الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٧
أولا نيابة الصرورة في حجة الإسلام
ثانيا - حكم الأجرة في حج الصرورة
ما يتعلق بالصريح من القواعد الفقهية
أهلية الصغير تنقسم أهلية الصغير إلى قسمين
انعقاد الجماعة والإمامة بالصغير
أولا - إذا كان ولي الدم صغيرا منفردا
ثانيا - إذا كان الصغير مشتركا مع جماعة كبار
أولا تسوية الصف في صلاة الجماعة
الفرار من الصف في القتال مع الكفار
اشتمال الصفقة على ما يجوز بيعه وما لا يجوز
الأحكام المتعلقة بكتابة الصكوك والسجلات
وجوب كتابة الصكوك والسجلات على القاضي
استناد القاضي إلى الخط في حكمه
فرض الصلوات الخمس وعدد ركعاتها
القبض (وضع اليد اليمنى على اليسرى)
دعاء الاستفتاح والتعوذ والبسملة
قراءة شيء من القرآن بعد الفاتحة
الأذكار الواردة في الاستواء بعد الرفع من الركوع
رفع اليدين عند الركوع والرفع منه، والقيام للركعة الثالثة
كيفية الهوي للسجود والنهوض منه
بعد التشهد (الصلاة الإبراهيمية)
التأوه والأنين والتأفيف والبكاء والنفخ والتنحنح
القراءة وختم القرآن الكريم في التراويح
الأفضل في عدد الركعات في صلاة التطوع
ما يقرأ من القرآن في صلاة التطوع
التحول من المكان للتطوع بعد الفرض
ثانيا ما يثبت به حكم الجماعة وما يترتب عليه من أحكام
إعادة الصلاة جماعة لمن صلى منفردا أو في جماعة
كيفية انتظام المصلين في صلاة الجماعة
الأعذار التي تبيح التخلف عن صلاة الجماعة
حضور طعام تشتاقه نفسه وتنازعه إليه
النوع الأول شروط الصحة والوجوب معا وتنحصر في ثلاثة
الشرط الرابع أن لا تتعدد الجمعة في
المستحبات من كيفية أداء الجمعة
استحباب كون الخطيب والإمام واحدا
مفسدات الجمعة تنقسم إلى نوعين مفسدات مشتركة، ومفسدات خاصة
اجتماع العيد والجمعة في يوم واحد
كيفية صلاة الحاجة (عدد الركعات وصيغ الدعاء)
أولا روايات الركعتين وفيها اختلاف الدعاء
ثالثا رواية الاثنتي عشرة ركعة والدعاء الوارد فيها
بعض الأنواع المروية في صلاة الخوف
الأحكام التي تتعلق بالصلاة على الراحلة
الأحكام المتعلقة بالصلاة على النبي ﷺ
ضابط المرض الذي يعتبر عذرا في الصلاة
عدم القدرة على القيام لوجود علة بالعين
عدم القدرة على رفع اليدين في التكبير عند القيام أو غيره
عدم القدرة على وضع الجبهة والأنف
عدم القدرة على استقبال المريض للقبلة
ينقسم الوطن إلى وطن أصلي، ووطن إقامة، ووطن سكنى
سلوك أحد طريقين مختلفين لغاية واحدة
الحكم بالنسبة لوسائل السفر الحديثة
الرابعة اشتراط نية القصر عند كل صلاة
قضاء فائتة السفر في الحضر وعكسه
الأولى نية الإقامة ومدتها المعتبرة
الشريطة الثانية - اتحاد مكان المدة المشترطة للإقامة
الشريطة الثالثة - صلاحية المكان للإقامة
درجة السنية في صلاة الوتر عند غير الحنفية، ومنزلتها بين سائر النوافل
ثانيا القيام والقعود في صلاة الوتر، وأداؤها على الراحلة
كراهة النوم قبل صلاة العشاء والحديث بعدها
منع النافلة بعد صلاة الفجر وقبلها
أولا الصلح بين المدعي والمدعى عليه وهو ثلاثة أقسام
القسم الثاني الصلح مع إنكار المدعى عليه
التكييف الفقهي للصلح على الإنكار
القسم الثالث الصلح مع سكوت المدعى عليه
أحدها أن يكون المصالح عنه حقا ثابتا للمصالح في المحل
والثاني أن يكون مما يصح الاعتياض عنه
اعتبار الصنعة في الكفاءة في النكاح
تراجم فقهاء الجزء السابع والعشرين
ابن عبد الهادي (٧٠٥ - ٧٤٤ هـ) .
عبد الرحمن بن الأسود (؟ - ١٩٩ هـ) .
صَرُورَةٌ
التَّعْرِيفُ:
١ - الصَّرُورَةُ بِصَادٍ مُهْمَلَةٍ وَبِتَخْفِيفِ الرَّاءِ: مَنْ لَمْ يَحُجَّ (١) . وَالْمُرَادُ بِهِ فِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ: الشَّخْصُ الَّذِي لَمْ يَحُجَّ عَنْ نَفْسِهِ حَجَّةَ الإِْسْلاَمِ، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ. قَال ابْنُ عَابِدِينَ: فَهُوَ أَعَمُّ مِنَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ؛ لأَِنَّهُ يَشْمَل مَنْ لَمْ يَحُجَّ أَصْلًا، وَمَنْ حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ، أَوْ عَنْ نَفْسِهِ نَفْلًا أَوْ نَذْرًا (٢) .
وَقَال بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ: هُوَ مَنْ لَمْ يَحُجَّ قَطُّ (٣)، وَهَذَا هُوَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ.
قَال النَّوَوِيُّ: سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لأَِنَّهُ صَرَّ بِنَفْسِهِ عَنْ إِخْرَاجِهَا فِي الْحَجِّ (٤) وَكَرِهَ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ عَقِيلٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ تَسْمِيَةَ مَنْ لَمْ يَحُجَّ صَرُورَةً؛ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ ﵄ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: ﴿
_________
(١) القاموس، ولسان العرب.
(٢) ابن عابدين ٢ / ٢٤١.
(٣) كفاية الطالب ٢ / ٢٧.
(٤) المجموع ٧ / ١١٧.
لاَ صَرُورَةَ فِي الإِْسْلاَمِ (١) قَال النَّوَوِيُّ: أَيْ لاَ يَبْقَى أَحَدٌ فِي الإِْسْلاَمِ بِلاَ حَجٍّ، وَلاَ يَحِل لِمُسْتَطِيعٍ تَرْكُهُ (٢)، فَكَرَاهَةُ تَسْمِيَةِ مَنْ لَمْ يَحُجَّ صَرُورَةً، وَاسْتِدْلاَلُهُمْ بِهَذَا الْحَدِيثِ فِيهِ نَظَرٌ؛ لأَِنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ تَعَرُّضٌ لِلنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ (٣) .
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
٢ - ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ فِي بَحْثِ الْحَجِّ: أَنَّ الْحَجَّ مِنَ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ وَالْمَالِيَّةِ مَعًا؛ فَيَقْبَل النِّيَابَةَ فِي الْجُمْلَةِ. ثُمَّ فَصَّلُوا بَيْنَ حَجِّ الْفَرْضِ وَحَجِّ النَّفْل، وَبَيَّنُوا شُرُوطَ الْحَجِّ عَنِ الْغَيْرِ، كَمَا بَيَّنُوا شُرُوطَ الآْمِرِ وَالْمَأْمُورِ أَيِ النَّائِبِ، وَهَل يَصِحُّ الْحَجُّ عَنَ الْغَيْرِ مِنْ قِبَل مَنْ لَمْ يَحُجَّ عَنْ نَفْسِهِ حَجَّةَ الإِْسْلاَمِ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِصَرُورَةٍ أَمْ لاَ؟ وَهَل يَصِحُّ أَخْذُ الأُْجْرَةِ فِي ذَلِكَ؟ وَبَيَانُهُ فِيمَا يَلِي:
أَوَّلًا: نِيَابَةُ الصَّرُورَةِ فِي حَجَّةِ الإِْسْلاَمِ:
٣ - يَرَى الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّ مِنْ شُرُوطِ النَّائِبِ فِي حَجَّةِ الإِْسْلاَمِ أَنْ يَكُونَ قَدْ حَجَّ
_________
(١) حديث: " لا صرورة في الإسلام ". أخرجه أبو داود (٢ / ٣٤٩ - تحقيق عزت عبيد دعاس) وفي إسناده راو ضعيف ذكر تضعيفه الذهبي في الميزان (٣ / ٣١٢ - ط. الحلبي) .
(٢) المجموع للنووي ٧ / ١١٣، ١١٧، وكشاف القناع ٢ / ٥٢٢، مطالب أولي النهى ٢ / ٤٤٩.
(٣) المجموع ٧ / ١١٩.
عَنْ نَفْسِهِ حَجَّةَ الإِْسْلاَمِ، فَلَيْسَ لِلصَّرُورَةِ أَنْ يَحُجَّ عَنْ غَيْرِهِ، فَإِنْ فَعَل وَقَعَ إحْرَامُهُ عَنْ حَجَّةِ الإِْسْلاَمِ لِنَفْسِهِ (١) لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ ﵄ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ سَمِعَ رَجُلًا يَقُول: لَبَّيْكَ عَنْ شُبْرُمَةَ، قَال: مَنْ شُبْرُمَةُ؟ قَال: أَخٌ لِي أَوْ قَرِيبٌ لِي. قَال: حَجَجْتَ عَنْ نَفْسِكَ؟ قَال: لاَ: قَال: حُجَّ عَنْ نَفْسِكَ ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ (٢) .
وَعَلَى ذَلِكَ: فَإِنْ أَحْرَمَ عَنْ غَيْرِهِ وَقَعَ عَنْ نَفْسِهِ لاَ عَنِ الْغَيْرِ، قَال ابْنُ قُدَامَةَ: إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَإِنَّ عَلَيْهِ رَدَّ مَا أَخَذَ مِنَ النَّفَقَةِ؛ لأَِنَّهُ لَمْ يَقَعِ الْحَجُّ عَنْهُ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَحُجَّ (٣) قَال النَّوَوِيُّ: وَبِهِ قَال ابْنُ عَبَّاسٍ ﵄ وَالأَْوْزَاعِيُّ وَإِسْحَاقُ (٤) .
وَفِي الْمُغْنِي: قَال أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ: يَقَعُ الْحَجُّ بَاطِلًا، وَلاَ يَصِحُّ ذَلِكَ عَنْهُ وَلاَ عَنْ غَيْرِهِ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ (٥) -.
_________
(١) المجموع للنووي ٧ / ١١٧، ١١٨، والمغني ابن قدامة ٣ / ٢٤٥، ٢٤٦.
(٢) حديث: " حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة ". أخرجه أبو داود (٢ / ٤٠٣ - تحقيق عزت عبيد دعاس) وصححه النووي في المجموع (٧ / ١١٧ - ط المنيرية) .
(٣) المغني ٣ / ٢٤٦.
(٤) المجموع ٧ / ١١٧ - ١١٨.
(٥) المغني ٣ / ٢٤٥.
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: لاَ يُشْتَرَطُ فِي النَّائِبِ أَنْ يَكُونَ قَدْ حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ، فَيَصِحُّ حَجُّ الصَّرُورَةِ، لَكِنِ الأَْفْضَل أَنْ يَكُونَ قَدْ حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ حَجَّةَ الإِْسْلاَمِ خُرُوجًا عَنِ الْخِلاَفِ، فَيُكْرَهُ عِنْدَهُمْ حَجُّ الصَّرُورَةِ.
وَهَل الْكَرَاهَةُ تَحْرِيمِيَّةٌ أَمْ تَنْزِيهِيَّةٌ؟ اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُهُمْ.
وَذَكَرَ ابْنُ عَابِدِينَ نَقْلًا عَنِ الْفَتْحِ: وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ: أَنَّ حَجَّ الصَّرُورَةِ عَنْ غَيْرِهِ إِنْ كَانَ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ بِمِلْكِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ وَالصِّحَّةِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ؛ لأَِنَّهُ تَضْيِيقٌ عَلَيْهِ فِي أَوَّل سِنِي الإِْمْكَانِ فَيَأْثَمُ بِتَرْكِهِ، وَكَذَا لَوْ تَنَفَّل لِنَفْسِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ يَصِحُّ؛ لأَِنَّ النَّهْيَ لَيْسَ لِعَيْنِ الْحَجِّ الْمَفْعُول، بَل لِغَيْرِهِ وَهُوَ الْفَوَاتُ إِذِ الْمَوْتُ فِي سَنَةٍ غَيْرُ نَادِرٍ. ثُمَّ نُقِل عَنِ الْبَحْرِ قَوْلُهُ: وَالْحَقُّ أَنَّهَا تَنْزِيهِيَّةٌ عَلَى الآْمِرِ لِقَوْلِهِمْ: وَالأَْفْضَل. . إِلَخْ، تَحْرِيمِيَّةٌ عَلَى الصَّرُورَةِ، أَيِ الْمَأْمُورِ الَّذِي اجْتَمَعَتْ فِيهِ شُرُوطُ الْحَجِّ، وَلَمْ يَحُجَّ عَنْ نَفْسِهِ؛ لأَِنَّهُ أَثِمَ بِالتَّأْخِيرِ. اهـ. ثُمَّ قَال: وَهَذَا لاَ يُنَافِي كَلاَمَ الْفَتْحِ؛ لأَِنَّهُ فِي الْمَأْمُورِ (١) .
وَاسْتَدَل الْحَنَفِيَّةُ بِصِحَّةِ حَجِّ الصَّرُورَةِ بِإِطْلاَقِ قَوْلِهِ ﷺ لِلْخَثْعَمِيَّةِ: حُجِّي عَنْ
_________
(١) ابن عابدين ٢ / ٢٤١، وفتح القدير ٢ / ٣٢٠، ٣٢١.
أَبِيكِ (١) مِنْ غَيْرِ اسْتِخْبَارِهَا عَنْ حَجِّهَا لِنَفْسِهَا قَبْل ذَلِكَ. قَال فِي الْفَتْحِ: وَتَرْكُ الاِسْتِفْصَال فِي وَقَائِعِ الأَْحْوَال يَنْزِل مَنْزِلَةَ عُمُومِ الْخِطَابِ؛ فَيُفِيدُ جَوَازَهُ عَنِ الْغَيْرِ مُطْلَقًا. وَحَدِيثُ شُبْرُمَةَ يُفِيدُ اسْتِحْبَابَ تَقْدِيمِ حَجَّةِ نَفْسِهِ؛ وَبِذَلِكَ يَحْصُل الْجَمْعُ (٢) .
أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ: فَقَدْ مَنَعُوا اسْتِنَابَةَ صَحِيحٍ مُسْتَطِيعٍ فِي فَرْضٍ لِحَجَّةِ الإِْسْلاَمِ أَوْ حَجَّةٍ مَنْذُورَةٍ. قَال الْحَطَّابُ: لاَ خِلاَفَ فِي ذَلِكَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا لاَ تَصِحُّ، وَتُفْسَخُ إِذَا عُثِرَ عَلَيْهَا (٣) . أَمَّا الصَّرُورَةُ: فَيُكْرَهُ عِنْدَهُمْ حَجُّهُ عَنِ الْغَيْرِ.
ثَانِيًا - حُكْمُ الأُْجْرَةِ فِي حَجِّ الصَّرُورَةِ:
٤ - صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ: بِعَدَمِ جَوَازِ أَخْذِ الأُْجْرَةِ لِمَنْ يَحُجَّ عَنْ غَيْرِهِ، فَلَوِ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا عَلَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ بِكَذَا لَمْ يَجُزْ حَجُّهُ، وَإِنَّمَا يَقُول: أَمَرْتُكَ أَنْ تَحُجَّ عَنِّي بِلاَ ذِكْرِ إِجَارَةٍ، وَلَهُ نَفَقَةُ الْمِثْل.
وَنَقَل ابْنُ عَابِدِينَ عَنِ الْكِفَايَةِ: أَنَّهُ
_________
(١) حديث " حجي عن أبيك ". أخرجه البخاري (الفتح ٣ / ٣٧٨ - ط. السلفية) ومسلم (٢ / ٩٧٤ - ط الحلبي) من حديث ابن عباس.
(٢) فتح القدير ٢ / ٣٢١.
(٣) جواهر الإكليل ١ / ١٦٦.
يَقَعُ الْحَجُّ مِنَ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ فِي رِوَايَةِ الأَْصْل عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ (١) .
وَعَدَمُ جَوَازِ الأُْجْرَةِ فِي الْحَجِّ هُوَ الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ عَنْ أَحْمَدَ - أَيْضًا (٢) - قَال ابْنُ قُدَامَةَ فِي الصَّرُورَةِ الَّذِي يَحُجُّ عَنْ غَيْرِهِ: عَلَيْهِ رَدُّ مَا أَخَذَ مِنَ النَّفَقَةِ؛ لأَِنَّهُ لَمْ يَقَعَ الْحَجُّ عَنْهُ (٣) .
وَمَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ: الْجَوَازُ مَعَ الْكَرَاهَةِ.
قَال الدُّسُوقِيُّ: لأَِنَّهُ أَخَذَ الْعِوَضَ عَنِ الْعِبَادَةِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ شِيَمِ أَهْل الْخَيْرِ (٤) وَيُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (حَجٌّ ف ١٢٠) .
قَال الشَّيْخُ زَكَرِيَّا الأَْنْصَارِيُّ: وَلاَ أُجْرَةَ لَهُ - يَعْنِي لِلصَّرُورَةِ - لأَِنَّهُ لَمْ يَنْتَفِعْ بِمَا فَعَلَهُ (٥) .
_________
(١) ابن عابدين مع الدر المختار ٢ / ٢٤٠، وانظر في الموسوعة الفقهية (مصطلح: حج. ف: ١٢٠ الاستئجار على الحج) .
(٢) المغني ٣ / ٣٣١.
(٣) المغني ٣ / ٣٤٦.
(٤) حاشية الدسوقي ٢ / ١٨، وجواهر الإكليل ١ / ١٦٦.
(٥) شرح أسنى المطالب على روض الطالب ١ / ٤٥٧.
صَرِيحٌ
التَّعْرِيفُ:
١ - الصَّرِيحُ فِي اللُّغَةِ: هُوَ الَّذِي خَلَصَ مِنْ تَعَلُّقَاتِ غَيْرِهِ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ صَرُحَ الشَّيْءُ بِالضَّمِّ صَرَاحَةً وَصُرُوحَةً، وَالْعَرَبِيُّ الصَّرِيحُ: هُوَ خَالِصُ النَّسَبِ، وَالْجَمْعُ صُرَحَاءُ.
وَيُطْلَقُ الصَّرِيحُ - أَيْضًا - عَلَى كُل خَالِصٍ، وَمِنْهُ: الْقَوْل الصَّرِيحُ: وَهُوَ الَّذِي لاَ يَفْتَقِرُ إِلَى إِضْمَارٍ أَوْ تَأْوِيلٍ. وَصَرَّحَ بِمَا فِي نَفْسِهِ بِالتَّشْدِيدِ: أَخْلَصَهُ لِلْمَعْنَى الْمُرَادِ، أَوْ أَذْهَبَ عَنْهُ احْتِمَالاَتِ الْمَجَازِ وَالتَّأْوِيل (١) .
وَأَمَّا الصَّرِيحُ فِي الاِصْطِلاَحِ: فَهُوَ كَمَا فِي التَّعْرِيفَاتِ: اسْمٌ لِكَلاَمٍ مَكْشُوفٍ الْمُرَادُ بِهِ بِسَبَبِ كَثْرَةِ الاِسْتِعْمَال حَقِيقَةً كَانَ أَوْ مَجَازًا (٢) .
وَذَكَرَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: أَنَّ الصَّرِيحَ مَا ظَهَرَ الْمُرَادُ بِهِ ظُهُورًا بَيِّنًا بِكَثْرَةِ الاِسْتِعْمَال.
_________
(١) المصباح والقاموس والصحاح مادة (صرح) .
(٢) التعريفات للجرجاني / ١٧٤ ط. الأولى.
وَذَكَرَ صَاحِبُ فَتْحِ الْقَدِيرِ: أَنَّ الصَّرِيحَ. مَا غَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ فِي مَعْنَى، بِحَيْثُ يَتَبَادَرُ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا (١) .
وَذَكَرَ السُّيُوطِيُّ فِي الأَْشْبَاهِ: أَنَّ الصَّرِيحَ هُوَ اللَّفْظُ الْمَوْضُوعُ لِمَعْنًى لاَ يُفْهَمُ مِنْهُ غَيْرُهُ عِنْدَ الإِْطْلاَقِ، وَيُقَابِلُهُ: الْكِنَايَةُ (٢) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الْكِنَايَةُ:
٢ - الْكِنَايَةُ فِي اللُّغَةِ: أَنْ يَتَكَلَّمَ بِشَيْءٍ يُسْتَدَل بِهِ عَلَى الْمُكَنَّى عَنْهُ كَالرَّفَثِ وَالْغَائِطِ، وَهِيَ اسْمٌ مَأْخُوذٌ مِنْ كَنَّيْتُ بِكَذَا عَنْ كَذَا مِنْ بَابِ رَمَى (٣) . وَأَمَّا الْكِنَايَةُ فِي الاِصْطِلاَحِ: فَهِيَ كَمَا فِي التَّعْرِيفَاتِ لِلْجُرْجَانِيِّ: كَلاَمٌ اسْتَتَرَ الْمُرَادُ مِنْهُ بِالاِسْتِعْمَال وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ ظَاهِرًا فِي اللُّغَةِ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُرَادُ بِهِ الْحَقِيقَةَ أَمِ الْمَجَازَ. وَذَكَرَ صَاحِبُ فَتْحِ الْقَدِيرِ: أَنَّ الْكِنَايَةَ مَا خَفِيَ الْمُرَادُ بِهِ لِتَوَارُدِ الاِحْتِمَالاَتِ عَلَيْهِ بِخِلاَفِ الصَّرِيحِ (٤) .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْكِنَايَةِ وَبَيْنَ الصَّرِيحِ: أَنَّ
_________
(١) فتح القدير والعناية بهامشه ٣ / ٤٤ - ٤٥ ط الأميرية.
(٢) الأشباه والنظائر للسيوطي / ٢٩٣ ط. الأولى، المنثور ٢ / ٣٠٦ ط. الأولى.
(٣) المصباح مادة (كنى) .
(٤) فتح القدير والعناية بهامشه ٣ / ٨٧ - ٨٨ ط. الأميرية.
الصَّرِيحَ يُدْرَكُ الْمُرَادُ مِنْهُ بِمُجَرَّدِ النُّطْقِ بِهِ وَلاَ يَحْتَاجُ إِلَى النِّيَّةِ، بِخِلاَفِ الْكِنَايَةِ؛ فَإِنَّ السَّامِعَ يَتَرَدَّدُ فِيهَا فَيَحْتَاجُ إِلَى النِّيَّةِ.
التَّعْرِيضُ:
٣ - وَهُوَ فِي اللُّغَةِ: مَأْخُوذٌ مِنْ عَرَضْتُ لَهُ وَعَرَّضْتُ بِهِ تَعْرِيضًا: إِذَا قُلْتَ قَوْلًا وَأَنْتَ تَعْنِيهِ. فَالتَّعْرِيضُ خِلاَفُ التَّصْرِيحِ مِنَ الْقَوْل، كَمَا إِذَا سَأَلْتَ رَجُلًا: هَل رَأَيْتَ فُلاَنًا - وَقَدْ رَآهُ؛ وَيَكْرَهُ أَنْ يَكْذِبَ - فَيَقُول: إِنَّ فُلاَنًا لَيُرَى؛ فَيَجْعَل كَلاَمَهُ مِعْرَاضًا فِرَارًا مِنَ الْكَذِبِ (١) .
وَذَكَرَ الْجُرْجَانِيُّ فِي التَّعْرِيفَاتِ: أَنَّ التَّعْرِيضَ فِي الْكَلاَمِ مَا يَفْهَمُ بِهِ السَّامِعُ مُرَادَهُ مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ (٢) .
مَنْشَأُ الصَّرِيحِ:
٤ - مَأْخَذُ الصَّرِيحِ: هَل هُوَ وُرُودُ الشَّرْعِ بِهِ أَوْ شُهْرَةُ الاِسْتِعْمَال؟
قَال السُّيُوطِيُّ: فِيهِ خِلاَفٌ.
وَقَال السُّبْكِيُّ: الَّذِي أَقُولُهُ: إِنَّهَا مَرَاتِبُ. أَحَدُهَا: مَا تَكَرَّرَ قُرْآنًا وَسُنَّةً، مَعَ الشِّيَاعِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ وَالْعَامَّةِ؛ فَهُوَ صَرِيحٌ - قَطْعًا - كَلَفْظِ الطَّلاَقِ.
_________
(١) المصباح مادة (عرض) .
(٢) التعريفات للجرجاني / ٨٥ (ط. الأولى)
الثَّانِيَةُ: الْمُتَكَرِّرُ غَيْرُ الشَّائِعِ، كَلَفْظِ الْفِرَاقِ وَالسَّرَاحِ، فِيهِ خِلاَفٌ.
الثَّالِثَةُ: الْوَارِدُ غَيْرُ الشَّائِعِ، كَالاِفْتِدَاءِ، وَفِيهِ خِلاَفٌ أَيْضًا.
الرَّابِعَةُ: وُرُودُهُ دُونَ وُرُودِ الثَّالِثَةِ، وَلَكِنَّهُ شَائِعٌ عَلَى لِسَانِ حَمَلَةِ الشَّرْعِ كَالْخُلْعِ وَالْمَشْهُورُ: أَنَّهُ صَرِيحٌ.
الْخَامِسَةُ: مَا لَمْ يَرِدْ، وَلَمْ يَشِعْ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ، وَلَكِنَّهُ عِنْدَ الْعَامَّةِ، مِثْل: حَلاَل اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ، وَالأَْصَحُّ أَنَّهُ كِنَايَةٌ (١) .
مَا يَتَعَلَّقُ بِالصَّرِيحِ مِنَ الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ:
٥ - الْقَاعِدَةُ الأُْولَى: الصَّرِيحُ فِيهِ مَعْنَى التَّعَبُّدِ.
وَذَكَرَ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْمَنْثُورِ؛ وَلِكَوْنِ الصَّرِيحِ فِيهِ مَعْنَى التَّعَبُّدِ فَقَدْ حَصَرُوهُ فِي مَوَاضِعَ: كَالطَّلاَقِ وَنَحْوِهِ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ عَمَّ فِي نَاحِيَةٍ اسْتِعْمَال الطَّلاَقِ فِي إِرَادَةِ التَّخَلُّصِ عَنِ الْوَثَاقِ وَنَحْوِهِ، فَخَاطَبَهَا الزَّوْجُ بِالطَّلاَقِ، وَقَال: أَرَدْتُ بِهِ ذَلِكَ - أَيِ التَّخَلُّصَ عَنِ الْوَثَاقِ - لَمْ يُقْبَل؛ لأَِنَّ الاِصْطِلاَحَ الْخَاصَّ لاَ يَرْفَعُ الْعَامَّ (٢) .
٦ - الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ: الصَّرِيحُ يَصِيرُ كِنَايَةً بِالْقَرَائِنِ اللَّفْظِيَّةِ.
_________
(١) الأشباه والنظائر للسيوطي / ٢٩٣ (ط. الأولى) .
(٢) المنثور للزركشي ٢ / ٣٠٨ (ط. الأولى) .