الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٨ الصفحة 12

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٨

وَقَدْ شَارَكَتْهُ فِيهَا، وَقَدِ اسْتَوَيَا فِي الْجِنَايَةِ، وَالْبَيَانُ فِي حَقِّ الرَّجُل بَيَانٌ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ، فَقَدْ وُجِدَ فَسَادُ صَوْمِ رَمَضَانَ بِإِفْطَارٍ كَامِلٍ حَرَامٍ مَحْضٍ مُتَعَمَّدٍ، فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَيْهَا بِدَلاَلَةِ النَّصِّ، وَلاَ يَتَحَمَّل الرَّجُل عَنْهَا؛ لأَِنَّ الْكَفَّارَةَ عِبَادَةٌ أَوْ عُقُوبَةٌ، وَلاَ يَجْرِي فِيهَا التَّحَمُّل (١) .

وَفِي قَوْلٍ لِلشَّافِعِيِّ وَهُوَ الأَْصَحُّ، وَرِوَايَةٌ أُخْرَى عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ لاَ كَفَّارَةَ عَلَيْهَا، لأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَمَرَ الْوَاطِئَ فِي رَمَضَانَ أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً، وَلَمْ يَأْمُرِ الْمَرْأَةَ بِشَيْءٍ، مَعَ عِلْمِهِ بِوُجُودِ ذَلِكَ مِنْهَا. وَلأَِنَّ الْجِمَاعَ فِعْلُهُ، وَإِنَّمَا هِيَ مَحَل الْفِعْل (٢) . وَفِي قَوْلٍ لِلشَّافِعِيَّةِ: تَجِبُ، وَيَتَحَمَّلُهَا الرَّجُل.

وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّ الزَّوْجَ تَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ عَنْهُمَا، وَضَعَّفَهَا بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ بِأَنَّ الأَْصْل عَدَمُ التَّدَاخُل (٣) . وَقَال ابْنُ عَقِيلٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ: إِنْ أُكْرِهَتِ الْمَرْأَةُ عَلَى الْجِمَاعِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ حَتَّى مَكَّنَتِ الرَّجُل مِنْهَا لَزِمَتْهَا الْكَفَّارَةُ، وَإِنْ غُصِبَتْ أَوْ أُتِيَتْ نَائِمَةً فَلاَ كَفَّارَةَ عَلَيْهَا (٤) .

_________

(١) الهداية بشروحها ٢ / ٢٦٣، والبدائع ٢ / ٩٨.

(٢) المغني ٣ / ٥٨، وشرح المحلي على المنهاج بحاشية القليوبي عليه ٢ / ٧١، والهداية بشروحها ٢ / ٢٦٢.

(٣) الإنصاف ٣ / ٣١٤، وشرح المحلي في الموضع نفسه.

(٤) الإنصاف ٣ / ٣١٣.

ثَانِيًا: الأَْكْل وَالشُّرْبُ عَمْدًا:

٦٩ - مِمَّا يُوجِبُ الْقَضَاءَ وَالْكَفَّارَةَ، عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ: الأَْكْل وَالشُّرْبُ.

فَإِذَا أَكَل الصَّائِمُ، فِي أَدَاءِ رَمَضَانَ أَوْ شَرِبَ غِذَاءً أَوْ دَوَاءً، طَائِعًا عَامِدًا، بِغَيْرِ خَطَأٍ وَلاَ إِكْرَاهٍ وَلاَ نِسْيَانٍ، أَفْطَرَ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ.

وَضَابِطُهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: وُصُول مَا فِيهِ صَلاَحُ بَدَنِهِ لِجَوْفِهِ، بِأَنْ يَكُونَ مِمَّا يُؤْكَل عَادَةً عَلَى قَصْدِ التَّغَذِّي أَوِ التَّدَاوِي أَوِ التَّلَذُّذِ، أَوْ مِمَّا يَمِيل إِلَيْهِ الطَّبْعُ، وَتَنْقَضِي بِهِ شَهْوَةُ الْبَطْنِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ صَلاَحُ الْبَدَنِ، بَل ضَرَرُهُ.

وَشَرَطُوا أَيْضًا لِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ: أَنْ يَنْوِيَ الصَّوْمَ لَيْلًا، وَأَنْ لاَ يَكُونَ مُكْرَهًا، وَأَنْ لاَ يَطْرَأَ عُذْرٌ شَرْعِيٌّ لاَ صُنْعَ لَهُ فِيهِ، كَمَرَضٍ وَحَيْضٍ.

وَشَرَطَ الْمَالِكِيَّةُ: أَنْ يَكُونَ إِفْسَادُ صَوْمِ رَمَضَانَ خَاصَّةً، عَمْدًا قَصْدًا لاِنْتِهَاكِ حُرْمَةِ الصَّوْمِ، مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ مُبِيحٍ لِلْفِطْرِ (١) .

وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِي شُرْبِ الدُّخَانِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ - فَإِنَّهُ رُبَّمَا أَضَرَّ الْبَدَنَ، لَكِنْ تَمِيل إِلَيْهِ بَعْضُ الطِّبَاعِ، وَتَنْقَضِي بِهِ

_________

(١) الدر المختار ورد المحتار ٢ / ١٠٨ - ١١٠، ومراقي الفلاح ص ٣٦٤ و٣٦٨، والقوانين الفقهية ص ٨٣، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدردير ١ / ٥٢٨.

شَهْوَةُ الْبَطْنِ، يُضَافُ إِلَى ذَلِكَ أَنَّهُ مُفْتِرٌ وَحَرَامٌ، لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قَالَتْ: نَهَى رَسُول اللَّهِ ﷺ عَنْ كُل مُسْكِرٍ وَمُفْتِرٍ (١) .

وَدَلِيل وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَى مَنْ أَكَل أَوْ شَرِبَ عَمْدًا، مَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ أَمَرَ رَجُلًا أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ، أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً أَوْ يَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، أَوْ يُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا (٢) فَإِنَّهُ عَلَّقَ الْكَفَّارَةَ بِالإِْفْطَارِ، وَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ وَاقِعَةَ حَالٍ لاَ عُمُومَ لَهَا، لَكِنَّهَا عُلِّقَتْ بِالإِْفْطَارِ، لاَ بِاعْتِبَارِ خُصُوصِ الإِْفْطَارِ وَلَفْظُ الرَّاوِي عَامٌّ، فَاعْتُبِرَ، كَقَوْلِهِ: قَضَى بِالشُّفْعَةِ لِلْجَارِ (٣) .

وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ عَدَمُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَى مَنْ أَكَل أَوْ شَرِبَ عَمْدًا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ أَدَاءً، وَذَلِكَ لأَِنَّ النَّصَّ - وَهُوَ حَدِيثُ الأَْعْرَابِيِّ الَّذِي وَقَعَ عَلَى امْرَأَتِهِ فِي رَمَضَانَ - وَرَدَ فِي الْجِمَاعِ، وَمَا عَدَاهُ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ. وَلأَِنَّهُ

_________

(١) حديث: " نهى رسول الله ﷺ عن كل مسكر ومفتر ". أخرجه أبو داود (٤ / ٩٠) وإسناده ضعيف. وانظر مراقي الفلاح بحاشية الطحطاوي عليه ص ٣٦٤.

(٢) حديث " أنه أمر رجلا أفطر في رمضان أن يعتق رقبة. . . ". تقدم في الفقرة رقم ٦٨.

(٣) تبيين الحقائق وحاشية الشلبي عليه ١ / ٣٢٧ و٣٢٨، قوله: وقضى بالشفعة للجار مستنبط من قوله ﷺ: " الجار أحق بشفعته ". أخرجه الترمذي (٣ / ٦٤٢) من حديث جابر وقال: حديث حسن غريب.

لاَ نَصَّ فِي إِيجَابِ الْكَفَّارَةِ بِهَذَا، وَلاَ إِجْمَاعَ.

وَلاَ يَصِحُّ قِيَاسُهُ عَلَى الْجِمَاعِ؛ لأَِنَّ الْحَاجَةَ إِلَى الزَّجْرِ عَنْهُ أَمَسُّ، وَالْحِكْمَةُ فِي التَّعَدِّي بِهِ آكَدُ، وَلِهَذَا يَجِبُ بِهِ الْحَدُّ إِذَا كَانَ مُحَرَّمًا (١) .

ثَالِثًا: رَفْعُ النِّيَّةِ:

٧٠ - وَمِمَّا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، مَا لَوْ تَعَمَّدَ رَفْعَ النِّيَّةِ نَهَارًا، كَأَنْ يَقُول - وَهُوَ صَائِمٌ: رَفَعْتُ نِيَّةَ صَوْمِي، أَوْ يَقُول رَفَعْتُ نِيَّتِي.

وَأَوْلَى مِنْ ذَلِكَ، رَفْعُ النِّيَّةِ فِي اللَّيْل، كَأَنْ يَكُونَ غَيْرَ نَاوٍ لِلصَّوْمِ، لأَِنَّهُ رَفَعَهَا فِي مَحِلِّهَا فَلَمْ تَقَعِ النِّيَّةُ فِي مَحِلِّهَا.

وَكَذَلِكَ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ بِالإِْصْبَاحِ بِنِيَّةِ الْفِطْرِ، وَلَوْ نَوَى الصِّيَامَ بَعْدَهُ، عَلَى الأَْصَحِّ كَمَا يَقُول ابْنُ جُزَيٍّ.

أَمَّا إِنْ عَلَّقَ الْفِطْرَ عَلَى شَيْءٍ، كَأَنْ يَقُول: إِنْ وَجَدْتُ طَعَامًا أَكَلْتُ فَلَمْ يَجِدْهُ، أَوْ وَجَدَهُ وَلَمْ يُفْطِرْ فَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ.

أَمَّا عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ - وَفِي وَجْهٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ - فَإِنَّهُ يَجِبُ الْقَضَاءُ بِتَرْكِ النِّيَّةِ دُونَ الْكَفَّارَةِ.

وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَفِي الْوَجْهِ الآْخَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: لاَ يَجِبُ الْقَضَاءُ (٢) .

_________

(١) فتح القدير شرح الهداية ٢ / ٢٦٤، وشرح المحلي بحاشية القليوبي ٢ / ٧٠، والمغني والشرح الكبير ٣ / ٦٤ و٦٥، وكشاف القناع ٢ / ٣٢٧، وانظر الإنصاف ٢ / ٣٢١.

(٢) الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي عليه ١ / ٥٢٨، والقوانين الفقهية ص ٨٢، والدر المختار ورد المحتار عليه، بتصرف ٢ / ١٠٣، ومراقي الفلاح وحاشية الطحطاوي عليه ص ٣٦١، وشرح المحلي على المنهاج ٢ / ٦٤، وكشاف القناع ٢ / ٣١٦، وانظر المهذب مع المجموع ٦ / ٢٩٧.

مَا لاَ يُفْسِدُ الصَّوْمَ:

أَوَّلًا: الأَْكْل وَالشُّرْبُ فِي حَال النِّسْيَانِ:

٧١ - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الأَْكْل وَالشُّرْبَ فِي حَال النِّسْيَانِ لاَ يُفْسِدُ الصَّوْمَ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا، خِلاَفًا لِلْمَالِكِيَّةِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي ف / ٣٨.

ثَانِيًا: الْجِمَاعُ فِي حَال النِّسْيَانِ:

٧٢ - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْمَذْهَبِ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمُجَاهِدٌ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ إِلَى أَنَّ الْجِمَاعَ فِي حَال النِّسْيَانِ لاَ يُفَطِّرُ قِيَاسًا عَلَى الأَْكْل وَالشُّرْبِ نَاسِيًا.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ - وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الْحَنَابِلَةِ - إِلَى أَنَّ مَنْ جَامَعَ نَاسِيًا فَسَدَ صَوْمُهُ، وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَقَطْ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَالْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ (١) .

ثَالِثًا: دُخُول الْغُبَارِ وَنَحْوِهِ حَلْقَ الصَّائِمِ:

٧٣ - إِذَا دَخَل حَلْقَ الصَّائِمِ غُبَارٌ أَوْ ذُبَابٌ أَوْ دُخَانٌ بِنَفْسِهِ، بِلاَ صُنْعِهِ، وَلَوْ كَانَ الصَّائِمُ

_________

(١) الهداية وشروحها ٢ / ٢٥٤ و٢٥٥، والمجموع ٦ / ٣٢٤، مراقي الفلاح ٣٦٠، والمغني والشرح الكبير ٣ / ٥٦، كشاف القناع ٢ / ٣٢٤، الإنصاف ٣ / ٣١١، والشرح الكبير للدردير ١ / ٥٢٥ و٥٢٧، وجواهر الإكليل ١ / ١٤٩، والقوانين الفقهية ص ١٢١.

ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ، لَمْ يُفْطِرْ إِجْمَاعًا - كَمَا قَال ابْنُ جُزَيٍّ - لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى الاِمْتِنَاعِ عَنْهُ، وَلاَ يُمْكِنُ الاِحْتِرَازُ مِنْهُ.

وَكَذَلِكَ إِذَا دَخَل الدَّمْعُ حَلْقَهُ وَكَانَ قَلِيلًا نَحْوَ الْقَطْرَةِ أَوِ الْقَطْرَتَيْنِ فَإِنَّهُ لاَ يَفْسُدُ صَوْمُهُ؛ لأَِنَّ التَّحَرُّزَ مِنْهُ غَيْرُ مُمْكِنٍ. وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا حَتَّى وَجَدَ مُلُوحَتَهُ فِي جَمِيعِ فَمِهِ وَابْتَلَعَهُ فَسَدَ صَوْمُهُ (١) .

رَابِعًا: الاِدِّهَانُ:

٧٤ - لَوْ دَهَنَ الصَّائِمُ رَأْسَهُ، أَوْ شَارِبَهُ لاَ يَضُرُّهُ ذَلِكَ، وَكَذَا لَوْ اخْتَضَبَ بِحِنَّاءٍ، فَوَجَدَ الطَّعْمَ فِي حَلْقِهِ لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ، وَلاَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ، إِذْ لاَ عِبْرَةَ بِمَا يَكُونُ مِنَ الْمَسَامِّ، وَهَذَا قَوْل الْجُمْهُورِ. لَكِنْ صَرَّحَ الدَّرْدِيرُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، بِأَنَّ الْمَعْرُوفَ مِنَ الْمَذْهَبِ وُجُوبُ الْقَضَاءِ (٢) .

خَامِسًا: الاِحْتِلاَمُ:

٧٥ - إِذَا نَامَ الصَّائِمُ فَاحْتَلَمَ لاَ يَفْسُدُ صَوْمُهُ، بَل يُتِمُّهُ إِجْمَاعًا، إِذَا لَمْ يَفْعَل شَيْئًا يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الاِغْتِسَال (٣) .

_________

(١) الدر المختار ورد المحتار ٢ / ١٠٣، ومراقي الفلاح وحاشية الطحطاوي عليه ص ٣٦٨.

(٢) مراقي الفلاح ص ٣٦١، وشرح المحلي على المنهاج ٢ / ٥٦، وحاشية الدسوقي وشرح الدردير ١ / ٥٢٤.

(٣) الدر المختار ٢ / ٩٨، والقوانين الفقهية (٨١) .

وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: ثَلاَثٌ لاَ يُفْطِرْنَ الصَّائِمَ: الْحِجَامَةُ وَالْقَيْءُ وَالاِحْتِلاَمُ (١) .

وَمَنْ أَجْنَبَ لَيْلًا، ثُمَّ أَصْبَحَ صَائِمًا، فَصَوْمُهُ صَحِيحٌ، وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: وَإِنْ بَقِيَ جُنُبًا كُل الْيَوْمِ، وَذَلِكَ: لِحَدِيثِ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قَالَتَا: نَشْهَدُ عَلَى رَسُول اللَّهِ ﷺ إِنْ كَانَ لَيُصْبِحُ جُنُبًا، مِنْ غَيْرِ احْتِلاَمٍ ثُمَّ يَغْتَسِل، ثُمَّ يَصُومُ (٢) .

قَال الشَّوْكَانِيُّ: وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ، وَجَزَمَ النَّوَوِيُّ بِأَنَّهُ اسْتَقَرَّ الإِْجْمَاعُ عَلَى ذَلِكَ، وَقَال ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: إِنَّهُ صَارَ إِجْمَاعًا أَوْ كَالإِْجْمَاعِ.

وَقَدْ أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ ﷺ قَال: مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا فَلاَ صَوْمَ لَهُ وَحُمِل عَلَى النَّسْخِ أَوِ الإِْرْشَادِ إِلَى الأَْفْضَل، وَهُوَ: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَغْتَسِل

_________

(١) حديث أبي سعيد: " ثلاث لا يفطرن. . . ". أخرجه الترمذي (٣ / ٨٨) وقال: حديث أبي سعيد الخدري حديث غير محفوظ وأورده ابن حجر في التلخيص (٢ / ١٩٤) وأفاض في ذكر وجوه إعلاله.

(٢) حديث عائشة وأم سلمة ﵄: أخرجه البخاري (الفتح ٤ / ١٥٣) ومسلم (٢ / ٧٨١) بألفاظ متقاربة.

قَبْل الْفَجْرِ، لِيَكُونَ عَلَى طَهَارَةٍ مِنْ أَوَّل الصَّوْمِ (١) .

سَادِسًا: الْبَلَل فِي الْفَمِ:

٧٦ - مِمَّا لاَ يُفْسِدُ الصَّوْمَ الْبَلَل الَّذِي يَبْقَى فِي الْفَمِ بَعْدَ الْمَضْمَضَةِ، إِذَا ابْتَلَعَهُ الصَّائِمُ مَعَ الرِّيقِ، بِشَرْطِ أَنْ يَبْصُقَ بَعْدَ مَجِّ الْمَاءِ، لاِخْتِلاَطِ الْمَاءِ بِالْبُصَاقِ، فَلاَ يَخْرُجُ بِمُجَرَّدِ الْمَجِّ، وَلاَ تُشْتَرَطُ الْمُبَالَغَةُ فِي الْبَصْقِ؛ لأَِنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَهُ مُجَرَّدُ بَلَلٍ وَرُطُوبَةٍ، لاَ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ (٢) .

سَابِعًا: ابْتِلاَعُ مَا بَيْنَ الأَْسْنَانِ:

٧٧ - ابْتِلاَعُ مَا بَيْنَ الأَْسْنَانِ، إِذَا كَانَ قَلِيلًا، لاَ يُفْسِدُ وَلاَ يُفْطِرُ؛ لأَِنَّهُ تَبَعٌ لِرِيقِهِ، وَلأَِنَّهُ لاَ يُمْكِنُ الاِحْتِرَازُ عَنْهُ، بِخِلاَفِ الْكَثِيرِ فَإِنَّهُ لاَ يَبْقَى بَيْنَ الأَْسْنَانِ، وَالاِحْتِرَازُ عَنْهُ مُمْكِنٌ.

وَالْقَلِيل: هُوَ مَا دُونَ الْحِمَّصَةِ، وَلَوْ كَانَ قَدْرَهَا أَفْطَرَ.

وَمَذْهَبُ زُفَرَ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيَّةِ: فَسَادُ

_________

(١) شرح المحلي على المنهاج ٢ / ٦٢. وحديث أبي هريرة: " من أصبح جنبا فلا صوم له ". أخرجه البخاري (الفتح ٤ / ١٤٣) ومسلم (٢ / ٧٨٠) بمعناه، وأخرجه النسائي في الكبرى (٢ / ٣٤٣) بلفظ: " من أدركه الصبح وهو جنب فلا يصم ".

(٢) مراقي الفلاح ص ٣٦١، والدر المختار ورد المحتار ٢ / ٩٨.

الصَّوْمِ مُطْلَقًا، بِابْتِلاَعِ الْقَلِيل وَالْكَثِيرِ؛ لأَِنَّ الْفَمَ لَهُ حُكْمُ الظَّاهِرِ، وَلِهَذَا لاَ يَفْسُدُ صَوْمُهُ بِالْمَضْمَضَةِ - كَمَا قَال الْمَرْغِينَانِيُّ - وَلَوْ أَكَل الْقَلِيل مِنْ خَارِجِ فَمِهِ أَفْطَرَ، فَكَذَا إِذَا أَكَل مِنْ فَمِهِ.

وَلِلشَّافِعِيَّةِ قَوْلٌ آخَرُ بِعَدَمِ الإِْفْطَارِ بِهِ مُطْلَقًا.

وَشَرَطَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، لِعَدَمِ الإِْفْطَارِ بِابْتِلاَعِ مَا بَيْنَ الأَْسْنَانِ شَرْطَيْنِ:

أَوَّلَهُمَا: أَنْ لاَ يَقْصِدَ ابْتِلاَعَهُ.

وَالآْخَرَ: أَنْ يَعْجَزَ عَنْ تَمْيِيزِهِ وَمَجِّهِ؛ لأَِنَّهُ مَعْذُورٌ فِيهِ غَيْرُ مُفَرِّطٍ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِمَا أَفْطَرَ، وَلَوْ كَانَ دُونَ الْحِمَّصَةِ، لأَِنَّهُ لاَ مَشَقَّةَ فِي لَفْظِهِ، وَالتَّحَرُّزُ عَنْهُ مُمْكِنٌ.

وَمَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ: عَدَمُ الإِْفْطَارِ بِمَا سَبَقَ إِلَى جَوْفِهِ مِنْ بَيْنِ أَسْنَانِهِ، وَلَوْ عَمْدًا؛ لأَِنَّهُ أَخَذَهُ فِي وَقْتٍ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهُ فِيهِ - كَمَا يَقُول الدُّسُوقِيُّ - وَقِيل: لاَ يُفْطِرُ، إِلاَّ إِنْ تَعَمَّدَ بَلْعَهُ فَيُفْطِرُ، أَمَّا لَوْ سَبَقَ إِلَى جَوْفِهِ فَلاَ يُفْطِرُ (١) .

_________

(١) الدر المختار ورد المحتار ٢ / ٩٨ و١١٢، وشروح الهداية ٢ / ٢٥٨، وفيها أقوال أخرى، وهذا اختيار المرغيناني، وانظر المحلي على المنهاج ٢ / ٥٧، والإقناع ٢ / ٣٢٩، وكشاف القناع ٢ / ٣٢١، وروضة الطالبين ٢ / ٣٦١، والمغني والشرح الكبير ٣ / ٤٢ و٤٣، والقوانين الفقهية ص ٨٠.

ثَامِنًا: دَمُ اللِّثَةِ وَالْبُصَاقِ:

٧٨ - لَوْ دَمِيَتْ لِثَتُهُ، فَدَخَل رِيقُهُ حَلْقَهُ مَخْلُوطًا بِالدَّمِ، وَلَمْ يَصِل إِلَى جَوْفِهِ، لاَ يُفْطِرُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ الدَّمُ غَالِبًا عَلَى الرِّيقِ، لأَِنَّهُ لاَ يُمْكِنُ الاِحْتِرَازُ مِنْهُ، فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ مَا بَيْنَ أَسْنَانِهِ أَوْ مَا يَبْقَى مِنْ أَثَرِ الْمَضْمَضَةِ، أَمَّا لَوْ وَصَل إِلَى جَوْفِهِ، فَإِنْ غَلَبَ الدَّمُ فَسَدَ صَوْمُهُ، وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلاَ كَفَّارَةَ، وَإِنْ غَلَبَ الْبُصَاقُ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَسَاوَيَا، فَالْقِيَاسُ أَنْ لاَ يَفْسُدَ وَفِي الاِسْتِحْسَانِ يَفْسُدُ احْتِيَاطًا (١) .

وَلَوْ خَرَجَ الْبُصَاقُ عَلَى شَفَتَيْهِ ثُمَّ ابْتَلَعَهُ، فَسَدَ صَوْمُهُ، وَفِي الْخَانِيَّةِ: تَرَطَّبَتْ شَفَتَاهُ بِبُزَاقِهِ، عِنْدَ الْكَلاَمِ وَنَحْوِهِ، فَابْتَلَعَهُ، لاَ يَفْسُدُ صَوْمُهُ، وَهَذَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ (٢) .

وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: الإِْفْطَارُ بِابْتِلاَعِ الرِّيقِ الْمُخْتَلِطِ بِالدَّمِ، لِتَغَيُّرِ الرِّيقِ، وَالدَّمُ نَجِسٌ لاَ يَجُوزُ ابْتِلاَعُهُ وَإِذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ أَنَّهُ بَلَعَ شَيْئًا نَجِسًا لاَ يُفْطِرُ، إِذْ لاَ فِطْرَ بِبَلْعِ رِيقِهِ الَّذِي لَمْ تُخَالِطْهُ النَّجَاسَةُ (٣) .

_________

(١) البدائع ٢ / ٩٩، والدر المختار ورد المحتار ٢ / ٩٨، وروضة الطالبين ٢ / ٣٥٩، وكشاف القناع ٢ / ٣٢٨.

(٢) ومراقي الفلاح ص ٣٦٢.

(٣) روضة الطالبين ٢ / ٣٥٩، وكشاف القناع ٢ / ٣٢٩.