الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٥
إِلَى مُؤْنَةِ سَفَرٍ لإِحْضَارِهِ فَالْمُعْتَبَرُ إِذْنُ الْوَلِيِّ.
وَجَوَّزَ الْمَالِكِيَّةُ كَفَالَتَهُ فِي الأَْرْجَحِ فِيمَا لاَ بُدَّ لَهُ مِنْ صَرْفِهِ وَبِمَا يَلْزَمُهُ مِنْ ذَلِكَ، وَذَلِكَ أَنَّ مَا أَخَذَهُ السَّفِيهُ أَوِ اقْتَرَضَهُ أَوْ بَاعَ بِهِ شَيْئًا مِنْ مَتَاعِهِ يَرْجِعُ الضَّامِنُ فِي مَالِهِ إِذَا أَدَّى عَنْهُ (١) .
أَثَرُهُ عَلَى الْحَوَالَةِ:
٣٨ - السَّفِيهُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُحِيلًا أَوْ مُحْتَالًا أَوْ مُحَالًا إِلَيْهِ.
فَإِنْ كَانَ مُحِيلًا: لاَ تَصِحُّ إِحَالَتُهُ، لأَِنَّ ذَلِكَ تَصَرُّفٌ مَالِيٌّ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَلأَِنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْ رِضَاهُ، وَرِضَاهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ؛ لأَِنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِالْقَوْل، وَهَذَا لاَ خِلاَفَ فِيهِ.
وَإِنْ كَانَ مُحَالًا فَمَنِ اشْتَرَطَ رِضَاهُ - وَهُمُ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ - لاَ تَصِحُّ إِحَالَتُهُ عِنْدَهُمْ؛ لأَِنَّ رِضَاهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ لأَِنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي قَبْضِ مَالِهِ مِنْ غَيْرِ مَدِينِهِ فَلاَ تَصِحُّ إِحَالَتُهُ إِلاَّ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ.
أَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: إِنْ أُحِيل عَلَى مَلِيءٍ لاَ يُشْتَرَطُ رِضَاهُ (٢) .
_________
(١) كشاف القناع ٣ / ٤٤٢ و٣٥٠ و٣٦٢، ومواهب الجليل والمواق ٥ / ٩٦، وبلغة السالك ٢ / ١٤٤، ومغني المحتاج ٢ / ١٩٨، و٢٠٠، والاختيار ٢ / ١٥٦، والمغني ٤ / ٥٩٨، وحاشية البجيرمي على الخطيب ٣ / ١٠٢.
(٢) الاختيار ٣ / ٤، وبلغة السالك ٢ / ١٤٢، ومغني المحتاج ٢ / ١٩٣، والإنصاف ٥ / ٢٢٧، ٢٢٨.
وَإِنْ كَانَ مُحَالًا عَلَيْهِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي صِحَّةِ الْحَوَالَةِ عَلَى السَّفِيهِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
(١) فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ - الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْصَحِّ عِنْدَهُمْ وَالْحَنَابِلَةُ - إِلَى صِحَّةِ الْحَوَالَةِ عَلَيْهِ، وَهَذَا مُقْتَضَى عَدَمِ اشْتِرَاطِهِمْ رِضَا الْمُحَال عَلَيْهِ لِصِحَّتِهَا، وَيَدْفَعُ عَنْهُ وَلِيُّهُ أَوْ وَصِيُّهُ.
(٢) وَذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي مُقَابِل الأَْصَحِّ إِلَى عَدَمِ صِحَّةِ الْحَوَالَةِ عَلَى السَّفِيهِ، وَهَذَا مَا يَقْتَضِيهِ اشْتِرَاطُهُمْ رِضَا الْمُحَال عَلَيْهِ لِصِحَّةِ الْحَوَالَةِ، وَالسَّفِيهُ لَيْسَ مِنْ أَهْل الرِّضَا وَالتَّصَرُّفِ. أَمَّا عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ عَدَمِ الْحَجْرِ عَلَى السَّفِيهِ فَإِنَّ رِضَاهُ مُعْتَبَرٌ، فَالْحَوَالَةُ عَلَيْهِ صَحِيحَةٌ (١) .
أَثَرُهُ عَلَى الإِْعَارَةِ:
٣٩ - إِذَا أَعَارَ السَّفِيهُ شَيْئًا أَوِ اسْتَعَارَ لاَ يَصِحُّ؛ لأَِنَّهُ تُشْتَرَطُ فِي الْمُعِيرِ وَالْمُسْتَعِيرِ أَهْلِيَّةُ التَّبَرُّعِ وَأَنْ يَكُونَ مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ، وَالسَّفِيهُ لَيْسَ كَذَلِكَ.
وَهَل يَضْمَنُ إِذَا اسْتَعَارَ شَيْئًا فَتَلِفَ؟ ذَكَرَ الْحَنَابِلَةُ فِي الْمَوْضُوعِ وَجْهَيْنِ:
_________
(١) فتح القدير على الهداية ٥ / ٤٤٤، الإنصاف ٥ / ٢٢٧، ٢٢٨، المغني ٤ / ٥٠٥، بلغة السالك ١٥٣، بداية المجتهد ٢ / ٢٩٩، مغني المحتاج ٢ / ١٤٩.
أَحَدُهُمَا: لاَ يَضْمَنُ؛ لأَِنَّهُ أَخَذَهُ بِاخْتِيَارِ مَالِكِهِ.
وَثَانِيهِمَا: يَضْمَنُ؛ لأَِنَّهُ لاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَعِيرَ (١) .
أَثَرُ السَّفَهِ عَلَى الرَّهْنِ وَالاِرْتِهَانِ:
٤٠ - لاَ يَجُوزُ لِلسَّفِيهِ أَنْ يَرْهَنَ شَيْئًا عِنْدَ آخَرَ، وَلاَ أَنْ يَرْتَهِنَ شَيْئًا؛ لأَِنَّ الْفُقَهَاءَ مِنْهُمْ مَنِ اشْتَرَطَ كَوْنَ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ، وَأَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْل التَّبَرُّعِ، وَالسَّفِيهُ لَيْسَ أَهْلًا لِذَلِكَ، وَكَذَا لاَ يَصِحُّ لِوَلِيِّهِ الرَّهْنُ إِلاَّ لِضَرُورَةٍ أَوْ غِبْطَةٍ - وَهُمُ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ - وَمِنْهُمْ مَنِ اشْتَرَطَ لَهُ الإِْيجَابَ وَالْقَبُول، وَأَنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ، لِذَا لاَ يَصِحُّ مِنْهُ، وَهُمُ الْحَنَفِيَّةُ (٢) .
أَثَرُهُ عَلَى الصُّلْحِ:
٤١ - لاَ يَصِحُّ مِنَ السَّفِيهِ أَنْ يُصَالِحَ؛ لأَِنَّ الصُّلْحَ عَقْدٌ فِيهِ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ وَمَعْنَى التَّبَرُّعِ، وَالسَّفِيهُ لَيْسَ أَهْلًا لِذَلِكَ. انْظُرْ مُصْطَلَحَ (صُلْح (٣» .
_________
(١) مغني المحتاج ٢ / ٢٦٤، والمبدع ٤ / ٣٣٠، وبلغة السالك ٢ / ١٩.
(٢) الاختيار ٢ / ٦٣، ومغني المحتاج ٢ / ١٢٢، والمبدع ٤ / ٢١٤، وبلغة السالك ٢ / ١٠٨.
(٣) الاختيار ٣ / ٥، والمبدع ٤ / ٢٧٩، ومغني المحتاج ٢ / ١٧٧، وبلغة السالك ٢ / ١٣٦.
أَثَرُ السَّفَهِ عَلَى الإِْجَارَةِ وَالْمُسَاقَاةِ:
٤٢ - لاَ يَصِحُّ مِنَ السَّفِيهِ أَنْ يُؤَجِّرَ وَلاَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ وَلاَ أَنْ يُسَاقِيَ عَلَى بُسْتَانِهِ إِلاَّ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ؛ لأَِنَّهَا مُعَامَلَةٌ تَحْتَمِل النَّقْضَ وَالْفَسْخَ فَلاَ تَصِحُّ إِلاَّ مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَلَكِنِ الْمَالِكِيَّةُ جَوَّزُوا لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ إِلاَّ إِذَا حَابَى فِي الأُْجْرَةِ (١) .
أَثَرُهُ عَلَى اللُّقَطَةِ وَاللَّقِيطِ:
٤٣ - إِنِ الْتَقَطَ السَّفِيهُ لُقَطَةً أَوْ وَجَدَ لَقِيطًا صَحَّ الْتِقَاطُهُ، وَلَكِنْ يَنْتَزِعُهُ الْوَلِيُّ مِنْهُ لِحَقِّ اللَّقِيطِ وَحَقِّ مَالِكِ اللُّقَطَةِ، وَيَقُومُ بِتَعْرِيفِ اللُّقَطَةِ لأَِنَّ اللاَّقِطَ لَيْسَ مِنْ أَهْل التَّعْرِيفِ وَهُوَ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي مَالِهِ، فَكَذَا فِي لُقَطَتِهِ (٢) .
أَثَرُهُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ:
٤٤ - لاَ يَصِحُّ مِنَ السَّفِيهِ أَنْ يُضَارِبَ آخَرَ أَوْ أَنْ يَأْخُذَ هُوَ مَالًا مُضَارَبَةً؛ لأَِنَّهَا نَوْعٌ مِنَ الشَّرِكَةِ، وَأَنَّ الْعَامِل وَكِيل رَبِّ الْمَال، وَالشَّرْطُ فِي الشَّرِيكِ أَنْ يَكُونَ جَائِزَ التَّصَرُّفِ؛ لأَِنَّهَا عَقْدٌ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي الْمَال، فَلاَ تَصِحُّ مِنْ غَيْرِ جَائِزِ التَّصَرُّفِ، وَكَذَا يُشْتَرَطُ فِي الْوَكِيل (٣) .
_________
(١) المبدع ٥ / ٦٣، وبلغة السالك ٢ / ٢٤٤، وبدائع الصنائع ٧ / ١٧١، ومغني المحتاج ٢ / ٣٣٢.
(٢) مغني المحتاج ٢ / ٤١٨، والمبدع ٥ / ٢٩٠ - ٢٩٦.
(٣) الاختيار ٣ / ١٩، ومغني المحتاج ٢ / ٣١٣ - ٣١٤، والمبدع ٥ / ٢، وبلغة السالك ٢ / ١٢٤ و٢٢٦.
أَثَرُ السَّفَهِ عَلَى الإِْقْرَارِ:
أَوَّلًا: الإِْقْرَارُ بِمَالٍ أَوْ بِدَيْنٍ أَوْ غَيْرِهِ:
٤٥ - إِذَا أَقَرَّ بِدَيْنٍ أَوْ إِتْلاَفِ مَالٍ، أَوْ أَقَرَّ بِعَيْنٍ فِي يَدِهِ، فَهَل يَصِحُّ إِقْرَارُهُ قَضَاءً؟
فِي الْمَسْأَلَةِ آرَاءٌ:
الرَّأْيُ الأَْوَّل: عَدَمُ صِحَّةِ إِقْرَارِهِ سَوَاءٌ أَسْنَدَ وُجُوبَ الْمَال إِلَى مَا قَبْل الْحَجْرِ أَمْ إِلَى مَا بَعْدَهُ كَالصَّبِيِّ؛ إِذْ إِنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ لِحِفْظِ مَالِهِ.
فَلَوْ قُلْنَا بِصِحَّةِ إِقْرَارِهِ تَوَصَّل بِالإِْقْرَارِ إِلَى إِبْطَال مَعْنَى الْحَجْرِ، وَمَا لاَ يَلْزَمُهُ بِالإِْقْرَارِ وَالاِبْتِيَاعِ لاَ يَلْزَمُهُ إِذَا فُكَّ الْحَجْرُ عَنْهُ؛ لأَِنَّا أَسْقَطْنَا حُكْمَ الإِْقْرَارِ وَالاِبْتِيَاعِ لِحِفْظِ الْمَال، فَلَوْ قُلْنَا بِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ إِذَا فُكَّ الْحَجْرُ عَنْهُ لَمْ يُؤَثِّرِ الْحَجْرُ فِي حِفْظِ الْمَال.
وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَالأَْصَحُّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، لَكِنِ الْحَنَفِيَّةُ قَالُوا: بَعْدَ صَلاَحِهِ إِنْ سُئِل عَمَّا أَقَرَّ بِهِ وَقَال: كَانَ حَقًّا، أُخِذَ بِهِ بَعْدَ رَفْعِ الْحَجْرِ عَنْهُ.
أَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَلَهُمْ قَوْلاَنِ بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ عَنْهُ الأَْصَحُّ عَدَمُ إِلْزَامِهِ بِهِ؛ لأَِنَّ الْمَنْعَ مِنْ نُفُوذِ إِقْرَارِهِ فِي حَال الْحَجْرِ عَلَيْهِ لِحِفْظِ مَالِهِ وَدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ، فَنُفُوذُهُ بَعْدَ فَكِّهِ عَنْهُ لاَ يُفِيدُ
إِلاَّ تَأْخِيرَ الضَّرَرِ عَلَيْهِ إِلَى أَكْمَل حَالَتَيْهِ.
وَالرَّأْيُ الثَّانِي: يَلْزَمُهُ بَعْدَ فِكَاكِ حَجْرِهِ، لأَِنَّهُ مُكَلَّفٌ فَيَلْزَمُهُ مَا أَقَرَّ بِهِ عِنْدَ زَوَال الْحَجْرِ كَالرَّاهِنِ وَالْمُفْلِسِ.
وَالرَّأْيُ الثَّالِثُ: يُقْبَل قَوْلُهُ؛ لأَِنَّهُ إِذَا بَاشَرَ الإِْتْلاَفَ يَضْمَنُ، فَإِذَا أَقَرَّ بِهِ قُبِل قَضَاءً وَهُوَ الْمَرْجُوحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، أَمَّا دِيَانَةً، فَإِنْ كَانَ صَادِقًا فِي إِقْرَارِهِ لَزِمَهُ رَدُّهُ بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ عَنْهُ (١) .
ثَانِيًا: إِقْرَارُهُ بِاسْتِهْلاَكِ الْوَدِيعَةِ:
٤٦ - إِذَا أَقَرَّ بِأَنَّ الْوَدِيعَةَ الَّتِي أَوْدَعَهَا إِيَّاهُ رَجُلٌ قَدْ هَلَكَتْ، لاَ يُصَدَّقُ فِي إِقْرَارِهِ وَلاَ يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، لأَِنَّ إِقْرَارَهُ غَيْرُ مُلْزِمٍ لَهُ بِالْمَال مَا دَامَ مَحْجُورًا كَالصَّبِيِّ (٢) .
ثَالِثًا: إِقْرَارُهُ بِالنِّكَاحِ:
٤٧ - لَوْ أَقَرَّ السَّفِيهُ بِالنِّكَاحِ فَإِنَّهُ تَابِعٌ لِلْقَوْل بِصِحَّتِهِ مِنْهُ، فَمَنْ أَجَازَ إنْشَاءَهُ مِنْهُ قَال بِصِحَّةِ إِقْرَارِهِ بِهِ كَالْحَنَفِيَّةِ، وَمَنْ قَال لاَ بُدَّ مِنْ إِذْنِ وَلِيِّهِ لَمْ يَعْتَبِرْ إِقْرَارُهُ بِهِ، وَهُوَ مَا عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ. أَمَّا السَّفِيهَةُ فَيُقْبَل إِقْرَارُهَا لِمَنْ صَدَّقَهَا كَالرَّشِيدَةِ.
_________
(١) مغني المحتاج ٢ / ١٧٢، والمبسوط ٢٤ / ١٧٧، والمبدع ٤ / ٣٤٤، ٣٤٥، وكشاف القناع ٣ / ٤٤٣، وبلغة السالك ٢ / ١٩٠.
(٢) لمبسوط ٢٤ / ١٧٧.
إِذْ لاَ أَثَرَ لِلسَّفَهِ مِنْ جَانِبِهَا؛ لأَِنَّ إِقْرَارَهَا يَحْصُل بِهِ الْمَال وَهُوَ الْمَهْرُ، وَإِقْرَارُهُ يَفُوتُ بِهِ الْمَال (١) .
رَابِعًا: إِقْرَارُهُ بِالنَّسَبِ وَنَفْيُهُ:
٤٨ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ إِقْرَارَ السَّفِيهِ بِالنَّسَبِ يَصِحُّ مِنْهُ وَيُلْحَقُ الْمُقَرُّ بِهِ بِنَسَبِهِ؛ إِذْ لاَ يُؤَثِّرُ عَلَيْهِ السَّفَهُ لأَِنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ، فَيُقْبَل إِقْرَارُهُ كَالْحَدِّ.
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ أُنْفِقَ عَلَى الْمُلْحَقِ مِنْ بَيْتِ الْمَال.
قَال ابْنُ الْمُنْذِرِ: هُوَ إِجْمَاعُ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ (٢) .
خَامِسًا: إِقْرَارُهُ بِالْقِصَاصِ أَوْ بِحَدٍّ مِنَ الْحُدُودِ:
٤٩ - أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى صِحَّةِ الإِْقْرَارِ بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ وَبِمَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ.
قَال ابْنُ الْمُنْذِرِ: هُوَ إِجْمَاعُ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ؛ لأَِنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِي نَفْسِهِ، وَلِعَدَمِ تَعَلُّقِهِ بِالْمَال، وَعَلَيْهِ أَرْشُ جِنَايَتِهِ؛ لأَِنَّهُ تَفْرِيطٌ مِنَ الْمَالِكِ، وَالإِْتْلاَفُ يَسْتَوِي فِيهِ جَائِزُ التَّصَرُّفِ وَغَيْرُهُ.
_________
(١) مغني المحتاج ٢ / ١٧٢، ٢٣٩، والمبسوط ٢٤ / ١٧١.
(٢) المبدع ٤ / ٣٤٤، ٤ / ١٧٣، والمبسوط ٢٤ / ١٦٩، وبلغة السالك ٢ / ١٧٦ - ١٨٠، تكملة المجموع ١٣ / ٣٨١.
فَإِنْ عَفَا عَنْهُ الْمُقَرُّ لَهُ فَهَل يَسْقُطُ أَمْ لاَ؟ ذَكَرَ الْحَنَابِلَةُ فِيهِ وَجْهَيْنِ: أَصَحُّهُمَا يَسْقُطُ الْقِصَاصُ وَلاَ يَجِبُ الْمَال فِي الْحَال؛ لأَِنَّ السَّفِيهَ وَالْمُقَرَّ لَهُ قَدْ يَتَوَاطَآنِ عَلَى ذَلِكَ، وَيَجِبُ عِنْدَهُمْ إِذَا انْفَكَّ الْحَجْرُ عَنْهُ. وَيَجِبُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لأَِنَّهُ تَعَلَّقَ بِاخْتِيَارِ غَيْرِهِ لاَ بِإِقْرَارِهِ.
أَمَّا إِقْرَارُهُ بِمَا يُوجِبُ الْمَال فَلاَ يَلْزَمُهُ كَجِنَايَةِ الْخَطَأِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ (١) .
أَثَرُ السَّفَهِ فِي الْعَفْوِ عَنِ الْجِنَايَةِ أَوِ الْقِصَاصِ الثَّابِتِ لَهُ:
٥٠ - إِذَا جَنَى عَلَيْهِ أَحَدٌ جِنَايَةَ عَمْدٍ فِي بَدَنِهِ أَوْ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الْقِصَاصِ بِقَتْل مُوَرِّثِهِ وَأَرَادَ الْعَفْوَ عَنِ الْجَانِي، فَهَل يَصِحُّ أَمْ لاَ؟ .
إِنْ وَجَبَ لَهُ الْقِصَاصُ فَلَهُ أَنْ يَقْتَصَّ؛ لأَِنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ التَّشَفِّي، وَإِنْ عَفَا عَنْهُ عَلَى مَالٍ كَانَ الأَْمْرُ لَهُ.
وَإِنْ عَفَا مُطْلَقًا أَوْ عَلَى غَيْرِ مَالٍ فَعَلَى الْقَوْل بِوُجُوبِ الْقِصَاصِ لاَ غَيْرُ صَحَّ عَفْوُهُ، وَعَلَى الْقَوْل: إِنَّ الْوَاجِبَ أَحَدُ الأَْمْرَيْنِ، يَصِحُّ عَفْوُهُ عَلَى مَالٍ.
وَهَل يَصِحُّ عَفْوُهُ عَنِ الدِّيَةِ؟ لاَ يَصِحُّ
_________
(١) مغني المحتاج ٢ / ١٧٢، وبدائع الصنائع ٧ / ١٧١، والخرشي ٥ / ٢٩٥، وكشاف القناع ٣ / ٤٤١، ٤٤٢، والمبدع ٤ / ٣٤٤.
عَفْوُهُ عَنْهَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَالْمَشْهُورُ عِنْدَهُمْ وَهُوَ قَوْل ابْنِ الْقَاسِمِ: يَصِحُّ الْعَفْوُ بِدُونِ مَالٍ؛ إِذْ لَيْسَ فِيهِ إِلاَّ الْعَفْوُ مَجَّانًا أَوِ الْقِصَاصُ.
وَلاَ يَصِحُّ عَفْوُهُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ جَمِيعًا عَنْ جِرَاحِ الْخَطَأِ لأَِنَّهَا مَالٌ، فَإِنْ أَدَّى جُرْحُهُ إِلَى إِتْلاَفِ نَفْسِهِ وَعَفَا عَنْ ذَلِكَ عِنْدَ مَوْتِهِ كَانَ مِنْ ثُلُثِهِ كَالْوَصَايَا.
وَفِي مَعْنَى الْخَطَأِ الْعَمْدُ الَّذِي لاَ قِصَاصَ فِيهِ - كَالْجَائِفَةِ (١) .
سُفُورٌ
انْظُرْ: تَبَرُّج
سَفِير
انْظُرْ: إِرْسَال
_________
(١) مغني المحتاج ٢ / ١٧٢، والمبدع ٨ / ٣٠٠، تكملة المجموع ١٣ / ٣٨١، والخرشي ٥ / ٢٩٥.
سَفِينَة
التَّعْرِيفُ:
١ - السَّفِينَةُ مَعْرُوفَةٌ، وَتُسَمَّى الْفُلْكَ، سُمِّيَتْ سَفِينَةً لأَِنَّهَا تَسْفِنُ وَجْهَ الْمَاءِ؛ أَيْ تَقْشِرُهُ، فَهِيَ فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى فَاعِلَةٍ، وَقِيل: إِنَّمَا سُمِّيَتْ سَفِينَةً لأَِنَّهَا تَسْفِنُ الرَّمْل إِذَا قَل الْمَاءُ. وَقِيل: لأَِنَّهَا تَسْفِنُ عَلَى وَجْهِ الأَْرْضِ؛ أَيْ تَلْزَقُ بِهَا. وَالْجَمْعُ سَفَائِنُ وَسُفُنٌ وَسَفِينٌ (١) .
وَيَسْتَعْمِل الْفُقَهَاءُ هَذَا اللَّفْظَ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ نَفْسِهِ، وَيَشْمَل اسْمُ السَّفِينَةِ عِنْدَهُمْ كُل مَا يُرْكَبُ بِهِ الْبَحْرُ، كَالزَّوْرَقِ وَالْقَارِبِ وَالْبَاخِرَةِ وَالْبَارِجَةِ وَالْغَوَّاصَةِ (٢) .
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالسَّفِينَةِ:
اسْتِقْبَال الْقِبْلَةِ فِي السَّفِينَةِ:
٢ - يَجِبُ اسْتِقْبَال الْقِبْلَةِ عَلَى مَنْ يُصَلِّي فَرْضًا
_________
(١) لسان العرب والمعجم الوسيط ومتن اللغة مادة (سفن) .
(٢) مغني المحتاج ١ / ١٤٤.