الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٢
الرؤية من الجم الغفير الذين تحصل بهم الاستفاضة
ثالثا إثبات الأهلة بالحساب الفلكي
آراء القائلين بعدم إثبات الأهلة بالحساب وأدلتهم
الأدعية المأثورة عند رؤية الهلال
الرائحة الطيبة والرائحة الكريهة في المساجد
منع الزوجة من أكل ما يتأذى الزوج من رائحته
انقراض الخلاف في ربا الفضل ودعوى الإجماع على تحريمه
الأحاديث الدالة على تحريم ربا الفضل
الأجناس التي نص على تحريم الربا فيها
علة تحريم الربا في الأجناس المنصوص عليها
بيع العين بالتبر، والمصنوع بغيره
صلاة الجمعة والعيدين في الأرباض باعتبارها خارج البلد
الربض بالمعنى الثاني (مأوى الغنم)
أثر موت الزوجة في تحريم الربيبة
تحريم بنات الربيبة وبنات أبنائها
إجبار الرتقاء على مداواة رتقها
الطرق الموصلة إلى معرفة الراجح من الأدلة
النوع الثالث ما يتعلق بالترجيح بأمر خارج وقد أثبته غير الحنفية
تزين المطلقة الرجعية وتشوفها لزوجها
و- كون الرجل إماما في الصلاة دون المرأة
اختصاص الشهادة في غير الأموال بالرجال دون النساء
أولا الرجوع في الأقوال والتصرفات
٧ - الرجوع بسبب الأداء ووجود الإذن
رجوع من جاوز الميقات المكاني للحج دون إحرام
تحويل الرداء في دعاء الاستسقاء
إخراج الرديء عن الجيد في الزكاة
ذكر الجودة والرداءة في الحوالة
مسئولية المرتد عن جناياته قبل الردة
تأثير الردة على الصلاة والصوم والزكاة
وفيما يلي بعض الأحكام المتصلة بالرزق
وظائف الإمام في القسمة على أهل الجهاد من المرتزقة
مسح اليدين إلى الرسغين في التيمم
حكم من سب رسولا من الرسل عليهم الصلاة والسلام
دفع المال إلى الحر البالغ العاقل غير الرشيد
قسم الحنفية الرشوة إلى أربعة أقسام منها
ثبوت الأبوة ولو بعد الطلاق أو الموت
المحرمات بالمصاهرة المتعلقة بالرضاع
قبول شهادة أمي الزوجين بالرضاع
سقي الراعي من لبن الغنم التي يرعاها
الأولى الإحرام بالحج قبل البدء بطواف العمرة
الصورة الثانية الإحرام بالحج بعد تمام طواف العمرة
الثالثة الإحرام بالحج بعد أن طاف أقل أشواط العمرة
ينقسم الحرج من حيث الجملة إلى قسمين
قواعد الأدلة الأصولية والقواعد الفقهية المراعى فيها رفع الحرج
الرفق بالغير وتجنب إيذائه في مواطن الازدحام للعبادة
جواز السفر في يوم الجمعة خشية فوات الرفقة
تراجم فقهاء الجزء الثاني والعشرين
أبو بكر الفارسي (توفى في حدود ٣٥٠ هـ) .
أبو سعيد المقبري (؟ - ١٠٠ هـ) .
أبو القاسم الأنماطي (؟ - ٢٨٨ هـ) .
أيوب السختياني (٦٦ - ١٣١ هـ) .
الشريف أبو جعفر (٤١١ - ٤٧٠ هـ)
محمد بن عبد الحكم (١٨٢ - ٢٦٨ هـ)
رَأْسٌ
التَّعْرِيفُ:
١ - الرَّأْسُ مُفْرَدٌ، وَجَمْعُ الْقِلَّةِ فِيهِ: أَرْؤُسٌ، وَجَمْعُ الْكَثْرَةِ رُءُوسٌ.
وَهُوَ فِي اللُّغَةِ: أَعْلَى كُل شَيْءٍ، وَيُطْلَقُ مَجَازًا عَلَى سَيِّدِ الْقَوْمِ، وَعَلَى الْقَوْمِ إِذَا كَثُرُوا وَعَزُّوا. وَرَأْسُ الْمَال: أَصْلُهُ (١) .
وَالاِصْطِلاَحُ الشَّرْعِيُّ لاَ يَخْرُجُ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالرَّأْسِ:
٢ - تَخْتَلِفُ الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالرَّأْسِ بِاخْتِلاَفِ مَوْضُوعِ الْحُكْمِ.
فَفِي الْوُضُوءِ يَجِبُ الْمَسْحُ بِالرَّأْسِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ. وَأَمَّا مِقْدَارُ مَا يُمْسَحُ فَفِيهِ خِلاَفٌ وَتَفْصِيلٌ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي مُصْطَلَحِ: (وُضُوءٌ) .
وَفِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُل الْمُحْرِمِ تَغْطِيَةُ الرَّأْسِ أَوْ جُزْءٍ مِنْهُ، وَتَجِبُ الْفِدْيَةُ فِيهِ. وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (إِحْرَامٌ) .
وَفِي الْجِنَايَةِ عَلَى الرَّأْسِ قِصَاصٌ، أَوْ دِيَةٌ، أَوْ
_________
(١) تاج العروس، متن اللغة.
أَرْشٌ. وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (جِنَايَةٌ، دِيَةٌ، أَرْشٌ) .
كَشْفُ الرَّأْسِ فِي الصَّلاَةِ:
٣ - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي اسْتِحْبَابِ سَتْرِ الرَّأْسِ فِي الصَّلاَةِ لِلرَّجُل، بِعِمَامَةٍ وَمَا فِي مَعْنَاهَا، لأَِنَّهُ ﷺ كَانَ كَذَلِكَ يُصَلِّي (١) .
أَمَّا الْمَرْأَةُ فَيَجِبُ عَلَيْهَا سَتْرُ رَأْسِهَا فِي الصَّلاَةِ. وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحَيْ: (صَلاَةٌ وَعَوْرَةٌ) .
سَتْرُ الرَّأْسِ عِنْدَ دُخُول الْخَلاَءِ:
٣ - يُسْتَحَبُّ أَنْ لاَ يَدْخُل الْخَلاَءَ حَاسِرَ الرَّأْسِ (٢)، لِخَبَرِ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ إِذَا دَخَل الْخَلاَءَ لَبِسَ حِذَاءَهُ، وَغَطَّى رَأْسَهُ (٣) .
ضَرْبُ الرَّأْسِ فِي الْحَدِّ، وَالتَّأْدِيبِ:
٤ - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُضْرَبُ رَأْسُ الْمَجْلُودِ لِلْحَدِّ أَوِ التَّعْزِيرِ؛ لأَِنَّهُ مِنَ الْمَقَاتِل، وَرُبَّمَا
_________
(١) حديث: " أن النبي ﷺ كان يصلي بالعمامة " ذكره صاحب كشاف القناع (١ / ٢٦٧ - ط عالم الكتب) نقلًا عن المجد ابن تيمية في شرحه. وانظر: فتح القدير ١ / ٢٩٧، وكشاف القناع ١ / ٢٦٦ - ٢٦٧، وأسنى المطالب ١ / ١٧٨، وروضة الطالبين ١ / ٢٨٨.
(٢) روضة الطالبين ١ / ٦٦، وكشاف القناع ١ / ٥٩، ابن عابدين ١ / ٢٣٠.
(٣) حديث: " أن النبي ﷺ كان إذا دخل الخلاء. . . " ذكره صاحب كشاف القناع ١ / ٥٩ - ط عالم الكتب) وعزاه إلى ابن سعد من حديث حبيب بن صالح مرسلًا.
يُفْضِي ضَرْبُهُ إِلَى ذَهَابِ سَمْعِهِ، وَبَصَرِهِ، وَعَقْلِهِ، أَوْ قَتْلِهِ، وَالْمَقْصُودُ تَأْدِيبُهُ لاَ قَتْلُهُ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ ﵁ أَنَّهُ قَال لِلْجَلاَّدِ: اتَّقِ الْوَجْهَ، وَالرَّأْسَ.
وَقَال أَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: إِنَّهُ يُضْرَبُ الرَّأْسُ فِي الْحَدِّ وَالتَّعْزِيرِ؛ لأَِنَّهُ لاَ يُخَافُ التَّلَفُ بِسَوْطٍ أَوْ سَوْطَيْنِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ ﵁ أَنَّهُ قَال: اضْرِبُوا الرَّأْسَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ فِيهِ، وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ (١) .
الْيَمِينُ عَلَى أَكْل الرُّءُوسِ:
٥ - إِذَا حَلَفَ لاَ يَأْكُل رَأْسًا وَأَطْلَقَ، حُمِل عَلَى رُءُوسِ الأَْنْعَامِ، وَهِيَ الْغَنَمُ، وَالإِْبِل، وَالْبَقَرُ؛ لأَِنَّهَا هِيَ الَّتِي تُبَاعُ وَتُشْتَرَى فِي السُّوقِ مُنْفَرِدَةً، وَهِيَ الْمُتَعَارَفَةُ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى الصَّحِيحِ عِنْدَهُمْ، وَأَبُو حَنِيفَةَ. وَقَال الصَّاحِبَانِ: يُحْمَل عَلَى رَأْسِ الْغَنَمِ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، أَمَّا إِنْ عَمَّمَ أَوْ خَصَّصَ فَإِنَّهُ يُتَّبَعُ، وَإِنْ قَصَدَ مَا يُسَمَّى رَأْسًا حَنِثَ بِالْكُل (٢) .
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مَبَاحِثِ الأَْيْمَانِ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ.
أَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِشَعْرِ الرَّأْسِ مِنَ الأَْحْكَامِ فَيُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (شَعْرٌ) .
_________
(١) الاختيار ٤ / ٨٥، ومغني المحتاج ٤ / ١٩٠، والمغني ٨ / ٣١٤، ومواهب الجليل ٦ / ٣١٨.
(٢) مغني المحتاج ٤ / ٣٣٥، والاختيار ٤ / ٦٤، وابن عابدين ٣ / ٩١، وأسنى المطالب ٤ / ٢٥٥.
رَأْسُ الْمَال
التَّعْرِيفُ:
١ - رَأْسُ الْمَال فِي اللُّغَةِ: أَصْل الْمَال بِلاَ رِبْحٍ وَلاَ زِيَادَةٍ، وَهُوَ جُمْلَةُ الْمَال الَّتِي تُسْتَثْمَرُ فِي عَمَلٍ مَا (١) . قَال اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ﴾ (٢) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ لاَ يَخْرُجُ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
مَوَاطِنُ الْبَحْثِ:
٢ - يُذْكَرُ هَذَا الْمُصْطَلَحُ فِي: الزَّكَاةِ، وَالشَّرِكَةِ، وَالْمُضَارَبَةِ، وَالسَّلَمِ، وَالرِّبَا، وَالْقَرْضِ، وَبُيُوعِ الأَْمَانَاتِ، وَالْمُرَابَحَةِ، وَالتَّوْلِيَةِ، وَالْحَطِيطَةِ. وَيُرْجَعُ إِلَى الأَْحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهَذَا الْمُصْطَلَحِ فِي مَظَانِّهَا الْمَذْكُورَةِ.
_________
(١) لسان العرب، وتاج العروس، والمعجم الوسيط.
(٢) سورة البقرة / ٢٧٩.
رُؤْيَا
التَّعْرِيفُ:
١ - الرُّؤْيَا عَلَى وَزْنِ فُعْلَى مَا يَرَاهُ الإِْنْسَانُ فِي مَنَامِهِ، وَهُوَ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ لأَِلِفِ التَّأْنِيثِ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ، وَتُجْمَعُ عَلَى رُؤًى.
وَأَمَّا الرُّؤْيَةُ بِالْهَاءِ فَهِيَ رُؤْيَةُ الْعَيْنِ وَمُعَايَنَتُهَا لِلشَّيْءِ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ، وَتَأْتِي أَيْضًا بِمَعْنَى الْعِلْمِ كَمَا فِي الصِّحَاحِ وَاللِّسَانِ، فَإِنْ كَانَتْ بِمَعْنَى النَّظَرِ بِالْعَيْنِ فَإِنَّهَا تَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ كَانَتْ بِمَعْنَى الْعِلْمِ فَإِنَّهَا تَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ (١) .
وَالرُّؤْيَا فِي الاِصْطِلاَحِ لاَ تَخْرُجُ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الإِْلْهَامُ:
٢ - الإِْلْهَامُ فِي اللُّغَةِ: تَلْقِينُ اللَّهِ ﷾ الْخَيْرَ لِعَبْدِهِ، أَوْ إِلْقَاؤُهُ فِي رُوعِهِ (٢) .
_________
(١) المصباح، والقاموس مادة: (روى)، الصحاح واللسان، مادة: (رأى)، والكليات ٢ / ٣٨٤ ط - دمشق.
(٢) القاموس، واللسان، والصحاح، مادة: (لهم) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: إِيقَاعُ شَيْءٍ يَطْمَئِنُّ لَهُ الصَّدْرُ يَخُصُّ بِهِ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بَعْضَ أَصْفِيَائِهِ (١) .
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (إِلْهَامٌ) .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الرُّؤْيَا وَالإِْلْهَامِ أَنَّ الإِْلْهَامَ يَكُونُ فِي الْيَقَظَةِ، بِخِلاَفِ الرُّؤْيَا فَإِنَّهَا لاَ تَكُونُ إِلاَّ فِي النَّوْمِ.
ب - الْحُلُمُ:
٣ - الْحُلُمُ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ اللاَّمِ وَقَدْ تُسَكَّنُ تَخْفِيفًا هُوَ الرُّؤْيَا، أَوْ هُوَ اسْمٌ لِلاِحْتِلاَمِ وَهُوَ الْجِمَاعُ فِي النَّوْمِ (٢) . وَالْحُلُمُ وَالرُّؤْيَا وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا يَحْدُثُ فِي النَّوْمِ إِلاَّ أَنَّ الرُّؤْيَا اسْمٌ لِلْمَحْبُوبِ فَلِذَلِكَ تُضَافُ إِلَى اللَّهِ ﷾، وَالْحُلُمُ اسْمٌ لِلْمَكْرُوهِ فَيُضَافُ إِلَى الشَّيْطَانِ لِقَوْلِهِ ﷺ: الرُّؤْيَا مِنَ اللَّهِ، وَالْحُلُمُ مِنَ الشَّيْطَانِ (٣)، وَقَال عِيسَى بْنُ دِينَارٍ: الرُّؤْيَا رُؤْيَةُ مَا يُتَأَوَّل عَلَى الْخَيْرِ وَالأَْمْرِ الَّذِي يُسَرُّ بِهِ، وَالْحُلُمُ هُوَ الأَْمْرُ الْفَظِيعُ الْمَجْهُول يُرِيهِ الشَّيْطَانُ لِلْمُؤْمِنِ لِيُحْزِنَهُ وَلِيُكَدِّرَ عَيْشَهُ (٤) .
_________
(١) كشاف اصطلاحات الفنون.
(٢) القاموس المحيط، مادة: (حلم)، صحيح مسلم بشرح النووي ١٥ / ١٦ ط - المصرية، تفسير القرطبي ٩ / ١٢٤ ط - المصرية.
(٣) حديث: " الرؤيا من الله والحلم من الشيطان " أخرجه البخاري الفتح (١٢ / ٣٦٩ - ط السلفية)، ومسلم (٤ / ١٧٧١ - ط الحلبي)، من حديث أبي قتادة، وعند البخاري: " الرؤيا الصادقة ".
(٤) المنتقى ٧ / ٢٧٧ ط - العربي.
ج - الْخَاطِرُ:
٤ - الْخَاطِرُ هُوَ الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ مَرَاتِبِ حَدِيثِ النَّفْسِ، وَمَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ مَا يَخْطِرُ فِي الْقَلْبِ مِنْ تَدْبِيرِ أَمْرٍ، وَفِي الاِصْطِلاَحِ مَا يَرِدُ عَلَى الْقَلْبِ مِنَ الْخِطَابِ أَوِ الْوَارِدُ الَّذِي لاَ عَمَل لِلْعَبْدِ فِيهِ، وَالْخَاطِرُ غَالِبًا يَكُونُ فِي الْيَقَظَةِ بِخِلاَفِ الرُّؤْيَا (١) .
د - الْوَحْيُ:
٥ - مِنْ مَعَانِيهِ فِي اللُّغَةِ كَمَا قَال ابْنُ فَارِسٍ الإِْشَارَةُ وَالرِّسَالَةُ وَالْكِتَابَةُ وَكُل مَا أَلْقَيْتَهُ إِلَى غَيْرِك لِيَعْلَمَهُ، وَهُوَ مَصْدَرُ وَحَى إِلَيْهِ يَحِي مِنْ بَابِ وَعَدَ، وَأَوْحَى إِلَيْهِ بِالأَْلِفِ مِثْلُهُ، ثُمَّ غَلَبَ اسْتِعْمَال الْوَحْيِ فِيمَا يُلْقَى إِلَى الأَْنْبِيَاءِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى (٢) . فَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرُّؤْيَا وَاضِحٌ، وَرُؤْيَا الأَْنْبِيَاءِ وَحْيٌ، وَفِي الْحَدِيثِ: أَوَّل مَا بُدِئَ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ مِنَ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ (٣) .
الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ وَمَنْزِلَتُهَا:
٦ - الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ حَالَةٌ شَرِيفَةٌ وَمَنْزِلَةٌ رَفِيعَةٌ كَمَا
_________
(١) المصباح مادة: (مطر)، والمنثور للزركشي ٢ / ٣٣ ط - الأولى، والتعريفات للجرجاني / ١٢٩ ط - العربي، والكليات ٢ / ٣٠٩ ط - دمشق.
(٢) المصباح مادة: (وحي) .
(٣) حديث: " أول ما بدئ به النبي ﷺ من الوحي الرؤيا الصادقة " أخرجه البخاري (الفتح ١ / ٢٢ - ط السلفية) من حديث عائشة.
ذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ، قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إِلاَّ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ الصَّالِحُ أَوْ تُرَى لَهُ (١) . وَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْل مِصْرَ سَأَل أَبَا الدَّرْدَاءِ ﵁ عَنْ قَوْله تَعَالَى: ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ (٢) قَال: مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ مُنْذُ سَأَلْتُ رَسُول اللَّهِ ﷺ عَنْهَا، فَقَال: مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ غَيْرُك مُنْذُ أُنْزِلَتْ، هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَى لَهُ (٣) .
وَقَدْ حَكَمَ رَسُول اللَّهِ ﷺ أَنَّ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةَ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ (٤) وَرُوِيَ غَيْرَ ذَلِكَ.
وَالْمُرَادُ بِالرُّؤْيَا الصَّالِحَةِ غَالِبُ رُؤَى الصَّالِحِينَ
_________
(١) حديث: " لم يبق من مبشرات النبوة. . . . " أخرجه مسلم (١ / ٣٤٨ - ط الحلبي) من حديث ابن عباس.
(٢) سورة يونس / ٦٤.
(٣) حديث أبي الدرداء: ما سألني عنها أحد غيرك. أخرجه الترمذي (٥ / ٢٨٦ - ٢٨٧ - ط الحلبي)، وفي إسناده جهالة، ولكن له شاهد من حديث عبادة بن الصامت، أخرجه أحمد (٥ / ٣١٥ - ط الميمنية) وآخر من حديث أبي هريرة أخرجه الطبري في تفسيره (١٥ / ١٣١ - ط المعارف) يتقوى به.
(٤) فتح الباري ١٢ / ٣٦٢ - ٣٦٣ ط الرياض، صحيح مسلم بشرح النووي ١٥ / ٢٠ - ٢١ ط المصرية، تحفة الأحوذي ٦ / ٥٤٩ ط. الفجالة، وتفسير القرطبي ٩ / ١٢٢ - ١٢٣ ط المصرية. وحديث: " الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة " أخرجه البخاري (الفتح ١٢ / ٣٧٣ - ط السلفية) من حديث أبي سعيد الخدري.
كَمَا قَال الْمُهَلَّبُ، وَإِلاَّ فَالصَّالِحُ قَدْ يَرَى الأَْضْغَاثَ وَلَكِنَّهُ نَادِرٌ لِقِلَّةِ تَمَكُّنِ الشَّيْطَانِ مِنْهُمْ، بِخِلاَفِ عَكْسِهِمْ، فَإِنَّ الصِّدْقَ فِيهَا نَادِرٌ لِغَلَبَةِ تَسَلُّطِ الشَّيْطَانِ عَلَيْهِمْ، فَالنَّاسُ عَلَى هَذَا ثَلاَثُ دَرَجَاتٍ.
- الأَْنْبِيَاءُ وَرُؤَاهُمْ كُلُّهَا صِدْقٌ، وَقَدْ يَقَعُ فِيهَا مَا يَحْتَاجُ إِلَى تَعْبِيرٍ.
- وَالصَّالِحُونَ وَالأَْغْلَبُ عَلَى رُؤَاهُمُ الصِّدْقُ، وَقَدْ يَقَعُ فِيهَا مَا لاَ يَحْتَاجُ إِلَى تَعْبِيرٍ.
- وَمَنْ عَدَاهُمْ وَقَدْ يَقَعُ فِي رُؤَاهُمُ الصِّدْقُ وَالأَْضْغَاثُ.
وَقَال الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْعَرَبِيُّ: إِنَّ رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ الصَّالِحِ هِيَ الَّتِي تُنْسَبُ إِلَى أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ لِصَلاَحِهَا وَاسْتِقَامَتِهَا، بِخِلاَفِ رُؤْيَا الْفَاسِقِ فَإِنَّهَا لاَ تُعَدُّ مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ، وَقِيل تُعَدُّ مِنْ أَقْصَى الأَْجْزَاءِ، وَأَمَّا رُؤْيَا الْكَافِرِ فَلاَ تُعَدُّ أَصْلًا. وَقَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ مَا قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ مِنْ أَنَّ الْمُسْلِمَ الصَّادِقَ الصَّالِحَ هُوَ الَّذِي يُنَاسِبُ حَالُهُ حَال الأَْنْبِيَاءِ فَأُكْرِمَ بِنَوْعٍ مِمَّا أُكْرِمَ بِهِ الأَْنْبِيَاءُ وَهُوَ الاِطِّلاَعُ عَلَى الْغَيْبِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْفَاسِقُ وَالْمُخَلِّطُ فَلاَ، وَلَوْ صَدَقَتْ رُؤْيَاهُمْ أَحْيَانًا فَذَاكَ كَمَا قَدْ يَصْدُقُ الْكَذُوبُ، وَلَيْسَ كُل مَنْ حَدَّثَ عَنْ غَيْبٍ يَكُونُ خَبَرُهُ مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ كَالْكَاهِنِ وَالْمُنَجِّمِ (١) .
_________
(١) فتح الباري (١٢ / ٣٦٢ - ٣٩١ ط - الرياض، وصحيح مسلم بشرح النووي ١٥ / ٢٠ - ٢١ ط المصرية، وتفسير القرطبي ٩ / ١٢٤ ط الأولى.
هَذَا، وَقَدِ اسْتُشْكِل كَوْنُ الرُّؤْيَا جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ مَعَ أَنَّ النُّبُوَّةَ انْقَطَعَتْ بِمَوْتِ النَّبِيِّ ﷺ كَمَا ذَكَرَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فَقِيل فِي الْجَوَابِ: إِنْ وَقَعَتِ الرُّؤْيَا مِنَ النَّبِيِّ ﷺ فَهِيَ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ حَقِيقَةً، وَإِنْ وَقَعَتْ مِنْ غَيْرِ النَّبِيِّ فَهِيَ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ عَلَى سَبِيل الْمَجَازِ. وَقَال الْخَطَّابِيُّ: قِيل مَعْنَاهُ: أَنَّ الرُّؤْيَا تَجِيءُ عَلَى مُوَافَقَةِ النُّبُوَّةِ لاَ أَنَّهَا جُزْءٌ بَاقٍ مِنَ النُّبُوَّةِ، وَقِيل الْمَعْنَى: إِنَّهَا جُزْءٌ مِنْ عِلْمِ النُّبُوَّةِ؛ لأَِنَّ النُّبُوَّةَ وَإِنِ انْقَطَعَتْ فَعِلْمُهَا بَاقٍ (١) .
رُؤْيَا اللَّهِ ﷾ فِي الْمَنَامِ:
٧ - اخْتُلِفَ فِي جَوَازِ رُؤْيَتِهِ ﷾ فِي الْمَنَامِ فَقِيل: لاَ تَقَعُ، لأَِنَّ الْمَرْئِيَّ فِيهِ خَيَالٌ وَمِثَالٌ، وَذَلِكَ عَلَى الْقَدِيمِ مُحَالٌ، وَقِيل: تَقَعُ لأَِنَّهُ لاَ اسْتِحَالَةَ لِذَلِكَ فِي الْمَنَامِ (٢) .
رُؤْيَا النَّبِيِّ ﷺ فِي الْمَنَامِ:
٨ - ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ التَّعْبِيرِ مِنْ صَحِيحِهِ بَابًا بِعِنْوَانِ مَنْ رَأَى النَّبِيَّ ﷺ فِي الْمَنَامِ وَذَكَرَ فِيهِ خَمْسَةَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: مَا رَوَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ أَنَّهُ قَال: " سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ
_________
(١) فتح الباري ١٢ / ٣٦٣، ٣٦٤
(٢) الفروق ٤ / ٤٤٦، وتهذيب الفروق ٤ / ٢٧١، وفتح الباري ١٢ / ٣٨٧.