الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٨ -
إِلَى مَكَّةَ، فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، فَصَامَ حَتَّى مَرَّ بِغَدِيرٍ فِي الطَّرِيقِ، وَذَلِكَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ. قَال: فَعَطِشَ النَّاسُ، جَعَلُوا يَمُدُّونَ أَعْنَاقَهُمْ، وَتَتُوقُ أَنْفُسُهُمْ إِلَيْهِ. قَال: فَدَعَا رَسُول اللَّهِ ﷺ بِقَدَحٍ فِيهِ مَاءٌ، فَأَمْسَكَهُ عَلَى يَدِهِ، حَتَّى رَآهُ النَّاسُ، ثُمَّ شَرِبَ، فَشَرِبَ النَّاسُ (١) .
وَقَالُوا: إِنَّ السَّفَرَ مُبِيحٌ لِلْفِطْرِ، فَإِبَاحَتُهُ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ كَالْمَرَضِ الطَّارِئِ وَلَوْ كَانَ بِفِعْلِهِ.
وَقَال الَّذِينَ أَبَاحُوهُ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: إِنَّهُ تَغْلِيبٌ لِحُكْمِ السَّفَرِ (٢) .
وَقَدْ نَصَّ الْحَنَابِلَةُ الْمُؤَيِّدُونَ لِهَذَا الرَّأْيِ عَلَى أَنَّ الأَْفْضَل لِمَنْ سَافَرَ فِي أَثْنَاءِ يَوْمٍ نَوَى صَوْمَهُ - إِتْمَامُ صَوْمِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، خُرُوجًا مِنْ خِلاَفِ مَنْ لَمْ يُبِحْ لَهُ الْفِطْرَ، وَهُوَ قَوْل أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، تَغْلِيبًا لِحُكْمِ الْحَضَرِ، كَالصَّلاَةِ (٣) .
الثَّالِثَةُ: أَنْ يُفْطِرَ قَبْل مُغَادَرَةِ بَلَدِهِ. وَقَدْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ الْجُمْهُورُ، وَقَالُوا: إِنَّ رُخْصَةَ السَّفَرِ لاَ تَتَحَقَّقُ بِدُونِهِ، كَمَا لاَ تَبْقَى بِدُونِهِ، وَلَمَّا يَتَحَقَّقُ السَّفَرُ بَعْدُ، بَل هُوَ مُقِيمٌ وَشَاهِدٌ، وَقَدْ قَال تَعَالَى: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ
_________
(١) حديث ابن عباس: " خرج رسول الله ﷺ عام الفتح إلى مكة. . . ". أخرجه أحمد (١ / ٣٦٦)، وعلقه البخاري في صحيحه (٨ / ٣) .
(٢) شرح المحلي على المنهاج بحاشية القليوبي ٢ / ٦٤.
(٣) كشاف القناع ٢ / ٣١٢، والروض المربع ١ / ١٣٩.