الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١٢ -
أَنَّ التَّوْبَةَ قَبْل الْقُدْرَةِ تُسْقِطُ الْعُقُوبَةَ قِيَاسًا عَلَى حَدِّ الْمُحَارَبَةِ، اسْتِنَادًا إِلَى مَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ ﵁: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَال: يَا رَسُول اللَّهِ، إِنِّي أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ، وَلَمْ يَسْأَلْهُ عَنْهُ. فَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَصَلَّى مَعَ النَّبِيِّ ﷺ. فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ ﷺ الصَّلاَةَ قَامَ إِلَيْهِ الرَّجُل، فَأَعَادَ قَوْلَهُ، فَقَال: أَلَيْسَ قَدْ صَلَّيْت مَعَنَا؟ قَال نَعَمْ. قَال: فَإِنَّ اللَّهَ ﷿ قَدْ غَفَرَ لَكَ ذَنْبَكَ. وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْجَانِيَ غُفِرَ لَهُ لَمَّا تَابَ. وَفَضْلًا عَنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ إِذَا جَازَتِ التَّوْبَةُ فِي الْمُحَارَبَةِ مَعَ شِدَّةِ ضَرَرِهَا وَتَعَدِّيهِ، فَأَوْلَى التَّوْبَةُ فِيمَا دُونَهَا.
وَهَؤُلاَءِ يَقْصُرُونَ السُّقُوطَ بِالتَّوْبَةِ عَلَى مَا فِيهِ اعْتِدَاءٌ عَلَى حَقِّ اللَّهِ، بِخِلاَفِ مَا يَمَسُّ الأَْفْرَادَ.
وَقَال ابْنُ تَيْمِيَّةَ وَابْنُ الْقَيِّمِ: إِنَّ التَّوْبَةَ تَدْفَعُ الْعُقُوبَةَ فِي التَّعْزِيرِ وَغَيْرِهِ، كَمَا تَدْفَعُهَا فِي الْمُحَارَبَةِ، بَل إِنَّ ذَلِكَ أَوْلَى مِنَ الْمُحَارَبَةِ، لِشِدَّةِ ضَرَرِهَا، وَهَذَا يُعْتَبَرُ مَسْلَكًا وَسَطًا بَيْنَ مَنْ يَقُول: بِعَدَمِ جَوَازِ إِقَامَةِ الْعُقُوبَةِ بَعْدَ التَّوْبَةِ أَلْبَتَّةَ. وَبَيْنَ مَسْلَكِ مَنْ يَقُول: إِنَّهُ لاَ أَثَرَ لِلتَّوْبَةِ فِي إِسْقَاطِ الْعُقُوبَةِ أَلْبَتَّةَ. وَيَتَرَتَّبُ عَلَى هَذَا الرَّأْيِ: أَنَّ التَّعْزِيرَ الْوَاجِبَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ، إِلاَّ إِذَا اخْتَارَ الْجَانِي الْعُقُوبَةَ لِيُطَهِّرَ بِهَا نَفْسَهُ، فَالتَّوْبَةُ تُسْقِطُ التَّعْزِيرَ، عَلَى شَرِيطَةِ أَلاَّ