الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١٢ -
وَفِي قَوْل النَّوَوِيِّ هَذَا مُبَالَغَةٌ وَتَشَدُّدٌ ظَاهِرٌ، فَإِنَّ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ ﵂: أَنَّهَا هَتَكَتِ السِّتْرَ وَجَعَلَتْ مِنْهُ وِسَادَتَيْنِ، فَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَتَّكِئُ عَلَيْهِمَا وَفِيهِمَا الصُّوَرُ. وَكَانَ لاَ يَتَحَرَّجُ مِنْ إِبْقَاءِ الدَّنَانِيرِ أَوِ الدَّرَاهِمِ فِي بَيْتِهِ وَفِيهَا الصُّوَرُ. وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ يَمْنَعُ دُخُول الْمَلاَئِكَةِ بَيْتَهُ مَا أَبْقَاهَا فِيهِ. وَلِذَا قَال ابْنُ حَجَرٍ: يَتَرَجَّحُ قَوْل مَنْ قَال: إِنَّ الصُّورَةَ الَّتِي تَمْتَنِعُ الْمَلاَئِكَةُ مِنْ دُخُول الْمَكَانِ الَّذِي تَكُونُ فِيهِ هِيَ الَّتِي تَكُونُ عَلَى هَيْئَتِهَا مُرْتَفِعَةً غَيْرَ مُمْتَهَنَةٍ، فَأَمَّا لَوْ كَانَتْ مُمْتَهَنَةً، أَوْ غَيْرَ مُمْتَهَنَةٍ لَكِنَّهَا غُيِّرَتْ هَيْئَتُهَا بِقَطْعِهَا مِنْ نِصْفِهَا أَوْ بِقَطْعِ رَأْسِهَا، فَلاَ امْتِنَاعَ. (١)
وَفِي كَلاَمِ ابْنِ عَابِدِينَ مَا يَدُل عَلَى أَنَّ ظَاهِرَ مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّ كُل صُورَةٍ لاَ يُكْرَهُ إِبْقَاؤُهَا فِي الْبَيْتِ، لاَ تَمْنَعُ دُخُول الْمَلاَئِكَةِ، سَوَاءٌ الصُّوَرُ الْمَقْطُوعَةُ أَوِ الصُّوَرُ الصَّغِيرَةُ أَوِ الصُّوَرُ الْمُهَانَةُ، أَوِ الْمُغَطَّاةُ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَلأَِنَّهُ لَيْسَ فِي هَذِهِ الأَْنْوَاعِ تَشَبُّهٌ بِعُبَّادِهَا؛ لأَِنَّهُمْ لاَ يَعْبُدُونَ الصُّوَرَ الصَّغِيرَةَ أَوِ الْمُهَانَةَ، بَل يَنْصِبُونَهَا صُورَةً كَبِيرَةً، وَيَتَوَجَّهُونَ إِلَيْهَا. (٢)
وَقَال ابْنُ حِبَّانَ: إِنَّ عَدَمَ دُخُول الْمَلاَئِكَةِ بَيْتًا فِيهِ صُوَرٌ خَاصٌّ بِالنَّبِيِّ ﷺ. قَال: وَهُوَ نَظِيرُ
_________
(١) شرح النووي لصحيح مسلم ١١ / ٨٤، وفتح الباري ١٠ / ٣٩١، ٣٩٢.
(٢) ابن عابدين ١ / ٤٣٧.