الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١٦ -
الْمُصَالَحَةُ، وَشَرْعًا هِيَ عَقْدٌ يَتَضَمَّنُ مُصَالَحَةَ أَهْل الْحَرْبِ عَلَى تَرْكِ الْقِتَال مُدَّةً بِعِوَضٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَتُسَمَّى مُوَادَعَةً، وَمُسَالَمَةً، وَمُعَاهَدَةً وَمُهَادَنَةً، وَالأَْصْل فِيهَا قَبْل الإِْجْمَاعِ أَوَّل سُورَةٍ " بَرَاءَةٌ " ﴿إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ﴾ (١)، وَمُهَادَنَتُهُ ﷺ قُرَيْشًا عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ (٢) .
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ تَجُوزُ الْهُدْنَةُ لِلْمُدَّةِ الَّتِي يَرَى الإِْمَامُ فِيهَا الْمَصْلَحَةَ وَإِنْ زَادَتْ عَنْ عَشْرِ سِنِينَ، قَال الْمَالِكِيَّةُ: وَنُدِبَ أَنْ لاَ تَزِيدَ عَنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لاَ يَجُوزُ مُهَادَنَةُ الْكُفَّارِ سَنَةً فَمَا زَادَ؛ لأَِنَّهَا مُدَّةٌ تَجِبُ فِيهَا الْجِزْيَةُ، فَلاَ يَجُوزُ إِقْرَارُهُمْ فِيهَا مِنْ غَيْرِ جِزْيَةٍ، وَفِي جَوَازِ مُهَادَنَتِهِمْ فِيمَا زَادَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَمَا دُونَ سَنَةٍ قَوْلاَنِ وَهَذَا فِي حَال قُوَّةِ الْمُسْلِمِينَ. أَمَّا فِي حَال ضَعْفِهِمْ فَيَجُوزُ عَقْدُهَا إِلَى عَشْرِ سِنِينَ. وَظَاهِرُ كَلاَمِ أَحْمَدَ أَنَّهَا لاَ تَجُوزُ أَكْثَرَ مِنْ عَشْرِ سِنِينَ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ لِمُصَالَحَةِ النَّبِيِّ ﷺ قُرَيْشًا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ عَشْرًا.
كَمَا لاَ تَجُوزُ الْهُدْنَةُ إِلاَّ لِلنَّظَرِ لِلْمُسْلِمِينَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ بِهِمْ ضَعْفٌ عَنْ قِتَال الْكُفَّارِ، وَإِمَّا أَنْ
_________
(١) سورة التوبة / ١.
(٢) فتح القدير ٥ / ٢٠٥، وجواهر الإكليل ١ / ٢٦٩.