الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١ - مقدمات - مقدمة الموسوعة الفقهية - الفقه الإسلامي والتعريف بالموسوعة الفقهية - الأطوار التي مر بها الفقه الإسلامي - الطور الخامس طور الاجتهاد - إقفال باب الاجتهاد

إِقْفَال بَابِ الاِجْتِهَادِ:

٣٨ - مَا إِنْ أَهَل الْقَرْنُ السَّادِسِ الْهِجْرِيِّ حَتَّى نَادَى بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِإِقْفَال بَابِ الاِجْتِهَادِ، وَقَالُوا: لَمْ يَتْرُكْ الأَْوَائِل لِلأَْوَاخِرِ شَيْئًا. وَكَانَتْ حُجَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ قُصُورَ الْهِمَمِ وَخَرَابَ الذِّمَمِ، وَتَسَلُّطَ الْحُكَّامِ الْمُسْتَبِدِّينَ، وَخَشْيَةَ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِلاِجْتِهَادِ مَنْ لَيْسَ أَهْلًا لَهُ، إِمَّا رَهْبَةً أَوْ رَغْبَةً، فَسَدًّا لِلذَّرَائِعِ أَفْتَوْا بِإِقْفَال بَابِ الاِجْتِهَادِ.

وَتَعَرَّضَ بَعْضُ مَنْ خَالَفَ الأَْوَائِل فِي آرَائِهِمْ لِسَخَطِ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ، وَلَكِنْ مَعَ هَذَا فَقَدْ كَانَ يَظْهَرُ بَيْنَ الْفَيْنَةِ وَالْفَيْنَةِ مَنْ ادَّعَى الاِجْتِهَادَ أَوِ ادُّعِيَ لَهُ، وَكَانَتْ لَهُمْ اجْتِهَادَاتٌ لاَ بَأْسَ بِهَا كَابْنِ تَيْمِيَّةَ وَتِلْمِيذِهِ ابْنِ الْقَيِّمِ، وَالْكَمَال بْنِ الْهُمَامِ الْحَنَفِيِّ الْمَذْهَبِ. فَقَدْ كَانَتْ لَهُ اجْتِهَادَاتٌ خَرَجَ فِيهَا عَلَى الْمَذْهَبِ. . . وَمِنْ هَؤُلاَءِ تَاجُ الدِّينِ السُّبْكِيُّ صَاحِبُ جَمْعِ الْجَوَامِعِ، وَأَبُوهُ مِنْ قَبْلِهِ. وَأَيًّا مَا كَانَ فَقَدْ كَانَ اجْتِهَادُ هَؤُلاَءِ لاَ يَخْرُجُ عَنْ تَرْجِيحِ رَأْيٍ عَلَى رَأْيٍ، أَوْ حَلٍّ لِمُشْكِلَةٍ عَارِضَةٍ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا الأَْئِمَّةُ الْمُتَقَدِّمُونَ.

وَالَّذِي نَدِينُ اللَّهَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي الأُْمَّةِ عُلَمَاءُ مُتَخَصِّصُونَ، عَلَى عِلْمٍ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ وَمَوَاطِنِ الإِْجْمَاعِ وَفَتَاوَى الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ. كَمَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونُوا عَلَى خِبْرَةٍ تَامَّةٍ بِاللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ الَّتِي نَزَل بِهَا الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ، وَدُوِّنَتْ بِهَا السُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ، وَأَنْ يَكُونُوا قَبْل ذَلِكَ وَبَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، لاَ يَخْشَوْنَ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ، لِتَرْجِعَ إِلَيْهِمْ الأُْمَّةُ فِيمَا نَزَل بِهَا مِنْ أَحْدَاثٍ، وَمَا يَجِدُّ مِنْ نَوَازِل، وَأَلاَّ يُفْتَحَ بَابُ الاِجْتِهَادِ عَلَى مِصْرَاعَيْهِ، فَيَلِجَ فِيهِ مَنْ لاَ يُحْسِنُ قِرَاءَةَ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فِي الْمُصْحَفِ، كَمَا لاَ يُحْسِنُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ أَشْتَاتِ الْمَوْضُوعِ، وَيُرَجِّحَ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ.

وَالَّذِينَ أَفْتَوْا بِإِقْفَال بَابِ الاِجْتِهَادِ إِنَّمَا نَزَعُوا عَنْ خَوْفٍ مِنْ أَنْ يَدَّعِيَ الاِجْتِهَادَ أَمْثَال هَؤُلاَءِ، وَأَنْ يَفْتَرِيَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ، فَيَقُولُونَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ، مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ وَلاَ بُرْهَانٍ، وَإِنَّمَا يَقُولُونَ ذَلِكَ إِرْضَاءً لِلْحُكَّامِ. وَلَقَدْ رَأَيْنَا بَعْضَ مَنْ يَدَّعِي الاِجْتِهَادَ يَتَوَهَّمُ أَنَّ الْقَوْل بِكَذَا وَكَذَا فِيهِ تَرْضِيَةٌ لِهَؤُلاَءِ السَّادَةِ، فَيَسْبِقُونَهُمْ