الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٨ -
مُلْقِيًا بِهَا إِلَى التَّهْلُكَةِ، لأَِنَّ الْكَفَّ عَنِ التَّنَاوُل فِعْلٌ مَنْسُوبٌ إِلَى الإِْنْسَانِ، وَلأَِنَّهُ قَادِرٌ عَلَى إِحْيَاءِ نَفْسِهِ بِمَا أَحَلَّهُ اللَّهُ لَهُ، فَلَزِمَهُ كَمَا لَوْ كَانَ مَعَهُ طَعَامٌ حَلاَلٌ (١) .
وَقَال كُلٌّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ وَالشَّافِعِيَّةِ - فِي وَجْهٍ - وَأَبُو يُوسُفَ - فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ - إِنَّ الْمُضْطَرَّ يُبَاحُ لَهُ أَكْل الْمَيْتَةِ، وَلاَ يَلْزَمُهُ، فَلَوِ امْتَنَعَ عَنِ التَّنَاوُل فِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ وَمَاتَ. " فَلاَ إِثْمَ وَلاَ حَرَجَ عَلَيْهِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ صَاحِبِ رَسُول اللَّهِ ﷺ " أَنَّ طَاغِيَةَ الرُّومِ حَبَسَهُ فِي بِيَعٍ، وَجَعَل مَعَهُ خَمْرًا مَمْزُوجًا بِمَاءٍ وَلَحْمَ خِنْزِيرٍ مَشْوِيٍّ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، فَلَمْ يَأْكُل وَلَمْ يَشْرَبْ، حَتَّى مَال رَأْسُهُ مِنَ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ وَخَشُوا مَوْتَهُ، فَأَخْرَجُوهُ فَقَال: قَدْ كَانَ اللَّهُ أَحَلَّهُ لِي لأَِنِّي مُضْطَرٌّ وَلَكِنْ لَمْ أَكُنْ لأُِشْمِتَكَ بِدِينِ الإِْسْلاَمِ (٢) .
وَلأَِنَّ إِبَاحَةَ الأَْكْل رُخْصَةٌ فَلاَ تَجِبُ عَلَيْهِ، كَسَائِرِ الرُّخَصِ، وَلأَِنَّ لَهُ غَرَضًا فِي اجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ وَالأَْخْذِ بِالْعَزِيمَةِ وَرُبَّمَا لَمْ تَطِبْ نَفْسُهُ بِتَنَاوُل الْمَيْتَةِ وَفَارَقَ الْحَلاَل فِي الأَْصْل مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ (٣) .
_________
(١) المغني ٨ / ٥٩٦.
(٢) قصة عبد الله بن حذافة السهمي. أخرجها ابن عساكر في تاريخ دمشق (ترجمة عبد الله بن حذافة ص ١٣٤ - ١٣٥ ط. دار الفكر)، وفي إسنادها انقطاع بين عبد الله بن حذافة والراوي عنه وهو الزهري.
(٣) تبيين الحقائق ٥ / ١٨٥ والمغني ٨ / ٥٩٦ ط الرياض والمهذب ١ / ٢٥٠.