الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١٧ - حرف الحاء - حسد - أسباب الحسد - السبب الرابع
يَتَرَفَّعَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، فَإِذَا أَصَابَ بَعْضُ أَمْثَالِهِ وِلاَيَةً أَوْ عِلْمًا أَوْ مَالًا خَافَ أَنْ يَتَكَبَّرَ عَلَيْهِ، وَهُوَ لاَ يُطِيقُ تَكَبُّرَهُ، وَلاَ تَسْمَحُ نَفْسُهُ بِاحْتِمَال صَلَفِهِ وَتَفَاخُرِهِ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ مِنْ غَرَضِهِ أَنْ يَتَكَبَّرَ، بَل غَرَضُهُ أَنْ يَدْفَعَ كِبْرَهُ، فَإِنَّهُ قَدْ رَضِيَ بِمُسَاوَاتِهِ مَثَلًا، وَلَكِنْ لاَ يَرْضَى بِالتَّرَفُّعِ عَلَيْهِ.
السَّبَبُ الثَّالِثُ: الْكِبْرُ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ فِي طَبْعِهِ أَنْ يَتَكَبَّرَ عَلَيْهِ وَيَسْتَصْغِرَهُ وَيَسْتَخْدِمَهُ وَيَتَوَقَّعَ مِنْهُ الاِنْقِيَادَ لَهُ وَالْمُتَابَعَةَ فِي أَغْرَاضِهِ، وَمِنَ التَّكَبُّرِ وَالتَّعَزُّزِ كَانَ حَسَدُ أَكْثَرِ الْكُفَّارِ لِرَسُول اللَّهِ ﷺ إِذْ قَالُوا: كَيْفَ يَتَقَدَّمُ عَلَيْنَا غُلاَمٌ يَتِيمٌ وَكَيْفَ نُطَأْطِئُ رُءُوسَنَا لَهُ فَقَالُوا: ﴿لَوْلاَ نُزِّل هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ (١)
السَّبَبُ الرَّابِعُ: التَّعَجُّبُ، كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنِ الأُْمَمِ السَّالِفَةِ إِذْ قَالُوا: ﴿مَا أَنْتُمْ إِلاَّ بِشْرٌ مِثْلُنَا﴾ (٢) . وَقَالُوا: ﴿أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا﴾ (٣) - ﴿وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ﴾ (٤)، فَتَعَجَّبُوا مِنْ أَنْ يَفُوزَ بِرُتْبَةِ الرِّسَالَةِ وَالْوَحْيِ وَالْقُرْبِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بَشَرٌ مِثْلُهُمْ، فَحَسَدُوهُمْ، وَأَحَبُّوا زَوَال النُّبُوَّةِ عَنْهُمْ جَزَعًا أَنْ يُفَضَّل عَلَيْهِمْ مَنْ هُوَ مِثْلُهُمْ فِي الْخِلْقَةِ، لاَ عَنْ قَصْدِ تَكَبُّرٍ، وَطَلَبِ رِئَاسَةٍ، وَتَقَدُّمِ
_________
(١) الزخرف / ٣١.
(٢) سورة يس / ١٥.
(٣) سورة المؤمنون / ٤٧.
(٤) سورة المؤمنون / ٣٤.