الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٢ -
أَنَّهُمْ مَنَعُوا مِنَ التِّجَارَةِ فِي الأَْثْمَانِ - أَيِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ - بِجِنْسِهَا لأَِنَّ ذَلِكَ يُفْسِدُ عَلَيْهِمْ مَقْصُودَ الأَْثْمَانِ، وَمَنَعُوا التِّجَارَةَ فِي الأَْقْوَاتِ - أَيِ الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالْمِلْحِ - بِجِنْسِهَا لأَِنَّ ذَلِكَ يُفْسِدُ عَلَيْهِمْ مَقْصُودَ الأَْقْوَاتِ (١) .
وَفَصَّل ابْنُ الْقَيِّمِ فَقَال: الصَّحِيحُ بَل الصَّوَابُ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي تَحْرِيمِ الرِّبَا فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ هِيَ الثَّمَنِيَّةُ، فَإِنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ أَثْمَانُ الْمَبِيعَاتِ، وَالثَّمَنُ هُوَ الْمِعْيَارُ الَّذِي يُعْرَفُ بِهِ تَقْوِيمُ الأَْمْوَال، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَحْدُودًا مَضْبُوطًا لاَ يَرْتَفِعُ وَلاَ يَنْخَفِضُ، إِذْ لَوْ كَانَ الثَّمَنُ يَرْتَفِعُ وَيَنْخَفِضُ كَالسِّلَعِ لَمْ يَكُنْ لَنَا ثَمَنٌ نَعْتَبِرُ بِهِ الْمَبِيعَاتِ، بَل الْجَمِيعُ سِلَعٌ، وَحَاجَةُ النَّاسِ إِلَى ثَمَنٍ يَعْتَبِرُونَ بِهِ الْمَبِيعَاتِ حَاجَةٌ ضَرُورِيَّةٌ عَامَّةٌ، وَذَلِكَ لاَ يُعْرَفُ إِلاَّ بِسِعْرٍ تُعْرَفُ بِهِ الْقِيمَةُ، وَذَلِكَ لاَ يَكُونُ إِلاَّ بِثَمَنٍ تُقَوَّمُ بِهِ الأَْشْيَاءُ وَيَسْتَمِرُّ عَلَى حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلاَ يُقَوَّمُ هُوَ بِغَيْرِهِ، إِذْ يَصِيرُ سِلْعَةً يَرْتَفِعُ وَيَنْخَفِضُ، فَتَفْسُدُ مُعَامَلاَتُ النَّاسِ وَيَقَعُ الْخُلْفُ وَيَشْتَدُّ الضَّرَرُ. . . فَالأَْثْمَانُ لاَ تُقْصَدُ لأَِعْيَانِهَا، بَل يُقْصَدُ التَّوَصُّل بِهَا إِلَى السِّلَعِ، فَإِذَا صَارَتْ فِي أَنْفُسِهَا سِلَعًا تُقْصَدُ لأَِعْيَانِهَا فَسَدَ أَمْرُ النَّاسِ.
وَأَضَافَ: وَأَمَّا الأَْصْنَافُ الأَْرْبَعَةُ الْمَطْعُومَةُ فَحَاجَةُ النَّاسِ إِلَيْهَا أَعْظَمُ مِنْ حَاجَتِهِمْ إِلَى
_________
(١) أعلام الموقعين ٢ / ١٥٩