الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١٨

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١٨ -

الاِسْتِدْلاَل بِهَذَا الْحَدِيثِ ثُمَّ قَال: إِنَّ الْجَنِينَ قَبْل نَفْخِ الرُّوحِ كَانَ فِيهِ حَرَكَةُ نُمُوٍّ وَاغْتِذَاءٍ كَالنَّبَاتِ، وَلَمْ تَكُنْ حَرَكَةُ نُمُوِّهِ وَاغْتِذَائِهِ بِالإِْرَادَةِ، فَلَمَّا نُفِخَتْ فِيهِ الرُّوحُ انْضَمَّتْ حَرَكَةُ حِسِّيَّتِهِ وَإِرَادَتِهِ إِلَى حَرَكَةِ نُمُوِّهِ وَاغْتِذَائِهِ. (١)

وَذَهَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ حَيَاةَ الْجَنِينِ تَبْدَأُ مِنْ حِينِ تَلْقِيحِ مَاءِ الْمَرْأَةِ بِمَاءِ الرَّجُل وَاسْتِقْرَارِ مَا حَصَل مِنْ ذَلِكَ فِي الرَّحِمِ، وَلَكِنَّهُمْ لاَ يَعْتَبِرُونَ حَيَاةَ الْجَنِينِ فِي تِلْكَ الْمَرْحَلَةِ حَيَاةً كَامِلَةً لإِنْسَانٍ حَيٍّ بِالْفِعْل، وَإِنَّمَا الإِْنْسَانُ كَائِنٌ بِالْقُوَّةِ، حَيَاتُهُ حَيَاةٌ اعْتِبَارِيَّةٌ، قَال الْغَزَالِيُّ: أَوَّل مَرَاتِبِ الْوُجُودِ أَنْ تَقَعَ النُّطْفَةُ فِي الرَّحِمِ وَيَخْتَلِطَ بِمَاءِ الْمَرْأَةِ وَتَسْتَعِدَّ لِقَبُول الْحَيَاةِ، وَإِفْسَادُ ذَلِكَ جِنَايَةٌ، فَإِنْ صَارَتْ مُضْغَةً وَعَلَقَةً كَانَتِ الْجِنَايَةُ أَفْحَشَ، وَإِنْ نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ وَاسْتَوَتِ الْخِلْقَةُ ازْدَادَتِ الْجِنَايَةُ تَفَاحُشًا، وَمُنْتَهَى التَّفَاحُشِ فِي الْجِنَايَةِ بَعْدَ الاِنْفِصَال حَيًّا، وَإِنَّمَا قُلْنَا: مَبْدَأُ سَبَبِ الْوُجُودِ مِنْ حَيْثُ وُقُوعُ الْمَنِيِّ فِي الرَّحِمِ لاَ مِنْ حَيْثُ الْخُرُوجُ مِنَ الإِْحْلِيل لأَِنَّ الْوَلَدَ لاَ يُخْلَقُ مِنْ مَنِيِّ الرَّجُل وَحْدَهُ بَل مِنَ الزَّوْجَيْنِ جَمِيعًا. (٢)

وَيَتَّفِقُ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْحَيَاةَ الإِْنْسَانِيَّةَ الْكَامِلَةَ الْمُعْتَبَرَةَ اعْتِبَارًا كَامِلًا فِي الأَْحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ تَبْدَأُ بِوِلاَدَةِ الشَّخْصِ حَيًّا.

_________

(١) التبيان في أقسام القرآن ص ٢٥٠ - ٢٥٥.

(٢) إحياء علوم الدين ٢ / ٥١.