الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١٠ الصفحة 22

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١٠

الشُّرُنْبُلاَلِيِّ: أَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ بَيْعِ الدُّخَّانِ (١)، وَمِنَ الْمَالِكِيَّةِ، ذَكَرَ الشَّيْخُ عُلَيْشٌ: مَا يُفِيدُ جَوَازَ زِرَاعَتِهِ وَبَيْعِهِ، فَقَدْ سُئِل فِي الدُّخَّانِ الَّذِي يُشْرَبُ فِي الْقَصَبَةِ، وَالَّذِي يُسْتَنْشَقُ بِهِ، هَل كُلٌّ مِنْهُمَا مُتَمَوَّلٌ؟ فَإِذَا أَتْلَفَ شَخْصٌ شَيْئًا مِنْ أَحَدِهِمَا مَمْلُوكًا لِغَيْرِهِ يَكُونُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ، أَوْ كَيْفَ الْحَال؟

فَأَجَابَ: نَعَمْ كُلٌّ مِنْهُمَا مُتَمَوَّلٌ؛ لأَِنَّهُ طَاهِرٌ فِيهِ مَنْفَعَةٌ شَرْعِيَّةٌ لِمَنِ اخْتَلَّتْ طَبِيعَتُهُ بِاسْتِعْمَالِهِ وَصَارَ لَهُ كَالدَّوَاءِ، فَكُلٌّ مِنْهُمَا كَسَائِرِ الْعَقَاقِيرِ الَّتِي يُتَدَاوَى بِهَا مِنَ الْعِلَل، وَلاَ يَرْتَابُ عَاقِلٌ مُتَشَرِّعٌ فِي أَنَّهَا مُتَمَوَّلَةٌ، فَكَذَلِكَ هَذَانِ، كَيْفَ وَالاِنْتِفَاعُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ وَالتَّنَافُسُ حَاصِلاَنِ بِالْمُشَاهَدَةِ.

فَإِذَا أَتْلَفَ شَخْصٌ شَيْئًا مِنْ أَحَدِهِمَا مَمْلُوكًا لِغَيْرِهِ كَانَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ، وَقَدْ أَفْتَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِجَوَازِ بَيْعِ مُغَيَّبِ الْعَقْل بِلاَ نَشْوَةٍ، لِمَنْ يَسْتَعْمِل مِنْهُ الْقَدْرَ الْيَسِيرَ الَّذِي لاَ يُغَيِّبُ عَقْلَهُ، وَاسْتَظْهَرَ فَتْوَاهُ سَيِّدِي إِبْرَاهِيمُ اللَّقَّانِيُّ (٢) .

كَذَلِكَ سُئِل الشَّيْخُ عُلَيْشٌ: عَنْ رَجُلٍ تَعَدَّى عَلَى بَصَلٍ لآِخَرَ أَوْ جَزَرٍ أَوْ خَسٍّ أَوْ دُخَّانٍ أَوْ مُطْلَقِ زَرْعٍ قَبْل بُدُوِّ صَلاَحِهِ، فَمَاذَا يَلْزَمُهُ؟ وَهَل يُعْتَبَرُ وَقْتُ الْحَصَادِ، أَوْ مَا يَقُولُهُ أَهْل الْمَعْرِفَةِ؟ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلاَحِ فَمَا الْحُكْمُ؟

_________

(١) ابن عابدين ٥ / ٢٩٥.

(٢) فتح العلي المالك ٢ / ١٨١.

فَأَجَابَ: إِنْ تَعَدَّى عَلَى الزَّرْعِ قَبْل بُدُوِّ الصَّلاَحِ أُغْرِمَ قِيمَتَهُ يَوْمَ التَّعَدِّي عَلَى الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ، وَإِنْ تَأَخَّرَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِالْغُرْمِ حَتَّى رَجَعَ الزَّرْعُ لِحَالِهِ سَقَطَتْ عَنْهُ الْقِيمَةُ وَيُؤَدَّبُ الْمُفْسِدُ، وَإِنْ تَعَدَّى بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلاَحِ أُغْرِمَ قِيمَتَهُ يَوْمَ التَّعَدِّي عَلَى الْبَتِّ. (١)

وَمِنَ الشَّافِعِيَّةِ: جَاءَ فِي حَاشِيَةِ الشُّبْرَامَلْسِيِّ عَلَى نِهَايَةِ الْمُحْتَاجِ: يَصِحُّ بَيْعُ الدُّخَانِ الْمَعْرُوفِ فِي زَمَانِنَا؛ لأَِنَّهُ طَاهِرٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ (٢) أَيْ عِنْدَ بَعْضِ النَّاسِ.

وَجَاءَ فِي حَاشِيَةِ الشِّرْوَانِيِّ عَلَى تُحْفَةِ الْمُحْتَاجِ مَا مُلَخَّصُهُ جَوَازُ بَيْعِهِ.، لِلْخِلاَفِ فِي حُرْمَتِهِ وَلاِنْتِفَاعِ بَعْضِ النَّاسِ بِهِ. كَمَا إِذَا كَانَ يُعْلَمُ الضَّرَرُ بِتَرْكِهِ، وَحِينَئِذٍ فَيَصِحُّ بَيْعُهُ. (٣)

وَلَمْ نَعْثُرْ عَلَى نَصٍّ فِي مَذْهَبِ الْحَنَابِلَةِ، لَكِنْ جَاءَ فِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُسْتَفَادَ مِنْهُ جَوَازُ بَيْعِهِ قِيَاسًا. قَال: السُّمُّ مِنَ الْحَشَائِشِ وَالنَّبَاتِ، إِنْ كَانَ لاَ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ كَانَ يَقْتُل قَلِيلُهُ، لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ، وَإِنِ اُنْتُفِعَ بِهِ وَأَمْكَنَ التَّدَاوِي بِيَسِيرِهِ جَازَ بَيْعُهُ، لِمَا فِيهِ مِنَ النَّفْعِ الْمُبَاحِ. (٤)

_________

(١) فتح العلي المالك ٢ / ١٧٩.

(٢) نهاية المحتاج وحاشية الشبراملسي عليه ٣ / ٣١٨.

(٣) حاشية الشرواني على تحفة المحتاج ٤ / ٢٣٧، وحاشية الجمل ٣ / ٢٤.

(٤) كشاف القناع ٣ / ١٥٥.

حُكْمُ الدُّخَّانِ مِنْ حَيْثُ الطَّهَارَةُ وَالنَّجَاسَةُ:

٢٩ - صَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ بِطَهَارَةِ الدُّخَّانِ. قَال الدَّرْدِيرُ: مِنَ الطَّاهِرِ الْجَمَادُ، وَيَشْمَل النَّبَاتَ بِأَنْوَاعِهِ، قَال الصَّاوِيُّ: وَمِنْ ذَلِكَ الدُّخَّانُ (١) وَفِي نِهَايَةِ الْمُحْتَاجِ قَال الشُّبْرَامَلْسِيُّ فِي الْحَاشِيَةِ: يَصِحُّ بَيْعُ الدُّخَّانِ الْمَعْرُوفِ فِي زَمَانِنَا؛ لأَِنَّهُ طَاهِرٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ. وَوَرَدَ مِثْل ذَلِكَ فِي حَاشِيَةِ الْجَمَل وَحَاشِيَةِ الشِّرْوَانِيِّ وَحَاشِيَةِ الْقَلْيُوبِيِّ (٢) .

هَذَا وَقَدْ ذَكَرَ الْقَرَافِيُّ فِي الْفَرْقِ الأَْرْبَعِينَ: " قَاعِدَةُ الْمُسْكِرَاتِ وَالْمُرَقِّدَاتِ وَالْمُفْسِدَاتِ "

(تَنْبِيهٌ)

تَنْفَرِدُ الْمُسْكِرَاتُ عَنِ الْمُرَقِّدَاتِ وَالْمُفْسِدَاتِ بِثَلاَثَةِ أَحْكَامٍ: الْحَدِّ، وَالتَّنْجِيسِ، وَتَحْرِيمِ الْيَسِيرِ. وَالْمُرَقِّدَاتُ وَالْمُفْسِدَاتُ لاَ حَدَّ فِيهَا وَلاَ نَجَاسَةَ، فَمَنْ صَلَّى بِالْبَنْجِ مَعَهُ أَوِ الأَْفْيُونِ لَمْ تَبْطُل صَلاَتُهُ إِجْمَاعًا (٣) . هَذَا وَبَعْضُ مَنْ حَرَّمَ الدُّخَّانَ وَعَلَّل حُرْمَتَهُ بِالإِْسْكَارِ فَهِيَ عِنْدَهُ نَجِسَةٌ قِيَاسًا عَلَى الْخَمْرِ. (٤)

وَلَمْ نَعْثُرْ عَلَى نَصٍّ فِي مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ، إِلاَّ أَنَّ قَوَاعِدَهُمْ تَدُل عَلَى أَنَّ الدُّخَّانَ طَاهِرٌ، فَقَدْ قَال ابْنُ عَابِدِينَ: الأَْشْرِبَةُ الْجَامِدَةُ كَالْبَنْجِ وَالأَْفْيُونِ

_________

(١) الشرح الصغير ١ / ١٩ ط الحلبي.

(٢) نهاية المحتاج ٣ / ٣١٨، وحاشية الجمل ١ / ١٧٠، وحاشية الشرواني ١ / ٢٨٨، ٢٨٩، ٤ / ٢٣٧، وحاشية القليوبي ١ / ٦٩.

(٣) الفروق للقرافي ١ / ٢١٨.

(٤) هامش الفروق ١ / ٢١٧.

لَمْ نَرَ أَحَدًا قَال بِنَجَاسَتِهَا، وَلاَ يَلْزَمُ مِنَ الْحُرْمَةِ نَجَاسَتُهُ، كَالسُّمِّ الْقَاتِل، فَإِنَّهُ حَرَامٌ مَعَ أَنَّهُ طَاهِرٌ. (١)

كَذَلِكَ لَمْ نَعْثُرْ عَلَى نَصٍّ فِي مَذْهَبِ الْحَنَابِلَةِ، إِلاَّ أَنَّهُ جَاءَ فِي نَيْل الْمَآرِبِ: الْمُسْكِرُ غَيْرُ الْمَائِعِ طَاهِرٌ. (٢)

تَفْطِيرُ الصَّائِمِ بِشُرْبِ الدُّخَّانِ:

٣٠ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ شُرْبَ الدُّخَّانِ الْمَعْرُوفِ أَثْنَاءَ الصَّوْمِ يُفْسِدُ الصِّيَامَ لأَِنَّهُ مِنَ الْمُفْطِرَاتِ، كَذَلِكَ يُفْسِدُ الصَّوْمَ لَوْ أَدْخَل الدُّخَّانَ حَلْقَهُ مِنْ غَيْرِ شُرْبٍ، بَل بِاسْتِنْشَاقٍ لَهُ عَمْدًا، أَمَّا إِذَا وَصَل إِلَى حَلْقِهِ بِدُونِ قَصْدٍ، كَأَنْ كَانَ يُخَالِطُ مَنْ يَشْرَبُهُ فَدَخَل الدُّخَانُ حَلْقَهُ دُونَ قَصْدٍ، فَلاَ يَفْسُدُ بِهِ الصَّوْمُ، إِذْ لاَ يُمْكِنُ الاِحْتِزَازُ مِنْ ذَلِكَ.

وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ: إِنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَقَطْ، إِذِ الْكَفَّارَةُ عِنْدَهُمْ تَكُونُ بِالْجِمَاعِ فَقَطْ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ. (٣)

وَكَذَلِكَ يُفْطِرُ الصَّائِمُ بِمَضْغِ الدُّخَّانِ أَوْ

_________

(١) ابن عابدين ٥ / ٢٩٣.

(٢) نيل المآرب بشرح دليل الطالب ١ / ١٠٠.

(٣) ابن عابدين ٢ / ٩٧، ٩٨، والشرح الصغير ١ / ٢٤٦ ط الحلبي، وفتح العلي المالك ١ / ١٧٩، والشرواني على تحفة المحتاج ٣ / ٤٠٠، والبجيرمي على الإقناع ٢ / ٣٢٨، وكشاف القناع ٢ / ٣٢٠.

نُشُوقِهِ، لأَِنَّهُ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ التَّكْيِيفِ، وَيَصِل طَعْمُهُ لِلْحَلْقِ، وَيَتَكَيَّفُ بِهِ الدِّمَاغُ مِثْل تَكَيُّفِهِ بِالدُّخَّانِ الَّذِي يُمَصُّ بِالْعُودِ.

وَهَذَا مَا صَرَّحَ بِهِ الْمَالِكِيَّةُ، وَقَوَاعِدُ الْمَذَاهِبِ الأُْخْرَى لاَ تَأْبَاهُ. (١)

حَقُّ الزَّوْجِ فِي مَنْعِ زَوْجَتِهِ مِنْ شُرْبِ الدُّخَّانِ:

٣١ - يَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَأَحَدُ وَجْهَيْنِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ) أَنَّ لِلزَّوْجِ مَنْعَ زَوْجَتِهِ مِنْ كُل مَا لَهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ، كَالْبَصَل وَالثُّومِ، وَمِنْ ذَلِكَ شُرْبُ الدُّخَّانِ الْمَعْرُوفِ؛ لأَِنَّ رَائِحَتَهُ تَمْنَعُ كَمَال الاِسْتِمْتَاعِ، خُصُوصًا إِذَا كَانَ الزَّوْجُ لاَ يَشْرَبُهُ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ ذَلِكَ لأَِنَّهُ لاَ يَمْنَعُ الْوَطْءَ. (٢)

التَّبَغُ فِي نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ:

٣٢ - يَرَى بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّ الزَّوْجَةَ إِنِ اعْتَادَتْ شُرْبَ الدُّخَّانِ تَفَكُّهًا وَجَبَ عَلَى الزَّوْجِ تَوْفِيرُهُ لَهَا ضِمْنَ حَقِّهَا فِي النَّفَقَةِ.

_________

(١) فتح العلي المالك ١ / ١٧٩.

(٢) ابن عابدين ٣ / ٤٠٢، ٥ / ٢٩٥، والشرح الصغير ١ / ٥٢٠ ط الحلبي، ومنح الجليل ٢ / ٤٣٥، والبجيرمي على الخطيب ٣ / ٤٠٧، والمهذب ٢ / ٦٧، والمجموع ١٥ / ٢٨٣، ٢٨٦ ط المطيعي، والإنصاف ٨ / ٣٥٢، ونيل المآرب ٢ / ٢١٧، والمغني ٧ / ٢٠، وكشاف القناع ٥ / ١٩٠، ومطالب أولي النهى ٥ / ٢٦٤.

وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّهُ لاَ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَإِنْ تَضَرَّرَتْ بِتَرْكِهِ، قَال ابْنُ عَابِدِينَ: لأَِنَّ ذَلِكَ إِنْ كَانَ مِنْ قَبِيل الدَّوَاءِ أَوْ مِنْ قَبِيل التَّفَكُّهِ، فَكُلٌّ مِنَ الدَّوَاءِ وَالتَّفَكُّهِ لاَ يَلْزَمُهُ.

وَلَمْ يُصَرِّحِ الْمَالِكِيَّةُ بِذَلِكَ، إِلاَّ أَنَّ قَوَاعِدَهُمْ كَالْحَنَفِيَّةِ فِي أَنَّ الدَّوَاءَ وَالتَّفَكُّهَ لاَ يَلْزَمُ الزَّوْجَ. (١)

حُكْمُ التَّدَاوِي بِالتَّبَغِ:

٣٣ - مِنَ الْقَوَاعِدِ الْعَامَّةِ الَّتِي أَجْمَعَ عَلَيْهَا الْفُقَهَاءُ أَنَّ الأَْشْيَاءَ الْمُحَرَّمَةَ النَّجِسَةَ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهَا كَالْخَمْرِ لاَ يَجُوزُ التَّدَاوِي بِهَا.

أَمَّا مَا لاَ نَصَّ فِيهِ فَإِنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ اجْتِهَادِ الْفُقَهَاءِ.

فَمَنْ قَال بِنَجَاسَةِ الدُّخَّانِ وَأَنَّهُ يُسْكِرُ كَالْخَمْرِ لاَ يَجُوزُ عِنْدَهُ التَّدَاوِي بِهِ.

لَكِنَّهُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ طَاهِرٌ وَيَجُوزُ التَّدَاوِي بِهِ، كَمَا يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ نُصُوصِهِمْ. وَهَذَا إِذَا كَانَ يُمْكِنُ التَّدَاوِي بِهِ.

قَال الشَّيْخُ عُلَيْشٌ الْمَالِكِيُّ: الدُّخَانُ مُتَمَوَّلٌ، لأَِنَّهُ طَاهِرٌ فِيهِ مَنْفَعَةٌ شَرْعِيَّةٌ لِمَنِ اخْتَلَّتْ

_________

(١) ابن عابدين ٢ / ٦٤٩، والشرح الصغير ١ / ٥١٩، وحواشي تحفة المحتاج للشرواني ٨ / ٣٠٩، والجمل على شرح المنهج ٤ / ٤٩٠، ومطالب أولي النهى ٦ / ٢١٩ الحاشية.

طَبِيعَتُهُ بِاسْتِعْمَالِهِ وَصَارَ لَهُ كَالدَّوَاءِ، فَهُوَ كَسَائِرِ الْعَقَاقِيرِ الَّتِي يُتَدَاوَى بِهَا مِنَ الْعِلَل. (١)

إِمَامَةُ شَارِبِ الدُّخَّانِ:

٣٤ - نَقَل ابْنُ عَابِدِينَ عَنِ الشَّيْخِ الْعِمَادِيِّ أَنَّهُ يُكْرَهُ الاِقْتِدَاءُ بِالْمَعْرُوفِ بِأَكْل الرِّبَا، أَوْ شَيْءٍ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ، أَوْ يُدَاوِمُ الإِْصْرَارَ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الْمَكْرُوهَاتِ، كَالدُّخَّانِ الْمُبْتَدَعِ فِي هَذَا الزَّمَانِ. (٢)

_________

(١) ابن عابدين ٥ / ٢٩٣، ٢٩٤، وفتح العلي المالك ٢ / ١٨١ ومغني المحتاج ٤ / ٣٠٦، وحاشية الشرواني ٩ / ٣٨٧، ٣٨٨، والبجيرمي على الإقناع ٢ / ٣٢٨، وكشاف القناع ٣ / ١٥٥، ومجموعة فتاوى ابن تيمية ٣٤ / ١٩٨.

(٢) ابن عابدين ٥ / ٢٩٦.

تَبْكِيرٌ

التَّعْرِيفُ:

١ - التَّبْكِيرُ: مَصْدَرُ بَكَّرَ بِالتَّشْدِيدِ، وَأَصْلُهُ مِنَ الْخُرُوجِ بُكْرَةَ أَوَّل النَّهَارِ، وَيَكُونُ أَيْضًا بِمَعْنَى: التَّعْجِيل وَالإِْسْرَاعِ أَيَّ وَقْتٍ كَانَ، يُقَال: بَكَّرَ بِالصَّلاَةِ أَيْ: صَلاَّهَا لأَِوَّل وَقْتِهَا، وَيُقَال: بَكِّرُوا بِصَلاَةِ الْمَغْرِبِ أَيْ: صَلُّوهَا عِنْدَ سُقُوطِ الْقُرْصِ، وَكُل مَنْ أَسْرَعَ إِلَى شَيْءٍ فَقَدْ بَكَّرَ إِلَيْهِ. وَلَمْ يَخْرُجِ الْفُقَهَاءُ فِي اسْتِعْمَالِهِمْ عَنْ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ (١) .

الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - التَّغْلِيسُ:

٢ - التَّغْلِيسُ فِي صَلاَةِ الْفَجْرِ: فِعْلُهَا أَوَّل طُلُوعِ الْفَجْرِ قَبْل انْتِشَارِ الضَّوْءِ.

ب - الإِْسْفَارُ:

٣ - الإِْسْفَارُ مَعْنَاهُ: الْوُضُوحُ وَالظُّهُورُ، يُقَال: أَسْفَرَ الصُّبْحُ: انْكَشَفَ وَأَضَاءَ، وَالإِْسْفَارُ

_________

(١) لسان العرب، والمصباح المنير، والنهاية لابن الأثير، والنظم المستعذب بهامش المهذب ١ / ١١٤ ط الحلبي، والمغني ٢ / ٢٩٩ ط الرياض.

بِصَلاَةِ الصُّبْحِ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ هُوَ: فِعْلُهَا عِنْدَ انْتِشَارِ ضَوْءِ الْفَجْرِ (١) .

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:

٤ - التَّبْكِيرُ بِأَدَاءِ الْعِبَادَاتِ فِي أَوَّل أَوْقَاتِهَا مُسْتَحَبٌّ لِتَحْصِيل الْفَضْل وَالثَّوَابِ، لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ حِينَ سُئِل عَنْ أَفْضَل الأَْعْمَال - قَال: الصَّلاَةُ فِي أَوَّل وَقْتِهَا (٢) وَهَذَا عَلَى الْجُمْلَةِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ.

٥ - وَيُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا الْحُكْمِ مَا نُصَّ عَلَى تَأْخِيرِهِ لِسَبَبٍ، كَالإِْبْرَادِ بِصَلاَةِ الظُّهْرِ فِي وَقْتِ الْحَرِّ، لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلاَةِ. (٣)

كَذَلِكَ اسْتَثْنَى الْحَنَابِلَةُ وَالْحَنَفِيَّةُ صَلاَةَ الْعِشَاءِ، لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَال: لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ لأَمَرْتُهُمْ بِتَأْخِيرِ الْعِشَاءِ (٤) وَهُوَ أَيْضًا قَوْلٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ

_________

(١) اللسان، والمصباح المنير.

(٢) حديث: " أفضل الأعمال الصلاة في أول وقتها. . . ". أخرجه البخاري (الفتح ٦ / ٣ - ط السلفية)، ومسلم (١٩ - ط الحلبي) .

(٣) حديث: " إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة. . ". أخرجه البخاري (الفتح ٢ / ٢٠ - ط - السلفية) .

(٤) حديث: " لولا أن أشق على المؤمنين لأمرتهم بتأخير العشاء " أخرجه أبو داود (١ / ٤٠ - ط عزت عبيد دعاس) من حديث أبي هريرة، وأصله في صحيح البخاري (الفتح ٢ / ٥٠ - ط السلفية) من حديث ابن عباس.

وَالشَّافِعِيَّةِ، وَزَادَ الْحَنَفِيَّةُ صَلاَةَ الْعَصْرِ. (١)

٦ - أَمَّا التَّبْكِيرُ بِمَعْنَى الْخُرُوجِ أَوَّل النَّهَارِ فَهُوَ وَارِدٌ فِي صَلاَةِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ. فَقَدِ اسْتَحَبَّ التَّبْكِيرَ لَهُمَا مِنْ أَوَّل النَّهَارِ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: مَنْ غَسَّل يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْتَسَل، وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ كَانَ لَهُ بِكُل خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا أَجْرُ سَنَةٍ، صِيَامُهَا وَقِيَامُهَا (٢) وَقَال الإِْمَامُ مَالِكٌ: لاَ يُسْتَحَبُّ التَّبْكِيرُ خَشْيَةَ الرِّيَاءِ. (٣)

التَّبْكِيرُ لِطَلَبِ الرِّزْقِ:

٧ - يُسْتَحَبُّ التَّبْكِيرُ بِطَلَبِ الرِّزْقِ وَالتِّجَارَةِ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ ﵂ أَنَّهَا قَالَتْ: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: بَاكِرُوا لِلْغُدُوِّ فِي طَلَبِ الرِّزْقِ، فَإِنَّ الْغُدُوَّ بَرَكَةٌ وَنَجَاحٌ (٤) .

_________

(١) ابن عابدين ١ / ٢٥٦، ٢٥٧ ط بولاق الثالثة، والاختيار ١ / ٤٠ ط دار المعرفة، والدسوقي ١ / ١٧٩، ١٨٠ ط دار الفكر، والمغني ١ / ٣٨٨، ومغني المحتاج ١ / ١٢٥، ١٢٦ ط مصطفى الحلبي.

(٢) حديث: " من غسل يوم الجمعة. . . " أخرجه الترمذي (٢ / ٣٦٨ - ط الحلبي) وحسنه.

(٣) مغني المحتاج ١ / ٢٩٢، والدسوقي ١ / ٣٨١، ٣٩٩، والمهذب ١ / ١١٤ ط الحلبي، والمغني ٢ / ٢٩٩، ٣٧٣، وحاشية الطحطاوي على الدر ١ / ٣٤٧ ط دار المعرفة بيروت، والفتاوى الهندية ١ / ١٤٩ ط المكتبة الإسلامية - تركيا.

(٤) حديث: " باكروا طلب الرزق، فإن الغدو بركة ونجاح. . . " أخرجه البزار والطبراني في الأوسط، وقال الهيثمي: فيه إسماعيل بن قيس بن سعد بن زيد بن ثابت، وهو ضعيف، مجمع الزوائد (٤ / ٦١ - ط القدسي) .