الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١٨ -
فَإِنْ جَاءَ مَا ظَاهِرُهُ أَنَّهُ حَقٌّ لِلْعَبْدِ مُجَرَّدًا فَلَيْسَ كَذَلِكَ بِإِطْلاَقٍ، بَل جَاءَ عَلَى تَغْلِيبِ حَقِّ الْعَبْدِ فِي الأَْحْكَامِ الدُّنْيَوِيَّةِ. كَمَا أَنَّ كُل حُكْمٍ شَرْعِيٍّ فَفِيهِ حَقٌّ لِلْعِبَادِ، إِمَّا عَاجِلًا وَإِمَّا آجِلًا، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الشَّرِيعَةَ إِنَّمَا وُضِعَتْ لِمَصَالِحِ الْعِبَادِ، رُوِيَ عَنْ مُعَاذٍ ﵁ قَال: فَقَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: يَا مُعَاذُ، هَل تَدْرِي حَقَّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ، وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَال: فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَلاَّ يُعَذِّبَ مَنْ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا (١) .
ثُمَّ ذَكَرَ الشَّاطِبِيُّ أَنَّ كُل الْحُقُوقِ حَتَّى حَقَّ الْعَبْدِ هُوَ حَقٌّ لِلَّهِ وَحْدَهُ بَادِئَ ذِي بَدْءٍ، فَقَال: كُل تَكْلِيفٍ حَقُّ اللَّهِ، فَإِنَّ مَا هُوَ لِلَّهِ فَهُوَ لِلَّهِ، وَمَا كَانَ لِلْعَبْدِ فَرَاجِعٌ إِلَى اللَّهِ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أ - مِنْ جِهَةِ حَقِّ اللَّهِ فِيهِ.
ب - وَمِنْ جِهَةِ كَوْنِ حَقِّ الْعَبْدِ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ، إِذْ كَانَ لِلَّهِ أَلاَّ يَجْعَل لِلْعَبْدِ حَقًّا أَصْلًا، إِذِ الأَْشْيَاءُ كُلُّهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى وَضْعِهَا الأَْوَّل مُتَسَاوِيَةٌ، لاَ قَضَاءَ لِلْعَقْل فِيهَا بِحُسْنٍ وَلاَ قُبْحٍ، فَإِذَنْ كَوْنُ الْمَصْلَحَةِ مَصْلَحَةً هُوَ مِنْ قِبَل الشَّارِعِ، بِحَيْثُ يُصَدِّقُهُ الْعَقْل، وَتَطْمَئِنُّ إِلَيْهِ النَّفْسُ. (٢)
_________
(١) حديث: " فقال رسول الله ﷺ يا معاذ هل تدري حق الله. . . " تقدم تخريجه ف / ٣.
(٢) الموافقات ٢ / ٣١٧ وما بعدها.