الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٥ -
فَالشُّبَهُ تَكُونُ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ لاَ يَظْهَرُ لَهُمْ تَرْجِيحُ أَحَدِ الدَّلِيلَيْنِ، أَوْ مَعْرِفَةُ الرَّاجِحِ مِنْ أَقْوَال الْعُلَمَاءِ. مَا كَانَ عَلَى هَذِهِ الْحَال لاَ يُقَال: إِنَّهُ مِنَ الْحَلاَل الْبَيِّنِ وَلاَ مِنَ الْحَرَامِ الْبَيِّنِ، وَالْمُتَبَيِّنُ: هُوَ مَا لاَ إِشْكَال فِيهِ وَهُوَ مَا يَدُل عَلَيْهِ الْحَدِيثُ فِي قَوْلِهِ: الْحَلاَل بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ.
وَيَدُل لِلتَّفْسِيرِ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ أَنَّ الْمَكْرُوهَ يَتَجَاذَبُهُ جَانِبَا الْفِعْل وَالتَّرْكِ، وَكَذَلِكَ الْمُبَاحُ الَّذِي لاَ يُقْصَدُ بِهِ هُنَا مَا اسْتَوَى فِيهِ الْفِعْل وَالتَّرْكُ، بَل يُقْصَدُ بِهِ مَا كَانَ خِلاَفَ الأَْوْلَى، بِأَنْ يَكُونَ مُتَسَاوِيَ الطَّرَفَيْنِ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ، رَاجِحَ التَّرْكِ عَلَى الْفِعْل بِاعْتِبَارِ أَمْرٍ خَارِجٍ لأَِنَّ مَنِ اسْتَكْثَرَ مِنَ الْمَكْرُوهِ اجْتَرَأَ عَلَى الْحَرَامِ، وَمَنِ اسْتَكْثَرَ مِنَ الْمُبَاحِ اجْتَرَأَ عَلَى الْمَكْرُوهِ، وَقَدْ يَحْمِل اعْتِيَادُ تَعَاطِي الْمَكْرُوهِ - وَهُوَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ غَيْرُ الْمُحَرَّمِ - عَلَى ارْتِكَابِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ الْمُحَرَّمِ إِذَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ.
وَيَدُل لَهُ مَا جَاءَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ حِبَّانَ: اجْعَلُوا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الْحَرَامِ سُتْرَةً مِنَ الْحَلاَل، مَنْ فَعَل اسْتَبْرَأَ لِعِرْضِهِ وَلِدِينِهِ (١) . وَالْمَعْنَى أَنَّ الْحَلاَل حَيْثُ يُخْشَى أَنْ يُؤَوَّل فِعْلُهُ مُطْلَقًا
_________
(١) حديث: " اجعلوا بينكم وبين الحرام سترة. . . . ". أخرجه ابن حبان (الإحسان ٧ / ٤٣٧ - ط دار الكتب العلمية) .