الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٨ -
الْبَلَدِ الَّتِي وَقَعَ بِهَا الطَّاعُونُ حِكَمًا: مِنْهَا: أَنَّ الطَّاعُونَ فِي الْغَالِبِ يَكُونُ عَامًّا فِي الْبَلَدِ الَّذِي يَقَعُ بِهِ فَإِذَا وَقَعَ فَالظَّاهِرُ مُدَاخَلَةُ سَبَبِهِ لِمَنْ بِهَا، فَلاَ يُفِيدُهُ الْفِرَارُ، لأَِنَّ الْمَفْسَدَةَ إِذَا تَعَيَّنَتْ - حَتَّى لاَ يَقَعَ الاِنْفِكَاكُ عَنْهَا - كَانَ الْفِرَارُ عَبَثًا فَلاَ يَلِيقُ بِالْعَاقِل.
وَمِنْهَا: أَنَّ النَّاسَ لَوْ تَوَارَدُوا عَلَى الْخُرُوجِ لَصَارَ مَنْ عَجَزَ عَنْهُ - بِالْمَرَضِ الْمَذْكُورِ أَوْ بِغَيْرِهِ - ضَائِعَ الْمَصْلَحَةِ لِفَقْدِ مَنْ يَتَعَهَّدُهُ حَيًّا وَمَيِّتًا. وَأَيْضًا فَلَوْ شُرِعَ الْخُرُوجُ فَخَرَجَ الأَْقْوِيَاءُ لَكَانَ فِي ذَلِكَ كَسْرُ قُلُوبِ الضُّعَفَاءِ، وَقَدْ قَالُوا: إِنَّ حِكْمَةَ الْوَعِيدِ فِي الْفِرَارِ مِنَ الزَّحْفِ مَا فِيهِ مِنْ كَسْرِ قَلْبِ مَنْ لَمْ يَفِرَّ وَإِدْخَال الرُّعْبِ عَلَيْهِ بِخِذْلاَنِهِ (١) .
وَمِنْهَا: حَمْل النُّفُوسِ عَلَى الثِّقَةِ بِاللَّهِ، وَالتَّوَكُّل عَلَيْهِ، وَالصَّبْرِ عَلَى أَقْضِيَتِهِ وَالرِّضَا بِهَا (٢) .
وَنَقَل النَّوَوِيُّ عَنِ الْقَاضِي قَوْلَهُ: وَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَ الْقُدُومَ عَلَيْهِ (أَيْ عَلَى بَلَدِ الطَّاعُونِ) وَالْخُرُوجَ مِنْهُ فِرَارًا، قَال الْقَاضِي: وَرُوِيَ هَذَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ﵁، وَأَنَّهُ نَدِمَ عَلَى رُجُوعِهِ مِنْ سَرْغَ، وَعَنْ أَبِي مُوسَى الأَْشْعَرِيِّ وَمَسْرُوقٍ وَالأَْسْوَدِ بْنِ هِلاَلٍ أَنَّهُمْ فَرُّوا
_________
(١) فتح الباري (١٠ / ١٨٩) .
(٢) زاد المعاد (٤ / ٤٣) .