الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٦ -
كَانَ الْمَالِكِيَّةُ يُنَزِّلُونَ تَلاَزُمَ الْعَمَلَيْنِ وَتَوَقُّفَ أَحَدِهِمَا عَلَى الآْخَرِ، مَنْزِلَةَ اتِّحَادِهِمَا: كَإِعْدَادِ الْخُيُوطِ وَنَسْجِهَا، وَسَبْكِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَصِيَاغَتِهِمَا. بَل مِنْهُمْ مَنْ يَشْتَرِطُ تَسَاوِيَ الشَّرِيكَيْنِ فِي دَرَجَةِ إِجَادَةِ الصَّنْعَةِ أَوِ الْعَمَل. وَالسِّرُّ فِي هَذَا التَّشَدُّدِ كُلِّهِ، هُوَ الْفِرَارُ مِنْ أَنْ يَأْكُل أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ ثَمَرَةَ كَدِّ الآْخَرِ وَنِتَاجَ عَمَلِهِ. وَقَدْ أَلْزَمَهُمُ ابْنُ قُدَامَةَ بِأَنَّهُ لَوْ قَال أَحَدُهُمَا: أَنَا أَتَقَبَّل وَأَنْتَ تَعْمَل، صَحَّتِ الشَّرِكَةُ، مَعَ اخْتِلاَفِ الْعَمَلَيْنِ (١) .
٨٦ - أَمَّا اتِّحَادُ الْمَكَانِ فَإِنَّ اشْتِرَاطَهُ هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ. وَلَكِنَّ مُتَأَخِّرِي الْمَالِكِيَّةِ اعْتَمَدُوا خِلاَفَهُ، وَأَوَّلُوا مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى مَا إِذَا كَانَ رَوَاجُ الْعَمَل فِي الْمَكَانَيْنِ لَيْسَ وَاحِدًا - حَذَرًا مِنْ أَنْ يَأْكُل أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ كَسْبَ الآْخَرِ، أَوْ عَلَى مَا إِذَا كَانَ الْعَمَل فِي أَحَدِ الْمَكَانَيْنِ مُسْتَقِلًّا عَنْهُ فِي الآْخَرِ: بِمَعْنَى أَنَّ الشَّرِيكَيْنِ لاَ يَتَعَاوَنَانِ فِيمَا يَتَقَبَّلُهُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِمَكَانِ عَمَلِهِ، أَوْ كَمَا يَقُولُونَ: " إِذَا لَمْ تُجْل يَدُ أَحَدِهِمَا فِيمَا هُوَ بِيَدِ الآْخَرِ " وَنَصُّوا عَلَى إِهْدَارِ النَّظَرِ إِلَى الصَّنْعَةِ إِذَا كَانَ الْمَقْصُودُ هُوَ التِّجَارَةَ (٢) .
_________
(١) الخرشي على خليل ٤ / ٢٦٧، حواشي تحفة ابن عاصم ٢ / ٢١٥، بلغة السالك ٢ / ١٧٢، والمغني لابن قدامة ٥ / ١١٣.
(٢) الخرشي على خليل ٤ / ٢٦٨، الفواكه الدواني ٢ / ١٧٢.