الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٤ -
٥٧ - وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي عَدَدِ مَرَّاتِ الإِْقْرَارِ الَّتِي تُوجِبُ إِقَامَةَ حَدِّ السَّرِقَةِ: فَالْحَنَفِيَّةُ - مَا عَدَا أَبَا يُوسُفَ - وَمَالِكٌ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ، وَالشَّافِعِيَّةُ وَعَطَاءٌ، وَالثَّوْرِيُّ، يَكْتَفُونَ بِإِقْرَارِ السَّارِقِ مَرَّةً وَاحِدَةً، لأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَطَعَ سَارِقَ خَمِيصَةِ صَفْوَانَ وَسَارِقَ الْمِجَنِّ (١)، وَلَمْ يُنْقَل أَنَّ أَحَدَهُمَا تَكَرَّرَ مِنْهُ الإِْقْرَارُ؛ وَلأَِنَّ الإِْقْرَارَ بِالْحُقُوقِ يَكْتَفِي بِإِيرَادِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً؛ وَلأَِنَّ الإِْقْرَارَ إِخْبَارٌ تَرَجَّحَ فِيهِ جَانِبُ الصِّدْقِ عَلَى جَانِبِ الْكَذِبِ، فَلَنْ يَزِيدَهُ التَّكْرَارُ رُجْحَانًا. أَمَّا أَبُو يُوسُفَ وَزُفَرُ، وَمَالِكٌ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى، وَالْحَنَابِلَةُ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَابْنُ شُبْرُمَةَ، فَإِنَّهُمْ يُوجِبُونَ صُدُورَ الإِْقْرَارِ مَرَّتَيْنِ، فِي مَجْلِسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، فَإِنْ أَقَرَّ السَّارِقُ مَرَّةً وَاحِدَةً، لاَ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَإِنَّمَا يُعَزَّرُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ. لأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ أُتِيَ بِلِصٍّ قَدِ اعْتَرَفَ، وَلَمْ يُوجَدْ مَعَهُ مَتَاعٌ، فَقَال لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: مَا أَخَالُكَ سَرَقْتَ فَقَال: بَلَى يَا رَسُول اللَّهِ، فَأَعَادَهَا عَلَيْهِ ﷺ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا، وَلَمْ يَقْطَعْهُ إِلاَّ بَعْدَ أَنْ تَكَرَّرَ إِقْرَارُهُ، فَلَوْ كَانَ الْقَطْعُ يَجِبُ بِالإِْقْرَارِ مَرَّةً وَاحِدَةً لَمَا أَخَّرَهُ النَّبِيُّ ﷺ.
٥٨ - وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي اشْتِرَاطِ الْخُصُومَةِ مَعَ
_________
(١) حديث: " لأن النبي ﷺ قطع سارق خميصة صفوان ". أخرجه أبو داود (٤ / ٥٥٣ - تحقيق عزت عبيد دعاس) والنسائي (٨ / ٦٩ - ط دار البشائر) والحاكم (٤ / ٣٨٠ ط دار المعارف العثمانية) وقال الحاكم: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي.