الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١٧ -
وَقَال أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْعُقْبَانِيُّ التِّلْمِسَانِيُّ الْمَالِكِيُّ: اخْتُلِفَ فِي الْعَدَالَةِ هَل هِيَ شَرْطٌ فِي صِفَةِ الْمُغَيِّرِ (الْمُحْتَسِبِ) أَوْ لاَ.
فَاعْتَبَرَ قَوْمٌ شَرْطِيَّتَهَا، وَرَأَوْا أَنَّ الْفَاسِقَ لاَ يُغَيِّرُ، وَأَبَى مِنِ اعْتِبَارِهَا آخَرُونَ، وَذَلِكَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ عِنْدَ أَهْل الْعِلْمِ، لأَِنَّ ذَلِكَ مِنَ الشُّرُوطِ الْوَاجِبَةِ عَلَى الشَّخْصِ فِي رَقَبَتِهِ كَالصَّلاَةِ فَلاَ يُسْقِطُهُ الْفِسْقُ، كَمَا لاَ يَسْقُطُ وُجُوبُ الصَّلاَةِ بِتَعَلُّقِ التَّكْلِيفِ بِأَمْرِ الشَّرْعِ. قَال ﵊: مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ وَلَيْسَ كَوْنُهُ فَاسِقًا أَوْ مِمَّنْ يَفْعَل ذَلِكَ الْمُنْكَرَ بِعَيْنِهِ يُخْرِجُهُ عَنْ خِطَابِ التَّغْيِيرِ لأَِنَّ طَرِيقَ الْفَرْضِيَّةِ مُتَغَايِرٌ.
وَقَال ابْنُ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيُّ: وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا عِنْدَ أَهْل السُّنَّةِ، لأَِنَّ الْعَدَالَةَ مَحْصُورَةٌ فِي قَلِيلٍ مِنَ الْخَلْقِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ عَامٌّ فِي جَمِيعِ النَّاسِ (١) .
وَقَال الإِْمَامُ الْغَزَالِيُّ: الْحَقُّ أَنَّ لِلْفَاسِقِ أَنْ يَحْتَسِبَ، وَبُرْهَانُهُ أَنْ تَقُول: هَل يُشْتَرَطُ فِي الاِحْتِسَابِ أَنْ يَكُونَ مُتَعَاطِيهِ مَعْصُومًا عَنِ الْمَعَاصِي كُلِّهَا؟ فَإِنْ شُرِطَ ذَلِكَ فَهُوَ خَرْقٌ لِلإِْجْمَاعِ، ثُمَّ حَسْمٌ لِبَابِ الاِحْتِسَابِ، إِذْ لاَ عِصْمَةَ لِلصَّحَابَةِ فَضْلًا عَمَّنْ دُونَهُمْ، وَأَنَّ
_________
(١) تحفة الناظر وغنية الذاكر ٨، أحكام القرآن لابن العربي ١ / ٢٦٦، ٢٩٢، الجامع لأحكام القرآن ١ / ٤٧.