الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١٩ الصفحة 7

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١٩

الْخُدْعَةِ مُبَاحَةٌ؛ لأَِنَّهَا لَيْسَتْ غَادِرَةً، فَمَنْ جَازَتْ عَلَيْهِ الْخُدْعَةُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ، فَهُوَ غَافِلٌ وَلَيْسَ بِمَغْدُورٍ بِهِ. قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: الْحَرْبُ خُدْعَةٌ (١) وَجَاءَ فِي فَتْحِ الْبَارِي فِي الْحَدِيثِ: الأَْمْرُ بِاسْتِعْمَال الْحِيلَةِ فِي الْحَرْبِ مَهْمَا أَمْكَنَ، وَالنَّدْبُ إِلَى خِدَاعِ الْكُفَّارِ، قَال النَّوَوِيُّ: اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ خِدَاعِ الْكُفَّارِ فِي الْحَرْبِ كُلَّمَا أَمْكَنَ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ فِيهِ نَقْضُ عَهْدٍ، أَوْ أَمَانٍ فَلاَ يَجُوزُ.

(ر: أَمَانٌ، عَهْدٌ، هُدْنَةٌ) .

وَفِيهِ الإِْشَارَةُ إِلَى اسْتِعْمَال الرَّأْيِ فِي الْحَرْبِ بَل الاِحْتِيَاجُ إِلَيْهِ أَكْثَرُ مِنَ الشَّجَاعَةِ (٢) . وَقَال ابْنُ الْمُنِيرِ: مَعَ الْحَرْبُ خُدْعَةٌ الْحَرْبُ الْجَيِّدَةُ لِصَاحِبِهَا الْكَامِلَةُ فِي مَقْصُودِهَا إِنَّمَا هِيَ الْمُخَادَعَةُ، لاَ الْمُوَاجَهَةُ، وَذَلِكَ لِخَطَرِ الْمُوَاجَهَةِ وَحُصُول الظَّفَرِ مَعَ الْمُخَادَعَةِ بِغَيْرِ خَطَرٍ (٣) .

قَال النَّوَوِيُّ: قَال الْعُلَمَاءُ: إِذَا دَعَتْ مَصْلَحَةٌ شَرْعِيَّةٌ رَاجِحَةٌ إِلَى خِدَاعِ الْمُخَاطَبِ، أَوْ حَاجَةٌ لاَ مَنْدُوحَةَ عَنْهَا إِلاَّ بِالْكَذِبِ، فَلاَ بَأْسَ بِالتَّوْرِيَةِ، وَالتَّعْرِيضِ.

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ مَكْرُوهٌ، وَلَيْسَ بِحَرَامٍ إِلاَّ أَنْ يُتَوَصَّل بِهِ إِلَى أَخْذِ بَاطِلٍ، أَوْ دَفْعِ

_________

(١) حديث: " الحرب خدعة " أخرجه البخاري (الفتح ٦ / ١٥٨ - ط السلفية) . ومسلم (٣ / ١٣٦١ ط الحلبي) من حديث جابر بن عبد الله.

(٢) فتح الباري ٦ / ١٥٨ - ١٥٩، المغني ٨ / ٣٦٩.

(٣) المصدر السابق.

حَقٍّ فَيَصِيرُ عِنْدَئِذٍ حَرَامًا (١) .

وَفِي التَّوْرِيَةِ قَوْل مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ، فِي قِصَّةِ كَعْبِ بْنِ الأَْشْرَفِ بَعْدَ أَنِ اسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ ﷺ أَنْ يَقُول: كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ: إِنَّ هَذَا أَيِ: النَّبِيَّ ﷺ قَدْ عَنَّانَا، وَسَأَلَنَا الصَّدَقَةَ، فَإِنَّا اتَّبَعْنَاهُ فَنَكْرَهُ أَنْ نَدَعَهُ (٢) وَكُل هَذِهِ الْكَلِمَاتِ تَوْرِيَةٌ: وَقَصَدَ بِهَا إِلَى مَعْنًى غَيْرِ الْمَعْنَى الْمُتَبَادَرِ مِنْهَا.

وَمَعْنَى عَنَّانَا: كَلَّفَنَا بِالأَْوَامِرِ وَالنَّوَاهِي.

وَمَعْنَى سَأَلَنَا الصَّدَقَةَ: طَلَبَهَا لِيَضَعَهَا فِي مَكَانِهَا الصَّحِيحِ. وَنَكْرَهُ أَنْ نَدَعَهُ: نَكْرَهُ أَنْ نُفَارِقَهُ (٣) .

وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَغْزُوَ غَزْوَةً وَرَّى بِغَيْرِهَا (٤) .

وَالْمُرَادُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ يُرِيدُ غَزْوَ جِهَةٍ فَلاَ يُظْهِرُهَا وَيُظْهِرُ غَيْرَهَا، كَأَنْ يُرِيدَ أَنْ يَغْزُوَ جِهَةَ الشَّرْقِ، فَيَسْأَل عَنْ أَمْرٍ فِي جِهَةِ الْغَرْبِ، فَيَتَجَهَّزُ لِلسَّفَرِ فَيَظُنُّ مَنْ يَرَاهُ، وَيَسْمَعُهُ أَنَّهُ يُرِيدُ جِهَةَ الْغَرْبِ (٥) .

وَهَذَا فِي الْغَالِبِ فَقَدْ صَرَّحَ بِجِهَةِ غَزْوَةِ تَبُوكَ لِلتَّأَهُّبِ لَهَا.

_________

(١) الأذكار للنووي ص ٣٣٨، فتح الباري ٦ / ١٥٩.

(٢) مقالة كعب: إن هذا قد عنانا، وسألنا الصدقة " أخرجه البخاري (الفتح ٨ / ١١٣ - ط السلفية) .

(٣) فتح الباري ٦ / ١٥٩.

(٤) حديث: " كان إذا أراد أن يغزو غزوة ورى بغيرها. . . . " أخرجه البخاري (الفتح ٨ / ١١٣ - ط السلفية) . ومسلم (٤ / ٢١٢٨ - ط الحلبي) من حديث كعب بن مالك.

(٥) المصدر السابق.

خِدْمَةٌ

التَّعْرِيفُ:

١ - الْخِدْمَةُ مَصْدَرُ خَدَمَ وَهِيَ الْمِهْنَةُ، وَقِيل: وَهِيَ بِالْكَسْرِ الاِسْمُ، وَبِالْفَتْحِ الْمَصْدَرُ. وَالْخَدَمُ وَالْخُدَّامُ جَمْعُ خَادِمٍ، وَالْخَادِمُ يَصْدُقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالأُْنْثَى، لأَِنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى الأَْسْمَاءِ غَيْرِ الْمَأْخُوذَةِ مِنَ الأَْفْعَال. وَيُقَال لِلأُْنْثَى فِي لُغَةٍ قَلِيلَةٍ خَادِمَةٌ.

وَاسْتَخْدَمَهُ وَاخْتَدَمَهُ جَعَلَهُ خَادِمًا، أَوْ سَأَلَهُ أَنْ يَخْدُمَهُ، وَأَخْدَمْتُ فُلاَنًا: أَيْ أَعْطَيْتَهُ خَادِمًا يَخْدُمُهُ (١) .

وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.

الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - الْمِهْنَةُ:

٢ - الْمِهْنَةُ - بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا - الْحِذْقُ فِي الْخِدْمَةِ وَالْعَمَل، وَمَهَنَ يَمْهُنُ مِهَنًا إِذَا عَمِل فِي صَنْعَةٍ، وَمَهَنَهُمْ خَدَمَهُمْ وَامْتَهَنْتُهُ أَيِ: اسْتَخْدَمْتَهُ وَابْتَذَلْتَهُ.

_________

(١) تاج العروس، ولسان العرب، والمصباح المنير مادة: (خدم) ومغني المحتاج ٣ / ٤٣٣، وكشاف القناع ٥ / ٤٦٣.

وَالْمَاهِنُ الْخَادِمُ، وَالأُْنْثَى مَاهِنَةٌ، وَالْجَمْعُ مُهَّانٌ، وَيُقَال: لِلأُْنْثَى بِالْخَرْقَاءِ لاَ تُحْسِنُ الْمِهْنَةَ، أَيْ لاَ تُحْسِنُ الْخِدْمَةَ.

وَالْمِهْنَةُ الْخِدْمَةُ وَالاِبْتِذَال، وَالْمَهِينُ الضَّعِيفُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: ﴿أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ﴾ (١)

وَخَرَجَ فِي ثِيَابِ مِهْنَتِهِ أَيْ: فِي ثِيَابِ خِدْمَتِهِ الَّتِي يَلْبَسُهَا فِي أَشْغَالِهِ وَتَصَرُّفَاتِهِ (٢) .

فَالْمِهْنَةُ أَخَصُّ؛ لأَِنَّ فِيهَا الْحِذْقَ، وَتُطْلَقُ عَلَى الصَّنْعَةِ.

ب - الْعَمَل:

٣ - وَالْعَمَل هُوَ الْمِهْنَةُ وَالْفِعْل، وَالْجَمْعُ أَعْمَالٌ. وَالْعَامِل هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى أُمُورَ الرَّجُل فِي مَالِهِ، أَوْ مِلْكِهِ، أَوْ عَمَلِهِ، وَالْجَمْعُ عُمَّالٌ وَعَامِلُونَ. وَالْعُمْلَةُ وَالْعِمَالَةُ، أَجْرُ مَا عَمِل، أَوْ رِزْقُ الْعَامِل الَّذِي جُعِل لَهُ عَلَى مَا قُلِّدَ مِنَ الْعَمَل، وَالْعَمَلَةُ هُمُ الْقَوْمُ يَعْمَلُونَ بِأَيْدِيهِمْ ضُرُوبًا مِنَ الْعَمَل فِي طِينٍ أَوْ حَفْرٍ أَوْ غَيْرِهِ (٣) .

وَالْعَلاَقَةُ بَيْنَ الْعَمَل وَالْخِدْمَةِ أَنَّ الْعَمَل أَعَمُّ مِنَ الْخِدْمَةِ.

الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْخِدْمَةِ: خِدْمَةُ الْمَرْأَةِ لِلرَّجُل وَعَكْسُهُ:

٤ - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ

_________

(١) سورة المرسلات / ٢٠.

(٢) لسان العرب، والمصباح المنير مادة: (مهن) .

(٣) لسان العرب، والمصباح المنير مادة: (عمل) .

الرَّجُل الأَْعْزَبِ الْمَرْأَةَ الأَْجْنَبِيَّةَ الْبَالِغَةَ لِلْخِدْمَةِ فِي بَيْتِهِ، مَأْمُونًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَأْمُونٍ وَذَلِكَ اتِّقَاءٌ لِلْفِتْنَةِ، وَلأَِنَّ الْخَلْوَةَ بِهَا مَعْصِيَةٌ إِلاَّ إِذَا كَانَ الرَّجُل مَحْرَمًا لَهَا، أَوْ صَغِيرًا، أَوْ شَيْخًا هَرِمًا، أَوْ مَمْسُوحًا أَوْ مَجْبُوبًا، أَوْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ الْخَادِمَةُ صَغِيرَةً لاَ تُشْتَهَى.

وَلاَ فَرْقَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ وَبَيْنَ الأَْمَةِ، وَلاَ بَيْنَ الْجَمِيلَةِ وَبَيْنَ غَيْرِهَا. وَفِي وَجْهٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، أَوْ كَانَتْ قَبِيحَةً يُؤْمَنُ مِنَ الرَّجُل الأَْجْنَبِيِّ عَلَيْهَا، فَحِينَئِذٍ لاَ تَحْرُمُ خِدْمَتُهَا لَهُ فِي بَيْتِهِ لاِنْتِفَاءِ خَوْفِ الْفِتْنَةِ.

وَالْحُرْمَةُ - عِنْدَ الْجُمْهُورِ - إِذَا كَانَتِ الْخِدْمَةُ تَتَطَلَّبُ الْخَلْوَةَ، أَمَّا إِذَا لَمْ تَكُنْ تَتَطَلَّبُ الْخَلْوَةَ فَيَجُوزُ، وَكَذَا إِذَا كَانَ الرَّجُل مَرِيضًا وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَخْدُمُهُ.

وَذَهَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ إِلَى جَوَازِ اسْتِخْدَامِ الْمَرْأَةِ الأَْجْنَبِيَّةِ الرَّجُل جَمِيلَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ جَمِيلَةٍ مُتَجَالَّةً أَوْ غَيْرَ مُتَجَالَّةٍ، إِلاَّ أَنَّ بَعْضَ الْفُقَهَاءِ فَرَّقَ بَيْنَ الْمُتَجَالَّةِ وَغَيْرِ الْمُتَجَالَّةِ، كَمَا فَرَّقُوا بَيْنَ الرَّجُل الْعَزَبِ الَّذِي لاَ نِسَاءَ عِنْدَهُ مِنْ قَرَابَاتٍ وَزَوْجَاتٍ، وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِمَّنْ لَدَيْهِ زَوْجَةٌ أَوْ قَرِيبَةٌ. قَال أَحْمَدُ: يَجُوزُ لِلرَّجُل أَنْ يَسْتَأْجِرَ الأَْمَةَ وَالْحُرَّةَ لِلْخِدْمَةِ، وَلَكِنْ يَصْرِفُ وَجْهَهُ عَنِ النَّظَرِ لَيْسَتِ الأَْمَةُ مِثْل الْحُرَّةِ وَلاَ يَخْلُو مَعَهَا فِي بَيْتٍ وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهَا مُتَجَرِّدَةً وَلاَ إِلَى شَعْرِهَا.

وَقَال أَبُو حَنِيفَةَ: أَكْرَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الرَّجُل امْرَأَةً حُرَّةً يَسْتَخْدِمُهَا وَيَخْلُو بِهَا وَكَذَلِكَ الأَْمَةُ.

قَال الْكَاسَانِيُّ: وَهُوَ قَوْل أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ: أَمَّا الْخَلْوَةُ؛ فَلأَِنَّ الْخَلْوَةَ بِالْمَرْأَةِ الأَْجْنَبِيَّةِ مَعْصِيَةٌ.

وَأَمَّا الاِسْتِخْدَامُ فَلأَِنَّهُ لاَ يُؤْمَنُ مَعَهُ الاِطِّلاَعُ عَلَيْهَا وَالْوُقُوعُ فِي الْمَعْصِيَةِ.

وَفِي الْمُدَوَّنَةِ قِيل لاِبْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا اسْتَأْجَرَ امْرَأَةً حُرَّةً أَوْ أَمَةً تَخْدُمُهُ وَهُوَ عَزَبٌ أَيَجُوزُ هَذَا أَمْ لاَ؟ قَال: سَمِعْتُ مَالِكًا وَسُئِل عَنِ امْرَأَةٍ تُعَادِل الرَّجُل فِي الْمَحْمَل وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا مَحْرَمٌ فَكَرِهَ ذَلِكَ، فَالَّذِي يَسْتَأْجِرُ الْمَرْأَةَ تَخْدُمُهُ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا مَحْرَمٌ، وَلَيْسَ لَهُ أَهْلٌ، وَهُوَ يَخْلُو مَعَهَا أَشَدُّ عِنْدِي كَرَاهِيَةً مِنَ الَّذِي تُعَادِلُهُ الْمَرْأَةُ فِي الْمَحْمَل (١) .

أَمَّا خَادِمُ الْمَرْأَةِ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَجُلًا كَبِيرًا مِمَّنْ لاَ يَحِل لَهُ النَّظَرُ إِلَيْهَا؛ لأَِنَّ الْخَادِمَ يَلْزَمُ الْمَخْدُومَ فِي غَالِبِ أَحْوَالِهِ، فَلاَ يَسْلَمُ مِنَ النَّظَرِ وَالْخَلْوَةِ الْمُحَرَّمَةِ إِلاَّ إِذَا كَانَ الْخَادِمُ صَبِيًّا لَمْ يَبْلُغِ الْحُلُمَ، أَوْ مَحْرَمًا لِلْمَرْأَةِ الْمَخْدُومَةِ، أَوْ عَبْدًا مَمْلُوكَهَا، أَوْ مَمْسُوحًا، أَوْ نَحْوَهُ فَيَجُوزُ أَنْ يَخْدُمَهَا.

وَهَذَا فِي الْخِدْمَةِ الْبَاطِنَةِ، أَمَّا الْخِدْمَةُ الظَّاهِرَةُ

_________

(١) البدائع ٤ / ١٨٩، وحاشية ابن عابدين ٢ / ٣٣٣ - ٣٣٤، مواهب الجليل ٥ / ٣٩٣، القوانين الفقهية ص ٣٧٨، المجموع ١٥ / ٢٩، مغني المحتاج ٢ / ٢٦٥، ٣٣٧، روضة الطالبين ٤ / ٤٢٧، نهاية المحتاج ٤ / ٢٣٢، المغني لابن قدامة ٥ / ٤٦٧، كشاف القناع ٤ / ٦٤، الإنصاف ٦ / ١٠٢، المدونة الكبرى ٤ / ٤٣٢، القليوبي وعميرة ٣ / ١٨، تحفة المحتاج ٥ / ٤١٧.

مِثْل قَضَاءِ الْحَوَائِجِ مِنَ السُّوقِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَتَوَلاَّهَا الرَّجُل الأَْجْنَبِيُّ.

قَال الْحَطَّابُ: وَسُئِل عَنِ الْمَرْأَةِ الْعَزَبَةِ الْكَبِيرَةِ تَلْجَأُ إِلَى الرَّجُل، فَيَقُومُ لَهَا بِحَوَائِجِهَا وَيُنَاوِلُهَا الْحَاجَةَ، هَل تَرَى لَهُ ذَلِكَ جَائِزًا؟ قَال: لاَ بَأْسَ بِهِ وَلْيَدْخُل مَعَهُ غَيْرُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ، وَلَوْ تَرَكَهَا النَّاسُ لَضَاعَتْ، وَهَذَا عَلَى مَا قَال إِنَّهُ جَائِزٌ لِلرَّجُل أَنْ يَقُومَ لِلْمَرْأَةِ الأَْجْنَبِيَّةِ بِحَوَائِجِهَا وَيُنَاوِلَهَا الْحَاجَةَ إِذَا غَضَّ بَصَرَهُ عَمَّا لاَ يَحِل لَهُ النَّظَرُ إِلَيْهِ، مِمَّا لاَ يَظْهَرُ مِنْ زِينَتِهَا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ (١) وَذَلِكَ الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ عَلَى مَا قَالَهُ أَهْل التَّأْوِيل، فَجَائِزٌ لِلرَّجُل أَنْ يَنْظُرَ إِلَى ذَلِكَ مِنَ الْمَرْأَةِ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَالضَّرُورَةِ، فَإِنِ اضْطُرَّ إِلَى الدُّخُول عَلَيْهَا أَدْخَل غَيْرَهُ مَعَهُ لِيُبْعِدَ سُوءَ الظَّنِّ عَنْ نَفْسِهِ (٢) .

خِدْمَةُ الْمُسْلِمِ لِلْكَافِرِ:

٥ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمُسْلِمِ حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا أَنْ يَخْدُمَ الْكَافِرَ، سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ بِإِجَارَةٍ أَوْ إِعَارَةٍ، وَلاَ تَصِحُّ الإِْجَارَةُ وَلاَ الإِْعَارَةُ

_________

(١) سورة النور / ٣١.

(٢) حاشية ابن عابدين ١ / ٢٧٣، ٢ / ٣٣٣، ٥ / ٢٣٨، مواهب الجليل ٥ / ٣٩٣، مغني المحتاج ٢ / ٢٦٥، ٣ / ١٣١، ٣ / ٤٣٢، المغني لابن قدامة ٧ / ٥٦٩، الفواكه الدواني ٢ / ١٠٨، القليوبي وعميرة ٣ / ١٨، تحفة المحتاج ٥ / ٤١٧، وجواهر الإكليل ٢ / ١٤٥.

لِذَلِكَ؛ لأَِنَّ فِي ذَلِكَ إِهَانَةً لِلْمُسْلِمِ وَإِذْلاَلًا لَهُ، وَتَعْظِيمًا لِلْكَافِرِ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَنْ يَجْعَل اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا﴾ (١)

وَأَمَّا إِذَا أَجَّرَ الْمُسْلِمُ نَفْسَهُ لِلْكَافِرِ لِعَمَلٍ مُعَيَّنٍ فِي الذِّمَّةِ، كَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ أَوْ قِصَارَتِهِ جَازَ؛ لأَِنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ لاَ يَتَضَمَّنُ إِذْلاَلًا وَلاَ اسْتِخْدَامًا. قَال ابْنُ قُدَامَةَ: بِغَيْرِ خِلاَفٍ نَعْلَمُهُ، لأَِنَّ عَلِيًّا ﵁ أَجَّرَ نَفْسَهُ مِنْ يَهُودِيٍّ يَسْتَقِي لَهُ كُل دَلْوٍ بِتَمْرَةٍ (٢) . وَكَذَا إِنْ أَجَّرَ نَفْسَهُ مِنْهُ لِعَمَلٍ غَيْرِ الْخِدْمَةِ مُدَّةً مَعْلُومَةً جَازَ أَيْضًا.

وَكَذَا إِعَارَةُ عَبْدٍ مُسْلِمٍ لِكَافِرٍ لِعَمَلٍ مُعَيَّنٍ لاَ يَقْتَضِي الْخِدْمَةَ فَهُوَ جَائِزٌ أَيْضًا.

وَيُشْتَرَطُ فِيمَا جَازَ مِنَ الإِْجَارَةِ وَالإِْعَارَةِ أَنْ لاَ يَكُونَ الْعَمَل مِمَّا لاَ يَحْرُمُ عَلَى الْمُسْلِمِ، كَرَعْيِ الْخَنَازِيرِ أَوْ حَمْل الْخَمْرِ (٣) .

خِدْمَةُ الْوَالِدِ لِلْوَلَدِ وَعَكْسُهُ:

٦ - إِذَا قَامَ الْوَالِدُ بِنَفْسِهِ بِخِدْمَةِ وَلَدِهِ فَلاَ كَرَاهَةَ فِي ذَلِكَ، وَتَجِبُ عَلَيْهِ الْخِدْمَةُ أَوِ الإِْخْدَامُ لِوَلَدِهِ

_________

(١) سورة النساء / ١٤١.

(٢) حديث: " آجر علي نفسه من يهودي. . . . " أخرجه ابن ماجه (٢ / ١٨١ - ط الحلبي)، وقال البوصيري: " في إسناده حنش، واسمه حسين بن قيس، ضعفه أحمد وغيره ".

(٣) البدائع ٤ / ١٨٩، الخرشي على مختصر خليل ٧ / ١٩، حاشية الجمل على شرح المنهج ٣ / ٤٥٦، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ٤ / ١٨، المغني لابن قدامة ٥ / ٥٥٤، نهاية المحتاج ٤ / ٢٣٢، القليوبي وعميرة ٣ / ١٨.

الصَّغِيرِ أَوِ الْمَرِيضِ، أَوِ الْعَاجِزِ، إِذَا كَانَ فَقِيرًا.

وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ اسْتِخْدَامِ الْفَرْعِ لأَِصْلِهِ.

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى عَدَمِ جَوَازِ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنَ الإِْهَانَةِ وَالإِْذْلاَل وَالاِسْتِخْفَافِ الَّذِي لاَ يَلِيقُ بِمَكَانَةِ الأُْبُوَّةِ.

وَعَلَيْهِ فَلاَ يَجُوزُ لِلْوَلَدِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ وَالِدَهُ لِلاِسْتِخْدَامِ وَإِنْ عَلاَ، وَكَذَلِكَ وَالِدَتُهُ سَوَاءٌ أَكَانَ هَذَا الْوَالِدُ مُسْلِمًا أَمْ كَافِرًا؛ لأَِنَّهُ مَأْمُورٌ بِتَعْظِيمِ وَالِدِهِ وَإِنِ اخْتَلَفَ الدِّينُ، وَفِي الاِسْتِخْدَامِ اسْتِخْفَافٌ بِهِ فَكَانَ حَرَامًا، قَال اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾ (١) وَهَذَا الأَْمْرُ وَرَدَ فِي حَقِّ الأَْبَوَيْنِ الْكَافِرَيْنِ، لأَِنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا﴾ (٢) الآْيَةَ.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْمُعْتَمَدِ إِلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلْوَلَدِ تَنْزِيهًا اسْتِخْدَامُ أَحَدِ أُصُولِهِ وَإِنْ عَلاَ لِصِيَانَتِهِمْ عَنِ الإِْذْلاَل.

أَمَّا خِدْمَةُ الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ، أَوِ اسْتِخْدَامُ الأَْبِ لِوَلَدِهِ فَجَائِزٌ بِلاَ خِلاَفٍ، بَل إِنَّ ذَلِكَ مِنَ الْبِرِّ الْمَأْمُورِ بِهِ شَرْعًا، وَيَكُونُ وَاجِبًا عَلَى الْوَلَدِ خِدْمَةُ أَوْ إِخْدَامُ وَالِدِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَلِهَذَا فَلاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أُجْرَةً عَلَيْهَا، لأَِنَّهَا مُسْتَحَقَّةٌ عَلَيْهِ وَمَنْ قَضَى

_________

(١) سورة لقمان / ١٥.

(٢) سورة لقمان / ١٥.

حَقًّا مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ لِغَيْرِهِ لاَ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الأُْجْرَةِ عَلَيْهِ (١) .

مَا يَتَعَلَّقُ بِالْخَادِمِ مِنْ أَحْكَامٍ:

أ - إِخْدَامُ الزَّوْجَةِ:

٧ - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ إِخْدَامُ زَوْجَتِهِ الَّتِي لاَ يَلِيقُ بِهَا خِدْمَةُ نَفْسِهَا بِأَنْ كَانَتْ تُخْدَمُ فِي بَيْتِ أَبِيهَا، أَوْ كَانَتْ مِنْ ذَوِي الأَْقْدَارِ، لِكَوْنِ هَذَا مِنْ حَقِّهَا فِي الْمُعَاشَرَةِ بِالْمَعْرُوفِ الْمَأْمُورِ بِهَا فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ (٢) وَلأَِنَّ هَذَا مِنْ كِفَايَتِهَا وَمِمَّا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي الدَّوَامِ فَأَشْبَهَ النَّفَقَةَ.

كَمَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الإِْخْدَامَ يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ لِلزَّوْجَةِ الْمَرِيضَةِ، وَالْمُصَابَةِ بِعَاهَةٍ لاَ تَسْتَطِيعُ مَعَهَا خِدْمَةَ نَفْسِهَا، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لاَ يُخْدَمُ مِثْلُهَا؛ لأَِنَّ مِثْل هَذِهِ لاَ تَسْتَغْنِي عَنِ الْخِدْمَةِ.

وَالْمَالِكِيَّةُ أَيْضًا يَرَوْنَ وُجُوبَ إِخْدَامِ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ، لَكِنْ قَالُوا: يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ إِنْ كَانَ الزَّوْجُ ذَا سَعَةٍ وَهِيَ ذَاتُ قَدْرٍ لَيْسَ شَأْنَهَا الْخِدْمَةُ، أَوْ كَانَ هُوَ ذَا قَدْرٍ تَزْرِي خِدْمَةُ زَوْجَتِهِ بِهِ (٣) .

_________

(١) البدائع ٢ / ٢٧٨، ٤ / ١٩٠، حاشية ابن عابدين ٢ / ٣٣٣، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ٣ / ٤٣٥، مغني المحتاج ٢ / ٣٣٧، ٣ / ٢١٣، روضة الطالبين ٥ / ١٨٦، ٤ / ٤٢٧، الكشاف ٤ / ٦٤، الإنصاف ٦ / ١٠٢، المغني لابن قدامة ٥ / ٢٢٥.

(٢) سورة النساء / ١٩.

(٣) الشرح الكبير وحاشية الدسوقي ٢ / ٥١٠.