الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١٧ -
جُنُودَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ تَزَل مُشْتَمِلَةً عَلَى الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ، وَشَارِبِ الْخَمْرِ، وَظَالِمِ الأَْيْتَامِ، وَلَمْ يُمْنَعُوا مِنَ الْغَزْوِ لاَ فِي عَصْرِ رَسُول اللَّهِ ﷺ وَلاَ بَعْدَهُ، وَأَنَّ الْحِسْبَةَ تَكُونُ بِالْقَوْل وَالْفِعْل نَحْوَ إِرَاقَةِ الْخَمْرِ، وَكَسْرِ الْمَلاَهِي وَغَيْرِهَا، فَإِذَا مُنِعَ الْفَاسِقُ مِنَ الْحِسْبَةِ بِالْقَوْل لِمَا فِيهِ مِنْ مُخَالَفَةِ قَوْلِهِ عَمَلَهُ فَإِنَّهُ لاَ يُمْنَعُ مِنَ الْحِسْبَةِ بِالْفِعْل، لأَِنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الْقَهْرُ، وَتَمَامُ الْقَهْرِ أَنْ يَكُونَ بِالْفِعْل وَالْحُجَّةِ جَمِيعًا وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا. فَإِنْ قَهَرَ بِالْفِعْل فَقَدْ قَهَرَ بِالْحُجَّةِ، وَإِنَّ الْحِسْبَةَ الْقَهْرِيَّةَ لاَ يُشْتَرَطُ فِيهَا ذَلِكَ، فَلاَ حَرَجَ عَلَى الْفَاسِقِ فِي إِرَاقَةِ الْخَمْرِ وَكَسْرِ الْمَلاَهِي إِذَا قَدَرَ (١) .
وَكَمَا إِذَا أَخْبَرَ وَلِيُّ الدَّمِ الْفَاسِقَ بِالْعَفْوِ عَنِ الْقِصَاصِ فَلَهُ أَنْ يَدْفَعَ مَنْ أَرَادَ الْقِصَاصَ مِنَ الْجَانِي وَلَوْ بِالْقَتْل إِذَا لَمْ يُصَدِّقْهُ بِعَفْوِ وَلِيِّ الدَّمِ دَفْعًا لِمَفْسَدَةِ الْقَتْل بِغَيْرِ حَقٍّ (٢) .
أَمَّا مَنِ اشْتَرَطَهَا فِي حَالَةِ التَّطَوُّعِ وَالاِحْتِسَابِ، فَقَدِ اسْتَدَل بِالنَّكِيرِ الْوَارِدِ عَلَى مَنْ يَأْمُرُ بِمَا لاَ يَفْعَلُهُ، مِثْل قَوْله تَعَالَى: ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ﴾ (٣) وقَوْله تَعَالَى: ﴿كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ﴾ (٤) وقَوْله تَعَالَى:
_________
(١) إحياء علوم الدين ٢ / ٣٩٩ - ٤٠١.
(٢) الفروق ٤ / ٢٥٦، ٢٥٧.
(٣) سورة البقرة / ٤٤.
(٤) سورة الصف / ٢.