الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١٤ -
وَلَيْسَ مَعْنَى الْيُسْرِ فِي هَذَا الْبَابِ تَرْكُ الْعَمَل وَالتَّكَاسُل عَنْهُ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَدَحَ عِبَادَهُ الْمُتَّقِينَ بِقَوْلِهِ: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْل ذَلِكَ مُحْسِنِينَ كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْل مَا يَهْجَعُونَ وَبِالأَْسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ (١) وَلَكِنِ الْمَعْنَى أَنْ لاَ يَحْمِل نَفْسَهُ مَا يَشُقُّ عَلَيْهَا، بَل يَتَعَبَّدُ مَا شَاءَ مَا دَامَ نَشِيطًا لِذَلِكَ، فَإِنْ نَشَأَتْ مَشَقَّةٌ خَارِجَةٌ عَنِ الْمُعْتَادِ أَرَاحَ نَفْسَهُ، فَفِي الْحَدِيثِ إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ دَخَل الْمَسْجِدَ، وَحَبْلٌ مَرْبُوطٌ بَيْنَ سَارِيَتَيْنِ، فَقَال: مَا هَذَا؟ قَالُوا: حَبْلٌ لِزَيْنَبَ، تُصَلِّي فَإِذَا كَسِلَتْ أَوْ فَتَرَتْ أَمْسَكَتْ بِهِ. فَقَال ﷺ: حُلُّوهُ؛ لِيُصَل أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ فَإِذَا كَسِل أَوْ فَتَرَ قَعَدَ (٢) .
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ أَنَّهُ ﷺ كَانَ فِي سَفَرٍ فَرَأَى زِحَامًا وَرَجُلًا قَدْ ظُلِّل عَلَيْهِ. فَسَأَل عَنْهُ فَقَالُوا: صَائِمٌ. فَقَال: لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ (٣) فُسِّرَ بِأَنَّ الْمُرَادَ مَنْ بَلَغَ مِنْهُ الْجَهْدُ إِلَى مِثْل هَذِهِ الْحَال وَلَمْ يُفْطِرْ. وَأَرْشَدَ ﷺ إِلَى أَنَّ تَحْصِيل أَجْرِ النَّوَافِل بِفِعْل الْقَلِيل مِنْهَا مَعَ الْمُحَافَظَةِ عَلَى مَا يَفْعَلُهُ الْعَبْدُ مِنْهَا وَالدَّوَامِ عَلَيْهِ
_________
(١) سورة الذاريات / ١٧ - ١٩.
(٢) حديث: " حلوه، ليصل أحدكم نشاطه. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري ٣ / ٣٦ ط السلفية) .
(٣) حديث: " ليس من البر الصوم في السفر ". أخرجه البخاري (٤ / ١٨٣ ط السلفية)، ومسلم (٢ / ٧٨٦ ط عيسى الحلبي) .