الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٣
آخِرِ الْمَجْلِسِ، وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ وَجْهٌ حَكَاهُ الْفُورَانِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الشَّافِعِيَّةِ فِي مُقَابِل الأَْصَحِّ، وَهُوَ مَفْهُومُ مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ.
وَقَال الْبَعْضُ الآْخَرُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: الْبَيْعُ فَاسِدٌ؛ لأَِنَّ فِيهِ زِيَادَةَ جَهَالَةٍ تَمَكَّنَتْ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ وَهِيَ جَهَالَةُ الثَّمَنِ بِسَبَبِ الرَّقْمِ، وَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْقِمَارِ لِلْخَطَرِ الَّذِي فِيهِ أَنَّهُ سَيَظْهَرُ كَذَا وَكَذَا لأَِنَّهُ يُحْتَمَل أَنْ يُبَيِّنَ الْبَائِعُ قَدْرَ الرَّقْمِ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَل.
لَكِنَّهُ مَعَ ذَلِكَ يَجُوزُ الْبَيْعُ مَعَ الْعِلْمِ فِي الْمَجْلِسِ لَكِنْ بِعَقْدٍ آخَرَ هُوَ التَّعَاطِي أَوِ التَّرَاضِي. وَعَنْ هَذَا قَال شَمْسُ الأَْئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: وَإِنْ عَلِمَ بِالرَّقْمِ فِي الْمَجْلِسِ لاَ يَنْقَلِبُ ذَلِكَ الْعَقْدُ جَائِزًا، وَلَكِنْ إِنْ كَانَ الْبَائِعُ دَائِمًا عَلَى الرِّضَا فَرَضِيَ بِهِ الْمُشْتَرِي يَنْعَقِدُ بَيْنَهُمَا عَقْدَ ابْتِدَاءٍ بِالتَّرَاضِي (١) . وَتَفْصِيلُهُ فِي بَحْثِ (ثَمَن ج ١٥ ص ٣٥)
الرَّقْمُ بِمَعْنَى النَّقْشِ وَالتَّصْوِيرِ:
٦ - الأَْصْل فِي هَذَا مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ
_________
(١) ابن عابدين ٤ / ١١ - ١٢، ٢٩، وفتح القدير مع الكفاية والعناية ٥ / ٤٧٢ - ٤٧٣ - ٤٧٤، وبدائع الصنائع ٥ / ١٥٨، والدسوقي ٣ / ١٥ - ١٦، والمجموع ٩ / ٣٢٣ - ٣٢٤ تحقيق المطيعي، والمغني ٤ / ٢٠٧، ٢١١، والإنصاف ٤ / ٣١٠ والاختيارات الفقهية لابن تيمية ص ١٢١.
ابْنِ عُمَرَ ﵄ قَال: أَتَى النَّبِيُّ ﷺ بَيْتَ فَاطِمَةَ فَلَمْ يَدْخُل عَلَيْهَا، وَجَاءَ عَلِيٌّ فَذَكَرَتْ لَهُ ذَلِكَ، فَذَكَرَهُ لِلنَّبِيِّ ﷺ قَال: إِنِّي رَأَيْتُ عَلَى بَابِهَا سِتْرًا مَوْشِيًّا، فَقَال: مَا لِي وَلِلدُّنْيَا، فَأَتَاهَا عَلِيٌّ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهَا فَقَالَتْ: لِيَأْمُرْنِي فِيهِ بِمَا شَاءَ، قَال: تُرْسِلِي بِهِ إِلَى فُلاَنٍ، أَهْل بَيْتٍ فِيهِمْ حَاجَةٌ (١) .
قَال ابْنُ حَجَرٍ: قَوْلُهُ ﷺ: مَا لِي وَلِلدُّنْيَا، زَادَ ابْنُ نُمَيْرٍ: مَا لِي وَلِلرَّقْمِ (٢) .
وَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ صَاحِبِ رَسُول اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَال: إِنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: إِنَّ الْمَلاَئِكَةَ لاَ تَدْخُل بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ قَال بُسْرٌ: ثُمَّ اشْتَكَى زَيْدٌ بَعْدُ فَعُدْنَاهُ، فَإِذَا عَلَى بَابِهِ سِتْرٌ فِيهِ صُورَةٌ، قَال: فَقُلْتُ لِعُبَيْدِ اللَّهِ الْخَوْلاَنِيِّ رَبِيبِ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ: أَلَمْ يُخْبِرْنَا زَيْدٌ عَنِ الصُّوَرِ يَوْمَ الأَْوَّل؟ فَقَال عُبَيْدُ اللَّهِ: أَلَمْ تَسْمَعْهُ حِينَ قَال: إِلاَّ رَقْمًا فِي ثَوْبٍ (٣) .
_________
(١) حديث ابن عمر: " أتى النبي ﷺ بيت فاطمة " أخرجه البخاري (الفتح ٥ / ٢٢٨ - ط السلفية) .
(٢) فتح الباري ٥ / ٢٢٨ - ٢٢٩ وينظر ١٠ / ٣٨٤ وما بعدها.
(٣) صحيح مسلم بشرح النووي ١٤ / ٨٥، والأبي ٥ / ٣٩٤ وحديث: " إن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه صورة ". أخرجه مسلم (٣ / ١٦٦٥ - ط الحلبي) .
أَمَّا مَا ذَكَرَهُ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ التَّصْوِيرُ وَالاِسْتِعْمَال فَيُنْظَرُ فِي بَحْثِ تَصْوِير (١٢ / ٩٢) وَمُصْطَلَحِ (نَقْش) .
رَقِيب
انْظُرْ: حِرَاسَة، رَبِيئَة
رُقْيَة
التَّعْرِيفُ:
١ - الرُّقْيَةُ لُغَةً: اسْمٌ مِنَ الرَّقْيِ يُقَال رَقَى الرَّاقِي الْمَرِيضَ يَرْقِيهِ.
قَال ابْنُ الأَْثِيرِ: الرُّقْيَةُ الْعَوْذَةُ الَّتِي يُرْقَى بِهَا صَاحِبُ الآْفَةِ كَالْحُمَّى وَالصَّرْعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآْفَاتِ لأَِنَّهُ يُعَاذُ بِهَا، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَقِيل مَنْ رَاقٍ (١)﴾ أَيْ مَنْ يَرْقِيهِ، تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ لاَ رَاقِيَ يَرْقِيهِ فَيَحْمِيهِ، وَرَقَيْتُهُ رُقْيَةً أَيْ عَوَّذْتُهُ بِاَللَّهِ، وَالاِسْمُ الرُّقْيَا، وَالْمَرَّةُ رُقْيَةٌ، وَالْجَمْعُ: رُقًى (٢) .
وَلاَ يَخْرُجُ اصْطِلاَحُ الْفُقَهَاءِ لِلرُّقْيَةِ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
وَالرُّقْيَةُ قَدْ تَكُونُ بِكِتَابَةِ شَيْءٍ وَتَعْلِيقِهِ، وَقَدْ تَكُونُ بِقِرَاءَةِ شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ وَالْمُعَوِّذَاتِ وَالأَْدْعِيَةِ الْمَأْثُورَةِ (٣) .
_________
(١) سورة القيامة / ٢٧.
(٢) لسان العرب، المصباح المنير، المفردات لغريب القرآن مادة: (رقى)، حاشية العدوي ٢ / ٢ - ٤٥٣، الفواكه الدواني ٢ / ٤٣٩ - ٤٤٢، حاشية ابن عابدين ٥ / ٢٣٢، دليل الفالحين ٣ / ٣٧٠.
(٣) قواعد الفقه للمجددي.
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ
٢ - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الرُّقَى.
فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى جَوَازِ الرَّقْيِ مِنْ كُل دَاءٍ يُصِيبُ الإِْنْسَانَ بِشُرُوطٍ ثَلاَثَةٍ:
أَوَّلُهَا: أَنْ يَكُونَ بِكَلاَمِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ.
ثَانِيهَا: أَنْ يَكُونَ بِاللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ أَوْ بِمَا يُعْرَفُ مَعْنَاهُ مِنْ غَيْرِهِ.
ثَالِثُهَا: أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ الرُّقْيَةَ لاَ تُؤَثِّرُ بِذَاتِهَا بَل بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُدْرَتِهِ لِمَا رَوَى عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ ﵁ قَال: كُنَّا نَرْقِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقُلْنَا: يَا رَسُول اللَّهِ كَيْفَ تَرَى فِي ذَلِكَ؟ فَقَال ﷺ: اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ، لاَ بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرْكٌ (١) .
وَعَنْ جَابِرٍ ﵁ قَال: نَهَى رَسُول اللَّهِ ﷺ عَنِ الرُّقَى فَجَاءَ آل عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فَقَالُوا: يَا رَسُول اللَّهِ إِنَّهُ كَانَتْ عِنْدَنَا رُقْيَةٌ نَرْقِي بِهَا مِنَ الْعَقْرَبِ وَإِنَّكَ نَهَيْتَ عَنِ الرُّقَى، قَال: فَعَرَضُوهَا عَلَيْهِ. فَقَال: مَا أَرَى بَأْسًا، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَنْفَعْهُ (٢) .
وَقَال الرَّبِيعُ: سَأَلْتُ الشَّافِعِيَّ عَنِ الرُّقَى
_________
(١) حديث عوف بن مالك: " كنا نرقي في الجاهلية ". أخرجه مسلم (٤ / ١٧٢٧ - ط الحلبي) .
(٢) حديث جابر: " نهى رسول الله ﷺ عن الرقى ". أخرجه مسلم (٤ / ١٧٢٦ - ١٧٢٧ - ط الحلبي) .
فَقَال: لاَ بَأْسَ إِنْ رُقِيَ بِكِتَابِ اللَّهِ أَوْ بِمَا يُعْرَفُ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ.
وَسُئِل مَالِكٌ عَنِ الرُّقَى بِالأَْسْمَاءِ الْعَجَمِيَّةِ فَقَال: وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا كُفْرٌ؟ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ مَا جُهِل مَعْنَاهُ لاَ يَجُوزُ الرُّقْيَةُ بِهِ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ كُفْرٌ أَوْ سِحْرٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ.
وَقَال قَوْمٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ: لاَ تَجُوزُ الرُّقْيَةُ إِلاَّ مِنَ الْعَيْنِ وَاللَّدْغَةِ لِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ ﵄: لاَ رُقْيَةَ إِلاَّ مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمَةٍ (١) .
وَذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّهُ تُكْرَهُ الرُّقَى حَتَّى وَإِنْ كَانَتْ بِكِتَابِ اللَّهِ أَوْ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ لأَِنَّهَا قَادِحَةٌ فِي التَّوَكُّل عَلَى اللَّهِ، وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ النَّبِيِّ ﷺ عِنْدَمَا ذَكَرَ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ: هُمُ الَّذِينَ لاَ يَتَطَيَّرُونَ وَلاَ يَكْتَوُونَ وَلاَ يَسْتَرْقُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٢) .
وَمِنْ هَؤُلاَءِ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ.
وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى كَرَاهَةِ الرَّقْيِ إِلاَّ بِالْمُعَوِّذَاتِ.
وَفَرَّقَ قَوْمٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ بَيْنَ الرَّقْيِ قَبْل وُقُوعِ الْبَلاَءِ وَبَعْدَ وُقُوعِهِ، فَقَالُوا: الْمَنْهِيُّ عَنْهُ مِنَ الرَّقْيِ
_________
(١) حديث: " لا رقية إلا من عين أو حمة. . . " أخرجه البخاري (الفتح ١٠ / ١٥٥ - ط السلفية) .
(٢) حديث: " هم الذين لا يتطيرون ". أخرجه البخاري (الفتح ١٠ / ٢١١ - ط السلفية) من حديث ابن عباس.
هُوَ مَا يَكُونُ قَبْل وُقُوعِ الْبَلاَءِ، وَالْمَأْذُونُ فِيهِ مَا كَانَ بَعْدَ وُقُوعِهِ (١) .
أَخْذُ الْجُعْل عَلَى الرَّقْيِ:
٣ - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى جَوَازِ الْجُعْل عَلَى الرَّقْيِ عَلَى تَفْصِيلٍ (سَبَقَ فِي بَحْثِ تَعْوِيذ مِنَ الْمَوْسُوعَةِ ١٣ / ٣٤) .
_________
(١) فتح الباري شرح صحيح البخاري ١٠ / ١٥٦، ١٩٥، ٢١١، دليل الفالحين ٣ / ٣٧٢، القوانين الفقهية ص ٤٥٣، الفواكه الدواني ٢ / ٤٤٢، حاشية العدوي ٢ / ٤٥٣، مغني المحتاج ١ / ٣٧، المغني لابن قدامة ٢ / ٤٤٩، حاشية ابن عابدين ٥ / ٢٣٢، والموسوعة ١١ / ١٢٣ - ١٢٤ فقرة ١٣ و١٣ / ٢١ وما بعدها.
رِكَاز
التَّعْرِيفُ:
١ - الرِّكَازُ لُغَةً بِمَعْنَى الْمَرْكُوزِ وَهُوَ مِنَ الرَّكْزِ أَيِ: الإِْثْبَاتِ، وَهُوَ الْمَدْفُونُ فِي الأَْرْضِ إِذَا خَفِيَ.
يُقَال: رَكَزَ الرُّمْحَ إِذَا غَرَزَ أَسْفَلَهُ فِي الأَْرْضِ، وَشَيْءٌ رَاكِزٌ أَيْ: ثَابِتٌ.
وَالرِّكْزُ هُوَ الصَّوْتُ الْخَفِيُّ (١) . قَال اللَّهُ تَعَالَى: ﴿أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا (٢)﴾ .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) إِلَى أَنَّ الرِّكَازَ هُوَ مَا دَفَنَهُ أَهْل الْجَاهِلِيَّةِ.
وَيُطْلَقُ عَلَى كُل مَا كَانَ مَالًا عَلَى اخْتِلاَفِ أَنْوَاعِهِ. إِلاَّ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ خَصُّوا إِطْلاَقَهُ عَلَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ دُونَ غَيْرِهِمَا مِنَ الأَْمْوَال.
وَأَمَّا الرِّكَازُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فَيُطْلَقُ عَلَى أَعَمَّ مِنْ كَوْنِ رَاكِزِهِ الْخَالِقَ أَوِ الْمَخْلُوقَ فَيَشْمَل عَلَى هَذَا الْمَعَادِنَ وَالْكُنُوزَ (٣) . عَلَى تَفْصِيلٍ سَيَأْتِي.
_________
(١) المصباح المنير، والمغرب، والمفردات للراغب.
(٢) سورة مريم / ٩٨.
(٣) ابن عابدين ٢ / ٤٣ - ٤٤، والمجموع ٦ / ٣٨، والحطاب ٢ / ٣٣٩، والمغني ٣ / ١٨.
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْمَعْدِنُ:
٢ - الْمَعْدِنُ لُغَةً: هُوَ بِفَتْحِ الدَّال وَكَسْرِهَا اسْمٌ لِلْمَحَل وَلِمَا يَخْرُجُ، مُشْتَقٌّ مِنْ عَدَنَ بِالْمَكَانِ يَعْدِنُ إِذَا أَقَامَ بِهِ، وَمِنْهُ سُمِّيَتْ جَنَّةُ عَدْنٍ لأَِنَّهَا دَارُ إِقَامَةٍ وَخُلُودٍ. وَمِنْهُ الْمَعْدِنُ لِمُسْتَقَرِّ الْجَوَاهِرِ (١) .
وَأَصْل الْمَعْدِنِ الْمَكَانُ بِقَيْدِ الاِسْتِقْرَارِ فِيهِ، ثُمَّ اشْتُهِرَ فِي نَفْسِ الأَْجْزَاءِ الْمُسْتَقِرَّةِ الَّتِي رَكَّبَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي الأَْرْضِ يَوْمَ خَلَقَ الأَْرْضَ، حَتَّى صَارَ الاِنْتِقَال مِنَ اللَّفْظِ إِلَيْهِ ابْتِدَاءً بِلاَ قَرِينَةٍ (٢) .
وَاصْطِلاَحًا: هُوَ كُل مَا خَرَجَ مِنَ الأَْرْضِ مِمَّا يُخْلَقُ فِيهَا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا مِمَّا لَهُ قِيمَةٌ وَيُحْتَاجُ فِي إِخْرَاجِهِ إِلَى اسْتِنْبَاطٍ.
قَال أَحْمَدُ: الْمَعَادِنُ هِيَ الَّتِي تُسْتَنْبَطُ، لَيْسَ هُوَ شَيْءٌ دُفِنَ.
وَالْمَعَادِنُ ثَلاَثَةُ أَنْوَاعٍ:
١ - جَامِدٌ يَذُوبُ وَيَنْطَبِعُ بِالنَّارِ كَالنَّقْدَيْنِ (الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ)، وَالْحَدِيدِ وَالرَّصَاصِ وَالصُّفْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
٢ - جَامِدٌ لاَ يَنْطَبِعُ بِالنَّارِ كَالْجِصِّ وَالنُّورَةِ وَالزِّرْنِيخِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
٣ - مَا لَيْسَ بِجَامِدٍ كَالْمَاءِ وَالْقِيرِ وَالنَّفْطِ وَالزِّئْبَقِ.
وَقَدْ تَبَيَّنَ مِمَّا سَبَقَ أَنَّ الرِّكَازَ مُبَايِنٌ لِلْمَعْدِنِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ.
_________
(١) المصباح المنير، والمفردات للراغب.
(٢) ابن عابدين ٢ / ٤٤.
وَأَمَّا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فَإِنَّ الرِّكَازَ أَعَمُّ مِنَ الْمَعْدِنِ، حَيْثُ يُطْلَقُ عَلَيْهِ وَعَلَى الْكَنْزِ.
وَلِلتَّفْصِيل يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (مَعْدِن)
ب - الْكَنْزُ:
٣ - الْكَنْزُ لُغَةً: الْمَال الْمَجْمُوعُ الْمُدَّخَرُ، يُقَال: كَنَزْتُ الْمَال كَنْزًا إِذَا جَمَعْتَهُ وَادَّخَرْتَهُ، وَالْكَنْزُ فِي بَابِ الزَّكَاةِ: الْمَال الْمَدْفُونُ تَسْمِيَةً بِالْمَصْدَرِ، وَالْجَمْعُ كُنُوزٌ (١) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: قَال ابْنُ عَابِدِينَ: الْكَنْزُ فِي الأَْصْل اسْمٌ لِلْمُثْبَتِ فِي الأَْرْضِ بِفِعْل إِنْسَانٍ، وَالإِْنْسَانُ يَشْمَل الْمُؤْمِنَ أَيْضًا لَكِنْ خَصَّهُ الشَّارِعُ بِالْكَافِرِ لأَِنَّ كَنْزَهُ هُوَ الَّذِي يُخَمَّسُ، وَأَمَّا كَنْزُ الْمُسْلِمِ فَلُقَطَةٌ، وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ سَائِرِ الْفُقَهَاءِ (٢)، وَفِيهِ خِلاَفٌ وَتَفْصِيلٌ يُذْكَرُ فِي مُصْطَلَحِ (كَنْز) .
وَالْكَنْزُ أَعَمُّ مِنَ الرِّكَازِ؛ لأَِنَّ الرِّكَازَ دَفِينُ الْجَاهِلِيَّةِ فَقَطْ، وَالْكَنْزُ دَفِينُ الْجَاهِلِيَّةِ وَأَهْل الإِْسْلاَمِ، وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي الأَْحْكَامِ.
ج - الدَّفِينُ:
٤ - الدَّفِينُ فِي اللُّغَةِ: هُوَ مَا أُخْفِيَ تَحْتَ أَطْبَاقِ
_________
(١) المصباح المنير مادة (كنز) .
(٢) ابن عابدين ٢ / ٤٤، والفواكه الدواني ١ / ٣٤٩، والمجموع ٦ / ٤٣، والمغني ٣ / ١٩.