الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١٦
ما ينبغي فعله بعد الموت، وما لا ينبغي فعله
ما ينبغي أن يفعل مع الجنازة وما لا ينبغي
ما يفعل المسبوق في صلاة الجنازة
ما يفسد صلاة الجنازة وما يكره فيها
التعزية، والرثاء، وزيارة القبور ونحو ذلك
أولا - أقسام الجناية على النفس
ثانيا - الجناية على ما دون النفس
ثالثا - الجناية على ما هو نفس من وجه دون وجه
القسم الأول الجناية على ما دون النفس الموجبة للقصاص
(٣) كون المجني عليه مكافئا للجاني في الصفات
(٦) إمكان الاستيفاء من غير حيف
أنواع الجناية على ما دون النفس إذا كانت عمدا
النوع الأول - أن تكون الجناية بالقطع والإبانة
١ - الجناية على اليدين والرجلين
جناية الأعور على صحيح العينين وعكسها
ثانيا - الجراحات الواقعة على سائر البدن
النوع الثالث إبطال المنافع بلا شق ولا إبانة
القسم الثاني الجناية على ما دون النفس الموجبة للدية أو غيرها
أثر اتحاد الجنس واختلافه في البيوع الربوية
الأذكار التي يعتصم بها من الشياطين مردة الجن ويستدفع بها شرهم
أثر الجنون في العبادات البدنية
أثر الجنون في التصرفات القولية
هل يعتبر الجنون عيبا في النكاح
طروء الجنون على الولي في النكاح
طروء الجنون على من له الخيار في البيع
طروء الجنون على الموجب قبل القبول
طروء الجنون على من وجب عليه قصاص أو حد
تغسيل الجنين، وتكفينه، والصلاة عليه، ودفنه
الاستعانة بغير المسلمين على قتال العدو
منع إخراج المصحف وكتب الشرع في الجهاد
تحريق العدو بالنار، وتغريقه بالماء، ورميه بالمنجنيق
الألفاظ ذات الصلة الإسرار، والمخافتة، والكتمان
الجهر بالتسليم للخروج من الصلاة
الجهر بالبسملة عند قراءة القرآن
الجهر بقراءة القرآن خارج الصلاة
الجهر بالتكبير في ليلتي العيدين
أولا - الجهل الباطل الذي لا يصلح عذرا
الجهل بالتحريم مسقط للإثم والحكم في الظاهر
الجهل عذر في المنهيات في حقوق الله تعالى
ترك استقبال واستدبار القبلة عند قضاء الحاجة
اختلاف القابض والدافع في الجهة
أثر الجوار في تقييد التصرف في الملك
حكم الانتفاع بالجدار بين جارين
وأما الحائط المشترك فالكلام فيه في ثلاثة مواضع
ثانيا - حكم الحائل بمعنى الحاجز
ثانيا - صلاة العاجز إيماء بالحاجب
خامسا اتخاذ القاضي أو الأمير حاجبا
باعتبار الأعصار والأمصار والقرون والأحوال
ألا يعود اعتبارها على الأصل بالإبطال
أن تكون الحاجة قائمة لا منتظرة
ألا يكون الأخذ بمقتضى الحاجة مخالفا لقصد الشارع
أولا الاستثناء من القواعد الشرعية (مخالفة القياس)
ثالثا إباحة المحظور للحاجة، وكذلك ما حرم سدا للذريعة
رابعا اعتبار الشبهات في درء الحدود
أولا - الحاكم عند الأصوليين المتكلمين
الحكم التكليفي في تولية الحاكم
الحبس بقصد العقوبة والتعزير وموجباته
جمع الحبس تعزيرا مع عقوبات أخرى
التمييز بين الحبس القصير والحبس الطويل
أسباب سقوط الحبس تعزيرا وقطع مدته
الجهة التي يحق لها الحبس بتهمة
ضوابط موجبات الحبس عامة عند الفقهاء
حبس القاتل عمدا لعدم المكافأة في الدم بينه وبين المقتول
حبس المتسبب في القتل العمد دون مباشرته
حبس الجاني على ما دون النفس بالجرح ونحوه لتعذر القصاص
حالات الحبس بسبب الاعتداء على الدين وشعائره
الحبس بسبب العمل بالبدعة والدعوة إليها
حالات الحبس بسبب الاعتداء على الأخلاق ونحو ذلك
حالات الحبس بسبب الاعتداء على المال
حبس العائد إلى السرقة بعد قطعه
الحبس للدين مشروعية حبس المدين
الحبس للتعدي على حق الله أو حقوق العباد
الحبس لحالات تتصل بالقضاء والأحكام
حبس المقر لآخر بمجهول لامتناعه من تفسيره
حالات الحبس بسبب الاعتداء على نظام الدولة
الحالة الثانية أخذهم أثناء القتال
وقت الإفراج عن البغاة المحبوسين
إفراد النساء بسجن منعزل عن سجن الرجال
حبس غير البالغين في قضايا المعاملات المالية
تمييز حبس الموقوفين عن حبس المحكومين
تمييز الحبس في قضايا المعاملات عن الحبس في الجرائم
الحبس بالإقامة الجبرية في البيت ونحوه
إخراج المريض من سجنه إذا خيف عليه
أحكام بعض التصرفات المتعلقة بالمحبوس
التصرفات المالية المتصلة بالمحبوس
ما يجب على المودع إذا عجز عن رد الوديعة إلى مالكها المحبوس
إنفاق الزوج على زوجته المحبوسة
احتساب مدة حبس الزوج أو الزوجة في الإيلاء
تأخير المحبوس ملاعنة زوجته ونفيه الولد
التصرفات القضائية والحكمية المتصلة بالمحبوس
خروج المحبوس لسماع الدعوى عليه عند القاضي أو تعذر ذلك
المنع من الوضوء والصلاة ونحوها
جبير بن نفير (؟ - ٧٥ وقيل ٨٠ هـ)
الزين بن المنير (٦٢٩ - ٦٩٥ هـ)
الصعب بن جثامة (؟ - نحو ٢٥ هـ)
العلاء بن زياد (؟ - ٧٨، وقيل ٩٤ هـ)
جَنَائِزُ
التَّعْرِيفُ:
١ - الْجَنَائِزُ جَمْعُ جَنَازَةٍ بِالْفَتْحِ الْمَيِّتُ، وَبِالْكَسْرِ السَّرِيرُ الَّذِي يُوضَعُ عَلَيْهِ الْمَيِّتُ، وَقِيل عَكْسُهُ، أَوْ بِالْكَسْرِ: السَّرِيرُ مَعَ الْمَيِّتِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ الْمَيِّتُ فَهُوَ سَرِيرٌ وَنَعْشٌ وَقِيل: فِي كُلٍّ مِنْهُمَا لُغَتَانِ (١) .
أَوَّلًا: أَحْكَامُ الْمُحْتَضَرِ:
تَعْرِيفُ الْمُحْتَضَرِ وَتَوْجِيهُهُ وَتَلْقِينُهُ:
٢ - الْمُحْتَضَرُ (٢) هُوَ مَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ وَمَلاَئِكَتُهُ، وَالْمُرَادُ مَنْ قَرُبَ مَوْتُهُ، وَعَلاَمَةُ الاِحْتِضَارِ - كَمَا أَوْرَدَهَا ابْنُ عَابِدِينَ - أَنْ تَسْتَرْخِيَ قَدَمَاهُ فَلاَ تَنْتَصِبَانِ، وَيَعْوَجَّ أَنْفُهُ، وَيَنْخَسِفَ صُدْغَاهُ، وَيَمْتَدَّ جِلْدُ خُصْيَتَيْهِ لاِنْشِمَارِ الْخُصْيَتَيْنِ بِالْمَوْتِ، وَتَمْتَدَّ جِلْدَةُ وَجْهِهِ فَلاَ يُرَى فِيهَا تَعَطُّفٌ (٣) .
وَلِلْمُحْتَضَرِ أَحْكَامٌ تُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (احْتِضَارٌ) .
_________
(١) القاموس، المصباح مادة: " جنز "، والدر المختار ١ / ٥٩٩.
(٢) اسم مفعول من الاحتضار.
(٣) ابن عابدين ١ / ٥٩٥، والهندية ١ / ١٥٤.
مَا يَنْبَغِي فِعْلُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَمَا لاَ يَنْبَغِي فِعْلُهُ:
مَا يَنْبَغِي فِعْلُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ:
٣ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا مَاتَ الْمَيِّتُ شُدَّ لَحْيَاهُ، وَغُمِّضَتْ عَيْنَاهُ، فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ دَخَل عَلَى أَبِي سَلَمَةَ، وَقَدْ شُقَّ بَصَرُهُ فَأَغْمَضَهُ وَقَال: إِذَا حَضَرْتُمْ مَوْتَاكُمْ فَأَغْمِضُوا الْبَصَرَ (١)
وَيَتَوَلَّى أَرْفَقُ أَهْلِهِ بِهِ إِغْمَاضَهُ بِأَسْهَل مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَيَشُدُّ لَحْيَاهُ بِعِصَابَةٍ عَرِيضَةٍ يَشُدُّهَا فِي لَحْيِهِ الأَْسْفَل وَيَرْبِطُهَا فَوْقَ رَأْسِهِ (٢) .
وَيَقُول مُغْمِضُهُ: بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُول اللَّهِ. اللَّهُمَّ يَسِّرْ عَلَيْهِ أَمْرَهُ، وَسَهِّل عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ. وَأَسْعِدْهُ بِلِقَائِكَ، وَاجْعَل مَا خَرَجَ إِلَيْهِ خَيْرًا مِمَّا خَرَجَ مِنْهُ. (٣)
وَيُلَيِّنُ مَفَاصِلَهُ، وَيَرُدُّ ذِرَاعَيْهِ إِلَى عَضُدَيْهِ، وَيَرُدُّ أَصَابِعَ كَفَّيْهِ، ثُمَّ يَمُدُّهَا، وَيَرُدُّ فَخِذَيْهِ إِلَى بَطْنِهِ، وَسَاقَيْهِ إِلَى فَخِذَيْهِ، ثُمَّ يَمُدُّهَا، وَهُوَ أَيْضًا مِمَّا اتُّفِقَ عَلَيْهِ. (٤)
_________
(١) حديث: " فإن النبي ﷺ دخل على أبي سلمة وقد. . . ". أخرجه مسلم (٢ / ٦٣٤ - ط عيسى الحلبي) .
(٢) الفتاوى الهندية ١ / ١٥٤، ومختصر المزني ١ / ١٦٩، وغاية المنتهى باختصار ١ / ٢٢٨، وبلغة السالك ١ / ٢٦٦.
(٣) الهندية ١ / ١٥٤.
(٤) راجع الهندية ١ / ١٥٤، ومختصر خليل ٣٧، والمزني ١ / ٦٩، والغاية ١ / ٢٢٨ ولفظها: " سن تليين مفاصله وخلع ثيابه وستره بثوب ووضع حديدة ونحوها على بطنه ".
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْزِعَ عَنْهُ ثِيَابَهُ الَّتِي مَاتَ فِيهَا، وَيُسَجَّى جَمِيعُ بَدَنِهِ بِثَوْبٍ " فَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ حِينَ تُوُفِّيَ سُجِّيَ بِبُرْدٍ حِبَرَةٍ (١) وَيُتْرَكُ عَلَى شَيْءٍ مُرْتَفِعٍ مِنْ لَوْحٍ أَوْ سَرِيرٍ، لِئَلاَّ تُصِيبَهُ نَدَاوَةُ الأَْرْضِ فَيَتَغَيَّرَ رِيحُهُ. وَيُجْعَل عَلَى بَطْنِهِ حَدِيدٌ، أَوْ طِينٌ يَابِسٌ، لِئَلاَّ يَنْتَفِخَ، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ. (٢)
الإِْعْلاَمُ بِالْمَوْتِ:
٤ - يُسْتَحَبُّ أَنْ يَعْلَمَ جِيرَانُ الْمَيِّتِ وَأَصْدِقَاؤُهُ حَتَّى يُؤَدُّوا حَقَّهُ بِالصَّلاَةِ عَلَيْهِ وَالدُّعَاءِ لَهُ، رَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنِ النَّخَعِيِّ: لاَ بَأْسَ إِذَا مَاتَ الرَّجُل أَنْ يُؤْذَنَ صَدِيقُهُ وَأَصْحَابُهُ، إِنَّمَا يُكْرَهُ أَنْ يُطَافَ فِي الْمَجْلِسِ فَيُقَال: أَنْعِي (فُلاَنًا) لأَِنَّ ذَلِكَ مِنْ فِعْل أَهْل الْجَاهِلِيَّةِ، وَرُوِيَ نَحْوُهُ بِاخْتِصَارٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ. (٣)
وَكَرِهَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ النِّدَاءَ فِي الأَْسْوَاقِ قَال فِي النِّهَايَةِ: إِنْ كَانَ عَالِمًا، أَوْ زَاهِدًا، أَوْ مِمَّنْ يُتَبَرَّكُ بِهِ، فَقَدِ اسْتَحْسَنَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ النِّدَاءَ فِي
_________
(١) حديث: " أن رسول الله ﷺ حين توفي سجي. . . " أخرجه البخاري (فتح الباري ١٠ / ٢٦٧ - ط السلفية)، ومسلم (٢ / ٦٥١ ط عيسى الحلبي) من حديث عائشة.
(٢) المراجع السابقة.
(٣) فتح الباري ٣ / ٧٥، وشرح البهجة ١ / ١٢٤.
الأَْسْوَاقِ لِجِنَازَتِهِ وَهُوَ الأَْصَحُّ، وَلَكِنْ لاَ يَكُونُ عَلَى هَيْئَةِ التَّفْخِيمِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِنَحْوِ: مَاتَ الْفَقِيرُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فُلاَنُ بْنُ فُلاَنٍ، (١) وَيَشْهَدُ لَهُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يُؤْذِنُ بِالْجِنَازَةِ فَيَمُرُّ بِالْمَسْجِدِ فَيَقُول: عَبْدُ اللَّهِ دُعِيَ فَأَجَابَ، أَوْ أَمَةُ اللَّهِ دُعِيَتْ فَأَجَابَتْ (٢) . وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ لاَ بَأْسَ بِإِعْلاَمِ أَقَارِبِهِ وَإِخْوَانِهِ مِنْ غَيْرِ نِدَاءٍ. (٣)
وَقَال ابْنُ الْعَرَبِيِّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: يُؤْخَذُ مِنْ مَجْمُوعِ الأَْحَادِيثِ ثَلاَثُ حَالاَتٍ:
الأُْولَى: إِعْلاَمُ الأَْهْل وَالأَْصْحَابِ وَأَهْل الصَّلاَحِ فَهَذَا سُنَّةٌ.
وَالثَّانِيَةُ: الدَّعْوَةُ لِلْمُفَاخَرَةِ بِالْكَثْرَةِ فَهَذَا مَكْرُوهٌ.
وَالثَّالِثَةُ: الإِْعْلاَمُ بِنَوْعٍ آخَرَ كَالنِّيَاحَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهَذَا مُحَرَّمٌ. (٤)
وَفِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ كُرِهَ صِيَاحٌ بِمَسْجِدٍ أَوْ بِبَابِهِ بِأَنْ يُقَال: فُلاَنٌ قَدْ مَاتَ فَاسْعَوْا إِلَى جِنَازَتِهِ مَثَلًا، إِلاَّ الإِْعْلاَمَ بِصَوْتٍ خَفِيٍّ أَيْ مِنْ غَيْرِ صِيَاحٍ فَلاَ يُكْرَهُ.
فَالنَّعْيُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ اتِّفَاقًا، وَهُوَ أَنْ يَرْكَبَ رَجُلٌ دَابَّةً يَصِيحُ فِي النَّاسِ أَنْعِي فُلاَنًا، أَوْ كَمَا مَرَّ عَنِ
_________
(١) الهندية ١ / ١٥٥، وابن عابدين ١ / ٥٩٧، ٦٢٩.
(٢) رواه ابن أبي شيبة ٤ / ٩٩.
(٣) غاية المنتهى ١ / ٢٢٨.
(٤) فتح الباري ٣ / ٧٥.
النَّخَعِيِّ، أَوْ أَنْ يُنَادَى بِمَوْتِهِ، وَيُشَادَ بِمَفَاخِرِهِ. وَبِهِ يَقُول الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ. (١) وَيُنْظَرُ التَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (نَعْيٌ) .
قَضَاءُ الدَّيْنِ:
٥ - يُسْتَحَبُّ أَنْ يُسَارَعَ إِلَى قَضَاءِ دَيْنِهِ أَوْ إِبْرَائِهِ مِنْهُ، وَبِهِ قَال أَحْمَدُ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ مَرْفُوعًا نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ.
قَال السُّيُوطِيُّ: سَوَاءٌ تَرَكَ الْمَيِّتُ وَفَاءً أَمْ لاَ، وَشَذَّ الْمَاوَرْدِيُّ فَقَال: إِنَّ الْحَدِيثَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ يُخَلِّفُ وَفَاءً (٢) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنْ تَعَذَّرَ الْوَفَاءُ اسْتُحِبَّ لِوَارِثِهِ أَوْ غَيْرِهِ أَنْ يَتَكَفَّل عَنْهُ، وَالْكَفَالَةُ بِدَيْنِ الْمَيِّتِ قَال بِصِحَّتِهَا أَكْثَرُ الأَْئِمَّةِ، خِلاَفًا لأَِبِي حَنِيفَةَ، فَإِنَّهُ لاَ تَصِحُّ عِنْدَهُ الْكَفَالَةُ بِدَيْنٍ عَلَى مَيِّتٍ مُفْلِسٍ، وَإِنْ وَعَدَ أَحَدٌ بِأَدَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ صَحَّ عِنْدَهُ عِدَةً لاَ
_________
(١) الشرح الصغير ١ / ٢٢٩، والفتح ٣ / ٧٥، وشرح البهجة ١ / ١٢٤.
(٢) تحفة الأحوذي ٢ / ١٦٦ والحديث: " نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه. . . " أخرجه أحمد (٢ / ٤٤٠ ط المكتب الإسلامي)، والترمذي (٣ / ٣٨٠ مصطفى الحلبي) والحاكم (٢ / ٢٧ ط دار الكتاب العربي) من حديث أبي هريرة وقال الترمذي: هذا حديث حسن، وصحح الحديث الحاكم على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.
كَفَالَةً. وَذَهَبَ الطَّحْطَاوِيُّ إِلَى قَوْل الْجُمْهُورِ. (١)
تَجْهِيزُ الْمَيِّتِ:
٦ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ إِنْ تُيُقِّنَ الْمَوْتُ يُبَادَرُ إِلَى التَّجْهِيزِ وَلاَ يُؤَخَّرُ " لِقَوْلِهِ ﵊: لاَ يَنْبَغِي لِجِيفَةِ مُسْلِمٍ أَنْ تُحْبَسَ بَيْنَ ظَهْرَيْ أَهْلِهِ (٢) وَتَشْهَدُ لَهُ أَحَادِيثُ الإِْسْرَاعِ بِالْجِنَازَةِ، وَسَيَأْتِي عِنْدَ الْكَلاَمِ عَنْ حَمْل الْجِنَازَةِ.
فَإِنْ مَاتَ فَجْأَةً تُرِكَ حَتَّى يُتَيَقَّنَ مَوْتُهُ، وَهُوَ مُفَادُ كَلاَمِ الشَّافِعِيِّ فِي الأُْمِّ. وَفِي الْغَايَةِ سُنَّ إِسْرَاعُ تَجْهِيزِهِ إِنْ مَاتَ غَيْرَ فَجْأَةٍ، وَيُنْتَظَرُ مَنْ مَاتَ فَجْأَةً بِنَحْوِ صَعْقَةٍ، أَوْ مَنْ شُكَّ فِي مَوْتِهِ، حَتَّى يُعْلَمَ بِانْخِسَافِ صُدْغَيْهِ إِلَخْ.
وَبِهِ يَقُول الْمَالِكِيَّةُ فَفِي مُقَدِّمَاتِ ابْنِ رُشْدٍ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُؤَخَّرَ دَفْنُ الْغَرِيقِ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ غَمَرَهُ فَلاَ تَتَبَيَّنَ حَيَاتُهُ. (٣)
_________
(١) غاية المنتهى ١ / ٢٢٨ وتحفة الأحوذي ٢ / ١٦٢، وحاشية ابن عابدين ٤ / ٢٧٠.
(٢) حديث: " لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس. . . " أخرجه أبو داود (٣ / ٥١٠ - ط عزت عبيد الدعاس) . والبيهقي (٣ / ٣٨٦ - ط دار المعرفة) من حديث حصين بن وحوح مرسلا (الإصابة ١ / ٣٤٠ - ط مؤسسة الرسالة) والأرناؤوط (جامع الأصول ١١ / ١٤١ - ط دار البيان) . .
(٣) الهندية ١ / ١٥٧ وما بعدها، والغاية ١ / ١٦٧، ٢٢٨
مَا لاَ يَنْبَغِي فِعْلُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ:
قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ عِنْدَ الْمَيِّتِ:
٧ - تُكْرَهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ عِنْدَ الْمَيِّتِ حَتَّى يُغَسَّل (١)، وَأَمَّا حَدِيثُ مَعْقِل بْنِ يَسَارٍ مَرْفُوعًا اقْرَءُوا سُورَةَ يس عَلَى مَوْتَاكُمْ (٢) فَقَال ابْنُ حِبَّانَ: الْمُرَادُ بِهِ مَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَابْنُ مَرْدُوَيْهِ مَرْفُوعًا مَا مِنْ مَيِّتٍ يُقْرَأُ عِنْدَهُ يس إِلاَّ هَوَّنَ اللَّهُ عَلَيْهِ (٣) " وَخَالَفَهُ بَعْضُ مُتَأَخِّرِي الْمُحَقِّقِينَ، فَأَخَذَ بِظَاهِرِ الْخَبَرِ وَقَال: بَل يُقْرَأُ عَلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَهُوَ مُسَجًّى، وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلاَفٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَيْضًا. (٤)
قَال ابْنُ عَابِدِينَ: الْحَاصِل أَنَّ الْمَيِّتَ إِنْ كَانَ
_________
(١) الهندية ١ / ١٥٧ وما بعدها
(٢) حديث: " اقرءوا سورة يس على موتاكم ". أخرجه أبو داود (٣ / ٤٨٩ - ط عزت عبيد الدعاس) وابن ماجه (١ / ٤٦٥ - ٤٦٦ - ط عيسى الحلبي) والبيهقي (٣ / ٣٨٣ - ط دار المعرفة) . وقال ابن حجر (وأعله ابن القطان بالاضطراب وبالوقف وبجهالة حال أبي عثمان وأبيه، ونقل أبو بكر بن العربي عن الدارقطني أنه قال: هذا حديث ضعيف الإسناد مجهول المتن ولا يصح في الباب حديث أ. هـ من التلخيص الحبير ٢ / ١٠٤ - ط شركة الطباعة الفنية) .
(٣) حديث: " ما من ميت يقرأ عنده يس إلا هون الله عليه " أخرجه ابن حبان في صحيحه (٥ / ٣ - ط دار الكتب العلمية) والديلمي في مسند الفردوس (٤ / ٣٢٨ - ط دار الكتاب العربي) من حديث أبي الدرداء. ضعفه ابن حجر في التلخيص الحبير (٢ / ١٠٤ - ط شركة الطباعة الفنية) .
(٤) المرقاة ٢ / ٢٢١.
مُحْدِثًا فَلاَ كَرَاهَةَ، وَإِنْ كَانَ نَجِسًا كُرِهَ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا أَيْضًا إِذَا لَمْ يَكُنِ الْمَيِّتُ مُسَجًّى بِثَوْبٍ يَسْتُرُ جَمِيعَ بَدَنِهِ، وَكَذَا يَنْبَغِي تَقْيِيدُ الْكَرَاهَةِ بِمَا إِذَا قَرَأَ جَهْرًا. (١) وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يُكْرَهُ قِرَاءَةُ شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ مُطْلَقًا. (٢)
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُقْرَأُ عِنْدَ الْمَيِّتِ قَبْل الدَّفْنِ لِئَلاَّ تَشْغَلَهُمُ الْقِرَاءَةُ عَنْ تَعْجِيل تَجْهِيزِهِ، خِلاَفًا لاِبْنِ الرِّفْعَةِ وَبَعْضِهِمْ، وَجَوَّزَهُ الرَّمْلِيُّ بَحْثًا. أَمَّا بَعْدَ الدَّفْنِ فَيُنْدَبُ عِنْدَهُمْ (٣) .
وَلَمْ نَعْثُرْ عَلَى تَصْرِيحٍ لِلْحَنَابِلَةِ فِي غَيْرِ الْمُحْتَضَرِ.
النَّوْحُ وَالصِّيَاحُ عَلَى الْمَيِّتِ:
٨ - يُكْرَهُ النَّوْحُ، وَالصِّيَاحُ، وَشَقُّ الْجُيُوبِ، فِي مَنْزِل الْمَيِّتِ، وَفِي الْجَنَائِزِ، أَوْ فِي مَحَلٍّ آخَرَ لِلنَّهْيِ عَنْهُ، وَلاَ بَأْسَ بِالْبُكَاءِ بِدَمْعٍ قَال الْحَنَفِيَّةُ: وَالصَّبْرُ أَفْضَل. (٤)
فَقَدْ رَوَى الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الأَْشْعَرِيِّ
_________
(١) ابن عابدين ١ / ٥٩٨ (وحرفت العبارة فيه إلى أن الموت إن كان حدثا) .
(٢) الشرح الصغير ١ / ٢٢٨.
(٣) نهاية المحتاج ٢ / ٤٢٨.
(٤) الهندية ١ / ١٥٧ وما بعدها، ومراقي الفلاح ص ٣٠٥ وما بعدها.
أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ بَرِئَ مِنَ الصَّالِقَةِ وَالْحَالِقَةِ وَالشَّاقَّةِ (١) . وَأَخْرَجَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ، وَشَقَّ الْجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ (٢) .
وَأَمَّا الْبُكَاءُ بِغَيْرِ صَوْتٍ فَيَدُل عَلَى جَوَازِهِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ رُفِعَ إِلَيْهِ ابْنٌ لاِبْنَتِهِ وَنَفْسُهُ تَتَقَعْقَعُ (٣) فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ، وَقَال: هَذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ. (٤)
وَقَوْل عُمَرَ: - فِي حَقِّ نِسَاءِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ - دَعْهُنَّ يَبْكِينَ عَلَى أَبِي سُلَيْمَانَ مَا لَمْ يَكُنْ نَقْعٌ (٥) أَوْ لَقْلَقَةٌ (٦) ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا. (٧)
_________
(١) حديث: " أن رسول الله ﷺ برئ من الصالقة. . . . " أخرجه البخاري (فتح الباري ٣ / ١٦٥ - ط السلفية) ومسلم (١ / ١٠٠ - ط عيسى الحلبي) من حديث أبي موسى الأشعري. والصالقة: هي التي ترفع صوتها بالبكاء. والحالقة هي التي تحلق رأسها عند المصيبة. والشاقة هي التي تشق ثوبها عند المصيبة.
(٢) حديث: " ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا. . . . " أخرجه البخاري (فتح الباري ٣ / ١٦٦ - ط السلفية) ومسلم (١ / ٩٩ - ط عيسى الحلبي) من حديث عبد الله بن مسعود.
(٣) القعقعة هي حكاية صوت الشيء اليابس إذا حرك.
(٤) حديث: " هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده " أخرجه البخاري (فتح الباري ٣ / ١٥١ - ط السلفية) ومسلم (٢ / ٦٣٦ - ط عيسى الحلبي) من حديث أسامة بن زيد.
(٥) النقع: التراب على الرأس.
(٦) اللقلقة: الصوت يعني رفعه.
(٧) أثر " دعهن يبكين على أبي سليمان. . . . " أخرجه البخاري (فتح الباري ٣ / ١٦٠ - ط السلفية) معلقا. والبيهقي (٤ / ٧١ - ط دار المعرفة) موصولا. وعزاه ابن حجر إلى سنن سعيد بن منصور،. والتاريخ الأوسط والصغير للبخاري. (فتح الباري ٣ / ١٦١ - ط السلفية) .
وَفِي الصَّبْرِ رَوَى الْبُخَارِيُّ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ مَرَّ بِامْرَأَةٍ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ فَقَال: اتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي (١) . وَالْمُرَادُ بِالْكَرَاهَةِ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.
وَقَال السَّرَّاجُ: قَدْ أَجْمَعَتِ الأُْمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ النَّوْحِ، وَالدَّعْوَى بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ، ذَكَرَهُ الطَّحْطَاوِيُّ (٢) .
وَالْمُرَادُ بِالْبُكَاءِ فِي حَدِيثِ: إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ (٣) النَّدْبُ، وَالنِّيَاحَةُ، وَإِنَّمَا يُعَذَّبُ الْمَيِّتُ إِذَا أَوْصَى بِذَلِكَ. (٤)
وَفِي غَايَةِ الْمُنْتَهَى مِنْ كُتُبِ الْحَنَابِلَةِ لاَ يُكْرَهُ بُكَاءٌ عَلَى مَيِّتٍ قَبْل مَوْتٍ وَلاَ بَعْدَهُ، بَل اسْتِحْبَابُ الْبُكَاءِ رَحْمَةً لِلْمَيِّتِ سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ، وَحَرُمَ نَدْبٌ وَهُوَ بُكَاءٌ مَعَ تَعْدِيدِ مَحَاسِنِهِ، وَنَوْحٌ وَهُوَ رَفْعُ صَوْتٍ بِذَلِكَ بِرِقَّةٍ وَشَقِّ ثَوْبٍ، وَكُرِهَ
_________
(١) حديث: " اتقي الله واصبري " أخرجه البخاري (فتح الباري ٣ / ١٢٥ - ط السلفية) . ومسلم (٢ / ٦٣٧ - ط عيسى الحلبي) من حديث أنس بن مالك.
(٢) الطحطاوي على مراقي الفلاح ص٣٥٤
(٣) حديث: " إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه " أخرجه البخاري (فتح الباري ٣ / ١٥١ - ط السلفية) ومسلم (٢ / ٦٣٨ - ط عيسى الحلبي) من حديث عبد الله بن عمر.
(٤) الدر وابن عابدين ١ / ٦٣٣، والمقنع ١ / ٢٨٤، ٢٨٥.