الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١٨ -
يُعْتَبَرُ حَيًّا، أَوْ أَصْلًا لِلْحَيِّ، أَوْ لاَ يُعْتَبَرُ كَذَلِكَ:
فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ حَيَاةَ الْجَنِينِ تَبْدَأُ وَيُعْتَدُّ بِهَا مُنْذُ نَفْخِ الرُّوحِ، أَمَّا قَبْلَهَا فَلاَ تَكُونُ حَيَاتُهُ حَقِيقِيَّةً بَل حَيَاةٌ اِعْتِبَارِيَّةٌ يَظْهَرُ أَثَرُهَا فِي بَعْضِ الأَْحْكَامِ وَالتَّصَرُّفَاتِ، كَتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِالإِْرْثِ، وَصِحَّةِ الإِْيصَاءِ لَهُ بِشَرْطِهِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِْنْسَانَ مِنْ سُلاَلَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ (١) لأَِنَّ قَوْله تَعَالَى: ﴿ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ﴾ أَيْ بِنَفْخِ الرُّوحِ حَيْثُ يَبْدَأُ فِي الْجَنِينِ الإِْحْسَاسُ وَالتَّأَثُّرُ، قَال الْقُرْطُبِيُّ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْخَلْقِ الآْخَرِ، فَقَال ابْنُ عَبَّاسٍ وَالشَّعْبِيُّ وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَالضَّحَّاكُ وَابْنُ زَيْدٍ: هُوَ نَفْخُ الرُّوحِ فِيهِ بَعْدَ أَنْ كَانَ جَمَادًا. (٢)
وَاسْتَدَلُّوا كَذَلِكَ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ السَّابِقِ الَّذِي يَدُل عَلَى أَنَّ تَعَلُّقَ الرُّوحِ بِالْجَنِينِ إِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الأَْرْبَعِينَ الثَّالِثَةِ، وَأَنَّ الْجَنِينَ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْل ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْل ذَلِكَ، ثُمَّ تُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ وَبِهَا يَكُونُ حَيًّا، وَأَفَاضَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي
_________
(١) سورة المؤمنون / ١٢.
(٢) تفسير القرطبي ١٢ / ١٠٩.