الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٣
الْعِشْرَةُ وَالْقَسْمُ:
٨٥ - يَسْتَمْتِعُ الزَّوْجُ مِنْ زَوْجَتِهِ الأَْمَةِ بِمِثْل مَا يَسْتَمْتِعُ بِهِ مِنْ الْحُرَّةِ، وَيَجْتَنِبُ الدُّبُرَ وَالْحَيْضَةَ، لَكِنْ لاَ يَعْزِل عَنِ الْحُرَّةِ إِلاَّ بِرِضَاهَا، وَلاَ يَعْزِل عَنْ زَوْجَتِهِ الأَْمَةِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَهُوَ قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ إِلاَّ بِرِضَا سَيِّدِهَا لأَِنَّ الْحَقَّ لَهُ فِي الْوَلَدِ. وَقَال صَاحِبَا أَبِي حَنِيفَةَ: الْحَقُّ فِي الإِْذْنِ لَهَا خَاصَّةً؛ لأَِنَّ الْوَطْءَ حَقُّهَا إِذْ تَثْبُتُ لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِهِ، وَفِي الْعَزْل تَنْقِيصُ حَقِّهَا فَيُشْتَرَطُ رِضَاهَا كَالْحُرَّةِ.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: لَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَعْزِل عَنْ زَوْجَتِهِ الأَْمَةِ إِلاَّ بِإِذْنِ السَّيِّدِ وَإِذْنِهَا، لأَِنَّ الْعَزْل يُنْقِصُ الاِسْتِمْتَاعَ.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لاَ يَحْرُمُ الْعَزْل عَنِ الْحُرَّةِ وَالأَْمَةِ، زَوْجَةً أَوْ سُرِّيَّةً، بِالإِْذْنِ وَغَيْرِ الإِْذْنِ (١) .
وَالْحَقُّ فِي الاِسْتِمْتَاعِ لِلأَْمَةِ لاَ لِسَيِّدِهَا، فَلَوْ تَنَازَلَتْ عَنْ حَقِّهَا فِي الْقَسْمِ صَحَّ، وَلَوْ رَضِيَتْ بِعَيْبِ الزَّوْجِ فَلاَ فَسْخَ (٢) .
وَلِلزَّوْجَةِ الأَْمَةِ الْحَقُّ فِي أَنْ يَقْسِمَ لَهَا، بِخِلاَفِ السُّرِّيَّةِ.
وَلَهَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ نِصْفُ
_________
(١) الزرقاني ٣ / ٢٢٤، وكشاف القناع ٥ / ١٨٩، وروضة الطالبين ٧ / ٥، وفتح القدير ٢ / ٤٩٥، وتكملته ٨ / ١١٠.
(٢) روضة الطالبين ٧ / ٣٥٣، ٩ / ٧٩.
مَا يَقْسِمُ لِلْحُرَّةِ، فَلِلأَْمَةِ لَيْلَةٌ مُقَابِل كُل لَيْلَتَيْنِ لِلْحُرَّةِ.
فَإِنْ كُنَّ إِمَاءً كُلَّهُنَّ وَجَبَ الْعَدْل بَيْنَهُنَّ، قَال الْحَنَابِلَةُ - وَهُوَ وَجْهٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ -: فَيَقْسِمُ لَهُنَّ لَيْلَةً وَلَيْلَةً لاَ أَكْثَرُ، كَمَا لَوْ كُنَّ كُلُّهُنَّ حَرَائِرَ، إِلاَّ أَنْ يَرْضَيْنَ بِالزِّيَادَةِ. قَالُوا: وَالْحَقُّ فِي الْقَسْمِ لِلأَْمَةِ لاَ لِسَيِّدِهَا، فَلَهَا أَنْ تَهَبَ لَيْلَتَهَا لِضَرَّتِهَا أَوْ لِزَوْجِهَا، وَلَيْسَ لِسَيِّدِهَا الاِعْتِرَاضُ، وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الزَّوْجَةِ الْحُرَّةِ وَالزَّوْجَةِ الأَْمَةِ فِي الْقَسْمِ.
وَإِنْ تَزَوَّجَ أَمَةً بِكْرًا أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا ثُمَّ دَارَ، وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلاَثًا ثُمَّ دَارَ، كَمَا يَفْعَل مَعَ الْحُرَّةِ (١) .
وَلَوْ تَبَيَّنَ الزَّوْجُ عِنِّينًا فَرَضِيَتْ بِهِ كَانَ لِسَيِّدِهَا الْمُطَالَبَةُ بِالْفَسْخِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَال الشَّافِعِيَّةُ وَأَبُو يُوسُفَ: الطَّلَبُ لَهَا (٢) . وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فَرْعٌ عَنْ مَسْأَلَةِ الْعَزْل وَقَدْ تَقَدَّمَتْ.
اسْتِبْرَاءُ الزَّوْجَةِ الأَْمَةِ:
٨٦ - مَنِ اشْتَرَى أَمَةً لَمْ يَحِل لَهُ وَطْؤُهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِبْرَاءٍ، وَذَلِكَ لِيَتَحَقَّقَ بَرَاءَةَ رَحِمِهَا (ر: اسْتِبْرَاء) .
_________
(١) كشاف القناع ٥ / ٢٠٧، والزرقاني ٤ / ٥٧، والمغني ٧ / ٣٥، وفتح القدير ٢ / ٣٨٠، والأشباه والنظائر للسيوطي ص٩٣.
(٢) فتح القدير ٣ / ٢٦٤، وروضة الطالبين ٩ / ٧٩.
أَمَّا مَنْ تَزَوَّجَ أَمَةً فَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهَا، فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا وَلَوْ كَانَ الْمَوْلَى يَطَؤُهَا قَبْل التَّزْوِيجِ، وَعَلَّلُوا ذَلِكَ بِأَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ مَتَى صَحَّ تَضَمَّنَ الْعِلْمَ بِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ شَرْعًا وَهُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الاِسْتِبْرَاءِ، وَعَلَى الْمَوْلَى أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا قَبْل أَنْ يُزَوِّجَهَا.
وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا قَوْل الْمَالِكِيَّةِ فَقَدْ قَالُوا: إِنَّ عَلَى السَّيِّدِ أَنْ يَسْتَبْرِئَ مَوْطُوءَتَهُ إِنْ أَرَادَ تَزْوِيجَهَا وَيُصَدَّقُ السَّيِّدُ إِنْ قَال: إِنَّهُ اسْتَبْرَأَهَا قَبْل التَّزْوِيجِ.
وَذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ إِلَى أَنَّ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا اسْتِحْسَانًا (١) .
النَّوْعُ الثَّانِي: زَوَاجُ الْعَبْدِ بِالأَْمَةِ:
٨٧ - يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْعَبْدُ أَمَةً، وَلاَ يُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ مِنَ الشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ لِزَوَاجِ الْحُرِّ بِالأَْمَةِ، وَلاَ يَصِحُّ ذَلِكَ إِلاَّ بِإِذْنِ سَيِّدِ الْعَبْدِ وَسَيِّدِ الأَْمَةِ لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: أَيُّمَا عَبْدٍ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ فَهُوَ عَاهِرٌ (٢) وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: يَكُونُ نِكَاحُهُ مَوْقُوفًا عَلَى إِجَازَةِ السَّيِّدِ.
إِذَا كَانَ لِلسَّيِّدِ عَبْدٌ وَأَمَةٌ فَلَهُ أَنْ يُزَوِّجَ عَبْدَهُ أَمَتَهُ، وَيُشْتَرَطُ إِذْنُ الْعَبْدِ عِنْدَ مَنْ لاَ يُجِيزُ إِجْبَارَهُ
_________
(١) حاشية ابن عابدين ٥ / ٢٤٠، والزرقاني ٤ / ٢٣٣.
(٢) حديث: " أيما عبد تزوج بغير إذن سيده فهو عاهر ". أخرجه الترمذي (٣ / ٤١٠ - ط الحلبي) من حديث جابر بن عبد الله، وقال: " حديث حسن ".
عَلَى النِّكَاحِ وَهُمُ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ.
وَإِذَا زَوَّجَ عَبْدَهُ مِنْ أَمَتِهِ فَلاَ مَهْرَ عِنْدَ مَنْ قَال: إِنَّ مَهْرَ الأَْمَةِ لِسَيِّدِهَا (١) .
وَمَهْرُ زَوْجَةِ الْعَبْدِ فِي كَسْبِهِ هُوَ إِنْ كَانَ لَهُ كَسْبٌ فِي قَوْل الشَّافِعِيَّةِ وَرِوَايَةٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَا يُنْفِقُ، يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِطَلَبِ الزَّوْجَةِ، وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ مَنْعُهُ مِنَ الْكَسْبِ، ثُمَّ قَال الشَّافِعِيَّةُ: لَيْسَ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى زَوْجَتِهِ إِلاَّ نَفَقَةَ الْمُعْسِرِينَ إِنْ كَثُرَ مَالُهُ؛ لِضَعْفِ مِلْكِهِ.
وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ النَّفَقَةَ عَلَى السَّيِّدِ سَوَاءٌ ضَمِنَهَا أَوْ لَمْ يَضْمَنْهَا، وَسَوَاءٌ بَاشَرَ هُوَ الْعَقْدَ أَوْ بَاشَرَهُ الْعَبْدُ بِإِذْنِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ أَمْ لاَ؛ لأَِنَّهُ حَقٌّ تَعَلَّقَ بِالْعَبْدِ بِرِضَا سَيِّدِهِ فَيَضْمَنُهُ، فَعَلَى هَذَا لَوْ بَاعَ السَّيِّدُ الْعَبْدَ أَوْ أَعْتَقَهُ لَمْ يَسْقُطِ الْمَهْرُ عَنِ السَّيِّدِ (٢) .
وَتُعْلَمُ غَالِبُ أَحْكَامِ هَذَا النَّوْعِ مِنِ النِّكَاحِ، بِمُرَاجَعَةِ زَوَاجِ الْحُرِّ بِالأَْمَةِ السَّابِقِ ذِكْرُهُ.
النَّوْعُ الثَّالِثُ: زَوَاجُ الْعَبْدِ بِالْحُرَّةِ:
٨٨ - لاَ يَمْتَنِعُ شَرْعًا أَنْ يَتَزَوَّجَ الْعَبْدُ حُرَّةً، وَلَهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ حُرَّةٍ وَأَمَةٍ، وَلَكِنْ لاَ يَحِل لَهُ أَنْ
_________
(١) فتح القدير ٢ / ٤٨٨، والزرقاني والبناني ٢ / ٢١٨ و٣ / ١٩٦، ١٩٧.
(٢) المغني ٦ / ٥٠٧، وكشاف القناع ٥ / ٥٦، وروضة الطالبين ٩ / ٤٠، ٤١، ٧٩، وشرح المنهاج ٣ / ٢٧٢.
يَتَزَوَّجَ سَيِّدَتَهُ؛ لأَِنَّ أَحْكَامَ النِّكَاحِ تَتَنَافَى مَعَ أَحْكَامِ الْمِلْكِ، فَإِنَّ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الطَّرَفُ الآْخَرُ بِحُكْمِهِ يُسَافِرُ بِسَفَرِهِ وَيُقِيمُ بِإِقَامَتِهِ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ فَيَتَنَافَيَانِ؛ وَلأَِنَّ مُقْتَضَى الزَّوْجِيَّةِ قِوَامَةُ الرَّجُل عَلَى الْمَرْأَةِ بِالْحِفْظِ وَالصَّوْنِ وَالتَّأْدِيبِ، وَالاِسْتِرْقَاقُ يَقْتَضِي قَهْرَ السَّادَاتِ لِلْعَبِيدِ بِالاِسْتِيلاَءِ وَالاِسْتِهَانَةِ، فَيَتَعَذَّرُ أَنْ تَكُونَ سَيِّدَةً لِعَبْدِهَا وَزَوْجَةً لَهُ.
وَلَوْ أَنَّ الزَّوْجَةَ الْحُرَّةَ مَلَكَتْ زَوْجَهَا الْعَبْدَ انْفَسَخَ نِكَاحُهُمَا.
وَمِمَّا يَدُل لِصِحَّةِ زَوَاجِ الْعَبْدِ بِحُرَّةٍ مَا وَرَدَ فِي قِصَّةِ بَرِيرَةَ، فَإِنَّهَا كَانَتْ زَوْجَةً لِعَبْدٍ اسْمُهُ مُغِيثٌ، فَلَمَّا أُعْتِقَتْ، قَال لَهَا النَّبِيُّ ﷺ لَوْ رَاجَعْتِيهِ. فَقَالَتْ يَا رَسُول اللَّهِ أَتَأْمُرُنِي؟ قَال: إِنَّمَا أَنَا شَفِيعٌ. قَالَتْ: لاَ حَاجَةَ لِي فِيهِ (١) .
فَلاَ يَشْفَعُ إِلَيْهَا النَّبِيُّ ﷺ فِي أَنْ تَنْكِحَ عَبْدًا إِلاَّ وَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ (٢) .
وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ الْعَبْدُ غَيْرَ كُفْءٍ لِلْحُرَّةِ فَلاَ تَتَزَوَّجُهُ إِلاَّ بِرِضَا أَوْلِيَائِهَا، فَإِنْ تَزَوَّجَتْهُ فَلِمَنْ لَمْ يَرْضَ مِنْهُمُ الْفَسْخُ. وَهَذَا قَوْل مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، وَهُوَ قَوْل الصَّاحِبَيْنِ، عَلَى أَنَّ الْمَنْقُول
_________
(١) حديث: " قصة بريرة ومغيث ". أخرجه البخاري (الفتح ٩ / ٤٠٨ - ط السلفية) من حديث ابن عباس.
(٢) المغني ٦ / ٤٨٤، ٦١٠، ٦١١ والعناية بهامش فتح القدير ٢ / ٣٧١، وكشاف القناع ٥ / ٨٩٧، والقليوبي ٣ / ٢٤٧.
عَنْهُمَا أَنَّ ذَلِكَ فِي الأَْوْلِيَاءِ إِذَا تَسَاوَوْا فِي الدَّرَجَةِ.
وَقَال أَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ رَضِيَ بَعْضُهُمْ وَرَضِيَتِ الْمَرْأَةُ لَمْ يَكُنْ لِبَاقِي الأَْوْلِيَاءِ الْفَسْخُ.
وَأَخَذَ الْعُلَمَاءُ مِنْ قِصَّةِ بَرِيرَةَ أَيْضًا أَنَّ الأَْمَةَ إِذَا أُعْتِقَتْ تَحْتَ عَبْدٍ يَكُونُ لَهَا الْخِيَارُ بَيْنَ الْبَقَاءِ مَعَهُ وَبَيْنَ الْفَسْخِ. وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّ الْفَسْخَ يَقَعُ بِمُجَرَّدِ اخْتِيَارِهَا وَلاَ يَتَوَقَّفُ عَلَى حُكْمِ الْقَاضِي لِظُهُورِهِ وَعَدَمِ الْخِلاَفِ فِيهِ (١) .
وَوَلَدُ الْعَبْدِ مِنْ زَوْجَتِهِ الْحُرَّةِ أَحْرَارٌ؛ لأَِنَّ الْوَلَدَ تَابِعٌ لأُِمِّهِ حُرِّيَّةً وَرِقًّا (٢) .
إِنْفَاقُ الْعَبْدِ عَلَى أَوْلاَدِهِ:
٨٩ - إِنْ كَانَ أَوْلاَدُ الْعَبْدِ أَحْرَارًا، كَأَنْ تَكُونَ أُمُّهُمْ حُرَّةً، أَوْ يَكُونُوا مِنْ أَمَةٍ فَيُعْتِقُهُمُ السَّيِّدُ، فَلاَ تَلْزَمُ أَبَاهُمُ الْعَبْدَ نَفَقَتُهُمْ، وَكَذَا لاَ تَلْزَمُهُ نَفَقَةُ أَحَدٍ مِنْ أَقَارِبِهِ سِوَاهُمْ؛ لأَِنَّ نَفَقَةَ الأَْقَارِبِ تَجِبُ عَلَى سَبِيل الْمُوَاسَاةِ وَلَيْسَ الْعَبْدُ أَهْلَهَا. وَتَكُونُ النَّفَقَةُ عَلَى مَنْ يَلِيهِ مِنْ أَقَارِبِهِمْ عَلَى مَا يُذْكَرُ فِي بَابِ النَّفَقَاتِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ كَانَتْ فِي بَيْتِ الْمَال.
وَإِنْ كَانُوا أَرِقَّاءَ فَلَيْسَ عَلَى أَبِيهِمُ الْعَبْدِ
_________
(١) فتح القدير والعناية ٢ / ٤٠٨، ٤١٩، المغني ٦ / ٤٨١، ٤٨٤، وكشاف القناع ٥ / ٦٨، وروضة الطالبين ٧ / ٨٠، ٨٤.
(٢) البناني على الزرقاني ٣ / ٢٤٥، والأشباه للسيوطي ٢٦٧.
نَفَقَتُهُمْ أَيْضًا، وَتَلْزَمُ نَفَقَتُهُمْ سَيِّدَهُمْ (١) .
عَدَدُ زَوْجَاتِ الْعَبْدِ:
٩٠ - اخْتُلِفَ فِي الْعَدَدِ الَّذِي يَجُوزُ لِلْعَبْدِ أَنْ يَجْمَعَهُ مِنَ النِّسَاءِ، فَقِيل: لاَ يَتَزَوَّجُ أَكْثَرَ مِنِ امْرَأَتَيْنِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَاحْتَجُّوا بِمَا وَرَدَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فِي ذَلِكَ. وَبِمَا رَوَى لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ أَنَّهُ قَال: أَجْمَعَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّ الْعَبْدَ لاَ يَنْكِحُ أَكْثَرَ مِنِ اثْنَتَيْنِ، وَلِكَوْنِ أَحْكَامِ الرَّقِيقِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ أَحْكَامِ الأَْحْرَارِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ.
وَقِيل: لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَرْبَعًا، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ، قَالُوا: لِعُمُومِ آيَةِ: وَرُبَاعَ (٢) لأَِنَّ النِّكَاحَ مِنَ الْعِبَادَاتِ، وَالْعَبْدَ وَالْحُرَّ فِيهِمَا سَوَاءٌ (٣) .
أَحْكَامُ نِكَاحِ الْعَبْدِ:
٩١ - الأَْصْل أَنَّ أَحْكَامَ نِكَاحِ الْعَبْدِ كَأَحْكَامِ نِكَاحِ الأَْحْرَارِ، إِلاَّ مَا يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ قَلِيلٌ، وَمِنْهُ - غَيْرُ مَا تَقَدَّمَ - أَنَّ الْعَبْدَ إِنْ وَطِئَ
_________
(١) المغني ٧ / ٥٩٩، وروضة الطالبين ٩ / ٩٦، والزرقاني ٣ / ١٩٧.
(٢) سورة النساء / ٣.
(٣) الزرقاني ٣ / ٢٠٧، وكشاف القناع ٥ / ٨١، وفتح القدير ٢ / ٣٨٠.
الْحُرَّةَ فِي نِكَاحٍ لَمْ يُحْصِنْهَا، كَمَا أَنَّ نِكَاحَ الأَْمَةِ لاَ يُحْصِنُ الْحُرَّ، فَلَوْ تَزَوَّجَتْ عَبْدًا فَوَطِئَهَا ثُمَّ زَنَتْ حُدَّتْ حَدَّ الْبِكْرِ وَهُوَ مِائَةُ جَلْدَةٍ وَلَمْ تُرْجَمْ؛ لِعَدَمِ إِحْصَانِهَا. وَهَذَا قَوْل جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ.
وَقَال مَالِكٌ: إِنْ كَانَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ حُرًّا وَالآْخَرُ مَمْلُوكًا وَتَمَّ الْوَطْءُ فَالْحُرُّ مِنْهُمَا مُحْصَنٌ فَيُرْجَمُ إِنْ زَنَى (١) .
الإِْيلاَءُ مِنَ الزَّوْجَةِ الأَْمَةِ، وَإِيلاَءُ الْعَبْدِ مِنْ زَوْجَتِهِ:
٩٢ - مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ وَظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ أَنَّ الإِْيلاَءَ مِنَ الزَّوْجَةِ الأَْمَةِ كَالإِْيلاَءِ مِنَ الزَّوْجَةِ الْحُرَّةِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الزَّوْجُ عَبْدًا أَوْ حُرًّا، وَلِلأَْمَةِ الْمُطَالَبَةُ بِالْوَطْءِ بَعْدَ الأَْشْهُرِ الأَْرْبَعَةِ وَإِنْ عَفَا السَّيِّدُ؛ لأَِنَّ الْحَقَّ لَهَا فِي الاِسْتِمْتَاعِ، فَإِنْ تَرَكَتِ الْمُطَالَبَةَ لَمْ يَكُنْ لِسَيِّدِهَا الطَّلَبُ.
وَاحْتَجُّوا عَلَى الأَْشْهُرِ الأَْرْبَعَةِ بِعُمُومِ آيَةِ الإِْيلاَءِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ مُدَّةَ الإِْيلاَءِ إِنْ كَانَ الزَّوْجُ عَبْدًا شَهْرَانِ وَلَوْ كَانَتْ زَوْجَتُهُ حُرَّةً، فَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى حُرًّا فَالْمُدَّةُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَلَوْ كَانَتْ زَوْجَتُهُ أَمَةً. وَاحْتَجُّوا بِالْقِيَاسِ قِيَاسًا عَلَى الْعِدَّةِ (٢) .
الْخُلْعُ:
_________
(١) المغني ٨ / ١٦٣، والزرقاني ٨ / ٨٢.
(٢) المغني ٧ / ٣١٨، ٣٢٣، وفتح القدير ٣ / ١٩٥، وروضة الطالبين ٨ / ٢٣٠، والزرقاني ٤ / ١٥٢.
إنْ خَالَعَتِ الأَْمَةُ زَوْجَهَا عَلَى مَالٍ فِي الذِّمَّةِ بِغَيْرِ إِذْنِ السَّيِّدِ صَحَّ الْخُلْعُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَلاَ يَلْزَمُ سَيِّدَهَا أَدَاءُ الْمَال، بَل يَكُونُ فِي ذِمَّتِهَا تُؤَدِّيهِ إِنْ عَتَقَتْ، وَقِيل: يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهَا فَتُبَاعُ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ بِإِذْنِ السَّيِّدِ لَزِمَهُ وَتَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ هُوَ.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: لاَ يَصِحُّ خُلْعُهَا بِغَيْرِ إِذْنِ السَّيِّدِ.
وَإِنْ خَالَعَ الْعَبْدُ زَوْجَتَهُ صَحَّ الْخُلْعُ؛ لأَِنَّهُ يَمْلِكُ الطَّلاَقَ عَلَى غَيْرِ مَالٍ فَمَلَكَ الْخُلْعَ، وَهُوَ طَلاَقٌ أَوْ فَسْخٌ عَلَى مَالٍ، وَالْحَقُّ فِي الْعِوَضِ لِلسَّيِّدِ.
فَإِنْ كَانَتِ الأَْمَةُ مَأْذُونًا لَهَا فِي التِّجَارَةِ، أَوْ تَمْلِكُ شَيْئًا مِنَ الْمَال عِنْدَ مَنْ يَقُول بِأَنَّهَا تَمْلِكُ الْمَال، لَزِمَهَا الْمَال (١) .
الظِّهَارُ وَالْكَفَّارَاتُ:
٩٤ - إِذَا كَانَ الْمُظَاهِرُ عَبْدًا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ التَّكْفِيرُ إِلاَّ بِالصِّيَامِ؛ لأَِنَّهُ لاَ يَسْتَطِيعُ الإِْعْتَاقَ وَلاَ الإِْطْعَامَ، فَهُوَ كَالْحُرِّ الْمُعْسِرِ وَأَسْوَأُ مِنْهُ حَالًا.
لَكِنْ إِنْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِي الإِْعْتَاقِ أَوِ الإِْطْعَامِ فَفِي إِجْزَائِهِ قَوْلاَنِ:
الأَْوَّل: أَنَّهُ لاَ يُجْزِئُهُ لَوْ أَعْتَقَ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ
_________
(١) المغني ٧ / ٨١، ٨٢، ٨٦، وكشاف القناع ٥ / ١٢٥، وروضة الطالبين ٧ / ٣٨٤، وفتح القدير ٣ / ٢١٧، ٢٠٥، والزرقاني ٤ / ٦٤.
فِي التَّكْفِيرِ بِالْعِتْقِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَذَلِكَ لأَِنَّهُ هُوَ مَمْلُوكٌ لاَ يَمْلِكُ، فَيَقَعُ تَكْفِيرُهُ بِمَال غَيْرِهِ فَلَمْ يُجْزِئُهُ.
وَالثَّانِي: يُجْزِئُهُ الإِْطْعَامُ الْمَأْذُونُ فِيهِ دُونَ الْعِتْقِ الْمَأْذُونِ فِيهِ، وَهَذَا قَوْل مَالِكٍ وَقَوْلٌ لِلشَّافِعِيَّةِ؛ لأَِنَّ الْعِتْقَ يَقْتَضِي الْوَلاَءَ وَالْوِلاَيَةَ وَالإِْرْثَ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِلرَّقِيقِ.
وَالثَّالِثُ: إِنْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِي التَّكْفِيرِ بِالْمَال جَازَ سَوَاءٌ كَانَ إِطْعَامًا أَوْ عِتْقًا، وَهَذَا قَوْلٌ ثَانٍ لِلشَّافِعِيَّةِ، وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَقَوْل الأَْوْزَاعِيِّ. ثُمَّ قَال الشَّافِعِيَّةُ: فَإِنْ أَعْتَقَ فَالْوَلاَءُ مَوْقُوفٌ، فَإِنْ عَتَقَ فَالْوَلاَءُ لَهُ، وَإِنْ دَامَ رِقُّهُ فَالْوَلاَءُ لِسَيِّدِهِ.
وَلَوْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِي الْعِتْقِ أَوِ الإِْطْعَامِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْهُمَا حَتَّى عِنْدَ مَنْ يَقُول بِإِجْزَائِهِمَا؛ لأَِنَّ الصِّيَامَ فَرْضُهُ (١) .
وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ ثَالِثٍ لَهُمْ: بِأَنَّ لِلسَّيِّدِ مَعَ ذَلِكَ مَنْعَهُ مِنَ الصَّوْمِ إِنْ أَضَرَّ بِخِدْمَتِهِ. قَال الْحَنَفِيَّةُ: وَهَذَا فِي غَيْرِ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ، أَمَّا فِيهَا فَلَيْسَ لَهُ الْمَنْعُ؛ لأَِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهَا حَقُّ الزَّوْجَةِ. وَقَال الْحَنَابِلَةُ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ وَلَوْ أَضَرَّ بِخِدْمَتِهِ؛ لأَِنَّهُ وَاجِبٌ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَالصَّلاَةِ الْمَفْرُوضَةِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ (٢) .
_________
(١) المغني ٧ / ٣٨٠، والزرقاني ٤ / ١٧٩، وكشاف القناع ٦ / ٢٤٤، وروضة الطالبين ١١ / ٤.
(٢) الزرقاني ٤ / ١٧٩، والمغني ٨ / ٧٥٣، وروضة الطالبين ٨ / ٣٠٠.