الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٠ الصفحة 32

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٠

الدَّرُّ وَالنَّسْل (١) . وَلأَِصْحَابِ الْمَذَاهِبِ تَفْصِيلٌ فِي ضَبْطِ الْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ، فَالْمَالِكِيَّةُ يَرَوْنَ أَنَّهُ مَا فِيهِ غَرَضٌ لِلْعَاقِدِ سَوَاءٌ كَانَ فِيهِ مَالِيَّةٌ أَمْ لاَ، لأَِنَّ الْغَرَضَ أَعَمُّ مِنَ الْمَالِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةُ يَرَوْنَ أَنَّهُ مَا فِيهِ مَالِيَّةٌ لاِخْتِلاَفِ الْقِيَمِ بِوُجُودِهِ وَعَدَمِهِ، وَأَوْجَزَهُ ابْنُ حَجَرٍ بِقَوْلِهِ: الَّذِي يَدُل عَلَيْهِ كَلاَمُهُمْ: أَنَّهُ كُل وَصْفٍ مَقْصُودٍ مُنْضَبِطٍ فِيهِ مَالِيَّةٌ. وَذَكَرَ السُّبْكِيُّ تَقْسِيمَ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ وَالرَّافِعِيِّ الصِّفَاتِ الْمَشْرُوطَةَ إِلَى ثَلاَثَةٍ:

١ - أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهَا زِيَادَةٌ مَالِيَّةٌ يَصِحُّ الْتِزَامُهَا وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ بِتَخَلُّفِهَا.

٢ - أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهَا غَرَضٌ صَحِيحٌ غَيْرُ الْمَال وَتَخَلُّفُهَا يُثْبِتُ الْخِيَارَ عَلَى خِلاَفٍ.

٣ - أَنْ لاَ يَتَعَلَّقَ بِهَا مَالِيَّةٌ وَلاَ غَرَضٌ مَقْصُودٌ، وَاشْتِرَاطُهَا لَغْوٌ لاَ خِيَارَ بِفَقْدِهِ، ثُمَّ اسْتُحْسِنَ مِنَ النَّوَوِيِّ جَعْلُهَا قِسْمَيْنِ بِالاِقْتِصَارِ عَلَى الْغَرَضِ الْمَقْصُودِ أَوْ عَدَمِهِ (٢) .

_________

(١) العناية وفتح القدير ٥ / ١٣٦، وقد فصّل ابن الهمام وغيره مسألة اشتراط الحمل في الأمة المبيعة. المجموع ٩ / ٣٢٤، المغني ٤ / ١٣٩، مغني المحتاج ٢ / ٣٤، الفتاوى الكبرى لابن حجر ٢ / ١٣٩.

(٢) البدائع ٥ / ١٧٢، الدسوقي على الشرح الكبير ٣ / ١٠٨، الفتاوى الكبرى لابن حجر ٢ / ١٣٩، تكملة المجموع ١٢ / ٣٦٥ وفي ١٢ / ٣٦٦: الأجود اعتبار قوة الغرض وضعفه دون اعتبار المالية، والغرض قد يتعلق بصفة ولا يقوم غيرها مقامها وإن كان أفضل منها من جهة أخرى.

٥ - أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُشْتَرِي الْوَصْفَ الْمَرْغُوبَ، وَيُوَافِقَ عَلَى ذَلِكَ الْبَائِعُ فِي الْعَقْدِ، فَلاَ يُعْتَبَرُ حَال الْمُشْتَرِي قَرِينَةً كَافِيَةً عَنِ الاِشْتِرَاطِ.

وَذَلِكَ لأَِنَّ هَذَا الْوَصْفَ يَسْتَحِقُّ فِي الْعَقْدِ بِالشَّرْطِ - لاَ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ - فَلَوْلاَهُ لَمَا اسْتُحِقَّ (١) .

عَلَى أَنَّهُ تُعْتَبَرُ حَال الْمُشْتَرِي فِي تَفْسِيرِ الْوَصْفِ فِيمَا إِذَا حَصَل اشْتِرَاطُهُ بِصُورَةٍ مُقْتَضِبَةٍ. وَكَذَلِكَ يُؤْخَذُ حَال الْمُشْتَرِي بِالاِعْتِبَارِ فِي الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ الْمَوْجُودِ فِي الْبَيْعِ، هَل هُوَ أَفْضَل مِنَ الْوَصْفِ الْمَشْرُوطِ فَيَسْقُطُ خِيَارُهُ أَمْ دُونَهُ. وَلَوِ اشْتَرَى كَلْبًا مَعْرُوفًا بِأَنَّهُ صَائِدٌ ثُمَّ تَبَيَّنَ نِسْيَانُهُ، يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي خِيَارُ الْوَصْفِ وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ صَرَاحَةً، كَكَوْنِ الْكَلْبِ صَائِدًا، لأَِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ رَغْبَةً فِي هَذِهِ الصِّفَةِ، فَصَارَتْ مَشْرُوطَةً دَلاَلَةً (٢) .

وَفِي مَنْزِلَةِ الشَّرْطِ الصَّادِرِ مِنَ الْمُشْتَرِي مَا يَصْدُرُ مِنَ الْبَائِعِ مِنَ الْمُنَادَاةِ عَلَى السِّلْعَةِ حَال الْبَيْعِ أَنَّهَا كَذَا وَكَذَا، فَتُرَدُّ بِعَدَمِ هَذَا الْوَصْفِ.

قَال الدُّسُوقِيُّ: وَلاَ يُعَدُّ مَا يَقَعُ فِي الْمُنَادَاةِ مِنْ تَلْفِيقِ السِّمْسَارِ حَيْثُ كَانَتْ الْعَادَةُ أَنَّهُمْ يُلَفِّقُونَ مِثْل ذَلِكَ، فَلاَ رَدَّ عِنْدَ عَدَمِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُنَادَاةِ

_________

(١) العناية وفتح القدير ٥ / ١٣٦.

(٢) فتح القدير ٥ / ١٣٧.

عَلَى الظَّاهِرِ لِدُخُول الْمُشْتَرِي عَلَى عَدَمِ ذَلِكَ (١) .

شَرَائِطُ تَخَلُّفِ الْوَصْفِ (أَوْ فَوَاتِهِ):

٧ - يُشْتَرَطُ فِي تَخَلُّفِ الْوَصْفِ (لِبَقَاءِ الْعَقْدِ صَحِيحًا وَاسْتِلْزَامِهِ الْخِيَارَ):

١ - أَنْ يَكُونَ التَّخَلُّفُ دَاخِلًا تَحْتَ جِنْسِ الْمَبِيعِ، أَمَّا لَوِ اشْتَرَطَ أَنَّ الثَّوْبَ قُطْنٌ فَإِذَا هُوَ كَتَّانٌ فَالْعَقْدُ غَيْرُ صَحِيحٍ لاِخْتِلاَفِ الْجِنْسِ. وَلَمَّا كَانَ فَوَاتُ الْوَصْفِ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى اخْتِلاَفِ حَال الْمَبِيعِ عَنِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ غَامِضًا، وَضَعَ الْفُقَهَاءُ لَهُ ضَابِطًا يُرَاعَى لإِعْطَاءِ كُل حَالَةٍ حُكْمَهَا الْمُنَاسِبَ مِنْ بَيْنِ الأَْحْكَامِ التَّالِيَةِ: الْفَسَادِ، الصِّحَّةِ وَثُبُوتِ الْخِيَارِ، الصِّحَّةِ دُونَ خِيَارٍ (٢) .

وَالضَّابِطُ هُوَ فُحْشُ التَّفَاوُتِ فِي الأَْغْرَاضِ وَعَدَمُهُ وَذَلِكَ بِأَنْ يُقَارِنَ الْمَبِيعَ بِالْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ وَيَرَى مَدَى الاِخْتِلاَفِ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ مِنْ جِنْسِ الْمُسَمَّى وَالاِخْتِلاَفُ فِي النَّوْعِ فَحَسْبُ، فَفِيهِ الْخِيَارُ، أَمَّا إِنْ كَانَ التَّفَاوُتُ فِي الْجِنْسِ فَحُكْمُهُ الْفَسَادُ.

وَلِهَذَا تَفْصِيلٌ جَيِّدٌ أَوْرَدَهُ ابْنُ الْهُمَامِ (٣)، وَهُوَ مِثَالٌ يُحْتَذَى لِلتَّمْيِيزِ فِي غَيْرِ الذَّوَاتِ الَّتِي اتَّخَذَهَا

_________

(١) الدسوقي على الشرح الكبير ٣ / ١٠٨.

(٢) فتح القدير ٥ / ١٣٧.

(٣) فتح القدير ٥ / ١٣٧.

مَوْضُوعًا لِلتَّوْضِيحِ، فَقَدْ ذَكَرَ أَنَّ ضَابِطَ اخْتِلاَفِ الْمَوْجُودِ عَنِ الْمَشْرُوطِ هُوَ إِنْ كَانَ الْمَبِيعُ مِنْ جِنْسِ الْمُسَمَّى فَفِيهِ الْخِيَارُ (١) وَذَكَرَ أَنَّ مَا فَحُشَ التَّفَاوُتُ بَيْنَ أَغْرَاضِهِ فَهُوَ أَجْنَاسٌ، وَمَا لَمْ يَفْحُشُ فَهُوَ جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَأَوْرَدَ فِيمَا يُعْتَبَرُ مِنَ الثِّيَابِ أَجْنَاسًا كَالْكَتَّانِ، وَالْقُطْنِ. وَأَنَّ الذَّكَرَ مَعَ الأُْنْثَى.

وَأَمَّا اخْتِلاَفُ النَّوْعِ دُونَ الْجِنْسِ فَمِنْ أَمْثِلَتِهِ: شِرَاءُ لَحْمٍ عَلَى أَنَّهُ لَحْمُ مَعْزٍ فَإِذَا هُوَ لَحْمُ ضَأْنٍ، وَعَكْسُهُ (٢) .

حَدُّ الْفَوَاتِ:

٨ - إِذَا وَجَدَ الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ بَعْدَ قَبْضِهِ أَدْنَى مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْوَصْفِ الْمُشْتَرَطِ فَلاَ يَكُونُ لَهُ حَقُّ الرَّدِّ، أَمَّا إِنْ لَمْ يَجِدَ الْوَصْفَ أَصْلًا أَوْ وَجَدَ مِنْهُ شَيْئًا يَسِيرًا نَاقِصًا بِحَيْثُ لاَ يَنْطَلِقُ الاِسْمُ عَلَيْهِ فَلَهُ حَقُّ الرَّدِّ.

وَمِثَالُهُ أَنْ يَشْتَرِطَ فِي شِرَاءِ الْكَلْبِ أَنْ يَكُونَ كَلْبًا صَائِدًا، فَوَصْفُ الصَّيْدِ لَهُ مَفْهُومٌ وَهُوَ الاِسْتِجَابَةُ لِلدَّعْوَةِ إِلَى الاِنْقِضَاضِ عَلَى الصَّيْدِ. وَالاِئْتِمَارُ بِأَمْرِ مُرْسِلِهِ بِحَيْثُ يَرْجِعُ إِنِ اسْتَدْعَاهُ أَوْ

_________

(١) ونحوه ضابط الشافعية بالجنس وتعليلهم عدم الصحة في بعض الصور بأن العقد وقع على جنس فلا ينعقد على جنس آخر (تكملة المجموع ١٢ / ٣٣٤) .

(٢) فتح القدير ٥ / ١٣٧، تكملة المجموع ١٢ / ٣٧١.

يَنْطَلِقُ إِنْ أَغْرَاهُ، فَمَتَى وُجِدَ هَذَا الْوَصْفُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بِالصُّورَةِ الْمُثْلَى الَّتِي يَنْدُرُ مَعَهَا إِفْلاَتُ الْفَرِيسَةِ مِنْهُ، لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقُّ الرَّدِّ. أَمَّا إِذَا كَانَ لاَ يَصِيدُ أَصْلًا، أَوْ يَصِيدُ بِصُورَةٍ نَاقِصَةٍ لاَ يَسْتَحِقُّ مَعَهَا أَنْ يُسَمَّى (صَائِدًا) فَلَهُ حَقُّ الرَّدِّ (١) .

٢ - أَنْ يَكُونَ فَوَاتُ الْوَصْفِ الْمُشْتَرَطِ لَيْسَ عَيْبًا:

٩ - وَقَدْ تَوَارَدَتْ عِبَارَاتُ فُقَهَاءِ الْمَذَاهِبِ الْمُثْبِتِينَ لِهَذَا الْخِيَارِ عَلَى أَنَّ الصِّفَةَ الْمَقْصُودَةَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ مِمَّا لاَ يُعَدُّ فَقْدُهَا عَيْبًا، وَإِلاَّ كَانَتِ الْقَضِيَّةُ مِنْ بَابِ خِيَارِ الْعَيْبِ (٢) .

مُوجِبُ خِيَارِ فَوَاتِ الْوَصْفِ:

١٠ - إِذَا تَحَقَّقَ فَوَاتُ الْوَصْفِ الْمَشْرُوطِ - كَمَا سَبَقَ - وَكَانَ مُسْتَوْفِيًا الشَّرَائِطَ ثَبَتَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ. وَمَاهِيَّةُ هَذَا الْخِيَارِ أَنْ يَكُونَ لَهُ حَقُّ رَدِّ الْمَبِيعِ، أَوْ أَخْذِهِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ دُونَ أَرْشٍ لِلْوَصْفِ الْفَائِتِ (٣) .

_________

(١) فتح القدير والعناية ٥ / ١٣٥، وتكملة المجموع ١٢ / ٣٦٥ يكفي أن يوجد من الصفة المذكورة ما ينطلق عليه الاسم ولا يشترط النهاية فيها، البدائع ٥ / ١٦٩، الحطاب ٤ / ٤٤٧، كشاف القناع ٢ / ٣٧.

(٢) المجموع شرح المهذب ٩ / ٣٢٤، المغني ٤ / ١٣٩، تذكرة الفقهاء ١ / ٥٤٠.

(٣) فتح القدير ٥ / ١٣٦، المغني ٤ / ٨٣٩ ط ٤.

هَذَا، إِذَا لَمْ يَمْتَنِعَ الرَّدُّ، فَإِنِ امْتَنَعَ الرَّدُّ بِسَبَبٍ مِنَ الأَْسْبَابِ رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِحِصَّةِ الْوَصْفِ الْفَائِتِ مِنَ الثَّمَنِ. وَذَلِكَ بِأَنْ يُقَوَّمَ الْمَبِيعُ مَوْصُوفًا بِذَلِكَ. الْوَصْفِ وَغَيْرَ مُتَّصِفٍ بِهِ، وَيَرْجِعَ بِالتَّفَاوُتِ.

وَهُنَاكَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لاَ يَرْجِعُ بِشَيْءٍ، لأَِنَّ ثُبُوتَ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي بِالشَّرْطِ لاَ بِالْعَقْدِ، وَتَعَذُّرُ الرَّدِّ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ لاَ يُوجِبُ الرُّجُوعَ عَلَى الْبَائِعِ، فَكَذَا هَذَا، وَالصَّحِيحُ الرِّوَايَةُ السَّابِقَةُ - وَهِيَ مِنْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. لأَِنَّ الْبَائِعَ عَجَزَ عَنْ تَسْلِيمِهِ وَصْفَ السَّلاَمَةِ، كَمَا فِي الْعَيْبِ.

أَمَّا انْحِصَارُ الْخِيَارِ فِي أَمْرَيْنِ، هُمَا الرَّدُّ أَوِ الأَْخْذُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَعَدَمُ تَخْوِيل الْمُشْتَرِي الرُّجُوعَ بِحِصَّةِ الْفَوَاتِ إِلاَّ عِنْدَ امْتِنَاعِ الرَّدِّ، فَهُوَ أَنَّ الْفَائِتَ وَصْفٌ، وَالأَْوْصَافُ لاَ يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنَ الثَّمَنِ، لِكَوْنِهَا تَابِعَةً فِي الْعَقْدِ تَدْخُل مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ، وَلَوْ فَاتَتْ بِيَدِ الْبَائِعِ قَبْل التَّسْلِيمِ لَمْ يَنْقُصْ مِنَ الثَّمَنِ شَيْءٌ (١) .

_________

(١) فتح القدير ٥ / ١٣٥، والعناية ٥ / ١٣٦، ولينظر لتفصيل قضية الأوصاف وعدم مقابلتها بشيء من الثمن (٥ / ٩١ - ٩٣) من الفتح والعناية. تكملة المجموع " إذا ظهر الخلف في الصفة المشترطة وقد تقدم فسخ العقد بهلاك أو حدوث عيب فله أخذ الأرش على التفصيل المتقدم في خيار العيب " ١٢ / ٣٧١.

الْعُقُودُ الَّتِي يَثْبُتُ فِيهَا خِيَارُ فَوَاتِ الْوَصْفِ:

١١ - ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ أَنَّ مَجَال هَذَا الْخِيَارِ هُوَ مَجَال خِيَارِ الْعَيْبِ، وَهِيَ أَنْ يَكُونَ الْعَقْدُ عَلَى مَا يَتَعَيَّنُ، فَلاَ يَثْبُتُ فِي الْمَبِيعِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ بِالتَّعْيِينِ، وَهُوَ الْمَبِيعُ الَّذِي يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ لأَِنَّهُ إِذَا لَمْ يَظْهَرْ عَلَى طِبْقِ الْوَصْفِ فَهُوَ غَيْرُ الْمَبِيعِ:

وَكَذَلِكَ لاَ يَثْبُتُ فِي الْمَبِيعِ الْغَائِبِ، لأَِنَّ لِلْمَبِيعِ الْغَائِبِ خِيَارًا خَاصًّا بِهِ وَهُوَ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ.

تَوْقِيتُ خِيَارِ فَوَاتِ الْوَصْفِ:

١٢ - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يَثْبُتُ عَلَى التَّرَاخِي وَلاَ يَتَوَقَّتُ بِزَمَنٍ مُعَيَّنٍ إِلَى أَنْ يُوجَدَ مَا يُسْقِطُهُ مِمَّا يَدُل عَلَى الرِّضَا. وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ تَوْقِيتَهُ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَهُوَ عِنْدَهُمْ عَلَى الْفَوْرِ. وَذَلِكَ كُلُّهُ مُنْسَجِمٌ مَعَ اعْتِبَارِ خِيَارِ فَوَاتِ الْوَصْفِ بِخِيَارِ الْعَيْبِ وَابْتِنَائِهِ عَلَيْهِ (١) .

انْتِقَالُهُ بِالْمَوْتِ:

١٣ - هَذَا الْخِيَارُ يُورَثُ بِمَوْتِ مُسْتَحِقِّهِ، فَيَنْتَقِل إِلَى وَرَثَتِهِ، لأَِنَّهُ فِي ضِمْنِ مِلْكِ الْعَيْنِ، هَكَذَا صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ، وَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَالاِنْتِقَال عِنْدَهُمْ مُقَرَّرٌ فِيهِ وَفِي أَمْثَالِهِ مِنَ الْخِيَارَاتِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْعَيْنِ (٢)

_________

(١) العناية ٥ / ١٣٦، الحطاب ٤ / ٤٤٨، تكملة المجموع ١٢ / ٣٧٠، كشاف القناع ٢ / ٣٩.

(٢) البحر الرائق ٦ / ١٩، وفتح القدير ٥ / ١٣٥.

سُقُوطُهُ:

١٤ - يَسْقُطُ بِمَا يَسْقُطُ بِهِ خِيَارُ الْعَيْبِ، وَتَفْصِيلُهُ فِي (خِيَارُ الْعَيْبِ) .

خِيَارُ الْقَبُول

انْظُرْ: بَيْعٌ

خِيَارُ كَشْفِ الْحَال

التَّعْرِيفُ:

١ - الْكَشْفُ فِي اللُّغَةِ: هُوَ الإِْظْهَارُ، وَرَفْعُ شَيْءٍ عَمَّا يُوَارِيهِ وَيُغَطِّيهِ، يُقَال: كَشَفَهُ فَانْكَشَفَ. وَالتَّكَشُّفُ مِنْ تَكَشَّفَ أَيْ ظَهَرَ، كَانْكَشَفَ. وَالْحَال مَعْرُوفُ الْمَعْنَى (١) .

وَالتَّعْرِيفُ الاِصْطِلاَحِيُّ مُسْتَمَدٌّ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى، فَخِيَارُ الْكَشْفِ هُوَ: حَقُّ الْفَسْخِ لِمَنْ ظَهَرَ لَهُ مِقْدَارُ الْمَبِيعِ عَلَى غَيْرِ مَا ظَنَّهُ (٢) .

وَسَمَّاهُ الْحَنَفِيَّةُ بِأَسْمَاءٍ عَدِيدَةٍ مِنْ نَفْسِ الْمَادَّةِ اللُّغَوِيَّةِ، فَقَدْ دَعَوْهُ: كَشْفَ الْحَال، وَانْكِشَافَ الْحَال، وَالتَّكَشُّفَ.

وَالْمُرَادُ مِنْ هَذَا الْخِيَارِ يَظْهَرُ مِنِ اسْتِعْرَاضِ مَجَالِهِ، فَهُوَ يَجْرِي فِي الْمَقَايِيسِ الشَّخْصِيَّةِ الَّتِي يَلْجَأُ إِلَيْهَا الْمُتَعَاقِدَانِ أَحْيَانًا بَدَلًا مِنَ الْمَقَايِيسِ الْمُتَعَارَفِ عَلَيْهَا، سَوَاءٌ كَانَ الْمِقْيَاسُ مِنْ وَسَائِل الْكَيْل أَوِ الْوَزْنِ.

وَمِثَالُهُ الْمُتَدَاوَل لَدَى الْفُقَهَاءِ. أَنْ يَبِيعَ

_________

(١) المصباح المنير، والمغرب، والقاموس المحيط مادة: " كشف ".

(٢) رد المحتار ٤ / ٢٧ و٤٥.

شَخْصٌ شَيْئًا مِمَّا يُبَاعُ بِالْكَيْل أَوِ الْوَزْنِ فَلاَ يُسْتَعْمَل لِتَقْدِيرِهِ الْمَكَايِيل أَوِ الْمَوَازِينُ الْمُتَعَارَفُ عَلَيْهَا، بَل يَبِيعُهُ بِإِنَاءٍ بِعَيْنِهِ لاَ يُعْرَفُ مِقْدَارُهُ، كَصُنْدُوقٍ أَوْ كِيسٍ. أَوْ بِوَزْنِ حَجَرٍ بِعَيْنِهِ كَذَلِكَ. فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ بِشُرُوطٍ خَاصَّةٍ (سَيَأْتِي بَيَانُهَا) وَمُسْتَتْبَعُ حَقِّ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي، أَيْ أَنَّ الْبَيْعَ غَيْرُ لاَزِمٍ (١) .

وَفِي صِحَّتِهِ خِلاَفٌ عُنِيَتْ بِذِكْرِهِ كُتُبُ الْحَنَفِيَّةِ.

مَشْرُوعِيَّتُهُ:

٢ - أَخَذَ الْحَنَفِيَّةُ بِهَذَا الْخِيَارِ فِي رِوَايَةٍ وَذَكَرُوهُ فِي عِدَادِ الْخِيَارَاتِ الْمُسَمَّاةِ عِنْدَهُمْ. وَأَثْبَتَ هَذَا الْخِيَارَ أَيْضًا الشَّافِعِيَّةُ، وَإِنْ أَطْلَقُوا عَلَيْهِ غَيْرَ هَذِهِ التَّسْمِيَةِ، وَأَحْيَانًا لَمْ يُسَمُّوهُ بَل عَبَّرُوا عَنْهُ.

فَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ أَنَّهُ لَوْ قَال: " بِعْتُكَ مِلْءَ هَذَا الْكُوزِ أَوِ الْبَيْتِ مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ، أَوْ زِنَةَ هَذِهِ الْحَصَاةِ مِنْ هَذَا الذَّهَبِ، هُوَ صَحِيحٌ. لإِمْكَانِ الأَْخْذِ مِنَ الْمُعَيَّنِ قَبْل تَلَفِهِ. وَالْعِلْمُ بِالْقَدْرِ الْمُعَيَّنِ لاَ يُشْتَرَطُ، بِخِلاَفِ مَا لَوْ قَال: فِي ذِمَّتِي صِفَتُهَا كَذَا " (٢) .

وَقَدْ مَنَعَهُ الْمَالِكِيَّةُ وَعَدُّوهُ مِنْ أَنْوَاعِ بَيْعِ الْغَرَرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا (٣) .

_________

(١) رد المحتار ٤ / ٢٧.

(٢) الفتاوى الكبرى لابن حجر ٢ / ١٥٧.

(٣) القوانين الفقهية ٢٤٨، المحلى ٨ / ٣٧٧ م١٤٢٠.