الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٨

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٨ -

وَالتَّرْكُ حَرَامًا، كَانَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى قَائِمًا، فَهُوَ بِالاِمْتِنَاعِ بَذَل نَفْسَهُ لإِقَامَةِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، طَلَبًا لِمَرْضَاتِهِ، فَكَانَ مُجَاهِدًا فِي دِينِهِ، فَيُثَابُ عَلَيْهِ.

وَأَمَّا إِذَا كَانَ الْمُكْرَهُ مَرِيضًا أَوْ مُسَافِرًا، فَالإِْكْرَاهُ - كَمَا يَقُول الْكَاسَانِيُّ - حِينَئِذٍ مُبِيحٌ مُطْلَقٌ، فِي حَقِّ كُلٍّ مِنْهُمَا، بَل مُوجِبٌ، وَالأَْفْضَل هُوَ الإِْفْطَارُ، بَل يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَلاَ يَسَعُهُ أَنْ لاَ يُفْطِرَ، حَتَّى لَوِ امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ، فَقُتِل، يَأْثَمُ. وَوَجْهُ الْفَرْقِ: أَنَّ فِي الصَّحِيحِ الْمُقِيمِ كَانَ الْوُجُوبُ ثَابِتًا قَبْل الإِْكْرَاهِ مِنْ غَيْرِ رُخْصَةِ التَّرْكِ أَصْلًا، فَإِذَا جَاءَ الإِْكْرَاهُ - وَهُوَ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ الرُّخْصَةِ - كَانَ أَثَرُهُ فِي إِثْبَاتِ رُخْصَةِ التَّرْكِ، لاَ فِي إِسْقَاطِ الْوُجُوبِ.

وَأَمَّا فِي الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ، فَالْوُجُوبُ مَعَ رُخْصَةِ التَّرْكِ، كَانَ ثَابِتًا قَبْل الإِْكْرَاهِ، فَلاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ لِلإِْكْرَاهِ أَثَرٌ آخَرُ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا قَبْلَهُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إِلاَّ إِسْقَاطَ الْوُجُوبِ رَأْسًا، وَإِثْبَاتَ الإِْبَاحَةِ الْمُطْلَقَةِ، فَنَزَل مَنْزِلَةَ الإِْكْرَاهِ عَلَى أَكْل الْمَيْتَةِ، وَهُنَاكَ يُبَاحُ لَهُ الأَْكْل، بَل يَجِبُ عَلَيْهِ، فَكَذَا هُنَا (١) .

وَفَرَّقَ الشَّافِعِيَّةُ بَيْنَ الإِْكْرَاهِ عَلَى الأَْكْل أَوِ الشُّرْبِ، وَبَيْنَ الإِْكْرَاهِ عَلَى الْوَطْءِ:

_________

(١) البدائع ٢ / ٩٦ و٩٧.