الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١٤ -
الْغَرْغَرَةِ، بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى بَعْدَهُ: ﴿وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ﴾ (١) لأَِنَّهُ تَعَالَى جَمَعَ بَيْنَ مَنْ أَخَّرَ التَّوْبَةَ إِلَى حُضُورِ الْمَوْتِ مِنَ الْفَسَقَةِ وَبَيْنَ مَنْ يَمُوتُ وَهُوَ كَافِرٌ، فَلاَ تُقْبَل تَوْبَةُ الْيَائِسِ كَمَا لاَ يُقْبَل إِيمَانُهُ. وَلِقَوْلِهِ ﷺ: إِنَّ اللَّهَ يَقْبَل التَّوْبَةَ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ وَهَذَا يَدُل عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطْ لِصِحَّةِ التَّوْبَةِ صُدُورُهَا قَبْل الْغَرْغَرَةِ، وَهِيَ حَالَةُ الْيَأْسِ وَبُلُوغُ الرُّوحِ الْحُلْقُومَ (٢) .
وَعِنْدَ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ - وَهُوَ وَجْهٌ آخَرُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ - وَعَزَاهُ بَعْضُهُمْ إِلَى مَذْهَبِ الْمَاتُرِيدِيَّةِ أَنَّ الْمُؤْمِنَ الْعَاصِيَ تُقْبَل تَوْبَتُهُ وَلَوْ فِي حَالَةِ الْغَرْغَرَةِ، بِخِلاَفِ إِيمَانِ الْيَائِسِ فَإِنَّهُ لاَ يُقْبَل، وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْكَافِرَ غَيْرُ عَارِفٍ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَيَبْدَأُ إِيمَانًا وَعِرْفَانًا، وَالْفَاسِقُ عَارِفٌ وَحَالُهُ حَال الْبَقَاءِ، وَالْبَقَاءُ أَسْهَل مِنَ الاِبْتِدَاءِ (٣) وَلإِطْلاَقِ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَل التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ﴾ (٤) .
وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي عَدَمِ قَبُول تَوْبَةِ الْكَافِرِ بِإِسْلاَمِهِ فِي حَالَةِ الْيَأْسِ (٥) بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى
_________
(١) سورة النساء / ١٨.
(٢) ابن عابدين ١ / ٥٧١، ٣ / ٢٨٩، والفواكه الدواني ١ / ٩٠، وتفسير الماوردي ١ / ٣٧٢، والآداب الشرعية لابن مفلح ١ / ١٢٧.
(٣) المراجع السابقة.
(٤) سورة الشورى / ٢٥.
(٥) تفسير الطبري ٨ / ٩٦، ٩٧، وانظر أيضا تفسير الماوردي ١ / ٣٧٢، ٣٧٣.