الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١٤ -
الأَْمْرَيْنِ، وَذَلِكَ النِّصْفُ مِنْ غَيْرِ شَيْنٍ.
قَال جَابِرٌ: اشْتَهَى أَهْلِي لَحْمًا فَاشْتَرَيْتُهُ لَهُمْ، فَمَرَرْتُ بِعُمَرِ بْنِ الْخَطَّابِ ﵁ فَقَال مَا هَذَا يَا جَابِرُ؟ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَال: أَوَكُلَّمَا اشْتَهَى أَحَدُكُمْ شَيْئًا جَعَلَهُ فِي بَطْنِهِ؟، أَمَا يَخْشَى أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْل هَذِهِ الآْيَةِ: ﴿أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا (١)﴾ .
قَال ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَهَذَا عِتَابٌ مِنْهُ لَهُ عَلَى التَّوَسُّعِ بِابْتِيَاعِ اللَّحْمِ وَالْخُرُوجِ عَنْ جِلْفِ الْخُبْزِ وَالْمَاءِ، فَإِنَّ تَعَاطِيَ الطَّيِّبَاتِ مِنَ الْحَلاَل تَسْتَشْرِهُ لَهَا الطِّبَاعُ وَتَسْتَمْرِئُهَا الْعَادَةُ، فَإِذَا فَقَدَتْهَا اسْتَسْهَلَتْ فِي تَحْصِيلِهَا بِالشُّبُهَاتِ، حَتَّى تَقَعَ فِي الْحَرَامِ الْمَحْضِ بِغَلَبَةِ الْعَادَةِ، وَاسْتَشْرَاهِ الْهَوَى عَلَى النَّفْسِ الأَْمَّارَةِ بِالسُّوءِ، فَأَخَذَ عُمَرُ الأَْمْرَ مِنْ أَوَّلِهِ وَحَمَاهُ مِنِ ابْتِدَائِهِ كَمَا يَفْعَلُهُ مِثْلُهُ.
وَاَلَّذِي يَضْبِطُ هَذَا الْبَابَ وَيَحْفَظُ قَانُونَهُ أَنَّ عَلَى الْمَرْءِ أَنْ يَأْكُل مَا وَجَدَ طَيِّبًا كَانَ أَوْ قِفَارًا (أَيْ بِلاَ إِدَامٍ)، وَلاَ يَتَكَلَّفُ الطَّيِّبَ وَيَتَّخِذُهُ عَادَةً، وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَأْكُل الْحَلْوَى إِذَا قَدَرَ عَلَيْهَا وَيَشْرَبُ الْعَسَل إِذَا اتَّفَقَ لَهُ، وَيَأْكُل اللَّحْمَ إِذَا تَيَسَّرَ وَلاَ يَعْتَمِدُهُ أَصْلًا، وَلاَ يَجْعَلُهُ دَيْدَنًا، وَمَعِيشَةُ النَّبِيِّ ﷺ مَعْلُومَةٌ، وَطَرِيقَةُ الصَّحَابَةِ مَنْقُولَةٌ، فَأَمَّا الْيَوْمَ عِنْدَ اسْتِيلاَءِ الْحَرَامِ، وَفَسَادِ الْحُطَامِ، فَالْخَلاَصُ عَسِيرٌ، وَاَللَّهُ يَهَبُ الإِْخْلاَصَ، وَيُعِينُ عَلَى الْخَلاَصِ بِرَحْمَتِهِ.
_________
(١) سورة الأحقاف / ٢٠.