الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٢ الصفحة 5

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٢

وَقَدْ قَال بِهَذَا النَّوْعِ فِي الْحَالَةِ الْمَذْكُورَةِ الْحَنَفِيَّةُ لإِثْبَاتِ رَمَضَانَ وَشَوَّالٍ (١) .

وَقَال بِهِ أَيْضًا الْمَالِكِيَّةُ لَكِنَّهُمْ سَكَتُوا عَنِ اشْتِرَاطِ الصَّحْوِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ.

ب - رُؤْيَةُ عَدْلَيْنِ:

٤ - نُقِل الْقَوْل بِاشْتِرَاطِ رُؤْيَةِ عَدْلَيْنِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ﵁ وَابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ (٢)، وَقَال بِهَذَا الرَّأْيِ الْمَالِكِيَّةُ فِي حَالَةِ الْغَيْمِ وَالصَّحْوِ فِي الْمِصْرِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ فَيَثْبُتُ بِرُؤْيَةِ الْعَدْلَيْنِ الصَّوْمُ وَالْفِطْرُ وَشَهْرُ ذِي الْحِجَّةِ، وَاشْتَرَطُوا فِي الْعَدْل الإِْسْلاَمَ وَالْحُرِّيَّةَ وَالذُّكُورَةَ وَمَا تَقْتَضِيهِ الْعَدَالَةُ مِنَ الْعَقْل وَالْبُلُوغِ وَالاِلْتِزَامِ بِالإِْسْلاَمِ (٣) .

وَاعْتَبَرَ سَحْنُونٌ شَهَادَةَ اثْنَيْنِ فَقَطْ فِي الصَّحْوِ، وَفِي الْمِصْرِ الْكَبِيرِ رِيبَةً، وَلَمْ يُنْقَل عَنْهُ تَعْيِينُ الْعَدَدِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لاَ يُقْبَل فِي مِثْلِهَا غَيْرُ الرُّؤْيَةِ الْمُسْتَفِيضَةِ وَأَقَلُّهَا ثَلاَثَةٌ.

قَال: " وَلاَ تُقْبَل شَهَادَةُ الشَّاهِدَيْنِ إِذَا لَمْ يَشْهَدْ غَيْرُهُمَا فِي الْمِصْرِ الْكَبِيرِ وَالصَّحْوِ، وَأَيَّةُ رِيبَةٍ أَكْبَرُ مِنْ هَذِهِ (٤) ".

_________

(١) الكاساني: بدائع الصنائع ٢ / ٨٠ (دار الكتاب العربي بيروت، ط ٢: ١٤٠٢ / ١٩٨٢) .

(٢) المدونة ١ / ١٧٤ (دار الفكر، ط ٢: ١٤٠٠ / ١٩٨٠) .

(٣) الحطاب: مواهب الجليل ٢ / ٣٨١.

(٤) المرجع نفسه ٢ / ٣٨٥.

وَنُقِل الْقَوْل بِاشْتِرَاطِ عَدْلَيْنِ فِي الشَّهَادَةِ الَّتِي يَثْبُتُ بِهَا هِلاَل رَمَضَانَ عَنِ الْبُوَيْطِيِّ تِلْمِيذِ الشَّافِعِيِّ (١) .

ج - رُؤْيَةُ عَدْلٍ وَاحِدٍ:

٥ - لِلْفُقَهَاءِ تَفْصِيلاَتٌ وَشُرُوطٌ فِي قَبُول رُؤْيَةِ الْعَدْل الْوَاحِدِ عَلَى النَّحْوِ التَّالِي: قَبِل الْحَنَفِيَّةُ فِي رُؤْيَةِ هِلاَل رَمَضَانَ شَهَادَةَ الْعَدْل الْوَاحِدِ فِي الْغَيْمِ أَوِ الْغُبَارِ وَانْعِدَامِ صَحْوِ السَّمَاءِ، وَاكْتَفَوْا فِي وَصْفِ الْعَدَالَةِ بِتَرْجِيحِ الْحَسَنَاتِ عَلَى السَّيِّئَاتِ، وَقَبِلُوا شَهَادَةَ مَسْتُورِ الْحَال، وَلَمْ يَشْتَرِطُوا الذُّكُورَةَ وَالْحُرِّيَّةَ، وَاعْتَبَرُوا الإِْعْلاَمَ بِالرُّؤْيَةِ مِنْ قَبِيل الإِْخْبَارِ.

وَتَتِمُّ الشَّهَادَةُ عِنْدَهُمْ فِي الْمِصْرِ أَمَامَ الْقَاضِي، وَفِي الْقَرْيَةِ فِي الْمَسْجِدِ بَيْنَ النَّاسِ، وَمَنْ رَأَى الْهِلاَل وَحْدَهُ وَلَمْ يَقْبَل الْقَاضِي شَهَادَتَهُ صَامَ، فَلَوْ أَفْطَرَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ (٢) .

وَاسْتَدَل الْحَنَفِيَّةُ عَلَى قَبُول شَهَادَةِ الْعَدْل الْوَاحِدِ بِمَا رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ قَال: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَال: أَبْصَرْتُ الْهِلاَل اللَّيْلَةَ، قَال: أَتَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؟ قَال: نَعَمْ، قَال: يَا بِلاَل أَذِّنْ فِي

_________

(١) أبو إسحاق الشيرازي: المهذب ١ / ١٧٩ (ط. عيسى الحلبي، مصر) .

(٢) الكاساني: بدائع الصنائع ٢ / ٨١.

النَّاسِ فَلْيَصُومُوا غَدًا (١) .

وَتَقَدَّمَ فِي تَرَائِي الْهِلاَل حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَفِيهِ أَنَّهُ أَخْبَرَ النَّبِيَّ ﷺ بِرُؤْيَةِ الْهِلاَل فَصَامَ، وَأَمَرَ النَّاسَ بِالصِّيَامِ.

وَبِأَنَّ الإِْخْبَارَ بِرُؤْيَةِ الْهِلاَل مِنَ الرِّوَايَةِ وَلَيْسَ بِشَهَادَةٍ؛ لأَِنَّهُ يُلْزِمُ الْمُخْبَرَ بِالصَّوْمِ، وَمَضْمُونُ الشَّهَادَةِ لاَ يُلْزِمُ الشَّاهِدَ بِشَيْءٍ، وَالْعَدَدُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الرِّوَايَةِ فَأَمْكَنَ قَبُول خَبَرِ الْوَاحِدِ فِي رُؤْيَةِ الْهِلاَل بِالشُّرُوطِ الْوَاجِبِ تَوَفُّرُهَا فِي الرَّاوِي لِخَبَرٍ دِينِيٍّ، وَهِيَ: الإِْسْلاَمُ وَالْعَقْل وَالْبُلُوغُ وَالْعَدَالَةُ (٢) .

وَلَمْ يَعْتَبِرِ الْمَالِكِيَّةُ رُؤْيَةَ الْعَدْل الْوَاحِدِ فِي إِثْبَاتِ الْهِلاَل، وَلَمْ يُوجِبُوا الصَّوْمَ بِمُقْتَضَاهَا عَلَى الْجَمَاعَةِ (٣)، وَأَلْزَمُوا مَنْ رَأَى الْهِلاَل وَحْدَهُ بِإِعْلاَمِ الإِْمَامِ بِرُؤْيَتِهِ لاِحْتِمَال أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ رَأَى أَوْ عَلِمَ فَتَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا، وَأَوْجَبُوا عَلَى الرَّائِي الْمُنْفَرِدِ الصِّيَامَ، وَلَوْ رَدَّ الإِْمَامُ شَهَادَتَهُ فَإِنْ أَفْطَرَ فَعَلَيْهِ

_________

(١) حديث ابن عباس: " جاء أعرابي إلى النبي ﷺ فقال: أبصرت الهلال. . . " أخرجه أبو داود (٢ / ٧٥٤ - ٧٥٥ - تحقيق عزت عبيد دعاس)، والترمذي (٣ / ٦٦ - ط الحلبي)، وبين الترمذي أن أكثر رواته رووه مرسلًا، وكذا نقل الزيلعي عن النسائي أنه رجح الإرسال، انظر نصب الراية (٢ / ٤٤٣ - ط المجلس العلمي) .

(٢) الكاساني: بدائع الصنائع ٢ / ٨١.

(٣) الحطاب: شرح مواهب الجليل ٢ / ٣٨٤، وزروق: شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني ١ / ٢٩١.

الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ (١) . وَاسْتَدَلُّوا بِمَا وَرَدَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ خَطَبَ النَّاسَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ، فَقَال: إِنِّي جَالَسْتُ أَصْحَابَ رَسُول اللَّهِ ﷺ وَسَأَلْتُهُمْ وَأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ حَدَّثُونِي أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا ثَلاَثِينَ فَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ فَصُومُوا وَأَفْطِرُوا (٢) .

وَالْمَشْهُورُ عِنْدَهُمْ قَبُول هَذَا النَّوْعِ مِنَ الرُّؤْيَةِ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ مَنْ يَعْتَنِي بِأَمْرِ الْهِلاَل (٣) .

وَقَبِل بَعْضُهُمْ رُؤْيَةَ الرَّجُل الْوَاحِدِ وَالْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ إِذَا أُرِيدَ مِنَ الشَّهْرِ مَعْرِفَةُ عِلْمِ التَّارِيخِ بِشَرْطِ أَنْ لاَ يَتَعَلَّقَ بِهِ حُلُول دَيْنٍ أَوْ إِكْمَال عِدَّةٍ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلاَ بُدَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ (٤) .

وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ قَبُول رُؤْيَةِ الْعَدْل الْوَاحِدِ فِي هِلاَل رَمَضَانَ وَإِلْزَامُ الْجَمِيعِ الصِّيَامَ بِمُقْتَضَاهَا احْتِيَاطًا لِلْفَرْضِ، وَلَمْ يَقْبَلُوهَا مِنَ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ؛ لأَِنَّ الإِْخْبَارَ بِالرُّؤْيَةِ عِنْدَهُمْ مِنْ قَبِيل الشَّهَادَةِ، وَاسْتَدَلُّوا بِقَبُول النَّبِيِّ ﷺ إِخْبَارَ ابْنِ عُمَرَ وَحْدَهُ بِهِلاَل رَمَضَانَ، وَقَبُولِهِ أَيْضًا إِخْبَارَ

_________

(١) المدونة ١ / ١٧٤، وبداية المجتهد ١ / ٢٩٣.

(٢) حديث عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب عن أصحاب رسول الله ﷺ أخرجه النسائي (٤ / ١٣٢ - ١٣٣ - ط المكتبة التجارية) وإسناده صحيح.

(٣) الحطاب: مواهب الجليل ٢ / ٣٨٦.

(٤) المرجع نفسه ص ٣٨٢

أَعْرَابِيٍّ بِذَلِكَ (١)، وَأَوْجَبُوا عَلَى الرَّائِي الصَّوْمَ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا (٢) .

وَقَبِل الْحَنَابِلَةُ فِي هِلاَل رَمَضَانَ رُؤْيَةَ الْعَدْل الْوَاحِدِ، وَلَمْ يَشْتَرِطُوا الذُّكُورَةَ وَالْحُرِّيَّةَ وَرَفَضُوا شَهَادَةَ مَسْتُورِ الْحَال فِي الصَّحْوِ وَالْغَيْمِ، وَمُسْتَنَدُهُمْ قَبُول النَّبِيِّ ﷺ خَبَرَ الأَْعْرَابِيِّ (٣) . وَلَمْ يَقْبَلُوا فِي بَقِيَّةِ الشُّهُورِ إِلاَّ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ عَلَى مَا سَيَأْتِي.

رُؤْيَةُ هِلاَل شَوَّالٍ وَبَقِيَّةِ الشُّهُورِ:

٦ - اتَّفَقَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَلَى اشْتِرَاطِ رُؤْيَةِ عَدْلَيْنِ فِي هِلاَل شَوَّالٍ، وَاخْتَلَفُوا فِي بَعْضِ التَّفْصِيلاَتِ.

فَاشْتَرَطَ الْحَنَفِيَّةُ لإِثْبَاتِ هِلاَل شَوَّالٍ فِي حَالَةِ الصَّحْوِ أَنْ يَكُونَ الشُّهُودُ جَمَاعَةً يَحْصُل الْعِلْمُ لِلْقَاضِي بِخَبَرِهِمْ كَمَا فِي هِلاَل رَمَضَانَ، وَلَمْ يَقْبَلُوا فِي حَال الْغَيْمِ إِلاَّ شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ، أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ مُسْلِمَيْنِ حُرَّيْنِ عَاقِلَيْنِ بَالِغَيْنِ غَيْرَ مَحْدُودَيْنِ فِي قَذْفٍ، وَإِنْ تَابَا كَمَا فِي الشَّهَادَةِ فِي الْحُقُوقِ وَالأَْمْوَال؛ لأَِنَّ الإِْخْبَارَ بِهِلاَل شَوَّالٍ مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ. وَفِيهِ نَفْعٌ لِلْمُخْبِرِ، وَهُوَ إسْقَاطُ الصَّوْمِ عَنْهُ فَكَانَ مُتَّهَمًا فَاشْتُرِطَ فِيهِ الْعَدَدُ نَفْيًا

_________

(١) إخبار ابن عمر وقبوله إخبار الأعرابي تقدم تخريجه (ف ٢، ٥) .

(٢) أبو إسحاق الشيرازي: المهذب (١ / ١٧٩) .

(٣) ابن قدامة، المغني (٣ / ١٥٧ نشر مكتبة الرياض الحديثة)، والبهوتي: منصور بن يونس، كشاف القناع (٢ / ٢٧٣ - ٢٧٤) .

لِلتُّهْمَةِ بِخِلاَفِ هِلاَل رَمَضَانَ فَإِنَّهُ لاَ تُهْمَةَ فِيهِ (١) .

وَاشْتَرَطَ الْمَالِكِيَّةُ فِي هِلاَل شَوَّالٍ الرُّؤْيَةَ الْمُسْتَفِيضَةَ أَوْ شَهَادَةَ عَدْلَيْنِ مِمَّنْ يَشْهَدُونَ فِي الْحُقُوقِ الْعَامَّةِ. وَنَصُّوا عَلَى أَنَّ مَنْ رَأَى هِلاَل شَوَّالٍ وَحْدَهُ لاَ يُفْطِرُ، خَوْفًا مِنَ التُّهْمَةِ وَسَدًّا لِلذَّرِيعَةِ، وَإِنْ أَفْطَرَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ عُثِرَ عَلَيْهِ عُوقِبَ إِنِ اتُّهِمَ (٢) .

وَاشْتَرَطَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي ثُبُوتِ هِلاَل شَوَّالٍ شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ حُرَّيْنِ عَدْلَيْنِ احْتِيَاطًا لِلْفَرْضِ، وَأَبَاحَ الشَّافِعِيَّةُ الْفِطْرَ سِرًّا لِمَنْ رَأَى الْهِلاَل وَحْدَهُ؛ لأَِنَّهُ إِنْ أَظْهَرَهُ عَرَّضَ نَفْسَهُ لِلتُّهْمَةِ وَالْعُقُوبَةِ، وَمَنَعَ الْحَنَابِلَةُ الْفِطْرَ لِمَنْ رَأَى الْهِلاَل وَحْدَهُ.

وَقَال ابْنُ عَقِيلٍ: يَجِبُ عَلَيْهِ الْفِطْرُ سِرًّا لأَِنَّهُ تَيَقَّنَهُ يَوْمَ عِيدٍ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْ صَوْمِهِ (٣) .

وَلَمْ يُفَرِّقِ الْحَنَفِيَّةُ فِي حَالَةِ الصَّحْوِ بَيْنَ أَهِلَّةِ

_________

(١) الكاساني: بدائع الصنائع ٢ / ٨١، وابن عابدين ورسائل ابن عابدين ١ / ٢١٢.

(٢) المدونة ١ / ١٧٤، وابن الجزي: القوانين الفقهية ص ١٢١ (الدار العربية للكتاب، تونس)، والموطأ ١ / ٢٨٧ - ٢٨٨، والمنتقى للباجي ٢ / ٣٩.

(٣) أبو إسحاق الشيرازي، والمهذب ١ / ١٧٩ - ١٨٠، والبهوتي: منصور بن يونس، كشاف القناع ٢ / ٢٧٥.

رَمَضَانَ وَشَوَّالٍ وَذِي الْحِجَّةِ وَاشْتَرَطُوا فِي الثَّلاَثَةِ رُؤْيَةَ جَمْعٍ يَثْبُتُ بِهِ الْعِلْمُ، وَفَرَّقُوا بَيْنَهَا فِي حَالَةِ الْغَيْمِ فَاكْتَفَوْا فِي ثُبُوتِ هِلاَل ذِي الْحِجَّةِ بِشَهَادَةِ عَدْلٍ وَاحِدٍ. وَاشْتَرَطَ الْكَرْخِيُّ مِنْهُمْ شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ كَمَا فِي هِلاَل شَوَّالٍ لأَِنَّ هَذِهِ الشَّهَادَةَ يَتَعَلَّقُ بِهَا حُكْمُ وُجُوبِ الأُْضْحِيَّةِ فَيَجِبُ فِيهَا الْعَدَدُ.

وَرَدَّ عَلَيْهِ الْكَاسَانِيُّ بِأَنَّ الإِْخْبَارَ عَنْ هِلاَل ذِي الْحِجَّةِ مِنْ بَابِ الرِّوَايَةِ لاَ الشَّهَادَةِ لِوُجُوبِ الأُْضْحِيَّةِ عَلَى الشَّاهِدِ وَغَيْرِهِ، فَلاَ يُشْتَرَطُ الْعَدَدُ (١) .

وَأَوْجَبَ الْمَالِكِيَّةُ شَهَادَةَ عَدْلَيْنِ، فَقَال مَالِكٌ فِي الْمَوْسِمِ بِأَنَّهُ يُقَامُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ إِذَا كَانَا عَدْلَيْنِ (٢) .

وَسَوَّى الْحَنَابِلَةُ بَيْنَ شَوَّالٍ وَغَيْرِهِ مِنَ الشُّهُورِ فَاشْتَرَطُوا رُؤْيَةَ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ لِقَوْلِهِ ﷺ: فَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ فَصُومُوا وَأَفْطِرُوا (٣) .

رُؤْيَةُ الْهِلاَل نَهَارًا:

٧ - وَرَدَتْ عَنْ صَحَابَةِ رَسُول اللَّهِ ﷺ نُقُولٌ مُخْتَلِفَةٌ فِي حُكْمِ رُؤْيَةِ هِلاَل رَمَضَانَ نَهَارًا، وَهَل هُوَ لِلَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ أَوِ الْمُقْبِلَةِ؟

_________

(١) الكاساني: بدائع الصنائع ٢ / ٨٢.

(٢) المدونة: ١ / ١٧٤.

(٣) حديث: " فإن شهد شاهدان. . . " تقدم تخريجه (ف ٥) .

فَعَنْ عَلِيٍّ وَعَائِشَةَ، وَرِوَايَةٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ﵃ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الرُّؤْيَةِ قَبْل الزَّوَال وَبَعْدَهُ. فَإِنْ كَانَتْ قَبْل الزَّوَال فَالْهِلاَل لِلَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ، وَإِنْ كَانَتْ بَعْدَ الزَّوَال، فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمُقْبِلَةِ، وَذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ صَاحِبُ أَبِي حَنِيفَةَ إِلَى هَذَا الرَّأْيِ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الْهِلاَل لاَ يُرَى قَبْل الزَّوَال عَادَةً إِلاَّ أَنْ يَكُونَ لِلَيْلَتَيْنِ، وَهَذَا يُوجِبُ كَوْنَ الْيَوْمِ مِنْ رَمَضَانَ فِي هِلاَل رَمَضَانَ، وَكَوْنَهُ يَوْمَ الْفِطْرِ فِي هِلاَل شَوَّالٍ (١) .

وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَفِي نَقْلٍ عَنِ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رُؤْيَةَ الْهِلاَل يَوْمَ الشَّكِّ هِيَ لِلَّيْلَةِ الْمُقْبِلَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ قَبْل الزَّوَال أَمْ بَعْدَهُ.

وَقَال عُمَرُ: إِنَّ الأَْهِلَّةَ بَعْضُهَا أَكْبَرُ مِنْ بَعْضٍ فَإِذَا رَأَيْتُمُ الْهِلاَل نَهَارًا فَلاَ تُفْطِرُوا حَتَّى تُمْسُوا إِلاَّ أَنْ يَشْهَدَ رَجُلاَنِ مُسْلِمَانِ أَنَّهُمَا أَهَلاَّهُ بِالأَْمْسِ عَشِيَّةً (٢) .

وَعَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ نَاسًا رَأَوْا هِلاَل الْفِطْرِ نَهَارًا، فَأَتَمَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ صِيَامَهُ إِلَى اللَّيْل، وَقَال: لاَ، حَتَّى يُرَى مِنْ حَيْثُ يُرَى بِاللَّيْل (٣) .

_________

(١) الكاساني: بدائع الصنائع ٢ / ٨٢، وابن عابدين، ورسائل ابن عابدين ١ / ٢١٧ - ٢١٨

(٢) المدونة ١ / ١٧٤، وخرجه القرطبي في تفسيره الجامع لأحكام القرآن ٢ / ٣٠٢ (دار إحياء التراث العربي، بيروت) .

(٣) المدونة ١ / ١٧٤ - ١٧٥

وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: ". . . إِنَّمَا مَجْرَاهُ فِي السَّمَاءِ، وَلَعَلَّهُ أَبْيَنُ سَاعَتَئِذٍ، وَإِنَّمَا الْفِطْرُ مِنَ الْغَدِ فِي يَوْمِ يُرَى الْهِلاَل.

وَنُسِبَ هَذَا الرَّأْيُ إِلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ (١) .

وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا النَّقْل عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَيَكُونُ رِوَايَةً ثَانِيَةً عَنْهُ تُخَالِفُ مَا نُقِل عَنْهُ مِنَ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الرُّؤْيَةِ قَبْل الزَّوَال وَبَعْدَهُ.

وَقَدْ رَفَضَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ التَّفْرِيقَ فِي هِلاَل رَمَضَانَ وَشَوَّالٍ؛ لأَِنَّ الأَْصْل عِنْدَهُمَا أَنْ لاَ يُعْتَبَرَ فِي رُؤْيَةِ الْهِلاَل قَبْل الزَّوَال وَلاَ بَعْدَهُ، وَإِنَّمَا الْعِبْرَةُ لِرُؤْيَتِهِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ (٢) .

وَعَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ " مَنْ رَأَى هِلاَل شَوَّالٍ نَهَارًا فَلاَ يُفْطِرُ، وَيُتِمُّ صِيَامَ يَوْمِهِ ذَلِكَ، فَإِنَّمَا هُوَ هِلاَل اللَّيْلَةِ الَّتِي تَأْتِي (٣) ".

وَهُوَ فِي هَذَا النَّقْل عَنْهُ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الرُّؤْيَةِ قَبْل الزَّوَال وَبَعْدَهُ، وَاعْتَبَرَ الْهِلاَل الَّذِي رُئِيَ نَهَارًا لِلَّيْلَةِ الْقَادِمَةِ، وَذَهَبَ ابْنُ حَبِيبٍ إِلَى التَّفْرِيقِ، وَنَسَبَهُ إِلَى مَالِكٍ، قَال: " فَإِنْ رُئِيَ الْهِلاَل قَبْل

_________

(١) المدونة ١ / ١٧٥.

(٢) الكاساني: بدائع الصنائع ٢ / ٨٢، وابن عابدين: رسائل ابن عابدين ١ / ٢١٨ - ٢٢٠

(٣) الموطأ ١ / ٢٨٧، والمدونة ١ / ١٧٥.

الزَّوَال فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ فَيُمْسِكُونَ إِنْ وَقَعَ ذَلِكَ فِي شَعْبَانَ وَيُفْطِرُونَ إِنْ وَقَعَ فِي رَمَضَانَ وَيُصَلُّونَ الْعِيدَ، وَإِذَا رُئِيَ بَعْدَ الزَّوَال فَهُوَ لِلْقَادِمَةِ سَوَاءٌ أَصَلَّيْتَ الظُّهْرَ أَمْ لَمْ تُصَل (١) ".

وَقَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِنْ رُئِيَ الْهِلاَل بِالنَّهَارِ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ لِمَا رَوَى سُفْيَانُ بْنُ سَلَمَةَ قَال: أَتَانَا كِتَابُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ﵁ وَنَحْنُ بِخَانِقِينَ: إِنَّ الأَْهِلَّةَ بَعْضُهَا أَكْبَرُ مِنْ بَعْضٍ فَإِذَا رَأَيْتُمُ الْهِلاَل نَهَارًا فَلاَ تُفْطِرُوا حَتَّى يَشْهَدَ رَجُلاَنِ مُسْلِمَانِ أَنَّهُمَا رَأَيَاهُ بِالأَْمْسِ (٢) .

وَنَبَّهَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ الْهِلاَل لاَ يُرَى يَوْمَ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ قَبْل الزَّوَال؛ لأَِنَّهُ أَهَّل سَاعَتَئِذٍ، وَلأَِنَّ الشَّهْرَ لاَ يَكُونُ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ فَتَحَدَّدَ مَجَال رُؤْيَتِهِ فِي الْيَوْمِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ بَعْدَ الزَّوَال أَوْ فِي يَوْمِ ثَلاَثِينَ قَبْل الزَّوَال وَبَعْدَهُ، فَإِذَا رُئِيَ يَوْمَ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ بَعْدَ الزَّوَال وَلَمْ يُرَ لَيْلًا، فَالظَّاهِرُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ يَثْبُتُ بِالرُّؤْيَةِ النَّهَارِيَّةِ، وَعَارَضَ ذَلِكَ الشَّافِعِيَّةُ فَقَالُوا: لاَ يَكْفِي ذَلِكَ عَنْ رُؤْيَتِهِ لَيْلَةَ الثَّلاَثِينَ، وَأَنَّهُ لاَ أَثَرَ لِرُؤْيَتِهِ نَهَارًا.

وَأَمَّا رُؤْيَتُهُ نَهَارًا يَوْمَ ثَلاَثِينَ فَلاَ يُبْحَثُ مَعَهَا عَنْ رُؤْيَتِهِ لَيْلًا لإِكْمَال الْعِدَّةِ (٣) .

_________

(١) الحطاب: ومواهب الجليل ٢ / ٣٩٢.

(٢) أبو إسحاق الشيرازي: المهذب ١ / ١٧٩، والبهوتي: منصور بن يونس: كشاف القناع ٢ / ٢٧٢.

(٣) الحطاب: مواهب الجليل ٢ / ٣٩٢.