَ الآْخَرِ شَيْئًا عَرَّفَهُ بِمُرَادِهِ وَمَا فِي نَفْسِهِ بِلَفْظِهِ، وَرَتَّبَ عَلَى تِلْكَ الإِْرَادَاتِ وَالْمَقَاصِدِ أَحْكَامَهَا بِوَاسِطَةِ الأَْلْفَاظِ وَلَمْ يُرَتِّبْ تِلْكَ الأَْحْكَامَ عَلَى مُجَرَّدِ مَا فِي النُّفُوسِ مِنْ غَيْرِ دَلاَلَةِ فِعْلٍ أَوْ قَوْلٍ (١) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْعِبَارَةُ:
٢ - فِي اللُّغَةِ: عَبَّرَ عَمَّا فِي نَفْسِهِ: أَعْرَبَ وَبَيَّنَ، وَالاِسْمُ الْعِبْرَةُ وَالْعِبَارَةُ، وَعَبَّرَ عَنْ فُلاَنٍ تَكَلَّمَ عَنْهُ، وَاللِّسَانُ يُعَبِّرُ عَمَّا فِي الضَّمِيرِ أَيْ يُبَيِّنُهُ، وَهُوَ حَسَنُ الْعِبَارَةِ أَيِ الْبَيَانِ. وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَال الْفُقَهَاءِ لِلَفْظِ (عِبَارَةٍ) عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ (٢):
ب - اللَّفْظُ:
٣ - فِي اللُّغَةِ: اللَّفْظُ أَنْ تَرْمِيَ بِشَيْءٍ كَانَ فِي فِيكَ، وَلَفَظَ بِالشَّيْءِ يَلْفِظُ: تَكَلَّمَ، وَفِي التَّنْزِيل الْعَزِيزِ ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ (٣) .
_________
(١) الحطاب ٣ / ٤١٩، والمواق بهامشه ٤ / ٢٢٨، والبدائع ٢ / ٢٢٩ - ٢٣١، وأسنى المطالب ٢ / ٣، ٣ / ١١٨، وإعلام الموقعين ٣ / ١٠٥، ١١٩، مجلة الأحكام العدلية مادة ١٦٨، إلى ١٧٤ - الموسوعة ٦ / ١٥١، فقرة ١٧ - ١٨.
(٢) لسان العرب والمصباح المنير والبدائع ٢ / ٢٣٣، والمجموع ٩ / ١٤٣ ط. المطيعي.
(٣) سورة ق / ١٨.
وَلَفَظَ بِقَوْلٍ حَسَنٍ: تَكَلَّمَ بِهِ، وَتَلَفَّظَ بِهِ كَذَلِكَ. وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَال الْفُقَهَاءِ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ (١) .
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
٤ - الصِّيغَةُ: رُكْنٌ فِي كُل الاِلْتِزَامَاتِ بِاعْتِبَارِهَا سَبَبًا فِي إِنْشَائِهَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ.
مَا يَتَعَلَّقُ بِالصِّيغَةِ مِنْ أَحْكَامِ
تَنَوُّعِ الصِّيغَةِ بِتَنَوُّعِ الاِلْتِزَامَاتِ
٥ - لَمَّا كَانَتِ الصِّيغَةُ هِيَ الدَّالَّةَ عَلَى نَوْعِ الاِلْتِزَامِ الَّذِي يُنْشِئُهُ الْمُتَكَلِّمُ فَإِنَّهَا تَخْتَلِفُ تَبَعًا لاِخْتِلاَفِ الاِلْتِزَامَاتِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:
أ - بَعْضُ الاِلْتِزَامَاتِ تَتَقَيَّدُ بِصِيغَةٍ خَاصَّةٍ لاَ يَجُوزُ الْعُدُول عَنْهَا، وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ الشَّهَادَةُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ (٢) .
انْظُرْ مُصْطَلَحَ: (إِثْبَات ١٠) مُصْطَلَحَ: (شَهَادَة) .
وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا صِيَغُ الأَْيْمَانِ. انْظُرْ مُصْطَلَحَ: (أَيْمَان)، وَمُصْطَلَحَ: (لِعَان) . (٣)
_________
(١) لسان العرب والمصباح المنير وأعلام الموقعين ٣ / ١٠٥، والبدائع ٣ / ٩١.
(٢) البدائع ٦ / ٢٧٣، والهداية ٣ / ١١٨، ومغني المحتاج ٤ / ٤٥٣، وشرح منتهى الإرادات ٣ / ٥٦٦، والمغني ٩ / ٢١٦.
(٣) شرح منتهى الإرادات ٣ / ٢٠٧، ومغني المحتاج ٣ / ٣٧٥، والفواكه الدواني ٢ / ٨٥، والاختيار ٣ / ١٦٩.
وَمِنْ ذَلِكَ صِيغَةُ عَقْدِ النِّكَاحِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِذْ لاَ بُدَّ فِي الإِْيجَابِ وَالْقَبُول مِنْ لَفْظِ الإِْنْكَاحِ أَوِ التَّزْوِيجِ.
وَلاَ يُشْتَرَطُ ذَلِكَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْعُقُودِ الَّتِي تَتَقَيَّدُ بِصِيغَةٍ مُعَيَّنَةٍ السَّلَمَ، فَقَالُوا: لَيْسَ لَنَا عَقْدٌ يَخْتَصُّ بِصِيغَةٍ إِلاَّ شَيْئَيْنِ: النِّكَاحَ وَالسَّلَمَ. انْظُرْ مُصْطَلَحَ: زَوَاج (نِكَاح) (وَسَلَم) .
٦ - ب - هُنَاكَ الْتِزَامَاتٌ لاَ تَتَقَيَّدُ بِصِيغَةٍ مُعَيَّنَةٍ بَل تَصِحُّ بِكُل لَفْظٍ يَدُل عَلَى الْمَقْصُودِ كَالْبَيْعِ وَالإِْعَارَةِ (١) .
وَيَتَّفِقُ الْفُقَهَاءُ فِي الْجُمْلَةِ عَلَى أَنَّ الْعُقُودَ - غَيْرُ عَقْدَيِ النِّكَاحِ وَالسَّلَمِ - لاَ يُشْتَرَطُ فِيهَا صِيغَةٌ مُعَيَّنَةٌ، بَل كُل لَفْظٍ يُؤَدِّي إِلَى الْمَقْصُودِ يَتِمُّ بِهِ الْعَقْدُ.
فَالصِّيغَةُ الَّتِي تُؤَدِّي إِلَى تَسْلِيمِ الْمِلْكِ بِعِوَضٍ بَيْعٌ، وَبِدُونِ الْعِوَضِ هِبَةٌ أَوْ عَطِيَّةٌ أَوْ صَدَقَةٌ، وَالصِّيغَةُ الَّتِي تُؤَدِّي إِلَى التَّمْكِينِ مِنَ الْمَنْفَعَةِ بِعِوَضٍ إِجَارَةٌ، وَبِدُونِ الْعِوَضِ إِعَارَةٌ أَوْ وَقْفٌ أَوْ عُمْرَى، وَالصِّيغَةُ الَّتِي تُؤَدِّي إِلَى الْتِزَامِ الدَّيْنِ ضَمَانٌ، وَالَّتِي تُؤَدِّي إِلَى نَقْلِهِ حَوَالَةٌ، وَالَّتِي تُؤَدِّي إِلَى التَّنَازُل عَنْهُ إِبْرَاءٌ (٢) وَهَكَذَا.
_________
(١) مغني المحتاج ٢ / ٣، والاختيار ٢ / ٤، وجواهر الإكليل ٢ / ٢.
(٢) كشاف القناع ٣ / ٣٨، والحطاب ٤ / ٢٢٤.
وَمِنْ نُصُوصِ الْفُقَهَاءِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ مَا يَأْتِي:
جَاءَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فِي بَابِ الْبَيْعِ: لَوْ قَال الْبَائِعُ: رَضِيتُ بِكَذَا، أَوْ أَعْطَيْتُكَ بِكَذَا، أَوْ خُذْهُ بِكَذَا، فَهُوَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: بِعْتُ وَاشْتَرَيْتُ، لأَِنَّهُ يُؤَدِّي مَعْنَاهُ، وَالْمَعْنَى هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي هَذِهِ الْعُقُودِ، وَكَذَا لَوْ قَال: وَهَبْتُكَ أَوْ وَهَبْتُ لَكَ هَذِهِ الدَّارَ بِثَوْبِكَ هَذَا، فَرَضِيَ، فَهُوَ بَيْعٌ بِالإِْجْمَاعِ (١) .
وَفِي الْحَطَّابِ: لَيْسَ لِلإِْيجَابِ وَالْقَبُول لَفْظٌ مُعَيَّنٌ، وَكُل لَفْظٍ أَوْ إِشَارَةٍ فُهِمَ مِنْهَا الإِْيجَابُ وَالْقَبُول لَزِمَ بِهِ الْبَيْعُ وَسَائِرُ الْعُقُودِ (٢) .
وَفِي نِهَايَةِ الْمُحْتَاجِ: لَيْسَ لَنَا عَقْدٌ يَخْتَصُّ بِصِيغَةٍ وَاحِدَةٍ إِلاَّ النِّكَاحُ وَالسَّلَمُ (٣) .
وَفِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ: الصِّيغَةُ الْقَوْلِيَّةُ فِي الْبَيْعِ غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ فِي لَفْظٍ بِعَيْنِهِ كَبِعْتُ وَاشْتَرَيْتُ بَل هِيَ كُل مَا أَدَّى مَعْنَى الْبَيْعِ، لأَِنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَخُصَّهُ بِصِيغَةٍ مُعَيَّنَةٍ فَتَنَاوَل كُل مَا أَدَّى مَعْنَاهُ (٤) .
_________
(١) فتح القدير ٥ / ٤٥٨ نشر دار إحياء التراث.
(٢) الحطاب ٤ / ٢٣٠.
(٣) نهاية المحتاج ٤ / ١٧٩، والمنثور في القواعد ٢ / ٤١٢.
(٤) كشاف القناع ٣ / ١٤٦، ١٤٧.