الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١٥ -
الأَْمْرَاضِ فِي الْعَادَةِ انْتِقَال الدَّاءِ مِنَ الْمَرِيضِ إِلَى الصَّحِيحِ بِكَثْرَةِ الْمُخَالَطَةِ.
٤ - إِنَّ الْمُرَادَ بِنَفْيِ الْعَدْوَى أَنَّ شَيْئًا لاَ يُعْدِي بِطَبْعِهِ، نَفْيًا لِمَا كَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ تَعْتَقِدُهُ أَنَّ الأَْمْرَاضَ تُعْدِي بِطَبْعِهَا مِنْ غَيْرِ إِضَافَةٍ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَأَبْطَل النَّبِيُّ ﷺ اعْتِقَادَهُمْ ذَلِكَ، وَأَكَل مَعَ الْمَجْذُومِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي يُمْرِضُ وَيَشْفِي، وَنَهَاهُمْ عَنِ الدُّنُوِّ مِنْهُ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ أَنَّ هَذَا مِنَ الأَْسْبَابِ الَّتِي أَجْرَى اللَّهُ الْعَادَةَ بِأَنَّهَا تُفْضِي إِلَى مُسَبَّبَاتِهَا، فَفِي نَهْيِهِ إِثْبَاتُ الأَْسْبَابِ، وَفِي فِعْلِهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهَا لاَ تَسْتَقِل، بَل اللَّهُ هُوَ الَّذِي إِنْ شَاءَ سَلَبَهَا قُوَاهَا فَلاَ تُؤَثِّرُ شَيْئًا، وَإِنْ شَاءَ أَبْقَاهَا فَأَثَّرَتْ. وَعَلَى هَذَا جَرَى أَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ.
وَيُحْتَمَل أَيْضًا أَنْ يَكُونَ أَكْلُهُ مَعَ الْمَجْذُومِ أَنَّهُ كَانَ بِهِ أَمْرٌ يَسِيرٌ لاَ يُعْدِي مِثْلُهُ فِي الْعَادَةِ، إِذْ لَيْسَ الْجَذْمَى كُلُّهُمْ سَوَاءً وَلاَ تَحْصُل الْعَدْوَى مِنْ جَمِيعِهِمْ.
٥ - الْعَمَل بِنَفْيِ الْعَدْوَى أَصْلًا وَرَأْسًا وَحَمْل الأَْمْرِ بِالْمُجَانَبَةِ عَلَى حَسْمِ الْمَادَّةِ، وَسَدِّ الذَّرِيعَةِ لِئَلاَّ يَحْدُثَ لِلْمُخَالِطِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَيَظُنَّ أَنَّهُ بِسَبَبِ الْمُخَالَطَةِ فَيُثْبِتَ الْعَدْوَى الَّتِي نَفَاهَا الشَّارِعُ (١) .
_________
(١) فتح الباري ١٠ / ١٥٨ - ١٦١، وانظر عمدة القاري ٢١ / ٢٤٧، وصحيح مسلم بشرح النووي ١٤ / ٢٢٨، والأبي على صحيح مسلم ٦ / ٤٨ - ٤٩.